مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 8

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 8/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الصلاة

تتمة صلاة الجماعة

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل يشترط في الجماعة

اشارة

(فصل) يشترط في الجماعة مضافا إلى ما مرّ في المسائل المتقدمة- أمور (1):

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين.

(1) لا بد من تأسيس الأصل عند الشك في ما يعتبر في الجماعة- إماما و مأموما و ايتماما- و إنّه هل هو البراءة أو الاحتياط؟ استدلّوا على الثاني بأمور:

منها: أصالة عدم ترتّب الأثر على الجماعة التي شك في اقترانها بفقد شرط أو وجود مانع.

و يرد عليه: إنّ الاجتماع في الصلاة و الجماعة ليست من الحقائق الشرعية و لا الموضوعات المستنبطة، بل من الأمور العرفية العقلائية التي حدّد الشارع فيها حدودا و قيّدها بقيود كسائر موضوعات الأحكام، كالسفر و الحضر و الكر و الإمساك و غير ذلك مما هو كثير جدّا في الفقه- كما تقدّم (1)- فكلّما صدق الاجتماع للصلاة عرفا تشمله أحكام الجماعة إلا مع الدليل على الخلاف، مع أنّها لو كانت من الموضوعات الشرعية المحضة فهي موضوعة للأحكام المجعولة لها بما هي مبيّنة في الأدلّة بحدودها و قيودها لا بنحو الإهمال و الاجمال في مثل هذا الأمر الذي يعم به الابتلاء في كل يوم و ليلة فيرجع في القيود المشكوكة- شرطا كان أو مانعا- إلى

ص: 5


1- راجع ج: 7 صفحة: 388.

.....

______________________________

البراءة، كنفس الصلاة و غيرها من المجعولات الشرعية على ما جرت عليه سيرة فقهاء الفريقين في موارد الشك فيها.

و منها: أن تنزيل السبب الناقص منزلة التام لفقد شرط مشكوك الشرطية، أو وجود مانع كذلك مما لا تثبيته أدلّة البراءة، فلا تجرى من هذه الجهة، مع أن السببيّة و الشرطية و المانعية من الوضعيات فلا تكون من مجاري البراءة.

و يرد: بأنّا لا نحتاج إلى تنزيل السبب الناقص منزلة التام إذ هو أجنبي عن المقام رأسا، بل تجري البراءة أولا في نفس مشكوك الشرطية و المانعية فيسقط ما شك في شرطيته، و ما شك في مانعيته فلا تجب الإعادة أو القضاء بعد الاقتداء و الإتمام جماعة، و قد أثبتنا في الأصول عدم اختصاص البراءة بخصوص التكليفيات، بل تجري في الوضعيات أيضا فراجع فلا وقع لهذا الأمر أصلا.

و منها: أنّ البراءة لا تجري مع وجود الدليل، كما ثبت في محلّه، و الدليل هو قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (1) فلا تسقط الفاتحة فيما إذا شك في شرطية شي ء في الجماعة أو مانعية شي ء عنها، و مع وجوب الفاتحة لا وجه لانعقاد الجماعة للملازمة الشرعية بين الانعقاد و السقوط.

و يرد عليه- أولا: أنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، لدوران الأمر فيه بين الثبوت مع بطلان الجماعة و السقوط مع صحتها، فلا يجري الدليل حتّى يمنع عن جريان البراءة.

و ثانيا: أنّ دلالة قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» على بطلان الجماعة تكون بالملازمة، و كون العام حجة في مثل هذه اللوازم مشكل، بل ممنوع. و ما اشتهر من أنّ الأمارات حجة في لوازمها بخلاف الأصول، لا كلية لهذه الشهرة، بل هو تابع المقدار دلالة القرينة المعتبرة عليه، فالمرجع أصالة عدم الحجية، و الاعتبار عند الشك فيهما مطلقا، سواء أ كان في المفاد المطابقي أم في اللازم العرفي.

و منها: إنّ المأموم مع وجود مشكوك المانعية عن الانعقاد، أو فقد مشكوك

ص: 6


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
أحدها: أن لا يكون بين الإمام و المأموم حائل

أحدها: أن لا يكون بين الإمام و المأموم حائل (2) يمنع عن

______________________________

الشرطية يعلم إجمالا إما بوجوب القراءة و ترتيب آثار صلاة المنفرد عليه، أو بوجوب المتابعة، و هو من موارد العلم الإجمالي بين المتباينين فيجب الاحتياط.

و يرد- أولا: أنّ بجريان البراءة: في المشكوك شرطيته أو مانعيته في الجماعة- يسقط العلم عن الأثر، فتصح الجماعة مع المتابعة.

و ثانيا، سيأتي أنّ المتابعة واجبة نفسا لا شرطا في صحة الجماعة، فتصح و لو مع المخالفة عمدا و إن أثم حينئذ، فتجري أصالة عدم تحمّل الإمام للقراءة و أصالة البراءة عن وجوب المتابعة على المأموم، و يقرأ، و تصح صلاته و جماعته مع بقاء الهيئة عرفا، بل و تصح الصّلاة و الجماعة مع عدم القراءة أيضا مع تحقق الاجتماع العرفي ما لم يكن دليل على الخلاف، و المفروض عدم تحققه، و هذا هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى في كلّ يوم و ليلة، بل لنا أن نتمسّك بالإطلاقات الواردة في الجماعة بالسنة شتّى على عدم اعتبار شي ء فيها- شرطا أو مانعا- ما لم ينص عليه بالخصوص، كما هو الشأن في جميع الموضوعات العرفية التي تعلّقت بها الأحكام سيّما في الجماعة التي و رد فيها من التسهيلات ما لم ترد في غيرها، فبكلّ وجه أمكن للشارع أن يجر الأمة إلى الجماعة جرّهم إليها، و سيأتي مزيد بيان في رجوع المأموم إلى الإمام و بالعكس في الشكوك إن شاء اللّه تعالى:

فتلخّص أنّه لا مانع من الرجوع إلى البراءة في مشكوك الشرطية و المانعية في الجماعة إماما و مأموما و ائتماما، كما اختاره شيخنا الأنصاري (رحمه اللّه) فيكون حكم الجماعة حكم نفس الصّلاة من هذه الجهة، و قد تعرّضنا لجملة من الإطلاقات التي يمكن أن يستفاد ذلك منها، و هو الموافق لسهولة الشريعة مطلقا خصوصا في هذا الأمر العام البلوى بين جميع فرق المسلمين، و يؤيّده أنّه لم ينقل المداقة فيها عن أحد من المعصومين (عليهم السلام)، و لا من الرواة، كما لا يخفى على من تتبّع الروايات، هذا كلّه حكم الشك فيها حدوثا. و أما إذا كان بقاء فالمرجع هو الاستصحاب.

(2) للنص، و الإجماع في الجملة، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 7

مشاهدته (3)، و كذا بين بعض المأمومين مع

______________________________

(3) ليس في الأدلّة لفظ الحائل، و لا المنع عن المشاهدة، بل الموجود فيها لفظ السترة، و الجدار، و ما لا يتخطّى، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. و إنّما ذكرهما في المبسوط و الشرائع، و تبعهما صاحب الجواهر، و الماتن و سيأتي منه في المسألة الثالثة الفتوى بعدم الانعقاد و لو كان في البين حائل لا يمنع المشاهدة مثل الزجاج و نحوه.

و الأصل في ذلك كلّه أنّ المستفاد من مجموع ما ورد في الجماعة و من مرتكزات المتشرّعة فيها بل الاعتبار الصحيح أنّه لا بدّ من تحقق وحدة عرفية اتصالية بين الإمام و المأموم، و المأمون بعضهم مع بعض زمانا و مكانا، و حركة و سكونا بحيث تعد صلاة الجميع صلاة واحدة عرفا، و يكون الإمام مع المأموم و المأمومون بعضهم مع بعض- و إن طالت صفوفهم- كمصلّ واحد في محلّ واحد عرفا، فلا بدّ من مراعاة تحقق هذه الوحدة من كل جهة، و لا ربط لما قلناه بأصالة الاحتياط في الإتمام، لأنّها مع قطع النظر عن ملاحظة الأدلّة، و ما ذكرناه يستفاد منها بعد ملاحظتها. و حينئذ فكل ما كان منافيا لهذه الوحدة يكون مانعا عن الجماعة حدوثا و بقاء إلّا مع الدليل على الخلاف، و كل ما لم يكن منافيا أو شك فيه فلا بأس به، للأصل. و هذا هو الوجه في اعتبار الشرط الأول و الثالث، مضافا إلى ما ورد في كلّ واحد منهما من الأدلّة الخاصة.

إن قلت: نعم، لا بد من صدق الوحدة الصّلاتية، و لكنّها أعم من وحدة المكان عرفا لا سيّما في هذه الأعصار، فالوحدة الصّلاتية تحصل مطلقا بكونها متحدة في أفعالها و إن تباعدت محالهم.

قلت: نعم، الوحدة الصّلاتية تحصل مع تباين المحل أيضا مع اتحادهم في الأفعال، و لكن مقتضى ظواهر الأدلّة و ظهور الإجماع، بل المتفاهم العرفي وحدة المحل أيضا.

فمما ورد في المقام صحيح زرارة: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، و أيّ صف كان أهله يصلّون بصلاة الإمام

ص: 8

..........

______________________________

و بينهم و بين الصف الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة، إلّا من كان من حيال الباب.

و قال: هذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، ليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة. قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): «ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى، يكون قدر ذلك: مسقط جسد الإنسان» (1).

و لا يعارضه خبر ابن الجهم قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصلّي بالقوم في مكان ضيّق، و يكون بينهم و بينه ستر، أ يجوز أن يصلّي بهم؟

قال (عليه السلام) نعم» (2).

لإعراض الأصحاب عنه، و موافقته للتقية، و اضطرابه فإنّه ضبط في بعض نسخ الوافي بالشين المعجمة و الباء الموحّدة (3)، و هو الموافق لصدر الحديث.

ثمَّ إنّ قوله (عليه السلام) في الصحيح: «فإن كان بينهم سترة أو جدار ..»

عنوان مستقل لا ربط له بسابقه ظاهرا خصوصا بناء على ضبطه بالواو، كما في بعض نسخ الوافي، فيكون المراد بما لا يتخطّى البعد الذي لا يمكن طيّه بخطوة لا مطلق ما لا يمكن طيّه لمانع من جدار أو ارتفاع و انخفاض أو نحوهما. و بين السترة و الجدار عموم من وجه لتحققهما في مثل الحائط و تحقق الأول دون الثاني في مثل الحجاب المسدول من كتان و نحوه، و الثاني دون الأول في الجدار المصنوع من الزجاج و نحوه الذي يحكي ما خلفه أو الجدار الذي فيه ثقب لا يكون مانعا عن المشاهدة.

و مقتضى زوال الوحدة الاتصالية بالأقسام الأربعة، و إطلاق لفظي: السترة و الجدار، بطلان الجماعة في جميع تلك الأقسام.

ص: 9


1- قطع صاحب الوسائل هذه الرواية فذكر بعضها في باب: 62 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2. و البعض الآخر في باب: 59 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوافي باب إقامة الصفوف ج: 5 صفحة: 177.

الآخر (4) ممكن يكون واسطة في اتصاله بالإمام، كمن في صفّه من طرف الإمام أو قدّامه إذا لم يكن في صفه من يتصل بالإمام، فلو كان حائل و لو

______________________________

و أما البطلان بحائل لا يمنع المشاهدة، كما إذا كان من الزجاج الذي يحكي ما وراءه، ففيه وجهان: من زوال الوحدة الاتصالية و صدق الحائل المذكور في كلمات الفقهاء (قدس سرهم)، و من عدم صدق السترة و الجدار- الواردين في الصحيح- عرفا، و لا الحائل لتقييدهم ذلك بما يمنع عن المشاهدة، و المفروض عدمه.

و يمكن اختيار الأول، و سيأتي في المسألة الثالثة، و السادسة عشر. لأنّ لفظي السترة و الجدار ذكرا في الحديث من باب المثال لكل ما تزول به الوحدة الاتصالية لا لأجل الموضوعية و الخصوصية فيهما بحيث يكون عنوان السترة مناط الحكم و العلّة فيه.

ثمَّ إنّ الحائل إما أن يكون حائلا مطلقا و مانعا عن الرؤية أصلا أو في حالة دون أخرى، و سيأتي التعرّض للثاني في المسألة الآتية، و الأول إما أن يكون في تمام الصّلاة أو في بعضها، و الثاني إما أن يكون في حال اشتغال الإمام بشي ء من القراءة و الأذكار الواجبة أو المندوبة، أو في مجرد الأكوان المتخللة من غير الاشتغال بشي ء أصلا، أو حين الاشتغال بما هو مباح في الصّلاة، كقتل عقرب و نحوه، و مقتضى الإطلاق هو البطلان في الجميع لو لا دعوى الانصراف عن الأخيرين.

(4) لزوال الاتصال، و قوله (عليه السلام) في الصحيح- على ما في التهذيب و الفقيه-: «فإن كان بينهم سترة أو جدار» (1) الصادق على ما كان بين المأمومين بعضهم مع بعض أيضا. و أما بناء على ما في نسخ الوسائل من ضبطه:

«فإن كان بينهم و بين الإمام ..» (2)، فالظاهر كونه كذلك أيضا على فرض

ص: 10


1- راجع التهذيب ج: صفحة: 52 طبع النجف الأشرف. و الفقيه ج: 1، باب 56 الجماعة و فضلها حديث: 54 صفحة: 253 من طبعة النجف الحديثة.
2- تقدم في صفحة: 8.

في بعض أحوال الصلاة- من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود- بطلت الجماعة (5)، من غير فرق في الحائل بين كونه جدارا أو غيره، و لو شخص إنسان (6) لم يكن مأموما (7). نعم، إنّما يعتبر ذلك إذا كان المأموم رجلا. أما المرأة فلا بأس بالحائل بينهما و بين الإمام أو غيره من المأمومين مع كون الإمام رجلا (8) بشرط أن تتمكن من المتابعة بأن تكون

______________________________

صحتها، لأنّ ذكر الإمام من باب المثال لا التخصيص، هذا مع زوال الوحدة بذلك عرفا.

(5) لشمول الإطلاق له بعد فرض تحقق السترة و الجدار المطلق عرفا و لو في بعض أفعال الصّلاة، بخلاف ما يأتي في المسألة الثانية عشرة، فإنّه لم يتحقق فيها السترة و الجدار المطلق، بل عن بعض الحالات في حالة أخرى فقط، و فرق واضح بينهما، كما لا يخفى، مع أنّ لفظ (كان) في الصحيح له نحو ظهور في استمرار الحائل و في شموله لما إذا ثبت في حال السجود و لم يكن في حال رفع الرأس منه منع، بل و كذا لما حدث ثمَّ زوال فورا.

و أما ما عن شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من انصراف الدليل إلى الدخول في الجماعة، فلا يشمل ما يحدث في الأثناء، فلا وجه له، لأنّه من مجرّد الدعوى إلّا أن يرجع إلى ما قلناه من الحدوث ثمَّ الزوال فورا.

(6) للإطلاق الشامل للجميع، و لا مانع في البيّن إلّا دعوى الانصراف عن الإنسان، و هو باطل، لكونه بدويا.

(7) لعدم مانعيّة حيلولة بعض المأمومين عن بعض، و الصفوف بعضها عن بعض، بضرورة المذهب، بل الدّين.

(8) لموثقة عمار: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار و فيها نساء، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال (عليه السلام):

نعم، إن كان الإمام أسفل. قلت: فإن بينهنّ و بينه حائطا أو طريقا.

ص: 11

عالمة بأحوال الإمام (9) من القيام و الركوع و السجود و نحوها. مع أنّ الأحوط فيها- أيضا- عدم الحائل (10). هذا و أما إذا كان الإمام امرأة أيضا فالحكم كما في الرجل (11).

الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين علوّا معتدّا به دفعيا

الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين علوّا معتدّا به دفعيا- كالأبنية و نحوها- لا انحداريا على الأصح (12) من غير

______________________________

فقال (عليه السلام): لا بأس» (1).

و تقتضيه السيرة العملية و الشهرة الفتوائية و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الحلي (رحمه اللّه) و هو اجتهاد في مقابل النص.

(9) لتقوّم الائتمام و الاقتداء بالعلم بأحوال الإمام و لو بواسطة من يعلن ذلك، كما هو الشائع من أنّ لكل إمام مكبر.

(10) خروجا عن خلاف الحلّي (رحمه اللّه).

(11) لإطلاق ما مرّ من صحيح زرارة من غير معارض، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه أيضا، و لقاعدة المشاركة بين الرجال و النساء مطلقا إلّا ما خرج بالدليل، و لا دليل في المقام على الخلاف.

(12) نصّا و إجماعا، ففي موثق عمار عن الصادق (عليه السلام): «عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلّي، فيه، فقال (عليه السلام): إن كان الامام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، فان كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل فإن كان أرضا مبسوطة، أو كان في موضع منها ارتفاع، فقال الإمام في الموضع المرتفع، و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدرة، قال (عليه السلام): لا بأس» (2).

ص: 12


1- الوسائل باب: 60 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل: باب: 63 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1. و للاطلاع على اختلاف متن الرواية راجع الكافي ج: 3 صفحة: 386 من الطبعة الحديثة، و التهذيب ج: 1 صفحة: 261 طبعة النجف، و الفقيه ج: 1 صفحة: 253 طبعة النجف أيضا.

.....

______________________________

و قوله (عليه السلام): «و إن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل» مجمل صدرا و ذيلا.

أما الأول فلاحتمال أن تكون كلمة (إن) وصلية، و الظاهر أنّه لا قائل به، و لا يمكن الالتزام به لجواز التفاوت بين محل الإمام و المأموم بمقدار إصبع فما دون قطعا. و احتمال أن تكون شرطية محذوفة الجزاء- أي يجوز و يصح و نحو ذلك- و هو خلاف الظاهر. و احتمال أن يكون الجزاء قوله: «فلا بأس»، أو الجملة الشرطية الثانية مع جزأيها، و هما أيضا خلاف الظاهر و يحتاج في التعيين إلى قرينة و هي مفقودة.

أما إجمال الذيل فإنّه ضبط في الكافي «ببطن مسيل»، و في بعض نسخ التهذيب «بقطع مسيل»، و في بعضها «بقدر يسير»، و في بعضها «بقدر شبر»، و في الفقيه «بقطع سبيل». و مع ضبطه بأنحاء خمسة كيف يعتمد عليه بلا معيّن و لا مرجح في البيّن.

هذا، و لكن التأمل في الحديث حقه يقضي باتحاد المراد من الجميع: إذ القدر اليسير، و قدر شبر متحد عرفا، كما أنّ قطع سبيل و بطن مسيل كذلك، إذ المراد بهما الانحدار الموجود في المسيل غالبا، فعبّر عنه بقطع سبيل في نسخة، و بطن مسيل في أخرى، و هو عبارة أخرى عن القدر اليسير أيضا.

و المتحصّل من المجموع هو القدر اليسير عرفا، و يكون المحصّل من قوله (عليه السلام): «إن كان الإمام على شبه الدكان ..»، و قوله (عليه السلام):

«إذا كان الارتفاع ببطن مسيل ..» أنّ العلوّ المعتد به للإمام مانع عن الائتمام به و غير المعتد به لا يمنع عنه، و هذا هو الذي فهمه المشهور منه و عبّر به المحقق (رحمه اللّه) في الشرائع.

ثمَّ أنّ العلوّ إما دفعيّ أو تدريجيّ، و الثاني إما انحداريّ أو تسنيميّ، و العلوّ المعتد به مبان في الأول و الأخير. و أما الانحداري فلا يحكم العرف بتحقّق العلوّ فيه و إن تحقق ذلك فيه دقة، و لكن المناط هو نظر العرف دون الدقة، و لو كان بحيث يصدق ذلك فيه عرفا أيضا لكان مانعا بلا فرق بينه و بين القسمين الآخرين.

ص: 13

فرق بين المأموم الأعمى و البصير، و الرجل و المرأة (13) و لا بأس بغير المعتدّ به مما هو دون الشبر (14)، و لا بالعلوّ الانحداري، حيث يكون العلوّ فيه تدريجيّا على وجه لا ينافي صدق انبساط الأرض (15). و أما إذا كان مثل الجبل فالأحوط ملاحظة قدر الشبر فيه (16). و لا بأس بعلوّ المأموم (17).

______________________________

(13) لإطلاق الدليل الشامل للجميع، و عن الإسكافي الفرق بين المأموم الأعمى و البصير، فجوز في الأول دون الثاني، و لا دليل له، مع أنّ إطلاق الموثق حجة عليه، مضافا إلى قاعدة الاشتراك في الرجل و المرأة.

(14) لا دليل على التحديد به مع اختلاف النسخ، كما عرفت، إلّا أن يكون المراد به اليسير غير المعتد به الذي قد مرّ استفادته من الدليل و عن جمع تحديده بما لا يتخطّى، لما يأتي في صحيح زرارة.

و فيه: أنّه ظاهر في البعد لا الارتفاع.

(15) و يدل عليه مضافا إلى صدق الانبساط عرفا، ظهور الإجماع أيضا.

(16) بل هو الظاهر بناء على اعتبار التحديد به، لصدق العلوّ و الارتفاع فيه عرفا، فلا وجه للترديد إلّا احتمال كونه من العلوّ التدريجي و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الجبال.

(17) نصّا و إجماعا، فقد تقدم قوله (عليه السلام) في موثق عمار: «و سئل فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه؟ قال (عليه السلام): لا بأس قال:

و إن كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك- دكانا كان أم غيره- و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته، و إن كان أرفع منه بشي ء كثير» (1).

و في صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الرجل هل يحل

ص: 14


1- الوسائل باب 63 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

على الإمام و لو بكثير (18).

الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيرا في العادة

الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيرا في العادة (19). إلّا إذا كان في صفّ متّصل بعضه ببعض حتّى ينتهي إلى

______________________________

له أن يصلّي خلف الإمام فوق دكان؟ قال (عليه السلام): إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس» (1).

و لا يعارضهما خبر محمد بن عبد اللّه عن الرضا (عليه السلام): «سألته عن الإمام يصلّي في موضع و الذي خلفه يصلّي في موضع أسفل منه، أو يصلّي في موضع و الّذين خلفه في موضع أرفع منه، فقال (عليه السلام): يكون مكانهم مستويا» (2).

لقصور سنده، و هجران الأصحاب له، فيحمل على الأفضلية.

(18) لما مرّ في ذيل موثق عمار، و مقتضى إطلاقه الصحة و لو كان خلاف المتعارف، إلّا أن يدّعي الانصراف إليه، و عن العلامة دعوى الإجماع على صحة صلاة المأموم و إن كان على شاهق، و عن بعض دعوى الإجماع على البطلان إن كان العلوّ مفرطا، و لكن إطلاق الموثق حجة عليه، مع معارضته بإجماع العلامة على الجواز.

(19) للإجماع و لأنّ الاجتماع مأخوذ في قوام ذات الجماعة عرفا و شرعا.

قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «و ليس الاجتماع بمفروض في الصّلوات كلّها» (3).

و لا ريب في عدم مانعية بعد المأموم عن الإمام، و المأمومين، بعضهم عن بعض في الجملة، و عدم وجوب اتصال بعضهم ببعض من كل جهة، و لعل ذلك من الضروريات في الجماعات المنعقدة بين المسلمين قاطبة.

ص: 15


1- الوسائل باب: 63 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 63 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

.....

______________________________

إنّما الكلام في تحديد البعد المانع عن تحقق هذا الاجتماع، و حيث أنّ جمعا من الفقهاء (قدّس سرّهم) لم يتضح لديهم الاستناد في ذلك إلى تحديد شرعيّ صحيح، أو أوكلوه إلى العرف، كما هو عادتهم في الموضوعات التي لم يبيّن حدودها و قيودها في الشرع.

فالمراد بالبعد المانع ما يعد في عرف المتشرّعة أنّه خارج عن الجماعة أو حصل في الأثناء، و مانع عن انعقادها لو كان في الابتداء، لا أن يكون المراد به ما يقابل القرب- الذي يواظبون عليه- فإنّ البعد بهذا المعنى يحصل بشي ء يسير.

و خلاصة القول: إنّ البعد أقسام ثلاثة: الأول: ما لا يكون مانعا عن الانعقاد بنظر عرف المتشرّعة، كالشبر و الشبرين، بل ثلاثة و يصح التمسك بالإطلاقات في صدق الاجتماع عرفا.

الثاني: ما يكون مانعا عنه في نظرهم و يعتقدون بأنّه مانع عن الانعقاد حدوثا و موجب للبطلان إن حصل في الأثناء، كمترين مثلا.

الثالث: ما يتردد فيه العرف فيرجع فيه حينئذ إلى الأصل من الاحتياط أو البراءة على القولين، و قد مرّ سابقا.

و عن جمع من الفقهاء تحديد ذلك بما لا يتخطّى، لورود هذه الجملة في قول أبي جعفر (عليه السلام) في ما مرّ من صحيح زرارة في أربعة مواضع منه، كقوله (عليه السلام): «و أيّ صف كان أهله يصلّون بصلاة إمام بينهم و بين الصف الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة» (1).

و لا بدّ من إرادة البعد من حيث المسافة من قوله: «ما لا يتخطّى» لظهوره فيه لا الارتفاع و الانخفاض، لكون ذلك خلاف الظاهر، كما لا يخفى.

و حينئذ فلفظ لا يتخطّى يحتمل معنيين: الخطوة المتعارفة، و التي تملأ الفرج و في موضوعها ثلاثة احتمالات: كونها بين موقف السابق و موقف اللاحق و بين موقف السابق و مسجد اللاحق، و بين مسجد السابق و موقف اللاحق.

و يرد المعنى الأول من معنى الخطوة أولا: موثق عمار: «سألت أبا

ص: 16


1- تقدم في صفحة: 8.

.....

______________________________

عبد اللّه (عليه السلام): عن الرجل يصلّي بقوم و خلفه دار فيها نساء، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال (عليه السلام): نعم، إن كان الإمام أسفل منهنّ. قلت: فإن بينهنّ و بينه حائطا أو طريقا؟ فقال (عليه السلام): لا بأس» (1). فإن عرض الطريق يكون أكثر من الخطوة المتعارفة غالبا.

و ثانيا: أنّه (عليه السلام) ذكر في ذيل الصحيحة ما يكون قرينة على أنّ المراد بما لا يتخطّى الخطوة التي تملأ الفرج دون المتعارفة منها، فقال (عليه السلام): «ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان إذا سجد» (2).

و لا ريب في أنّ قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد- من إبهام رجليه إلى موضع جبهته- أكثر من الخطوة المتعارفة في السجدات المعهودة بين المسلمين.

فيتعيّن أن يكون المراد بها الخطوة التي تملأ الفرج.

و أما موضوعها، فيرد الاحتمال الأول- و هو ملاحظة هذا المقدار في ما بين موقف السابق و موقف اللاحق- أنّ الفصل بينهما بهذا المقدار طبيعيّ، لمن يصلّي بالركوع و السجود الاختياريين و لا يحتاج إلى عناية خاصة حتّى يذكر لفظ (لا يتخطّى) في صحيح واحد أربع مرّات.

و يرد الاحتمال الثالث- و هو ملاحظة المقدار بين مسجد السابق و موقف اللاحق أنّه يكون أكثر مما لا يتخطّى بالخطوة التي تملأ الفرج قطعا، فلا وجه لاحتماله، فيتعيّن الاحتمال الثاني- و هو ملاحظتها بين موقف السابق و مسجد اللاحق- و هو الموافق للمرتكزات أيضا، و قد مرّ أنّ المراد بها ما تملأ الفرج، هذا هو المستفاد من الصحيح بعد ملاحظته مع غيره، هذا كلّه ما يتعلّق بموضوع ما لا يتخطّى.

و أما ما نعيّته عن صحة الجماعة و الاقتداء، ففي استفادتها من الصحيح إشكال، لأنّها لو لم تكن مذيلة بقوله (عليه السلام): «ينبغي أن تكون الصفوف

ص: 17


1- الوسائل باب: 62 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

القريب (20). أو كان في صفّ ليس بينه و بين الصف المتقدم البعد المزبور (21)- و هكذا- حتّى ينتهي إلى القريب، و الأحوط- احتياطا لا يترك- أن لا يكون بين موقف الإمام و مسجد المأموم، أو بين موقف السابق و مسجد اللاحق أزيد من مقدار الخطوة التي تملأ الفرج (22)، و أحوط من ذلك مراعاة الخطوة المتعارفة (23). و الأفضل- بل الأحوط أيضا- أن لا يكون بين الموقفين أزيد من مقدار جسد الإنسان إذا سجد،

______________________________

تامة» لكان استفادة نفي الصحة من قوله (عليه السلام): «فليس ذلك الإمام لهم بإمام»، و قوله (عليه السلام): ليس تلك الصّلاة لهم بصلاة»، متعيّنا، و لكن الذيل ظاهر عرفا في الاستحباب و بيان الآداب، سواء كان لفظ (ينبغي) ظاهرا في الندب أيضا، أم من الألفاظ اللااقتضائية، و هو بمنزلة تلخيص ما أفاده (عليه السلام) في صدر الحديث مما اشتمل على جملة (لا يتخطّى) فيسقط عن ظهوره في نفي الصحة.

فالحق إذا مع الذين أوكلوا الأمر إلى العرف، و لا مناص منه بعد قصور التحديد الشرعي عن بيان الحكم.

(20) فيصح حينئذ صلاة الجميع، بضرورة من المذهب، بل الدّين.

(21) فيصح صلاة الجميع- أيضا- لما مرّ في سابقة.

(22) إن صدق البعد العرفي بذلك يتعيّن الفتوى به، فهو مبنيّ على الرجوع إلى الاحتياط أو البراءة. و أما ما مرّ من صحيح زرارة، فقد عرفت الإشكال في استفادة الوجوب منه. و أما ما في الغنية من دعوى الإجماع على البطلان.

ففيه- أولا: أنّه من الإجماع المنقول الذي لا اعتبار به.

و ثانيا: أنّه مستند إلى الصحيح المزبور فيسقط عن الاعتبار رأسا، فالجزم بالاحتياط الوجوبي مشكل.

(23) لاحتمال كونها المراد من الصحيح و من مورد الإجماع، و هذا الاحتمال موجب لحسن الاحتياط.

ص: 18

بأن يكون مسجد اللاحق و راء موقف السابق بلا فصل (24).

الرابع: أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف
اشارة

الرابع: أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف (25)، فلو تقدم في الابتداء أو الأثناء (26) بطلت صلاته (27) إن بقي على نية الائتمام، و الأحوط تأخره عنه (28)، و إن كان الأقوى جواز المساواة (29).

______________________________

(24) لاحتمال كون المراد من الصحيح ذلك، و قد مرّ ما فيه، مع أنّه مخالف للسيرة المستمرة من عدم التزام المتشرّعة بذلك.

(25) للإجماع، و السيرة المستمرّة، بل ينبغي أن يعدّ هذا من الضروريات لدى المتشرّعة بالنسبة إلى تقدّم المأموم و تأخّر الإمام، و به يختل ما هو قوام الاقتداء و الائتمام.

(26) لأنّ كلّما يكون شرطا ابتداء يكون شرطا في الأثناء أيضا إلّا مع الدليل على الخلاف، و هو مفقود.

(27) أي جماعته بقرينة قوله: إن بقي على نيّة الائتمام. و أما بطلان أصل الصّلاة فمبنيّ على الإخلال بوظيفة المنفرد و عدمه، و على الأول فإن كان لترك القراءة فمبنيّ على شمول حديث «لا تعاد» لمثل المقام و عدمه، و قد مرّ و يأتي ما ينفع المقام.

(28) للخروج عن خلاف ما نسب إلى أبي عليّ (رحمه اللّه) من وجوب ذلك، و استظهر ذلك في الحدائق و أساء الأدب مع الأصحاب متمسكا بظاهر أخبار الباب، و شدّد الإنكار عليه في الجواهر، بل ضعف النسبة إلى أبي عليّ.

(29) لصدق الجماعة مع المساواة أيضا، فتشملها أحكام الجماعة، بناء على أنّ موضوعها ما كان جماعة عرفا إلّا مع الدليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام. نعم، ما هو المتحقق في الخارج منها إنّما هو تأخّر المأموم، مع أنّ جملة من الأخبار مشتملة على لفظ الخلف غير الصادق على التساوي.

و فيه: أنّهما من باب أفضل الأفراد لا تقوم حقيقة الجماعة بذلك.

إن قلت: إنّ مادّتي الاقتداء و الائتمام تدل على تقدّم الإمام.

ص: 19

.....

______________________________

قلت: إنّها بمعنى جعل الأفعال تبعا لفعل الإمام و هو يتحقق مع التساوي أيضا، مع أنّه ورد في إمامة المرأة للنساء أنها «تقوم وسطهنّ و لا تتقدّمهنّ» (1) و في المأموم الواحد يقوم عن يمين الإمام فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه (2).

و في صحيح الأعرج: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الإمام فيجد الصف متضائقا بأهله فيقوم وحده حتّى يفرغ الإمام من الصّلاة، أ يجوز ذلك له؟ قال (عليه السلام): نعم، لا بأس به» (3).

و ما ورد في تحويل الإمام المأموم عن يساره إلى يمينه (4) و ما ورد فيمن دخلوا المسجد و أرادوا أن يصلّوا جماعة، قال (عليه السلام): «يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام» (5).

و المستفاد من الجميع أنّ هذه الجماعات عين الجماعة المعهودة في الشريعة، إلّا أنّ الأفضل فيها تساوي المأموم مع الإمام، لحكمة فيها، لأن تكون جماعة أخرى غير مأنوسة و لا معهودة في الشريعة.

و الحاصل من جميع ما ورد في الجماعة أنّ الأفضل أن يكون خلف الإمام و إن كان يجوز التساوي أيضا، بل قد يكون ذلك أفضل في موارد ورد فيها النص(6).

ثمَّ إنّ إجزاء التساوي هو المشهور بين الفقهاء، بل عن العلامة دعوى الإجماع عليه.

و أما الاستدلال على الجواز بالتوقيع الوارد في جواب مكاتبة الحميري: «أنّه كتب إلى الفقيه (عليه السلام) يسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام)، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم

ص: 20


1- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجماعة.
5- الوسائل باب: 65 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 20 و 23 و 65 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

و لا بأس- بعد تقدّم الإمام في الموقف أو المساواة معه- بزيادة المأموم على الإمام في ركوعه و سجوده لطول قامته و نحوه (30) و إن كان الأحوط مراعاة عدم التقدم في جميع الأحوال (31) حتى في الركوع و السجود

______________________________

وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟ و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب عليه السلام- و قرأت التوقيع و منه نسخت.

أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. و أما الصّلاة فإنّها خلفه و يجعله الإمام و لا يجوز أن يصلّي بين يديه، لأنّ الإمام لا يتقدّم، و يصلّي عن يمينه و شماله» (1). فمبنيّ على أن يكون المراد بالإمام فيه إمام الجماعة لا الإمام المعصوم (عليه السلام)، و المكاتبة و شاهدة على الثاني، إلّا أن يقال: إنّه (عليه السلام) نزل قبر المعصوم (عليه السلام) منزلة إمام الجماعة و أجرى عليه حكمه.

و لكنّه معارض بما عن الاحتجاج عن الحميري: «و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره، لأنّ الإمام لا يتقدّم و لا يساوى» إلّا أن يقال: إنّه مرسل لا اعتبار به، و قد مرّ في مكان المصلّي ما ينفع المقام.

(30) لصدق التقدّم أو المساواة عرفا، فتشملهما الأدلّة، و في اعتبار الزائد عليه يرجع إلى الإطلاق و الأصل.

(31) بناء على أصالة الاحتياط في الشك في الشرطية، و المانعية، و يجب هذا الاحتياط حينئذ و لكن قد مرّ أنّه لا دليل على هذا الأصل من عقل أو نقل، و لا يصح في المقام التمسك بما دلّ على عدم جواز التقدّم، إذ المراد من التقدّم فيه هو التقدّم العرفي الخارجي و المفروض عدم تحققه. نعم، حيث يحتمل أن يراد بعدم جواز التقدم عدم جوازه بجميع أجزاء البدن في تمام حالات الصّلاة، فيكون هذا الاحتمال منشأ حسن الاحتياط.

و دعوى أنّه هو المتيقّن من الدليل فيجب هذا الاحتياط، لأنّ عمدة دليل

ص: 21


1- الوسائل باب: 26 من أبواب مكان المصلّي حديث: 1.

و الجلوس. و المدار على الصدق العرفي (32).

مسألة 1: لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع من المشاهدة في أحوال الصلاة

(مسألة 1): لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع من المشاهدة في أحوال الصلاة (33) و إن كان مانعا منها حال السجود، كمقدار الشبر، بل أزيد أيضا (34). نعم، إذا كان مانعا حال الجلوس فيه إشكال، لا يترك معه الاحتياط (35).

مسألة 2: إذا كان الحائل مما يتحقق معه المشاهدة حال الركوع

(مسألة 2): إذا كان الحائل مما يتحقق معه المشاهدة حال الركوع لثقب في وسطه مثلا- أو حال القيام- تلثقب في أعلاه- أو حال الهويّ إلى السجود- لثقب في أسفله- فالأحوط و الأقوى فيه عدم الجواز، بل و كذا لو كان في الجميع، لصدق الحائل معه أيضا (36).

______________________________

عدم جواز التقدّم الإجماع بل الضرورة، و المتيقّن منهما هو التأخّر بجميع أجزاء البدن في تمام الحالات، باطل: لأنّ المتيقّن إنّما هو الصدق العرفي الخارجي من التأخر و هو حاصل و الزائد عليه مشكوك فيرجع فيه إلى الإطلاق، و البراءة كما هو سيرة الفقهاء، لفظية كانت الأدلة أو لبية.

(32) لأنّ العرف هو المدار في موضوعات الأحكام إلّا مع ورود الدليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في المقام.

(33) لحكم العرف بعدم الستر، مضافا إلى عدم الخلاف فيه.

(34) لعدم صدق السترة و الجدار عليه، و المدار في المانعية على صدق السترة و الجدار، و إلّا فلا يشمله الدليل فضلا عن صدق العدم.

(35) من احتمال انصراف السترة و الجدار عن مثله، و من أنّه انصراف بدويّ لا يعتنى به، مضافا إلى دعوى بعض عدم معرفة الخلاف في عدم مانعيته فالجزم بالاحتياط مشكل. و يمكن ابتناؤه على ما مرّ من الاحتياط في الشك في الشرطية و المانعية في الجماعة، و قد تقدّم عدم الدليل عليه.

(36) المناط صدق السترة و الجدار و تحقق الانفصال بين الهيئة الاجتماعية و صدق الانفصال. و الظاهر صدق الجدار على الجدار المخرّم، كما أنّ الظاهر

ص: 22

مسألة 3: إذا كان الحائل زجاجا يحكى من ورائه فالأقوى عدم جوازه، للصدق

(مسألة 3): إذا كان الحائل زجاجا يحكى من ورائه فالأقوى عدم جوازه، للصدق (37).

مسألة 4: لا بأس بالظلمة و الغبار و نحوهما

(مسألة 4): لا بأس بالظلمة و الغبار و نحوهما، و لا تعد من الحائل (38). و كذا النهر و الطريق (39)، إذا لم يكن فيهما بعد ممنوع في

______________________________

تحقق الانفصال به أيضا. و أما لفظ الحائل فلم يذكر في نص و إنّما هو مذكور في عبارات الأصحاب مقيّدا بما يمنع عن المشاهدة، و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الحائل و الثقب، و لو وصلت النوبة إلى الشك فالمرجع حينئذ البراءة عن الشرطية و المانعية.

(37) صدق الجدار على الجدار من الزجاج شائع خصوصا في هذه الأعصار، و لفظ المشاهدة لم يرد في النص و إنّما هو مذكور في كلمات الفقهاء، و الظاهر أنّ مرادهم المشاهدة بلا فصل شي ء فلا يشمل مثل هذه المشاهدة من وراء الجدار، مع أنّه يتحقق به الانفصال للهيئة الاجتماعية.

و من ذلك يشكل لو كان الفاصل من النايلون الذي يحكي ما وراءه، فإنّ السترة و إن لم يصدق عليه، و لكن يحتمل أن يكون المراد بها مطلق الفاصل بين القوم بأيّ شي ء كان لو لم نقل بالانصراف إلى ما كان في تلك الأعصار، مع أنّ أقسام الزجاج و النايلون مختلفة يمكن التشكيك في صدق الفصل و زوال الوحدة في بعضها، و مع الشك فالمرجع البراءة عن المانعية.

(38) بالضرورة، و كذا لا يكون موجبا لتحقق الانفصال و لا منافيا للوحدة الاجتماعية أيضا، فلا وجه لاحتمال المانعية.

(39) لعدم كونهما من السترة و الجدار، مع ذكر الطريق في ما مرّ من موثق عمار (1)، و لذا ذهب المشهور إلى عدم كونهما مانعا عن انعقاد الجماعة. و نسب إلى ابن زهرة: المنع، بل ادعي الإجماع عليه. و لكنّه ممنوع، إلّا إذا كان فيهما البعد الممنوع فيكون مانعا حينئذ من هذه الجهة و لعلّه المتيقّن من إجماعه- على

ص: 23


1- تقدم في الصفحة: 11.

الجماعة (40).

مسألة 5: الشباك لا يعدّ من الحائل

(مسألة 5): الشباك لا يعدّ من الحائل (41)، و إن كان الأحوط الاجتناب معه (42)، خصوصا مع ضيق الثقب، بل المنع في هذه الصورة لا يخلو عن قوّة، لصدق الحائل معه (43).

مسألة 6: لا يقدح حيلولة المأمومين بعضهم لبعض

(مسألة 6): لا يقدح حيلولة المأمومين بعضهم لبعض (44) و إن كان أهل الصفّ المتقدم الحائل لم يدخلوا في الصلاة إذا كانوا متهيّئين لها (45).

______________________________

فرض صحته- فيصير النزاع بينه و بين المشهور لفظيا.

(40) و إلّا فيكون مانعا حينئذ من جهة البعد لا من جهة الستر، كما مرّ.

(41) لعدم صدق السترة و الجدار عليه عرفا، و عدم كونه مانعا عن صدق الاجتماع أيضا، و هذا هو المشهور شهرة عظيمة.

و نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) كونه مانعا عن الاقتداء، مستدلا بالإجماع و بقوله (عليه السلام) في ما مرّ من صحيح زرارة: «بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى» (1). و لكن الإجماع ممنوع بالشهرة العظيمة على الخلاف، و الدليل مخدوش بما مرّ من ظهوره في المسافة دون مطلق المانع، و مع إجماله فالمرجع هو البراءة عن المانعية، كما مرّ.

(42) خروجا عن خلاف الشيخ (رحمه اللّه)، و لو بنى على الاحتياط في الشك في المانعية يجب ذلك، و لكنّه موهون كما عرفت.

(43) إن صدق انقطاع الاتصال، و صدق الفصل حينئذ، و إليهما يرجع السترة و الجدار الواردين في الصحيح.

(44) بضرورة المذهب، بل الدّين، و السيرة بين المسلمين.

(45) لصدق الاتصال و الاجتماع، و عدم صدق السترة و الجدار و تحقق الوحدة

ص: 24


1- مرّ ذلك صفحة: 8.
مسألة 7: لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصف الأول

(مسألة 7): لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصف الأول أو أكثره- للإمام إذا كان ذلك من جهة استطالة الصف، و لا أطولية الصف الثاني- مثلا- من الأول (46).

مسألة 8: لو كان الإمام في محراب داخل في جدار و نحوه

(مسألة 8): لو كان الإمام في محراب داخل في جدار و نحوه (47) لا يصح اقتداء من على اليمين أو اليسار ممن يحول الحائط

______________________________

الصلاتية بالاعتبار بالنسبة إلى المجموع من الداخل في الصّلاة و من أشرف على الدخول.

و قال في الجواهر: «للسيرة المعلومة من أغلب الناس فإنّهم لا يتوقفون في الائتمام بعد إحراز افتتاح الإمام خصوصا بعد تهيئة الصفوف و شروعها في التوجّه و النيّة و نحو ذلك .. ثمَّ قال (رحمه اللّه): نصّ جماعة كالشهيد في البيان، و الكاشاني في المفاتيح، و المولى الأعظم في شرحها على الصحة حيث يحرم البعيد قبل القريب و ما ذاك إلّا للاكتفاء بالصف و إن كان لم يكن مصلّيا فعلا .. إلى أن قال (رحمه اللّه): إنّ الذي في النصوص و الفتوى وجوب افتتاح المأمومين بعد افتتاح الإمام خاصة- قلّوا أو كثروا، استطالت صفوفهم أو قصرت- من غير مدخلية للمأمومين في ذلك بعضهم مع بعض مع ما فيه من التضييق و التشديد لإدراك الجماعة خصوصا بالنسبة إلى بعض المأمومين الذين يتوقّفون في النية، بل فيه من الإفضاء إلى عدم حضور القلب و التوجّه ما لا يخفى على أنّه غالبا يتعذّر أو يتعسّر على المتأخّر العلم بحصول تكبيرة الافتتاح من المتقدّم خصوصا في الجماعة العظيمة خصوصا الثنائية أو الثلاثية، و خصوصا مع الإسراع فيها لسفر أو نحوه من الأعذار إلى غير ذلك مما يمكن دعوى القطع بخلافه من السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار، و عظم الجماعات، و غلبة تخلل الصفوف من لا يوثق بصحة صلاتهم، و من أنّه لو كان كذلك لاشتهر رواية و فتوى و عملا اشتهار الشمس في رابعة النهار لتوفّر الدّواعي و كثرة الاستعمال». انتهى ملخصا منا.

(46) للسيرة القطعية، و الضرورة الفقهية في كل منهما.

(47) المحراب الداخل على أقسام ثلاثة:

ص: 25

بينه و بين الإمام (48)، و يصح اقتداء من يكون مقابلا للباب، لعدم الحائل بالنسبة إليه (49)، بل و كذا من على جانبيه ممن لا يرى الإمام،

______________________________

الأول: أن يكون في داخل جدار المسجد بحيث لم يمكن وقوف أحد في طرفي المحراب مع فصل الجدار بينهم و بين الإمام، بل يقف المأمومون بأجمعهم خارج المحراب مقابلا له و في يمينه و شماله.

الثاني: أن يكون داخل المسجد و يكون مثل بيت متصلا بجدار المسجد و يكون طرف خلف الإمام مفتوحا ليس فيه سترة و جدار، بل الجدار في جهاته الثلاثة قدام الإمام و طرفيه.

الثالث: أن يكون من جهاته الأربع مستورا بجدار و باب مسدود تحفظا على الإمام من أن يغتاله الناس. و القسم الأخير هو الذي قال فيه أبو جعفر (عليه السلام)- كما في صحيح زرارة، و هذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من الناس: «و إنما أحدثها الجبارون» و ليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» (1) و إنّما يعلم المأموم أفعال الإمام برفع صوته أو بإرشاد شخص من خواصه. و لا ريب في بطلان الجماعة في هذا القسم من المحراب، لتحقق السترة و الجدار بين الإمام و المأموم، كما لا ريب في بطلانها في القسم الثاني إن وقفوا على اليمين أو اليسار بحيث يحول حائط المحراب بينه و بين الإمام لتحقق السترة و الجدار حينئذ، و لكن إذا وقفوا بأجمعهم خلف المحراب صحت الجماعة من الجميع بلا إشكال لوجود المقتضي و فقد المانع، و كذا في القسم الأول بالنسبة إلى خلف المحراب.

(48) لما مرّ من تحقق السترة و الجدار، فيشمله صحيح زرارة، و الإجماع الدال على المنع.

(49) نصّا و إجماعا، قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلّا من كان حيال الباب» (2).

ص: 26


1- الوسائل باب: 59 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

لكن مع اتصال الصفّ على الأقوى (50)،

______________________________

(50) لأنّ المستفاد من الأدلّة اشتراط أن لا يكون بين من يكون واسطة في الاتصال بالإمام أو المأمومين بعضهم مع بعض مانع عن الاجتماع فكلّ من يتحقق به عنوان الجماعة و رابطة الاجتماع لا بدّ و أن لا يكون بينه و بين غيره مانع عن الجماعة، و المفروض في المقام أنّه لا يكون بين من وقف مقابلا للباب مانع عن الجماعة، و كذا بينه و بين من يكون إلى جانبيه من المأمومين، و كذا بينه و بين من خلفه من الصفوف.

إن قلت: من وقف إلى جانبي من يكون مقابل الباب لا يمكنه مشاهدة الإمام فكيف تصح جماعة حينئذ.

قلت: ذكر في الجواهر: «ليس في شي ء من الأدلّة اشتراط المشاهدة للإمام و لو بوسائط ..». و ذكر إمكان المشاهدة في بعض الكلمات طريق إلى عدم السترة و الجدار الواردين في الصحيح لا أن تكون لها موضوعية خاصة.

ثمَّ إنّ صحة الجماعة في ما تعرّض له الماتن هو المعروف بين الفقهاء، و في الكفاية: لم أجد من حكم بخلافه. و في الرياض: لا يكاد يوجد فيه خلاف إلّا من بعض من تأخّر. و في مصباح الفقيه: لعلّ هذا القول هو المشهور بينهم، بل لم يثبت القول بخلافه ممن عدا المحقق البهبهاني.

و منشأ الخلاف و التردد الجمود على قوله (عليه السلام) في ما مرّ في الصحيح: «إلّا من كان حيال الباب». و لكنّه لا وجه له، لأنّ قوله (عليه السلام) في صدره: «فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة، إلّا من كان حيال الباب» نص في أنّ المناط في المانعية كلّه السترة و الجدار بين الإمام و المأموم أو بين بعضهم مع بعض. و أنّ المراد بقوله (عليه السلام): «إلّا من كان حيال الباب» أي الصفّ الذي يكون حياله لا الشخص الذي يكون كذلك، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا» (1) إذ المنساق منه كفاية اتصال بعض المأمومين مع بعض، و يدل على ذلك

ص: 27


1- الوسائل باب: 59 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

و إن كان الأحوط العدم (51). و كذا الحال إذا زادت الصفوف إلى باب المسجد فاقتدى من في خارج المسجد مقابلا للباب و وقف الصف من جانبيه، فإنّ الأقوى صحة صلاة الجميع (52) و إن كان الأحوط العدم بالنسبة إلى الجانبين (53).

مسألة 9: لا يصح اقتداء من بين الأسطوانات مع وجود الحائل بينه و بين من تقدّمه

(مسألة 9): لا يصح اقتداء من بين الأسطوانات مع وجود الحائل بينه و بين من تقدّمه، إلّا إذا كان متصلا بمن لم تحل الأسطوانة بينهم. كما إنّه يصح إذا لم يتصل بمن لا حائل له، لكن لم يكن بينه و بين من تقدّمه حائل مانع (54).

مسألة 10: لو تجدّد الحائل في الأثناء فالأقوى بطلان الجماعة

(مسألة 10): لو تجدّد الحائل في الأثناء فالأقوى بطلان الجماعة، و يصير منفردا (55).

______________________________

السيرة القطعية بين المسلمين الدالة على صحة جماعتهم مع إحراز الاتصال مع الإمام و لو بأدنى سبب و لو كان بوسائط كثيرة.

و حينئذ لا وجه لتطويل الكلام و نقل كلمات الأعلام بعد أن ليس لها مدرك إلّا ما ذكرنا من الأخبار، و لم يكن في البيّن تعبّد خاص في صحة صلاة من بحيال الباب دون غيره من المأمومين و لو اتصلوا مع الإمام بواسطة من بحيال الباب.

(51) خروجا عن خلاف من خالف، و إن كان لا دليل له من نص أو إجماع، إلّا أنّ الاحتياط حسن مطلقا.

(52) لعين ما مرّ آنفا في المحراب الداخل من غير فرق بينهما، إذ المناط كلّه تحقق الاتصال مع الإمام بأيّ وجه كان بلا سترة و جدار.

(53) لما مرّ من الخروج عن خلاف من خالف و إن كانت المخالفة غير مستندة إلى دليل واضح.

(54) لوجود المقتضي للصحة، و فقد المانع عنها في كلّ ذلك.

(55) لظهور الأدلّة في كون شروط الجماعة و موانعها تكون كذلك حدوثا و بقاء- كما في كلّ شرط لكلّ مشروط إلّا ما خرج بالدليل.

ص: 28

مسألة 11: لو دخل في الصلاة مع وجود الحائل جاهلا به

(مسألة 11): لو دخل في الصلاة مع وجود الحائل جاهلا به لعمى أو نحوه- لم تصح جماعة (56). فإن التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد أتمّ منفردا (57)، و إلّا بطلت (58).

مسألة 12: لا بأس بالحائل الغير المستقر

(مسألة 12): لا بأس بالحائل الغير المستقر، كمرور شخص من إنسان أو حيوان أو غير ذلك (59) نعم، إذا اتصلت المارّة لا يجوز و إن

______________________________

و دعوى الانصراف إلى الأول، كما عن المحقق الأنصاري (قدس سره) لا وجه له. كما أنّ احتمال بطلان أصل الصّلاة حينئذ لاختلاف حقيقة الجماعة و الانفراد، فإذا بطلت الأولى لا وجه للانقلاب إلى الثانية، باطل، لما مرّ من وحدة حقيقتهما و كون الاختلاف في مجرد الكيفية، و به يختلف بعض الآثار أيضا، و سيأتي في المسألة الثامنة عشر بعض التفصيل أيضا.

(56) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه التي هي من القواعد المعتبرة، نعم، لو ثبت أنّ الشرط في البين علميّ التفاتيّ تصح الجماعة، و لكنّه خلاف المنساق من الأدلّة.

(57) لما مرّ من اتحاد حقيقة الجماعة و الانفراد في ذات الصّلاة، و الاختلاف إنّما هو في مجرد الكيفية، و ليس الانفراد قصديا، و يكفي قصد أصل الصّلاة، سواء قصد الانفراد أم لا.

(58) إن كان المنافي مما ينافي الصّلاة مطلقا و لو بزعم صحة الجماعة كزيادة الركوع بناء على كونها كذلك. و أما إذا كان من مجرد ترك القراءة، و قلنا بشمول حديث: «لا تعاد ..» (1) لمثله تصح الصلاة معه أيضا، و يأتي التفصيل في المسائل الآتية.

(59) لانصراف الأدلة عنه، و لا يبعد دعوى السيرة على عدم المنع في الجملة خصوصا في الأماكن المزدحمة.

ص: 29


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصّلاة حديث: 4.

كانوا غير مستقرّين، لاستقرار المنع حينئذ. (60).

مسألة 13: لو شك في حدوث الحائل في الأثناء بنى على عدمه

(مسألة 13): لو شك في حدوث الحائل في الأثناء بنى على عدمه (61). و كذا لو شك قبل الدخول في الصلاة في حدوثه بعد سبق عدمه (62). و أما لو شك في وجوده و عدمه- مع عدم سبق العدم- فالظاهر عدم جواز الدخول، إلّا مع الاطمئنان بعدمه (63).

مسألة 14: إذا كان الحائل مما لا يمنع عن المشاهدة حال القيام

(مسألة 14): إذا كان الحائل مما لا يمنع عن المشاهدة حال القيام، و لكن يمنع عنها حال الركوع أو حال الجلوس، و المفروض زواله حال الركوع أو الجلوس، هل يجوز مع الدخول في الصلاة؟ فيه وجهان: و الأحوط كونه مانعا من الأول. و كذا العكس، لصدق وجود الحائل بينه و بين الإمام (64).

______________________________

(60) إذا اتصل بعضهم ببعض بحيث لم يكن بينهم فرجة، و إلا يكون بحكم الشباك الذي تقدم عدم المنع معه في المسألة التاسعة.

(61) لأصالة عدم حدوثه التي جرت عليها السيرة العقلانية في أمثال المقام.

(62) لأصالة عدم المانع عن انعقاد الجماعة، و يكفي في الاستصحاب تحقق الأثر في زمان الشك فقط و إن لم يكن له أثر فعليّ مبتلى به في زمان اليقين، كما ثبت في محلّه.

(63) لأنّ مقتضي مانعية شي ء إحراز عدمه حين العمل و لو بأصل معتبر و لا أصل في المقام إلّا أصالة عدم المانعية و لا دليل على اعتبارها بنحو الكلية إلّا إذا رجعت إلى الاستصحاب أو في مورد عمل بها الأصحاب و ليس المقام منهما. و أما كفاية مجرد الاطمئنان العقلاني بعدمه فلأنّ عليه المدار في الفقه، و هو المراد بالعلم في اصطلاح الكتاب و السنّة، كما صرّح بذلك جمع من فقهاء الأمة.

(64) و لا دليل على كفاية مجرد المشاهدة، و قد تقدّم عدم ورود هذا اللفظ في الأدلّة، و كذا لفظ الحائل. و منشأ عدم الجزم بالفتوى احتمال انصراف السترة

ص: 30

مسألة 15: إذا تمّت صلاة الصف المتقدم و كانوا جالسين في مكانهم

(مسألة 15): إذا تمّت صلاة الصف المتقدم و كانوا جالسين في مكانهم أشكل بالنسبة إلى الصف المتأخر لكونهم حينئذ حائلين غير مصلّين (65). نعم، إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل و دخلوا مع الإمام في صلاة أخرى لا يبعد بقاء قدوة المتأخرين (66).

مسألة 16: الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز معه الاقتداء

(مسألة 16): الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لا يجوز معه الاقتداء (67).

مسألة 17: إذا كان أهل الصفوف اللاحقة- غير الصف الأول- متفرّقين

(مسألة 17): إذا كان أهل الصفوف اللاحقة- غير الصف الأول- متفرّقين، بأن كان بين بعضهم مع البعض فصل أزيد من الخطوة التي تملأ الفرج. فإن لم يكن قدّامهم من ليس بينهم و بينه البعد المانع، و لم يكن إلى جانبهم- أيضا متصلا بهم- من ليس بينه و بين من تقدّمه البعد المانع لم يصح اقتداؤهم (68)، و إلّا صحّ (69). و أما الصفّ

______________________________

و الجدار عن مثله، و الحق أنّه احتمال حسن.

(65) و احتمال الانصراف إلى غيرهم ممنوع. نعم، لو كانوا متهيّئين للاقتداء بالإمام في صلاة أخرى حكم عليهم بما تقدّم في المسألة السادسة، فيكون المدار حينئذ على الصفّ لا على الاشتغال بالصّلاة.

(66) لاستصحاب بقاء الإمامة و الائتمام، و يمكن إجراء حكم المتهيئين عليهم حينئذ.

(67) لما مرّ من أنّ المناط في السترة و الجدار ما ينافي الوحدة الاجتماعية و الاتصالية عرفا، و هو حاصل فيه و في ما يسمّى ب (النايلون) في هذه الأعصار الذي يحكي ما وراءه. و لكن وجود المناط في بعض الأقسام مشكل، بل ممنوع خصوصا إذا كان يرتفع و ينحط بجريان الريح.

(68) لوجود البعد المانع حينئذ إن علم به، و مع الشك فالمرجع استصحاب صحة الائتمام و الاقتداء.

(69) لفقد البعد، و كفاية الاتصال من إحدى الجوانب إلى الإمام و لو.

ص: 31

الأول فلا بد فيه من عدم الفصل بين أهله، فمعه لا يصح اقتداء من بعد عن الإمام أو عن المأموم من طرف الإمام بالبعد المانع (70).

مسألة 18: لو تجدّد البعد في أثناء الصّلاة بطلت الجماعة و صار منفردا

(مسألة 18): لو تجدّد البعد في أثناء الصّلاة بطلت الجماعة و صار منفردا. و إن لم يلتفت و بقي على نيّة الاقتداء فإن أتى بما ينافي صلاة المنفرد- من زيادة ركوع- مثلا- للمتابعة أو نحو ذلك- بطلت صلاته و إلّا صحّت (71).

مسألة 19: إذا انتهت صلاة الصّف المتقدم من جهة كونهم مقصّرين، أو عدلوا إلى الانفراد- فالأقوى بطلان اقتداء المتأخر، للبعد

(مسألة 19): إذا انتهت صلاة الصّف المتقدم من جهة كونهم مقصّرين، أو عدلوا إلى الانفراد- فالأقوى بطلان اقتداء المتأخر، للبعد. إلّا إذا عاد المتقدم إلى الجماعة بلا فصل. كما أنّ الأمر كذلك من جهة الحيلولة أيضا على ما مرّ (72).

مسألة 20: الفصل- لعدم دخول الصفّ المتقدم في الصلاة لا يضرّ بعد كونهم متهيّئين للجماعة

(مسألة 20): الفصل- لعدم دخول الصفّ المتقدم في الصلاة- لا يضرّ بعد كونهم متهيّئين للجماعة (73)، فيجوز لأهل الصفّ المتأخر الإحرام قبل إحرام المتقدّم، و إن كان الأحوط خلافه (74)، كما أنّ الأمر

______________________________

بوسائط كثيرة بالإجماع و السيرة.

(70) لعدم الفرق فيما يمنع عن الائتمام بعدا كان أو غيره بين الصفّين أو بين أبعاض صف واحد لم يكن قدامه صف آخر جامع لشرائط القدوة و فاقد لموانعها.

(71) لما تقدّم في المسألة العاشرة، إذ لا فرق في المانع بين كونه حائلا أو بعدا، و الكبرى في الجميع واحدة و إن تعدّدت الصغريات و اختلفت.

(72) في المسألة الحادية عشر و غيرها، و يمكن أن يجتمع مانعية البعد مع الحائل بالنسبة إليهم إن بقوا في مكانهم غير مشغولين بالجماعة.

(73) للسيرة القطعية، كما تقدّم نقلها عن الجواهر في المسألة السادسة فراجع. نعم، للتهيّؤ مراتب متفاوتة، و المتيقّن منها هي المرتبة القريبة عرفا.

(74) خروجا عن خلاف من جعل ذلك مانعا، و إن لم يكن له دليل يعتمد عليه.

ص: 32

كذلك من حيث الحيلولة على ما سبق.

مسألة 21: إذا علم بطلان صلاة الصفّ المتقدم تبطل جماعة المتأخر من جهة الفصل أو الحيلولة

(مسألة 21): إذا علم بطلان صلاة الصفّ المتقدم تبطل جماعة المتأخر من جهة الفصل أو الحيلولة (75)، و إن كانوا غير ملتفتين للبطلان (76). نعم، مع الجهل بحالهم تحمل على الصحة، و لا يضرّ (77). كما لا يضرّ فصلهم إذا كانت صلاتهم صحيحة (78) بحسب

______________________________

(75) أوهما معا. ثمَّ إنّ علم الصف المتأخر ببطلان الصف المتقدم على أقسام:

1- أن يعلم الصف المتأخر بأنّ الصف المتقدم عالم ببطلان صلاتهم و لا ريب في البطلان حينئذ.

2- أن يعلم بأنّ الصف المتقدم عالم بصحة صلاتهم، و لا دليل على البطلان في هذا القسم، لفرض حكم الشرع بصحة صلاة الصف المتقدم، و يمكن أن يكون الحكم الظاهري في حق الصف المتقدّم موضوعا للصف المتأخّر خصوصا في هذا الأمر العام البلوى الذي قلّ ما يخلو عمن تفسد صلاته في الجماعات العظيمة سيّما في أوائل الإسلام التي قلّت معرفتهم بالأحكام، هذا مع تحقق قصد القربة من الصف المتأخر في أصل الصّلاة، و إلّا فتبطل من هذه الجهة.

3- أن يعلم أهل الصف المتأخّر أنّ الصف المتقدم شاك في صحة اقتدائهم و صلاتهم، و الظاهر صحة جريان أصالة الصحة بالنسبة إليهم، فيكون في حكم القسم الثاني. و هناك أقسام أخرى يغنينا عن التعرّض لها عدم الابتلاء بها.

(76) لأنّ المناط في المانعية ما كان عند المقتدي و بحسب إحرازه مع كون المانع متحققا واقعا، هذا إذا كانوا بحيث لو التفتوا لكانت باطلة لديهم أيضا. و أما إذا كانت صحيحة عندهم اجتهادا أو تقليدا فيأتي حكمه.

(77) لقاعدة الصحة، و السيرة.

(78) لانصراف السترة و الجدار و الحائل عنه، و لأنّ الظاهر أنّ صحة الصلاة بحسب القواعد الشرعية و في ظاهر الشريعة تكفي في ارتباط صلاة المأموم مع

ص: 33

تقليدهم، و إن كانت باطلة بحسب تقليد الصف المتأخّر.

مسألة 22: لا يضرّ الفصل بالصبيّ المميّز

(مسألة 22): لا يضرّ الفصل بالصبيّ المميّز ما لم يعلم بطلان صلاته (79).

مسألة 23: إذا شك في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه

(مسألة 23): إذا شك في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه (80)، و إن شكّ في تحققه من الأول وجب إحراز عدمه (81). إلّا أن

______________________________

الإمام، و صلاة المأمومين، بعضهم مع بعض، و علم الصف اللاحق ببطلان صلاة الصف السابق لا يلزم البطلان في ظاهر الشريعة أيضا فضلا عن الواقع. و لا فرق فيه بين كون الأمارات كاشفة عن مصلحة في موردها، أو كانت أعذارا محضة فقط، لأنّ كلا منهما تسهيل و امتنان، و مقتضاهما صحة ترتب الأثر بالنسبة إلى الغير أيضا إلّا أن يدل دليل على الخلاف، و لم نعثر على دليل معتبر كذلك، و قد مرّ في مسائل التقليد ما ينفع المقام. و يأتي في مسألة 31 من الفصل التالي تتمة الكلام.

فرع: لو كان الصف المتقدّم كلّهم من العامة يصح ائتمام الصف اللاحق لصحة الصف المتقدم باعتقادهم في ظاهر الشرع، و كذا في سائر المذاهب المختلفة من الشيعة و كذا لو كان شخص واحد منهم في الصف.

(79) لشرعية عباداته، فيكون كغيره حينئذ، مضافا إلى إطلاق قول عليّ (عليه السلام) في خبر أبي البختري: «الصبيّ عن يمين الرجل في الصّلاة إذا ضبط الصف جماعة» (1)، و مقتضى إطلاقه الصحة و لو كانت عباداته تمرينية. ثمَّ إنّ العلم ببطلان صلاة الصبيّ لا يوجب بطلان الائتمام أيضا إلّا إذا كان الفصل به مما لا يغتفر.

(80) لاستصحاب عدم البعد إذا أحرز في الحالة السابقة، و مع عدم الإحراز لا يجري الاستصحاب، و يصح الرجوع إلى القرائن المفيدة للاطمئنان وجودا أو عدما.

(81) لوجوب إحراز وجود الشرط و فقد المانع في الجماعة حدوثا و بقاء.

ص: 34


1- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

يكون مسبوقا بالقرب، كما إذا كان قريبا من الإمام الذي يريد أن يأتمّ به فشك في أنّه تقدّم عن مكانه أم لا (82).

مسألة 24: إذا تقدّم المأموم على الإمام في أثناء الصلاة سهوا أو جهلا أو اضطرارا صار منفردا

(مسألة 24): إذا تقدّم المأموم على الإمام في أثناء الصلاة- سهوا أو جهلا أو اضطرارا صار منفردا (83) و لا يجوز له تجديد الاقتداء (84). نعم، لو عاد بلا فصل لا يبعد بقاء قدوته (85).

مسألة 25: يجوز- على الأقوى- الجماعة بالاستدارة حول الكعبة

(مسألة 25): يجوز- على الأقوى- الجماعة بالاستدارة حول الكعبة (86). و الأحوط عدم تقدّم المأموم على الإمام- بحسب

______________________________

(82) لاستصحاب القرب، و عدم المانع عن انعقاد الجماعة، و قد مرّ في المسألة الثالثة عشر نظير المقام.

(83) لأنّ الشرطية و المانعية للجماعة معتبرة فيها حدوثا و بقاء، لظواهر الأدلّة، و مع فقد الشرط أو وجود المانع ينتفي المشروط قهرا، سواء كان الانتفاء سهوا أم جهلا، أم عمدا.

(84) لأنّه من العدول إلى الاقتداء في الأثناء، و قد مرّ في المسألة الخامسة عشر ما يتعلق به.

(85) إن كان بحيث يصدق بقاء القدوة عرفا حتّى بناء على المسامحة العرفية، فيجري استصحاب بقاء الإمامة و الائتمام حينئذ، و كذا في كلّ مورد زالت القدوة لاضطرار و نحوه.

(86) لما عن الشهيد في الذكرى من الإجماع العملي، و ذهب إليه جمع منهم الشهيد الثاني و المحقق الثاني، فيكون مثل هذا الإجماع مخصصا- في خصوص المقام- لما دلّ على وجوب تأخّر المأموم عن الإمام في الجماعة و الائتمام فيجوز تقدّمه عليه في الجماعة المستديرة حول الكعبة بالنسبة إلى الجهة التي توجه إليها الإمام، كما هو المتفاهم عرفا من التقدّم و التأخر في الجماعة لا التقدم و التأخر بالنسبة إلى نفس الكعبة المشرّفة حتّى لا يصدق بالنسبة إلى الإمام و المأموم الواقفين في الدائرة المفروضة حول الكعبة المشرّفة فإنّه خلاف الظاهر من أدلّة الباب.

ص: 35

الدائرة- (87)، و أحوط منه عدم أقربيته مع ذلك إلى الكعبة و أحوط من ذلك تقدم الإمام- بحسب الدائرة- و أقربيته مع ذلك إلى الكعبة (88).

______________________________

هذا و لكن يرد عليه: أنّ تحقق الإجماع العملي من فقهاء الإمامية مشكل جدّا، بل ممنوع. نعم، لا ريب في تحقق السيرة من المسلمين عليها، و لكن انتهاؤها إلى زمن المعصوم (عليه السلام) بالنحو المتحقق في هذه الأعصار أول الكلام و إن كان لا يبعد ذلك فيكفي حينئذ في الحكم عدم إشارة منهم (عليه السلام) إلى الردع في مثل هذا الأمر الذي يكون محل الابتلاء و كونه مسكوتا عنه حتّى أنّه لم يسأل عنه أحد من الرواة و لم يبيّنه الإمام (عليه السلام) ابتداء أيضا فيعلم من ذلك إمضاؤهم (عليهم السلام) لهذه الجماعة و إلّا لصدر الإنكار و لو على نحو الإجمال و الإشارة، كما صدر الإنكار على الجماعة في النافلة، و بطلانها خلف المقاصير المحدثة في زمن خلفاء الجور و غيرهما من البدع المستحدثة بعد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) التي أنكرها المعصوم (عليه السلام).

(87) لاحتمال أن يكون التقدّم و التأخّر ملحوظا بحسبها في هذه الجماعة و بناء على جواز تساوي المأموم مع الإمام في الموقف يصح التساوي فيها أيضا.

(88) يتصوّر ذلك في خصوص زوايا البيت الشريف فقط. و وجه التردّد و عدم الجزم: عدم وصول الردع عن السيرة الحاصلة في الجماعة بنحو الاستدارة حول الكعبة، و الذين تقوم بهم السيرة غير ملتزمين بعدم التقدّم على الإمام بحسب الدائرة، و لا ملاحظة عدم الأقربية منه في زوايا البيت الشريف فورد الإمضاء على السيرة المشتملة على هذه الجهات، كما هو واضح لمن تأمّل جماعتهم في أيّام الموسم، فهذا النحو من الجماعة سواء إقامتها العامة أو الخاصة أو هما معا، موجب لتحقق الإمضاء و التقرير بالنحو الأعم.

ص: 36

فصل في أحكام الجماعة

اشارة

(فصل في أحكام الجماعة)

مسألة 1: الأحوط ترك المأموم القراءة في الركعتين الأوليين

(مسألة 1): الأحوط ترك المأموم القراءة في الركعتين الأوليين.

______________________________

(فصل في أحكام الجماعة) لا بدّ أولا من تقديم أمور:

الأول: إنّ مورد البحث تارة في الأوليين من الإخفاتية، و أخرى في الأوّلتين من الجهرية، و ثالثة في الأخيرتين من الإخفاتية، و رابعة في الأخيرتين من الجهرية، و يأتي كلّ ذلك في هذه المسألة إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: مقتضي الأصل اللفظي و العملي و المرتكزات بقاء جميع ما كان ثابتا للصلاة- واجبا كان أو مندوبا، شرطا أو جزءا أو مانعا في صلاة الجماعة أيضا إلّا مع الدليل على السقوط فيها فلا يجد المسلمون فرقا فيها بين الصّلاتين إلّا ما ثبت لديهم من المخالفة في مذهبهم. نعم، قد جرت عادتهم على التمييز بين الإمام المرضيّ و غيره بترك القراءة خلف الأول و القراءة خلف الثاني، و لا ريب أنّ ذلك مخالف للمجاملة المأمور بها و المرغب إليها، و حينئذ فالإطلاقات الدالّة على ترك القراءة مطلقا لا ظهور لها في الحرمة بقول مطلق، لورودها في مقام ردعهم عن عادتهم لا لبيان حكم اللّه الواقعي من كلّ جهة، و احتمال ذلك يكفي في عدم الجزم بالحرمة.

الثالث: قد ثبت في الأصول أنّ الأمر الوارد بعد الحظر، بل في مورد توهمه لا ظهور له في الوجوب و كذا النهي الوارد في مورد توهم الأمر لا ظهور له في الحرمة للاحتفاف بما يصلح للإجمال و الإهمال إن لم يكن ذلك من القرينة على الخلاف، و إلّا فالمرجع إنّما هو القرينة فقط.

ص: 37

.....

______________________________

الرابع: بناء على ثبوت حرمة القراءة خلف الإمام: الظاهر بطلان الصّلاة، لأنّها إما نفسية أو غيرية. أما على الأخير فواضح، و أما على الأول فيكون العمل مشتملا على الجزء المحرّم المبغوض، و التقرّب بالمشتمل على المبغوض غير مأنوس لدى العقلاء، مع العلم بأنّ كيفية الامتثالات الشرعية منزلة على المأنوس لديهم لو لم نقل إنّه من مجرد الإثم القلبي، و لا يتعدّى إلى العمل الخارجي، كما عليه جمع من المحققين. هذا إن قرأ بعنوان الجزئية و أمّا إذا قرأ بقصد مطلق القرآنية فلا حرمة في البيّن أصلا حتّى يبحث عن البطلان و عدمه، و لو كنا نحن و هذه الأمور المسلمة لقلنا بعدم حرمة القراءة خلف الإمام مطلقا إلّا إذا ثبت بدليل صحيح صريح.

الخامس: قد ثبت في محلّه أنّه مع الشك في الصحة و الفساد تجري أصالة الصحة و استصحابها، و مع الشك في المانعية تجري أصالة عدم المانعية فلو قرأ المأموم خلف إمامه و شك في صحة صلاته و بطلانها و مانعية القراءة و عدمها تجري أصالة الصحة و عدم المانعية إلّا إذا ثبتت المانعية بدليل معتبر.

السادس: القراءة خلف الإمام تتصوّر على وجوه:

منها: أن يقرأ خلف الإمام المرضيّ جهلا بالحكم أو بحسب الارتكاز و زعم الصحة.

و منها: أن يقرأ خلفه لعدم الاعتناء بإمامته، أو قصد إيذائه و إهانته.

و منها: أن يقرأ بقصد الرجاء.

و منها: أن يقرأ خلفه بقصد الورود. و الأخير إنّما هو مورد المقام، و يمكن أن تحمل بعض الأخبار الناهية على الصورة الثانية.

السابع: لو كانت القراءة محرّمة على المأموم تكليفيا أو وضعيا أو هما معا في هذا الأمر العام البلوى في جميع الأعصار و الأمصار لاشتهر من أول البعثة بين الأمة اشتهار الشمس في رابعة النهار و لم تصل النوبة إلى اجتهادات الأعلام.

الثامن: يظهر من المستند أنّ حرمة القراءة خلف الإمام للمأموم غير المسبوق في الجهرية كانت مشهورة عند الطبقة الثالثة، و الكراهة عند الطبقة الرابعة، و لم يتعرّض للمشهور بين الطبقتين الأوّلتين بشي ء. و لكن تأتي إن شاء اللّه.

ص: 38

.....

______________________________

تعالى الأخبار المتكلّفة لحكم هذه الجهة، و ما هذا حاله فكيف يجزم الفقيه بالفتوى بشي ء فيه.

إذا تبيّن ذلك نقول: أما حكم أولتي الإخفاتية بحسب الأدلّة الخاصة فهي على أقسام ثلاثة: الأول: المطلقات التي استظهر منها الحرمة كموثق ابن يعقوب: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصّلاة خلف من ارتضي به أقرأ خلفه؟

قال (عليه السلام): من رضيت به فلا تقرأ خلفه» (1).

و خبر ابن كثير عن الصادق (عليه السلام): «سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال (عليه السلام): لا إنّ الإمام ضامن للقراءة- الحديث-» (2).

و لو كنا نحن و هذا الخبر لا نحكم بحرمة القراءة لأنّ المضمون عنه لا يحرم عليه أداء ما ضمنه الضامن.

و صحيح ابن مسلم قال أبو جعفر (عليه السلام): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة» (3).

و فيه أنّ الفطرة هي الإسلام بعرضه العريض فمن ترك حكما من أحكامه- إلزاميا كان أو غيره- بل من ترك بعض محاسن أخلاقه يكون على غير الفطرة من هذه الجهة لا أن يكون على غير الفطرة الإسلامية رأسا بحيث كان كافرا، و يدل على ما ذكرنا أخبار متفرّقة في أبواب مختلفة.

منها: قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «خمس من الفطرة: تقليم الأظفار، و قصّ الشارب، و نتف الإبط، و حلق العانة، و الاختتان»(4).

كما أنّ الكفر قد يكون من كل جهة، و أخرى يكون من بعض الجهات، و يدل عليه أخبار متفرّقة:

ص: 39


1- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 14.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الحمام حديث: 8.

.....

______________________________

منها: قوله (عليه السلام): «و أما الرشا في الأحكام فهو الكفر»(1). و حينئذ فما ورد في الصحيح المزبور من «أنّ من قرأ خلف من يأتم به بعث على غير الفطرة» لا ظهور له في الحرمة إلّا بدليل خارجي، لاحتمال أن تكون هذه الفطرة من المندوبات و الأخلاقيات و المجاملات، فالفطرة كالعام الانحلالي الأصولي المنحل إلى جميع ما في الإسلام من الأحكام و الآداب و السنن و المجاملات، فكلّ من ترك شيئا منها يخرج من الفطرة، من هذه الجهة و إن بقي عليها من جهات أخر، و كذا الكلام بعينه في الكفر، إذ الإيمان مبثوث على الجوارح، كما في نصوص مستفيضة (2).

الثاني: من الأخبار الخاصة ما فصّل فيه بين الجهرية و الإخفاتية، مثل صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصّلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال (عليه السلام): أما الصّلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه، فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصّلاة التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ» (3).

و قريب منه صحيحي الحلبي و زرارة (4) و غيرهما. و لا يستفاد من قوله عليه السلام: «فإنّ ذلك جعل إليه» غير الضمان الذي مرّ في خبر ابن كثير و قد تقدّم عدم دلالته على الحرمة فيسقط بذلك ظهور النهي عنها أيضا، مع أنّ في هذا التعليل خفاء جدّا، لأنّ أصل القراءة مطلقا جعل للإمام و هي في ضمانه مطلقا، فلا فرق بين الجهرية و الإخفاتية، و حيث إنّ الإخفاتية مقام توهم وجوب القراءة على المأموم قال (عليه السلام) لدفع هذا التوهّم فلا تقرأ خلفه فلا يستفاد منه الحرمة، لما مرّ في الأمر الرابع.

الثالث: خبر المرافقي المنجبر بالشهرة عن جعفر بن محمد أنّه: «سئل عن القراءة خلف الإمام، فقال (عليه السلام): إذا كنت خلف إمام تولاه و تثق به فإنّه يجزيك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ في ما يخافت به، فإذا جهر فأنصت، قال

ص: 40


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
2- راجع الوافي الجزء الثالث صفحة: 26 من الطبعة الحجرية.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3 و 1 و 15.

من الإخفاتية (1) إذا كان فيهما مع الإمام، و إن كان الأقوى الجواز (2) مع الكراهة (3). و يستحب- مع الترك- أن يشتغل بالتسبيح، و التحميد.

______________________________

اللّه تعالى وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (1).

و في صحيح ابن خالد: «أ يقرأ الرجل في الأولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟، فقال (عليه السلام): لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام» (2).

فإنّ قوله (عليه السلام): لا يعلم إما بمعنى لا يفهم قراءة الإمام، لكون الصّلاة إخفاتية، أو بمعنى يشك و هو أيضا في حكم القراءة من جهة الحمل على الصحة، و على أيّ حال إطلاق قوله (عليه السلام): «لا ينبغي» الذي هو ظاهر في الكراهة يشمل الصورتين.

و صحيح ابن يقطين «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال (عليه السلام):

إن قرأت فلا بأس، و إن سكت فلا بأس» (3).

بناء على أنّ المراد بالصمت هو الإخفات، كما عن جمع، و إنّ المراد بالركعتين الأولتين، لأنّهما المنساق منهما عند الإطلاق خصوصا بقرينة قوله (عليه السلام): «و إن سكت فلا بأس» لأنّ السكوت في الأخيرتين غير مأنوس عند المتشرّعة و حينئذ فعلى فرض ظهور القسم الأول و الثاني في الحرمة يرفع اليد عنها بالقسم الثالث فتحمل على الكراهة جمعا.

(1) لاحتمال الحرمة، و خروجا عن خلاف من قال بها، و إن لم يكن له دليل يصح الاعتماد عليه، كما مرّ تفصيله.

(2) للأصل، بل الأصول بعد قصور الأدلّة عن إثبات الحرمة.

(3) نسبها الشهيد إلى الأشهر، لما عرفت من قصور الأدلة عن إفادة الحرمة لو لا المعارض فكيف بوجوده.

ص: 41


1- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 15.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 13.

و الصلاة على محمد و آله (4).

و أما في الأوليين من الجهرية، فإن سمع صوت الإمام- و لو همهمة- وجب عليه ترك القراءة (5).

______________________________

(4) ففي صحيح ابن جعفر (عليه السلام): «عن رجل صلّى خلف إمام يقتدى به في الظهر و العصر يقرأ؟ قال (عليه السلام): لا، و لكن يسبّح و يحمد ربّه و يصلّي على نبيّه (صلّى اللّه عليه و آله)»(1).

و في صحيح بكر بن محمد: «إنّي أكره للمرء أن يصلّي خلف الإمام صلاة لا يجهز فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار. قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟

قال (عليه السلام): «يسبّح»(2).

(5) لا خلاف نصّا و فتوى في أصل مرجوحيتها، و إنّما الخلاف في استظهار الكراهة من الأدلّة أو الحرمة فنسبت الأولى إلى الأشهر تارة و المشهور أخرى.

و الثانية إلى جمع من القدماء و المتأخّرين، و قد تقدّمت عبارة المستند في الأمر الثامن مما تعرّضنا له في أول هذا الفصل، فراجع.

و استدلّ على الحرمة بجملة من النصوص:

منها: ما مرّ من صحيح ابن الحجاج (3).

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «و إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الأولتين و أنصت لقراءته، و لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول للمؤمنين وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ يعني: في الفريضة خلف الإمام- فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فالأخيرتان تبع الأولتين» (4).

و منها: خبر قتيبة عن الصادق (عليه السلام): «و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (5).

ص: 42


1- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- تقدم في صفحة: 40.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.

.....

______________________________

و منها: صحيح ابن جعفر (عليه السلام): «عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة و هو يقتدي به، هل له أن يقرأ من خلفه؟ قال (عليه السلام): لا، و لكن ينصت للقرآن» (1). إلى غير ذلك من الأخبار.

و نوقش فيها أولا: بورود النهي مورد توهم الوجوب فليس ظاهرا في الحرمة.

و ثانيا: بأنّه قد علل عدم القراءة في صحيحي زرارة و ابن الحجاج بالإنصات و هو مندوب إجماعا فكيف يكون ترك القراءة واجبا و فعلها حراما.

و يرد: بأنّه من الحكم المترتبة على ترك القراءة لا العلة الحقيقة فلا بأس بعدم كونه واجبا.

و ثالثا: أنّ ما دلّ من المطلقات على النهي عن القراءة خلف الإمام، كما مرّ في القسم الأوّل من الأخبار في حكم الإخفاتية محمول على الكراهة و هي بإطلاقها تشمل الجهرية فتصير قرينة على عدم إرادة الحرمة في هذه الأخبار أيضا.

و يرد: بأنّ إرادة الكراهة منها في خصوص الإخفاتية كانت قرينة خارجية، مثل خبر المرافقي، و هي تختص بخصوص الإخفاتية فبقي ظهور النّهي في غيرها بحاله.

رابعا: بأنّ قول الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة: «إذا سمع صوته فهو يجزئه، و إذا لم يسمع صورته قرأ لنفسه» (2) يناسب الكراهة لا الحرمة.

و يرد: بأنّ لفظ الإجزاء من الألفاظ اللااقتضائية تناسب الإلزاميات و غيرها، و لفظ (لا تقرأ) مقتض للحرمة، فيصح أن يكون قرينة على التصرّف في الأجزاء بخلاف العكس.

و بعبارة أخرى: الأخذ بالحرمة في المقام من باب الأخذ بالأظهر في مقابل الظاهر، و خلاصة دليل القائلين بالحرمة ظاهر النهي عن القراءة، و خلاصة دليل القائلين بالكراهة سقوط الظهور لما مرّ من المناقشات.

و الحق أنّ الجزم بالحرمة مشكل مع قوة احتمال أن تكون مثل هذه النواهي من الأمور الأخلاقية المجاملية، لمراعاة شأن الإمام و مقام إمامته، كما يأتي في

ص: 43


1- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 16.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

بل الأحوط و الأولى الإنصات (6)، و إن كان الأقوى جواز الاشتغال

______________________________

الخامس من مكروهات الجماعة: إذ يبعد جدّا وجود مفسدة ذاتية في قراءة المأموم في الجهرية خلف الإمام.

ثمَّ إنه على فرض ثبوت الحرمة هل هي تكليفيّة محضة أو وضعية توجب بطلان الصّلاة، مقتضى استصحاب صحة الصّلاة هو الأولى و الثانية تحتاج إلى دليل و هو مفقود إلّا أن يدخل في الزيادة العمدية التي يأتي حكمها. و لكنّه مع ذلك مشكل، لأنّ ظاهر النصّ و الفتوى أنّ ما يتعلق بصلاة الجماعة من مراعاة المأموم جانب الإمام له الحكم التكليفي فقط لا الوضعي كما يأتي في لزوم متابعة المأموم للإمام في الأفعال.

(6) لدعوى الإجماع على استحبابه و نسب ذلك إلى الأصحاب ما عدا ابن حمزة، و يظهر ذلك من قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (1) أيضا، لأنّ تعريض النفس للرحمة مندوب راجح شرعا و عرفا، فيقال في المحاورات: يا بنيّ افعل كذا لعلّك تنال منّي تلطفا و شفقة. نعم، يجب تعريضها لرفع العذاب، بل و دفعه أيضا، لقاعدة دفع الضرر.

ثمَّ إنّ الإنصات إما عن التكلّم الخارجي فقط كما يقتضيه ما قالوه في شأن نزول الآية من أنّهم كانوا يتكلّمون في الصلاة مما يتعلق بها فنهوا عن ذلك فلا ينافي حينئذ الذكر و الدعاء و التسبيح، و كذا إن كان عن التكلّم و خصوص القراءة.

و إما عن حركة اللسان أصلا لكل ذكر و تسبيح و تهليل و يكون المراد سكونه من هذه الجهة. و ينافي حينئذ مطلق الذكر و التسبيح و التهليل و المنساق منه عرفا هو الإنصات عن التكلم الخارجي أو عنه و عن نفس القراءة أيضا و أما إمساك اللسان عن كلّ ذكر فلا يستفاد منه.

و قد فسّر الإنصات بالاستماع و توطين النّفس عليه و بالسكوت، و كلّ ذلك لا ينافي الذكر و التسبيح الخفيّ الذي لا يسمع، لأنّه يصح في المحاورات أن يقال:

ص: 44


1- سورة الأعراف: 204.

بالذكر (7) و نحوه. و أما إذا لم يسمع- حتّى الهمهمة- جاز له القراءة (8). بل الاستحباب قويّ (9). لكن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنية الجزئية (10)، و إن كان الأقوى

______________________________

سكت و استمعت إلى قول المتكلّم و هلّت اللّه تعالى بلساني و لا تنافي شي ء من ذلك. و لو وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فالمقام من صغريات الأقلّ و الأكثر للعلم بشمول الدليل للتكلّم و الشك في شموله لغيره فيرجع إلى الأصل، و قد ورد النص على طبق هذا المتفاهم العرفي أيضا، ففي صحيح أبي المعزى:

«كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فسأله حفص الكلبي فقال: «إنّي أكون خلف الإمام و هو يجهر بالقراءة، فأدعو و أتعوّذ قال (عليه السلام): نعم، فادع» (1)، و في خبر زرارة: «فأنصت و سبّح في نفسك» (2)و إطلاقهما يشمل صورة سماع القراءة أيضا.

(7) للأصل، و لما مرّ من الصحيح.

(8) نصّا، و إجماعا، و تقدم في صحيح ابن الحجاج قوله (عليه السلام):

«و إن لم تسمع فاقرأ» (3) و نحوه غيره المحمول على الندب بقرينة صحيح ابن يقطين: «سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة. قال (عليه السلام): لا بأس إن صمت و إن قرأ» (4) و هذا نصّ في الجواز، و مثل صحيح ابن الحجاج ظاهر في الوجوب، فيحمل على الندب مع قصوره عن إفادة الوجوب لولاه، لكونه في مقام توهّم المنع، فما نسب إلى جمع من وجوب القراءة منهم الشيخ في المبسوط لا وجه له كما لا وجه لما نسب إلى آخرين من الإباحة.

(9) لما مرّ من أنّه مقتضى الجمع بين الأخبار و على ذلك جرت عادة الفقهاء في نظائر المقام.

(10) خروجا عن خلاف ما نسب إلى الحلّي من القول بالحرمة و إن لم

ص: 45


1- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 13.

الجواز بقصد الجزئية أيضا (11).

و أما في الأخيرتين من الإخفاتية أو الجهرية فهو كالمنفرد في وجوب القراءة أو التسبيحات مخيّرا بينهما (12)، سواء قرأ الإمام فيهما أو

______________________________

تثبت النسبة، و عن خلاف من قال بالإباحة بناء على عدم الجزئية حينئذ و لكنّه مخدوش لإمكان قصد الجزئية للفرد بقراءة القرآن، و الذكر، و الدّعاء المشروع في الصلاة و يرشد إليه قوله (عليه السلام): «كلّ ما ذكرت اللّه فهو من الصلاة» (1)، بل و من إطلاقه يستفاد صحة قصد الجزئية لطبيعة الصلاة أيضا لكن لا بنحو الجزئية المقوّمة، لأنّ للجزئية بنظر العرف، مراتب متفاوتة، و في بعض أخبار علل الصلاة أنّ فيها «المداومة» على ذكر اللّه عزّ و جلّ- الحديث-» (2)و إطلاقه يشمل كل ذكر للّه تعالى و لو لم يكن من واجباتها.

(11) لما مرّ من إمكان استفادتها من الأدلة، و أصالة عدم المانعية بعد قصور الأدلّة عن إثباتها.

(12) لدليل التخيير، و أصالة بقائه في جميع كيفيات الصلاة جماعة كانت أو غيرها، مضافا إلى صحيح ابن سنان في أخيرتي الإخفاتية عن الصادق (عليه السلام): «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ و كان الرجل مأمونا على القرآن، فلا تقرأ خلفه في الأولتين و قال (عليه السلام): يجزيك التسبيح في الأخيرتين قلت: أي شي ء تقول أنت؟

قال: «أقرأ فاتحة الكتاب»(3).

و ظهوره في التخيير مما لا ينكر و إجمال الذيل. في أنّه (عليه السلام) يختار الفاتحة مطلقا أو حين الائتمام بغيره، أو حين الإمامة لغيره لا يضرّ بالظهور، مع أنّ المنساق منه عرفا هو الثاني و لعلّ وجه اختياره لها إنّما هو لأجل بيان التشريع عملا

ص: 46


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 7.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9.

.....

______________________________

أيضا لا لجهة أخرى و لا معارض لدليل التخيير إلّا جملة من الأخبار التي من أجلها تشتت الأقوال:

منها: ما رواه في المعتبر عن ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «إذا كان مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين» (1).

و فيه- أولا: أنّه مرسل، و ثانيا: يحتمل اتحاده مع ما مرّ من صحيح ابن سنان، و احتمال عثور المحقق (رحمه اللّه) على ما خفي على غيره بعيد في العادة. و ثالثا: أنّه محمول على أفضلية اختيار التسبيح.

و منها: ما مرّ من صحيح زرارة من قوله (عليه السلام): «و لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين- إلى أن قال (عليه السلام) و الأخيرتان تبع للأولتين» (2).

و فيه- أولا: معارضته في الأولتين بما مرّ من صحيح أبي المعزى (3)، و خبر زرارة (4)، و مقتضى كون الأخيرتين تبعا للأولتين كما في ذيله سقوط ظهور النّهي في الأخيرتين أيضا عن إثبات الحرمة.

و ثانيا: قوله (عليه السلام): «لا تقرأنّ شيئا» ظاهر عرفا في القراءة المعهودة و هي الحمد و السورة، فلا يشمل التسبيح، و مع الشك في ذلك لا يصح التمسّك به و حينئذ فيحمل في الأخيرتين على مرجوحية القراءة بالنسبة إلى التسبيحات كما مرّ في حكم الأخيرتين.

و ثالثا: أنّ الذيل مجمل جدّا إذ فيه احتمالات.

الأول: التبعية في الجهر و الإخفات.

الثاني: التبعية في الإنصات و الاستماع.

الثالث: في اختيار الحمد دون التسبيح.

الرابع: في الجعل الأولى مع قطع النظر عن التسهيلات الأخر التي قررها الشارع. و مع هذه الاحتمالات كيف يعتمد عليه في الجزم بالحكم.

ص: 47


1- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
2- مرّ ذكره في صفحة: 42.
3- مرّ ذكرهما في صفحة: 45.
4- مرّ ذكرهما في صفحة: 45.

أتى بالتسبيحات، سمع قراءته أو لم يسمع (13).

مسألة 2: لا فرق في عدم السماع بين أن يكون من جهة البعد، أو من جهة كون المأموم أصمّ، أو من جهة كثرة الأصوات أو نحو ذلك

(مسألة 2): لا فرق في عدم السماع بين أن يكون من جهة البعد، أو من جهة كون المأموم أصمّ، أو من جهة كثرة الأصوات أو نحو ذلك (14).

مسألة 3: إذا سمع بعض قراءة الإمام فالأحوط الترك مطلقا

(مسألة 3): إذا سمع بعض قراءة الإمام فالأحوط الترك مطلقا (15).

______________________________

و منها: ما تقدم من صحيح ابن يقطين: «في الركعتين اللتين يصمت فيها الإمام- الحديث-» (1).

و فيه: أنّه قد مرّ استظهار أولتي الإخفاتية منه، و مع الشك في شموله للمقام لا وجه للتمسك به كما تقدّم، و حيث إنّه قد استقرّ المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها على تخيير المأموم في الأخيرتين بين الحمد و التسبيحات حتّى صار ذلك قريبا من الضروريات بين الإمامية، مع أنّه لا مدرك لسائر الأقوال إلّا هذه الأخبار الظاهرة الخدشة، فلا وجه للتفصيل بأزيد من ذلك و اللّه هو العالم.

(13) لشمول ما تقدّم من الدليل لجميع هذه الصور.

(14) للإطلاق الشامل لتمام الأقسام، مع كونه من المسلّمات لدى الأعلام.

(15) الوجوه المحتملة أربعة: الأوّل- جواز القراءة مطلقا بدعوى انصراف دليل المنع إلى صورة سماع التمام، و الظاهر أنّ هذا الانصراف بدويّ لا اعتبار به لدى الأنام.

الثاني: المنع مطلقا بدعوى أنّ المراد سماع صرف الوجود أعمّ من التمام و البعض و يصحّ دعوى مساعدة العرف عليه، لأنّ غيره يحتاج إلى مزيد عناية في الكلام و هي مفقودة.

الثالث: المنع بالنسبة إلى خصوص المسموع و الجواز بالنسبة إلى غيره

ص: 48


1- مرّ ذكره في صفحة: 41.
مسألة 4: إذا قرأ بتخيّل أنّ المسموع غير صوت الإمام ثمَّ تبيّن أنّه صوته

(مسألة 4): إذا قرأ بتخيّل أنّ المسموع غير صوت الإمام ثمَّ تبيّن أنّه صوته لا تبطل صلاته. و كذا إذا قرأ سهوا في الجهرية (16).

مسألة 5: إذا شك في السماع و عدمه

(مسألة 5): إذا شك في السماع و عدمه، أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره فالأحوط الترك، و إن كان الأقوى الجواز (17).

______________________________

بدعوى انحلال قوله (عليه السلام): «إن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ» (1) إلى ذلك، فلا يقرأ كل ما لم يسمع و هذا الوجه حسن ثبوتا و موافق للاحتياط، و لكن الدليل قاصر عن إثباته.

الرابع: الشروع في القراءة حين عدم السماع و الإمساك عنها حين السماع و هكذا، و هذا الوجه ساقط ثبوتا و إثباتا، و الأحوط الثاني إن كان بقصد الجزئية، و يجوز مطلقا إن كان بقصد القربة المطلقة.

(16) لحديث «لا تعاد» و ظهور تسالم الأصحاب في جميع ذلك.

فرع: الظاهر صدق السماع و لو كان بالآلات المكبّرة الحادثة في هذه الأعصار، للإطلاق، و الصّدق العرفي.

إن قلت: على هذا إذا كان رؤية أول شهر رمضان بها مع عدم تحقق الرؤية من أحد، فاللازم وجوب الصّوم، مع أنّهم لا يقولون به.

قلت: إن كانت الآلة بحيث يرى الهلال كل من يمر عليها- كما في مكبّرة الصوت- لقلنا بوجوب الصوم أيضا و إن لم تصدق الرؤية عرفا، و لم أر من قال بعدم الوجوب حينئذ.

(17) لأصالة البراءة عن المانعية، و يصح استصحاب عدم السماع بالعدم الأزلي و لا إشكال فيه- كما أثبتناه في الأصول- إلّا عدم كونه مأنوسا في الأذهان العرفية.

إن قيل: لا وجه لها، مع أصالة الاحتياط في الجماعة.

قلت: هي تجري فيما يتعلّق بتحققها خارجا- على فرض صحة جريانها و قد

ص: 49


1- تقدم ذكره في صفحة: 41.
مسألة 6: لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام

(مسألة 6): لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام (18) و إن كان الأحوط ذلك (19). و كذا لا تجب المبادرة إلى القيام حال قراءته، فيجوز أن يطيل سجوده و يقوم، بعد أن يقرأ الإمام في الركعة الثانية بعض الحمد (20)

______________________________

أثبتنا بطلان جريانها و لا تجري في أحكامها بعد التحقق عند المتشرّعة.

إن قيل: فيما إذا علم إجمالا بالقراءة و ترددت بين كونها من الإمام أو من غيره كيف يجري الأصل مع العلم الإجمالي؟

يقال: حيث لا أثر لسماع قراءة الغير يجري الأصل في سماع قراءة الإمام بلا معارض كما ثبت في محلّه.

(18) لأنّها واجب غيريّ للقراءة، فتنتفي بانتفائها، و احتمال أن تكون واجبا نفسيا في الصلاة، أو في الجماعة حال قراءة الإمام. مندفع بالأصل حتّى عند من يقول بأصالة الاحتياط في الجماعة، لأنّها فيما يتحقق به أصل انعقادها لا في الجهات الخارجية بعد الانعقاد، مع أنّ الظاهر أنّه لا قائل بذلك.

(19) لظاهر السيرة، و احتمال أن تكون شرطا للقراءة بالمعنى الأعم من المباشرة لها، و تحمّل الإمام عنها. و لكن السيرة أعم من الوجوب، و الاحتمال حسن ثبوتا و لا دليل عليه إثباتا.

(20) الاحتمالات في هذا القيام خمسة: كونه شرطا لإتيان القراءة بالمباشرة، و شرطا لها بالمعنى الأعم من المباشرة و تحمل الإمام، و كونه واجبا نفسا، أو واجبا في الجماعة، أو شرطا لها بالمعنى الأعم من مباشرة القراءة و تحمّل الإمام عنها، و المتعيّن هو الأول. و يكفي الأصل في نفي البقية.

إن قلت: يجب الإتيان به لوجوب المتابعة، كما سيأتي.

قلت: المنساق من دليل وجوبها إنّما هو في الأفعال المستقلّة الواجبة الصّلاتية، مثل الركوع و السجود و نحوهما فلا يشمل ما يكون شرطا لما لا يجب على المأموم.

ص: 50

مسألة 7: لا يجوز أن يتقدّم المأموم على الإمام في الأفعال

(مسألة 7): لا يجوز أن يتقدّم المأموم على الإمام في الأفعال (21)، بل يجب متابعته- بمعنى: مقارنته- أو تأخّره عنه تأخّرا غير فاحش (22).

______________________________

(21) لاتفاق الإمامية، بل المسلمين على المتابعة في الجملة فتوى و عملا و لأنّه المنساق من البناء على الاقتداء و الائتمام و الجماعة عرفا، و للأخبار الآمرة باشتغال المأموم بالتسبيح عند الفراغ من القراءة قبل فراغ الإمام منها انتظارا لركوع الإمام فيركع معه (1)، و لما ورد في ترك المأموم للسورة إن ركع الإمام قبل فراغه عن القراءة (2)، و للنبويّ المعمول به:

«إنّما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، و إذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا» (3)، و النبوي الآخر: «أما يخشى الذي يرفع رأسه و الإمام ساجد أن يحوّل اللّه تعالى رأسه حمار» (4).

و ما دلّ على العود إلى الركوع أو السجود لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام (5). و المستفاد من الكلّ إنّما هو اعتبار المقارنة العرفية.

(22) للإجماع، و لصدق المتابعة على ما إذا كانت أفعال التابع مقارنة زمانا مع أفعال المتبوع أو تأخّرت عنها زمانا، و لا يفرق العرف بعد تحقق عنوان الاقتداء و الائتمام بينهما أصلا، و هذا هو المقصود من مورد الإجماع و النبويّ أيضا، سواء كانا في مقام بيان المتابعة العرفية أم في مقام بيان النهي عن التقدم و التأخّر الفاحش. و الظاهر جريان السيرة على الاكتفاء بالمقارنة خصوصا في الصف الأول.

و دعوى أنّ المنساق من قوله (صلى اللّه عليه و آله): «فإذا كبّر فكبّروا ..»

ص: 51


1- الوسائل باب: 35 من أبواب صلاة الجماعة.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة.
3- ورد بعض الحديث في مستدرك الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة.
4- راجع كنز العمال ج: صفحة: 118.
5- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة.

و لا يجوز التأخّر الفاحش (23).

______________________________

هو التأخّر الزّماني، لاقتضاء كلمة (الفاء) ذلك. بلا شاهد، لأنّ الفاء لمطلق الترتب أعم من الخارجي و الزماني و الرتبي، فيقال: دخل زيد الدار فعمرو، و انقضى شهر شعبان فدخل شهر رمضان، و تحرّكت اليد فتحرّكت المفتاح. فلا بد في تعيين أحدها من قرينة خارجية، مع أنّ في دلالة فاء الجزائية على التعقيب كلام مذكور في محلّه، لصحة قولنا: إن كان النهار موجودا فالشمس طالعة، و إن كان هذا ضاحكا فهو إنسان إلى غير ذلك مما يصح فيه استعمال أداة الشرط و كلمة الفاء مع عدم التعقيب فيه، فليست كلمة فاء الجزاء ظاهرة في التعقيب مطلقا إلّا بدليل خارجيّ يدل عليه و لا دليل كذلك في البيّن، و يصح أن تكون في المقام للترتيب الخارجيّ و هما لا ينافيان المعية الزمانية، كما لا يخفى.

(23) لبطلان الجماعة بزوال هيئتها حينئذ عرفا، و المراد بعدم الجواز هو التكليفيّ منه، كما يأتي، و ليس له اللحوق بها ثانيا، لكونه حينئذ من الائتمام في الأثناء بناء على شمول دليله لمثل المقام أيضا.

و هل يكون للتأخر الفاحش تحديد شرعيّ أولا، بل هو موكول إلى عرف المتشرعة و ما جرت عليه السيرة؟ قد يستدل على الأول بما يأتي في المسألة الثامنة عشر: من جواز ترك السورة لدرك المتابعة فيستفاد منه أنّ التأخّر عن الإمام مطلقا لا يجوز. و لكنّه مشكل، لأنّ الأخبار الآتية في مقام بيان الاهتمام بالمتابعة و أنّ مراعاتها أولى من إتيان السورة. و أما تحديد مانعية التأخّر بذلك فلا يستفاد منها كما لا يخفى، و في الجواهر عن الذكرى ما نصّه: «و لو سبق الإمام المأموم بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه و التحق بالإمام، سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا، أو لعذر، و قد مرّ مثله في الجمعة و لا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن أو أكثر عندنا».

أقول: و هو المطابق، لأصالة بقاء الائتمام و الاقتداء، كما لا يخفى، فالمتابعة إما محدودة بحدّ شرعيّ أو تكون دقّية عقلية، أو عرفية دقيّة، أو مسامحية عرفية. و الأول لا دليل عليه، و الثاني لا وجه لها، إذ لا مدخل للدقيّات العقلية في الشرعيات خصوصا في مثل هذا الأمر العام البلوى. و كذا الثالث لأنّه مخالف

ص: 52

مسألة 8: وجوب المتابعة تعبديّ

(مسألة 8): وجوب المتابعة تعبديّ و ليس شرطا في الصحة (24).

______________________________

للأصل و لا يستفاد من الأدلة التي وصلت إلينا، فيتعيّن الأخير، و هو الموافق لسهولة الشريعة في ما عمت الحاجة.

(24) محتملات المتابعة خمسة:

الأول: كونها واجبة في أصل الصّلاة حال الجماعة و لا دليل عليه، فمقتضى الأصل عدمه.

الثاني: كون المتابعة في كل جزء من الصلاة في الجماعة شرطا لصحة الجماعة في تمام الصلاة بحيث لو تركت في جزء بطلت في تمامها، و ظاهر الأصحاب، و مقتضى السيرة و ما إذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود من النص الدال على صحة الجماعة و لزوم العود بطلان هذا الوجه أيضا.

الثالث: كونها شرطا انحلاليّا عرفيا، بمعنى أنّ ترك المتابعة في كل جزء يوجب بطلانها في خصوص ذلك الجزء فقط مع بقائها بالنسبة إلى البقية ما دامت الهيئة باقية عند المتشرّعة.

و فيه: أنّ زوال الهيئة عن جزء عرفا مع بقائها بالنسبة إلى البقية خلاف المتفاهم العرفي و مرتكزات المتشرعة.

الرابع: الوجوب الغيري الانبساطي بالنسبة إلى جميع الأجزاء بحيث لا ينافي المسامحات العرفية، كوجوب الاستقرار و الطمأنينة في الصلاة الذي لا ينافي بعض الحركات اليسيرة عرفا، فالمتابعة بما هي أمر عرفيّ قابل للمسامحة في الجملة كسائر الموضوعات العرفية تكون شرطا للجماعة، و حينئذ فما دامت الهيئة باقية عرفا تكون المتابعة و الجماعة باقية أيضا و إن حصل التقدم أو التأخّر عن الإمام في الجملة، و إن زالت تبطل الجماعة قهرا بزوال المتابعة. و الحق أنّ هذا وجه صحيح عرفيّ مناسب لسهولة الشريعة في هذا الأمر العام البلوى مع ما عليه العوام غالبا من الاختلاف و المسامحة في هذه الجهات في الجماعات خصوصا في الجماعات العظيمة، كما لا يخفى على من تأمل فيها.

ص: 53

فلو تقدّم أو تأخّر فاحشا عمدا أثم (25)، و لكن صلاته صحيحة (26).

و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة (27)، خصوصا إذا كان التخلّف في ركنين، بل في ركن (28). نعم، لو تقدّم أو تأخّر على وجه

______________________________

الخامس: كون المتابعة واجبا نفسيا، كما نسب إلى المشهور، فلا يضرّ التخلف ما دامت الهيئة باقية. و هو وجه حسن ثبوتا، و لكنّه مخالف لما يظهر منهم التسالم عليه من أنّ الأوامر و النواهي المتعلقة بالمركبات ظاهرة في الغيرية إلّا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام، مع أنّه مستلزم للإثم مع المخالفة عمدا و هو بعيد عن مذاق الشارع في مثل هذا الأمر العام البلوى، كما لا يخفى، مع أنّه لا دليل على الإثم مع المخالفة إلّا ما مرّ من النبوي: «إما يخشى الذي يرفع رأسه ..» (1)، و في كفايته لثبوت الإثم إشكال لورود مثله كثيرا في الآداب و السنن. ثمَّ إنّه لو فرض تحقق الإثم فهو مكفر بالعود إلى المتابعة، مثل اللمم المكفرة بالصلاة و نحوها من الحسنات.

(25) بناء على الوجوب النفسي، كما هو المشهور، و لكن إثباته بالدليل مشكل، و موافقته بلا دليل أشكل.

(26) لأنّ بطلانها إما لأجل كون المتابعة عند الجماعة شرطا في صحة الصلاة، و قد مرّ أنّ ظاهرهم خلافه. و أما لأجل أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه، و قد ثبت في محلّه فساده، مع أنّه مبنيّ على كون المتابعة واجبا نفسيا، و لا دليل عليه إلّا الشهرة، كما مرّ. و حينئذ فمقتضى الأصل و الإطلاق الصحة.

(27) للخروج عن خلاف ما نسب إلى الصدوق و الشيخ من بطلان الصلاة حينئذ إن ثبتت النسبة.

(28) أما الصحة فلأصالة بقاء هيئة الجماعة، و أما الاحتياط فلاحتمال كون التخلّف في ركن فضلا عن الركنين موجبا لزوال الهيئة لدى المتشرّعة و لكنّه مخالف للاستصحاب خصوصا إذا كان الإمام سريعا في أفعاله، و لما حكي عن

ص: 54


1- تقدم في صفحة: 51.

تذهب به هيئة الجماعة بطلت جماعته (29).

مسألة 9: إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهوا

(مسألة 9): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام- سهوا، أو لزعم رفع الإمام رأسه- وجب عليه العود و المتابعة و لا يضرّ زيادة الركن حينئذ، لأنّها مغتفرة في الجماعة في نحو ذلك (30). و إن لم

______________________________

الذكرى: «و لا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن أو أكثر عندنا» فإنّه ظاهر في الإجماع على بقاء القدوة. و حكي عن التذكرة التوقف في بطلان القدوة بالتأخّر بركن، و أنّ المرويّ بقاء القدوة. رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن (عليه السلام):

«في من لم يركع ساهيا حتّى انحط للسجود» (1).

و خلاصة القول: إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء القدوة ما لم تذهب بحسب أنظار المتشرعة، سواء كان التخلّف عمدا، أم عذرا أم سهوا. و ما يقال: من أنّ الشبهة مفهومية لا يجري فيها الاستصحاب مردود: بأنّ الجماعة من الأمور العرفية اعتبر فيها الشارع أمورا فتصير الشبهة موضوعية قهرا، فراجع ما ذكرناه سابقا.

(29) لزوال القدوة عرفا فتبطل الجماعة قهرا، و تصح الصّلاة إن لم يكن في البيّن ما يوجب بطلانها على كلّ تقدير.

(30) البحث في هذه المسألة تارة بحسب الأصل، و أخرى بحسب الأدلّة العامة، و ثالثة بحسب الأدلّة الخاصة.

أما الأول فمقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي الصحة، كما ثبت في الأصول.

و أما الثاني فمن المسلمات لديهم أنّ زيادة الركن و نقيصته عمدا و سهوا يوجب بطلان الصلاة، و لكن الزيادة تتصوّر بأنحاء ثلاثة: فإما أن يأتي به بعنوان الجزئية، أو يكون بلا قصد الجزئية و لا قصد عدمها، و ثالثة أن يكون بعنوان آخر مما فيه غرض صحيح عقلائي، كأن يركع لأن يحك رجله، أو المتابعة إمامه مثلا.

و المنساق مما دل على البطلان بها هو الأول، و لو فرض الشمول للثاني فلا وجه

ص: 55


1- الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

.....

______________________________

للشمول للأخير، فلا دليل على البطلان بحسب الأدلة العامة.

إن قيل: إنّ مقتضى ما ورد في سجدة العزيمة في الصلاة من أنّها زيادة في الفريضة كون القسم الثالث أيضا من الزيادة فيترتّب عليه أحكامها.

قلت: المراد بالزيادة في سجدة العزيمة مجرد الزيادة الصورية لا الزيادة الاصطلاحية في الركن. و إلّا لزم البطلان فيما إذا أتى بسجدة العزيمة مرّتين سهوا، و لا قائل به. و في المقام نقول بالزيادة أيضا و لكن لا دليل على أن كل زيادة توجب البطلان و سجدة العزيمة خرجت بالنص الخاص(1) مع أنّ هذا التعليل مورد البحث في مورده فلا وجه للتعدّي منها إلى المقام و حينئذ فيجوز زيادة الركوع و السجدتين للمتابعة مطلقا، سواء كان برفع رأسه من الركوع قبل الإمام عمدا أو سهوا أو جهلا. هذا بحسب القاعدة و لكن الظاهر عدم التزام المشهور بذلك و إن لم يكن لهم دليل بحسب الأدلّة العامة.

و أمّا الأدلّة الخاصّة فهي على قسمين:

الأول: صحيح عليّ بن يقطين: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه. قال (عليه السلام): يعيد ركوعه معه» (2)، و صحيح ابن يسار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل صلّى مع إمام يأتم به، ثمَّ يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود.

قال (عليه السلام) فليسجد» (3)، و نحوه غيره.

الثاني: خبر غياث بن إبراهيم: «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه معه؟

قال (عليه السلام): لا» (4). و المعارضة بينهما ظاهرة.

و دفعت المعارضة بينهما تارة: بطرح خبر غياث، لقصور سنده. و يرد:

بانجباره بعمل المشهور حيث حملوه على صورة العمد، فيستفاد من ذلك اعتمادهم على سنده حيث تصرّفوا في دلالته.

ص: 56


1- راجع الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

يعد أثم و صحّت صلاته (31)، لكن الأحوط إعادتها بعد الإتمام (32)، بل لا يترك الاحتياط إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب و لم يتابع، مع الفرصة لها (33). و لو ترك المتابعة حينئذ- أو لزعم عدم الفرصة- لا تجب.

______________________________

و أخرى: بحمله على نفي الوجوب فيحمل الصحيحان على الندب لا محالة، و هو جمع شائع في الفقه. و ثالثة: بحمل الصحيحين على السهو، كما هو المنساق عند المتشرّعة، و حمل خبر غياث على العمد. و خير الوجوه أوسطها.

(31) لما مرّ من كون المتابعة واجبا نفسيا لا غيريا، فتصح الصلاة و إن أثم على فرض الوجوب.

(32) لاحتمال كون الأمر بالعود إرشادا إلى الجزئية فتبطل حينئذ لترك الجزء عمدا، و لكنّه ضعيف جدّا.

(33) الركوع و السجود الواجب للمتابعة يحتمل وجوها:- الأول: أن يكون ركنا مستقلا في مقابل الركوع الركني الصّلاتي فيعتبر فيه جميع ما يعتبر في الركن و يحكم عليه بتمام أحكامه، و إقامة الدليل عليه مشكل، بل ممنوع. و خصوصية الركنية جهة مشكوكة مدفوعة بالأصل، و لكن نسب إلى ظاهر المشهور الركنية، و لا دليل لهم على ذلك.

الثاني: أن يكون واجبا نفسيا في صلاة الجماعة لا ركنا فيها و لا جزءا منها، و هو الظاهر من الأدلّة على فرض تمامية دلالتها على الوجوب، و الظاهر من جملة من الكلمات.

الثالث: أن يكون هو الركن فقط، و قد ألغى الشارع ركنية ما أتى به أولا، و هو احتمال لا تساعده الأدلّة، و لا مرتكزات المتشرّعة، و لا ظاهر المشهور حيث نسب إليهم: أنّه لو رفع رأسه من الركوع عمدا لا يجوز له المتابعة لزيادة الركن.

و لو كان الأول ملغى مطلقا لما كان وجه لهذا التعليل، كما لا يخفى، مع أنّه يستلزم بطلان الصلاة بتركه عمدا أو سهوا، و لا يقولون، بل يصرّحون بخلافه.

الرابع: أنّ الركن المركب: منهما معا، و هو أيضا كسوابقه في البطلان.

الخامس: أن يكون واجبا نفسيا مع بقاء محل الركوع الأول إن ترك الذكر فيه

ص: 57

الإعادة (34)، و إن كان الرفع قبل الذكر (35).

هذا و لو رفع رأسه عامدا لم يجز له المتابعة، و إن تابع عمدا بطلت صلاته للزيادة العمدية (36). و لو تابع سهوا فكذلك إذا كان

______________________________

مثلا، و هو حسن ثبوتا و لا دليل عليه إثباتا، و لذا نفى الريب في الجواهر عن عدم البطلان لو لم يتابع لفوات محل الذكر برفع الرأس، و لو وجب الذكر في الثاني لكان واجبا آخر يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و لو كان المحل باقيا لصحّت الصلاة و الجماعة في ما إذا ترك الذكر في الركوع الأول عمدا و رفع رأسه سهوا ثمَّ تابع، و لم أر من قال بالصحة حينئذ عاجلا.

(34) لعدم كونه من ترك الذكر الواجب عمدا حتّى تجب الإعادة. أما في صورة السهو فلفرض تحقق السهو و الغفلة فلا تكليف بالمتابعة حينئذ حتّى توجب مخالفته المحذور، و مقتضى الأصل، و حديث «لا تعاد ..» عدم وجوب الإعادة.

و أما في الصورة الثانية فلزعم عدم التمكّن منه فلا يتحقق موضوع الترك العمدي حينئذ حتّى يوجب البطلان، مضافا إلى ما مرّ في أصل لزوم العود من الإشكال.

(35) أي: إذا كان الرفع قبل الذكر سهوا. و أما لو كان ذلك عمدا فلا إشكال في البطلان، كما يأتي.

(36) لما مرّ من خبر غياث بعد حمله على صورة العمد بقرينة غيره، و للزيادة العمدية، كما في المتن. و يمكن المناقشة في الزيادة العمدية، فإنّ عمدة الدليل على البطلان بها إنّما هو الإجماع و المتيقّن منه صورة الإتيان بقصد الجزئية لا المتابعة أو لغرض صحيح آخر، و في خبر غياث بما مرّ في وجوه دفع المعارضة بينه و بين الصحيحين، و لذا قيل باستحباب العود في هذه الصورة أيضا، بل بوجوبه، كما عن المفيد (رحمه اللّه) في المقنعة. أما لحمل الصحيحين على الندب مطلقا و رفع اليد عن ظهورهما في الوجوب بقرينة خبر غياث، أو لطرح خبر غياث، لقصور سنده عن معارضة غيره، و لكن قد مرّ أنّ المتفاهم منهما عرفا صورة السهو فلا يشملان صورة العمد مع قطع النظر عن خبر غياث، مع أنّ قصور سند خبر غياث مجبور بالعمل، لقبول المشهور له و حملهم إيّاه على مورد العمد.

ص: 58

ركوعا، أو في كلّ من السجدتين (37). و أما في السجدة الواحدة فلا (38).

مسألة 10: لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهوا ثمَّ عاد إليه للمتابعة

(مسألة 10): لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهوا ثمَّ عاد إليه للمتابعة، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع فالظاهر بطلان الصّلاة، لزيادة الركن، من غير أن يكون للمتابعة، و اغتفار مثله غير معلوم (39) و أما في السجدة الواحدة إذا عاد إليها و رفع الإمام رأسه

______________________________

و حينئذ فلو أتى به ثانيا بقصد الجزئية تبطل الصلاة للزيادة، و لخبر غياث، و لو أتى به بعنوان الرجاء فقط ينحصر وجه البطلان في شمول دليل الزيادة العمدية له بعد الشك في صدق زيادة الركن عليه و ظهور خبر غياث في غيره، إذ المنساق منه عرفا صورة الإتيان بعنوان الجزئية و المشروعية لا الرجاء المحض، و شمول دليل الزيادة العمدية لما يؤتي به رجاء مشكل إن لم يكن إجماع في البين، و يأتي التفصيل في محلّه.

(37) بناء على صدق الركن على المأتيّ به بعنوان المتابعة أيضا، و حينئذ تكون زيادته العمدية و السهوية موجبة للبطلان على ما هو المتسالم بينهم في جميع الأركان، و لكنّ الشأن في الجزم بالصغرى، للإشكال في أصل الجزئية فضلا عن الركنية.

(38) لعدم كونها ركنا و زيادة غير الركن سهوا لا توجب البطلان نصّا و إجماعا، و يأتي التفصيل في محلّه.

(39) إن قلنا بأنّ الركوع و السجود المأتيّ به متابعة ليس جزءا صلاتيا بل إنّما هو شي ء أوجبه الشارع حفظا لصورة المتابعة مهما أمكن، كما ندب في الجماعة إلى بعض الأمور لذلك أيضا مما سيأتي، فلا موضوع لزيادة الركن، و لا موجب للبطلان أصلا، لكونه حينئذ من الزيادة السهوية المحضة المغتفرة، و إن قلنا بأنّه ركن و أنّ المغتفر منه للمتابعة في الجماعة أعم من المتابعة الخارجية و الاعتقادية، كما لا يبعد فكذلك أيضا، لأنّ كون المراد بالمتابعة خصوص

ص: 59

قبله فلا بطلان، لعدم كونه زيادة ركن و لا عمدية، لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام (40).

مسألة 11: لو رفع رأسه من السجود، فرأى الإمام في السجدة فتخيّل أنّها الأولي

(مسألة 11): لو رفع رأسه من السجود، فرأى الإمام في السجدة فتخيّل أنّها الأولي، فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية حسبت ثانية. و إن تخيّل أنّها الثانية فسجد أخرى بقصد الثانية، فبأن أنّها

______________________________

الخارجية منها يحتاج إلى تقييد وجوبها بما إذا أحرز المأموم بقاء الإمام في الركوع أو السجود حتّى يتابعه، و ظاهر الإطلاق خلافه.

إن قلت: ظاهر قوله (عليه السلام): «يعيد ركوعه معه» (1) هو تحقق المعية الخارجية فلا يكفي مجرد الاعتقادية منها.

قلت: ليس لفظ معه في السجود و إنّما هو في الركوع فقط، و يمكن أن يكون التقييد به لأجل بيان حكمة وجوب العود لا التقييد الحقيقي الذي يدور الحكم معه خارجا وجودا و عدما، و إن شككنا في أنّ المأتيّ به للمتابعة ركن أو لا؟

فمقتضى أصالتي الصحة و البراءة عدم وجوب الإعادة عند السهو و الغفلة إلّا متحقق الإجماع على البطلان، و لم أظفر عليه عاجلا و إن كان يظهر منهم التسالم عليه، و في كونه من الإجماع المعتبر إشكال بل منع، إذ الاهتمام بالمتابعة و الترغيب إليها شرعا إنّما هو لإيجاد الدّاعي لدرك فضل الجماعة و ذلك يقتضي التوسعة في ما هو معرض للتخلّف و الاختلاف في هذا العمل فيمكن استظهار عدم البطلان من الأدلّة بالمناسبات المغروسة في الأذهان.

(40) لاحتمال أن يكون تحقق العمد في أصل إتيانها في الجملة موجبا لجريان حكم الزيادة العمدية عليها، و لكنه احتمال ضعيف، لأنّ الإتيان بها بداعي التبعية يخرجها عن حكم الزيادة العمدية فيرجع إلى أصالتي الصحة و البراءة عن الإعادة حينئذ، و لكن الاحتياط حسن على كلّ حال.

ص: 60


1- تقدم في صفحة: 56.

الأولى حسبت متابعة (41) و الأحوط إعادة الصلاة في الصورتين (42) بعد الإتمام.

مسألة 12: إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمدا لا يجوز له المتابعة

(مسألة 12): إذا ركع أو سجد قبل الإمام عمدا لا يجوز له المتابعة (43)، لاستلزامه الزيادة العمدية (44). و أما إذا كانت سهوا وجبت

______________________________

(41) لكونه قاصدا للأمر الفعلي الواقعي فيكون قصد المتابعة في الصورة الأولى، و قصد الثانية في الصورة الأخيرة من الخطإ في التطبيق، و ذلك لا يكون مانعا عن صحة الامتثال بالنسبة إلى الأمر الواقعيّ المقصود في الجملة.

و ما قيل: من أنّ سجود المتابعة لا يقصد به الجزئية، مع أنّه لا بد في الجزء من قصد الجزئية، فكيف يكون جزءا في الصورة الثانية.

مدفوع: بأنّ القصد الارتكازي إلى الأمر الفعليّ الواقعي مشتمل على قصد الجزئية الواقعية ارتكازا أيضا، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك في قصد الجزئية فقصد الأمر الواقعي ملازم لقصد الجزئية في الجملة مع مصادفة المقصود للواقع، كما هو المفروض.

(42) لاحتمال اعتبار القصد التفصيليّ فيما يكون متابعيا، و ما يكون جزءا، و لكنه لا دليل عليه، بل الأصل ينفيه، و إن كان الاحتياط حسنا مطلقا.

(43) الوجوه المتصوّرة عشرة، لأنّ دخول المأموم في الركوع: إما أن يكون قبل دخول الإمام فيه، أو معه، أو بعده، و رفع الرأس من الركوع: إما أن يكون قبل رفع الإمام رأسه عنه، أو معه، أو بعده، فهذه تسعة صور، و في جميع هذه الصور يجتمع المأموم مع الإمام في الركوع في الجملة. و العاشرة أن يركع قبل الإمام و يرفع رأسه قبل دخول الإمام في الركوع فلا يجتمع المأموم مع الإمام في الركوع أصلا، و مورد البحث هذه الصورة. و نسب إلى الشهرة العظيمة عدم جواز المتابعة فيها، و علّلوه بلزوم زيادة الركن. و إطلاق هذا التعليل مشكل.

(44) بناء على أنّ الركوع و السجود المتابعيّ من الزيادة العمدية إما لما مرّ من خبر غياث بعد حمله على صورة العمد، أو لظهور التسالم على البطلان، و إلّا

ص: 61

المتابعة، بالعود إلى القيام أو الجلوس، ثمَّ الركوع أو السجود معه (45).

و الأحوط الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين بأن يأتي بالذكر ثمَّ يتابع، و بعد المتابعة- أيضا- يأتي به (46).

______________________________

فمقتضى أصالتي الصحة و البراءة الصحّة و عدم لزوم الإعادة بعد عدم دليل معتبر على جريان حكم الزيادة العمدية عليه من إجماع محقق أو نصّ معتمد.

(45) أما في الركوع، فلموثق ابن فضال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): في الرجل كان خلف إمام يأتم به، فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثمَّ أعاد ركوعه مع الإمام، أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب (عليه السلام): تتم صلاته، و لا تفسد صلاته بما صنع» (1).

بعد حمل الظنّ فيه على مطلق العذر الذي يشمل السهو أيضا كما هو الظاهر. و أما في السجود، فلظهور عدم الفصل بينهما لدى المتشرّعة، و عدم القول بالفصل عند الفقهاء و إن حكي التشكيك فيه عن الذخيرة، لكنه من مجرد الشبهة لا القول بالفصل.

و أما وجوب الرجوع فيهما دون مجرد الجواز فلوجوب المتابعة مع الإمام في صلاته و صحة دعوى العلم بوحدة المناط في المقام و بينما إذا رفع رأسه قبل الإمام من الركوع أو السجود سهوا، مضافا إلى أنّ قوله (عليه السلام): «تتم صلاته بم صنع» جملة خبرية في مقام الإنشاء، أي: فليصنع هكذا و يتم صلاته كذلك.

(46) قد مرّ احتمالات الركوع و السجود المتابعيّ في المسألة التاسعة، و وجوب الذكر في الأول متعين، لكونه الركن و الجزء الأصليّ الصلاتيّ. و أما الثاني فيكفي في نفي وجوبه أصالة البراءة بعد عدم دليل عليه. نعم، لو لم يستظهر من الأدلة شي ء و علم إجمالا بأنّ الركن و الجزء الصلاتيّ مردد بينهما لوجب الاحتياط بإتيان الذكر فيهما، و كذا لو ثبت أنّ الركوع و السجود المتابعيّ يعتبر فيهما

ص: 62


1- الوسائل باب: 48 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

و لو ترك المتابعة عمدا أو سهوا لا تبطل صلاته، و إن أثم في صورة العمد (47). نعم، لو كان ركوعه قبل الإمام في حال قراءته فالأحوط البطلان مع ترك المتابعة (48). كما أنّه الأقوى إذا كان ركوعه قبل الإمام عمدا في حال قراءته، لكن البطلان حينئذ إنّما هو من جهة

______________________________

جميع ما يعتبر في الأصليّ الحقيقيّ منهما، و قد مرّ أنّ الجزء الصّلاتيّ بحسب المنساق من الأدلّة هو الأول فلا أثر للعلم الإجمالي حينئذ، لانحلاله. كما أنّه بعد عدم الدليل على أنّه يعتبر في المتابعيّ ما يعتبر في الأصليّ يرجع إلى أصالة البراءة، فلا دليل على وجوب الاحتياط بإتيان الذكر في الثاني و إن كان لا ريب في حسنه.

(47) أما عدم البطلان رأسا فلما مرّ من تسالمهم على كون المتابعة واجبا نفسيا لا شرطا في أصل الصلاة.

و أما اختصاص الإثم بصورة العمد فلأنه لا إثم مطلقا إلّا مع العمد و الالتفات، و الظاهر أنّه من الآثام المكفرة بإتيان الحسنات.

(48) منشأ البطلان منحصر بأنّه حينئذ من ترك القراءة و بدلها عمدا مع بقاء المحل. و لكنّه مشكل، بل ممنوع، لأنّه مع فرض صحة الركوع- كما هو المشهور- لحديث «لا يعاد ..» لا وجه لبقاء المحل، مع أنّ الجزم بأنّه من ترك القراءة و بدلها لا وجه له، لاحتمال أن تكون قراءة الإمام بدلا بما للمأموم من العوارض و الطواري السهوية، و هو الذي يقتضيه التسهيل في هذا الأمر العام البلوى عند عوام الناس و سوادهم خصوصا في صدر الشريعة.

و ما يقال: من أنّ حكم الشارع بوجوب الركوع يكون بمنزلة بقاء المحل.

باطل: لأنّ محل القراءة قبل الركوع الركني الذي هو الجزء الأصليّ للصلاة لا التبعي الذي لا دليل على جزئيته أصلا و إنّما وجب في خبر من الأخبار التبعية فقط، و لو اعتبر فيه ما يعتبر في الركوع الأصليّ لأشير إليه في خبر من الأخبار في هذا الحكم الابتلائي لعامة الناس. و من ذلك كله يظهر وجه الاحتياط.

ص: 63

ترك القراءة، و ترك بدلها، و هو قراءة الإمام (49). كما أنّه لو رفع رأسه عامدا قبل الإمام، و قبل الذكر الواجب بطلت صلاته، من جهة ترك الذكر (50).

مسألة 13: لا يجب تأخّر المأموم أو مقارنته مع الإمام في الأقوال

(مسألة 13): لا يجب تأخّر المأموم أو مقارنته مع الإمام في الأقوال، فلا تجب فيها المتابعة (51)، سواء الواجب منها و المندوب،

______________________________

(49) بناء على أنّ قراءة الإمام بدل عن قراءة المأموم، كما هو المعروف و أما بناء على أنّ الإتمام موجب لسقوط القراءة عن المأموم رأسا فتصح صلاته و لا شي ء عليه، لفرض سقوط القراءة عنه، و كذا بناء على البدلية عن قراءة المأموم بما للمأموم من الطواري و العوارض المغتفرة. نعم، لو كان ركوعه قبل الإمام عن علم و عمد و التفات بالحكم تبطل صلاته بناء على هذا المبني، و لكن الشأن في إثباته.

(50) إن كان عمدا، و ترك كل ما يجب في الصّلاة عمدا يوجب البطلان.

(51) لأنّ المغروس في الأذهان: أنّ الجماعة عبارة عن المتابعة في الأفعال و الهيئات الصلاتية، و لذا لم يسأل أحد من المعصومين (عليهم السلام) عن المخالفة القولية، و لم يرد عنهم (عليهم السلام): حكم ابتدائي في ذلك مع أنّه من الابتلائيات للمتشرّعة، فيصح الرجوع في عدم وجوبها إلى البراءة بعد فقد الدليل على عدم لزوم المتابعة و إن قلنا بأصالة الاحتياط في باب الجماعة، إذ الاحتياط إنّما هو ما يتعلق بهيئتها الخارجية لا في ما لا ربط له بها عرفا مع أنّ مقتضى عمومات وجوب الأقوال و الأذكار صحة إتيانها كيف شاء المأموم بخلاف الأفعال التي دل دليل خاص على لزوم المتابعة فيها، و قد تقدّم بيانه. و لذا نسب إلى المشهور عدم وجوبها في الأقوال.

إن قلت: إطلاق دعوى الإجماع على وجوب المتابعة يشمل الأقوال أيضا.

قلت: كيف يشملها مع ذهاب الأكثر إلى الخلاف، مضافا إلى أنّ المتيقن منه خصوص الأفعال.

إن قيل: مقتضى النبويّ (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتم

ص: 64

و المسموع منها من الإمام و غير المسموع (52)، و إن كان الأحوط التأخّر (53)، خصوصا مع السماع (54)، و خصوصا في التسليم (55) و على أيّ حال لو تعمّد فسلّم قبل الإمام لم تبطل صلاته (56). و لو كان سهوا لا

______________________________

به فإذا كبّر فكبّروا، و إذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا» (1) لزوم المتابعة في الأقوال أيضا، لأنّ ذكر التكبير من باب المثال.

قلت: المنساق عرفا من قوله (صلى اللّه عليه و آله): «إذا كبّر فكبّروا ..»

عدم انعقاد الجماعة بالدخول فيها قبل تكبيرة الإمام لا لأجل أنّها من الأقوال حتّى تكون مثالا للجميع و تجب المتابعة فيها، فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم وجوب المتابعة في الأقوال مطلقا.

(52) لجريان الأصل و الإطلاق بالنسبة إلى الجميع، و في صحيح أبي المعزى: «في الرجل يصلّي خلف إمام فسلّم قبل الإمام. قال (عليه السلام):

ليس بذلك بأس»(2)، و في صحيح الحلبي: «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، فقال (عليه السلام): يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ، (3). و إطلاقهما يشمل صورة عدم قصد الانفراد أيضا، و لو جعلنا السلام من باب المثال يشمل جميع الأقوال.

(53) خروجا عن خلاف من أوجبه، كما نسب إلى الشهيد في الدروس و غيره.

(54) لإمكان أن يقال: إنّ مراد من أوجبه في هذه الصورة فقط، و في خصوص الواجب منها.

(55) لتقييد الجميع جواز التسليم قبل الإمام بصورة العذر و قصد الانفراد و إن كان إطلاق ما مرّ من الصحيحين حجة عليهم.

(56) لأنّ وجوب المتابعة على فرض ثبوته نفسيّ لا غيريّ. نعم، لو قلنا

ص: 65


1- تقدم في صفحة: 51.
2- الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

تجب إعادته بعد تسليم الإمام (57).

هذا كلّه في غير تكبيرة الإحرام. و أما فيها فلا يجوز التقدم على الإمام (58)، بل الأحوط تأخّره عنه، بمعنى أن لا يشرع فيها إلّا بعد فراغ الإمام منها، و إن كان في وجوبه تأمّل (59).

______________________________

بعدم جواز قصد الانفراد في صلاة الجماعة يشكل صحة الصلاة من هذه الجهة، و لكن قد مرّ ضعفه. ثمَّ إنّ الظاهر اتصاف تمام صلاة المأموم لو سلّم قبل الإمام بالجماعة، لصدق الائتمام و الاقتداء بالنسبة إلى تمام صلاته عرفا فيثاب في تمام صلاته بثواب الجماعة، بل لا يبعد درك الجماعة في تمام صلاة الإمام أيضا، لإمكان استفادة ذلك من إطلاق الصحيحين بدعوى أنّ المنساق منهما أنّ درك معظم الجماعة مع الإمام كدرك التمام.

(57) للأصل، و إطلاق ما مرّ من الصحيحين.

(58) لعدم تحقق عنوان الائتمام قبل شروع الإمام في الصلاة، و لو شك في ذلك فمقتضى الأصل عدمه أيضا، و لظهور الإجماع، و لخبر عليّ بن جعفر (عليه السلام): عن أخيه (عليه السلام): «في الرجل يصلّي إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال لا يكبّر إلّا مع الإمام، فإن كبّر قبله أعاد»(1).

و قد أورد الحميري هذا الخبر في صلاة الجنازة و تبعه صاحب الوسائل.

(59) خلاصة القول في التكبير: أنها تارة: تصدر من المأموم قبل شروع الإمام فيها، و قد مرّ عدم انعقاد الجماعة بذلك. و أخرى: بعد تمام الإمام لها، و لا إشكال في الانعقاد حينئذ. و ثالثة: مع الإمام حدوثا و تماما. و رابعة: معه حدوثا و قبله تماما. و خامسة: بعد شروعه حدوثا و قبله تماما. و سادسة: بعد شروعه حدوثا و بعده، تماما إلى غير ذلك من الصور المتصوّر. و حكم الكل إما بحسب الأصل فمقتضاه عدم تحقق الائتمام و عدم انعقاد الجماعة إلّا في المعلوم المتيقّن،

ص: 66


1- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

.....

______________________________

و هو ما إذا شرع المأموم فيها بعد فراغ الإمام منها.

و أما بحسب و مرتكزات المتشرّعة، فحيث إنّ صلاة الإمام و المأموم مطلقا صلاة واحدة عرفا و بمنزلة صلاة شخص واحد و إن كثر المأمومون و طالت الصفوف، ففي جميع الصور يمكن القول بصحة الائتمام و الاقتداء، و لتحقق الارتباط الصّلاتي عرفا، و صدق الائتمام و الاقتداء لدى المتشرّعة خرج من ذلك ما إذا كبّر المأموم قبل شروع الإمام في التكبيرة، لما مرّ و تصح في بقية الصور، و صورة فراغ المأموم منها قبل فراغ الإمام أو شروع الإمام مع تحقق المعية العرفية في الجملة و لا يضر الاختلاف اليسير، لصدق الائتمام و الارتباط الصلاتي عرفا، فيكون مثل ما إذا كبّر الصف السابق و اللاحق معا دفعة واحدة، و لم أر من قال بالبطلان فيه عاجلا حتّى من الذين يقولون بعدم كفاية التهيّؤ.

و أما بحسب الأدلة الخاصة فقد يقال: إنّ مقتضى قوله (صلّى اللّه عليه و آله) في ما مرّ من النبوي: «فإذا كبّر فكبّروا ..» (1)هو تأخّر شروع المأموم في التكبيرة عن إتمام الإمام لها.

و يرد عليه: ما مرّ من عدم استفادة ذلك منه إلّا بدليل خارجيّ، مع إمكان أن يقال إنّ النبويّ في مقام بيان عدم التقدّم في التكبيرة و غيرها على الإمام، كما هو الشائع بين العوام في هذه الأعصار فضلا عن الأعصار القديمة فيكبّرون بمحض قيام الإمام للصلاة و ليس في مقام بيان التأخّر و لزومه، مع أنّ ما مرّ من خبر عليّ بن جعفر نصّ في صحة المقارنة و إطلاقه يشمل التكبيرة الواجبة و المندوبة، كما أنّ حصره الظاهر في عدم التأخّر محمول على الإضافيّ بالنسبة إلى التقدّم لا الحقيقي من كل جهة حتّى يشمل التأخّر أيضا مع إمكان إرادة المعية العرفية منه فيشمل التأخر غير الفاحش عرفا أيضا.

و الحاصل: إنّ مقتضى مرتكزات المتشرعة، و المنساق من الأدلة الخاصة، و بناء الشارع على التسهيل في الأمور الابتلائية جواز المقارنة العرفية الحاصلة في جميع الصور المتقدمة، و من ذلك كلّه يظهر وجه التأمّل في وجوب التأخّر، كما لا يخفى.

ص: 67


1- تقدم في صفحة: 51.
مسألة 14: لو أحرم قبل الإمام سهوا أو بزعم أنّه كبّر كان منفردا

(مسألة 14): لو أحرم قبل الإمام سهوا أو بزعم أنّه كبّر كان منفردا، فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة، و أتمّها أو قطعها (60).

______________________________

(60) إحرام المأموم قبل الإمام إما عمديّ، أو سهويّ، أو بزعم إحرامه، أو عن جهل بالحكم أصلا. أما الأول فقد مرّ عدم انعقاد الجماعة به، و تصح صلاته فرادى إلّا إذا كان بعنوان التشريع و قلنا بأنّه يوجب بطلان العبادة، فتبطل التكبيرة حينئذ فلا وجه لانعقاد الصّلاة بها، و مثله صورة الجهل بالحكم إن قلنا إن الجاهل به مثل العامد.

و أما ما مرّ من خبر عليّ بن جعفر (عليه السلام): من قوله (عليه السلام):

«فإن كبّر قبله أعاد» فهو يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد به التكبيرات المندوبة، فلا ربط له بالمقام.

الثاني: الأعم منها و من التكبير الواجب فتبطل أصل الصلاة فتجب الإعادة حينئذ.

الثالث: خصوص تكبيرة الإحرام فيبطل الائتمام و الاقتداء فإن أراد الجماعة أعاد التكبيرة حينئذ مع الإمام أو بعده.

و كل من هذه الوجوه إما في صورة العمد أو السهو أو بزعم إحرامه، و ليس الخبر ظاهرا في واحد منها مع قصور سنده. نعم، لو قلنا بجواز قطع الفريضة لدرك الجماعة، لأنّ عمدة دليل حرمة قطعها الإجماع، و شموله للمورد غير معلوم يكون جواز القطع و الإعادة حينئذ مطابقا للأصل.

إن قلت: من استحباب العدول إلى النافلة لمن أراد الجماعة، كما سيأتي في المسألة السابعة و العشرين يستفاد عدم جواز القطع مع عدم العدول.

قلت: إنّه عمل مستحب في نفسه و لا يستفاد منه حرمة القطع بدونه لو لم يدل عليه دليل آخر، كما لا يخفى.

ثمَّ لو قطع و اقتدى من دون العدول و قلنا بحرمة ذلك، فالظاهر سقوط إثمه بدرك فضل الجماعة إذا «الحسنات يذهبن السيّئات». و أما إذا أحرم سهوا أو بزعم إحرام الإمام فلا إشكال في صحة صلاته، و حينئذ يصح له العدول إلى النافلة

ص: 68

مسألة 15: يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع و السجود أزيد من الإمام

(مسألة 15): يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع و السجود أزيد من الإمام. و كذا إذا ترك بعض الأذكار المستحبة يجوز له الإتيان بها، مثل تكبير الركوع و السجود و بحول اللّه و قوّته و نحو ذلك (61).

مسألة 16: إذا ترك الإمام جلسة الاستراحة

(مسألة 16): إذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده لا يجوز للمأموم- الذي يقلّد من يوجبها، أو يقول بالاحتياط الوجوبي- أن يتركها. و كذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرّة، مع كون المأموم مقلّدا لمن يوجب الثلاث و هكذا (62).

مسألة 17: إذا ركع المأموم ثمَّ رأى الإمام يقنت في ركعة لا قنوت فيها

(مسألة 17): إذا ركع المأموم ثمَّ رأى الإمام يقنت في ركعة لا قنوت فيها يجب عليه العود إلى القيام، لكن يترك القنوت. و كذا لو رآه جالسا يتشهّد في غير محلّه وجب عليه الجلوس معه، لكن لا يتشهّد

______________________________

و إتمامها أو قطعها، لما يأتي في المسألة السابعة و العشرين، كما يجوز له الإتمام منفردا و في جواز قطعها لدرك الجماعة من دون العدول إلى النافلة وجه، لأنّ المتيقن من الإجماع الدال على حرمة قطع الفريضة- على فرض تمامية الإجماع- إنّما هو فيما إذا لم يكن في البين غرض صحيح، و درك الجماعة غرض صحيح بلا إشكال، بل هو أولى قطعا من جملة مما ورد في الأخبار من جواز قطعها.

(61) كل ذلك لإطلاق أدلّة مشروعيتها الشامل لحال الجماعة و غيرها لكن مع مراعاة المتابعة العرفية، و لو أتى بها و اختلفت المتابعة تصحّ جماعته و صلاته إن لم يكن التأخّر عن الإمام فاحشا و إلّا تبطل الجماعة و تصح الصلاة إن لم يخل بوظيفة المنفرد، و الوجه في كل ذلك واضح، كما مرّ.

(62) البحث في هذه المسألة من جهتين:

الأولى: إذا كانت صلاة المأموم مع الإمام مخالفة فيما يعتبر في الصّلاة، و سيأتي حكمها مفصلا في المسألة الواحدة و الثلاثين.

الثانية: جواز أن يأتي المأموم بما يتركه الإمام و قد مرّ حكمه في المسألة السابقة، فراجع.

ص: 69

معه. و هكذا في نظائر ذلك (63).

مسألة 18: لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة

(مسألة 18): لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة (64)، غير القراءة في الأولتين إذا ائتمّ به فيهما. و أما في الأخيرتين فلا يتحمّل عنه، بل يجب عليه بنفسه أن يقرأ الحمد أو يأتي بالتسبيحات، و إن قرأ الإمام فيهما و سمع قراءته (65). و إذا لم يدرك

______________________________

(63) البحث في هذه المسألة أيضا من جهتين:

الأولى: وجوب المتابعة مع الإمام في الفعل الذي صدر منه في غير المحل بتمامه، و لا دليل على الوجوب، بل مقتضى الأصل عدمه، لأنّ عمدة الدليل على وجوب متابعة المأموم للإمام إنّما هو الإجماع، و المتيقن منه غير مثل هذه الأفعال، فللمأموم أن يطيل الركوع فإذا أراد الإمام أن يركع يقوم فيركع، و هكذا في غيره.

الثانية: وجوب الإتيان بالقنوت أو التشهّد، و لا إشكال في عدم الوجوب، للأصل بعد عدم دليل على لزوم متابعة المأموم للإمام في الأقوال خصوصا في مثل ما صدر منه غفلة و بلا وجه، فلا تجب متابعته في تمام القيام أو تمام الجلوس، و لا في الأقوال الصادرة من الإمام، لعدم كونهما جزءا صلاتيا، فلا بأس للمأموم أن يطيل الركوع أو السجود، فإذا تمَّ قنوت الإمام أو تشهّده يرفع رأسه فيركع أو يقوم معه.

(64) للأصل و إطلاق أدلّة وجوب أجزاء الصّلاة- فعلية كانت أو قولية- و لما يأتي من الموثق.

(65) لموثق سماعة: «إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة» (1)، و مثله غيره. و إنّما المنساق منها ما تعيّنت فيها القراءة و تعارفت فلا يشمل الأخيرتين لا سيّما في الحكم المخالف للأصل و الإطلاق. كما أنّ إطلاقه يشمل صورة سماع القراءة و عدمه.

ص: 70


1- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

الأولتين مع الإمام وجب عليه القراءة فيهما (66) لأنّهما أوّلتا صلاته (67)

______________________________

(66) لإطلاق أدلّة وجوبها، و انصراف ما دلّ على سقوطها عن المأموم إلى خصوص الأولتين مع دركه لها، مضافا إلى نصوص خاصة، كصحيح زرارة:

«إن أدرك من الظهر- أو من العصر أو من العشاء- ركعتين و فاتته ركعتان، قرأ في كلّ ركعة- مما أدرك خلف إمام- في نفسه بأم الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب .. إلى أن قال (عليه السلام)-: و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأم الكتاب و سورة، ثمَّ قعد فتشهّد، ثمَّ قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة» (1).

و صحيح ابن الحجاج عن الصادق (عليه السلام): «عن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال (عليه السلام): اقرأ فيهما، فإنّهما لك الأولتان، و لا تجعل أول صلاتك آخرها» (2)، و قريب منهما غيرهما.

و قد أفتى بها جمع من المتقدّمين، و جماعة من متأخّري المتأخّرين.

و عن الحلبي و العلّامة في جملة من كتبه: استحباب القراءة، لقصور النصوص المزبورة عن إثبات الوجوب لاشتمالها على جملة من آداب الجماعة التي ليست بواجبة، و قد استقصاها في الجواهر، فراجع.

و يرد- أولا: بأنّ صحيح ابن الحجاج ليس مشتملا على الآداب.

و ثانيا: بأنّ عدم الوجوب في الآداب لأجل قرينة خارجية لا يدل على عدمه في غيرها أيضا و مثل هذا شائع في الأخبار، كما لا يخفى. كما لا وجه لحمل النصوص بالنسبة إلى القراءة على الاستحباب أيضا جميعا بينها و بين ما دلّ على ضمان الإمام لها، لما مرّ من انصرافها بل ظهورها عرفا في الأولتين مع درك المأموم لها.

(67) هذه العلّة مذكورة في صحيح ابن الحجاج، كما مرّ، و يشهد له الاعتبار أيضا.

ص: 71


1- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

و إن لم يمهله الإمام لإتمامهما اقتصر على الحمد و ترك السورة و ركع معه (68). و أما إذا أعجله عن الحمد أيضا فالأحوط إتمامهما (69)

______________________________

(68) لأنّه يصح أن يستدل على جواز ترك السورة تارة: بأهميّة متابعة الإمام منها على ما هو المتسالم بينهم.

و أخرى: بما مرّ في فصل القراءة من جواز تركها للاستعجال. و ثالثة بما مرّ في صحيح زرارة، مضافا إلى مسلميّة الحكم لدى الفقهاء (قدّس سرّهم) و ظهور إجماعهم عليه.

(69) هذه المسألة مبنية على إحراز أهمية درك المتابعة حتّى من الفاتحة أو العكس، أو إنّه لم يحرز أنّ الأهمية في أيّ منهما. فعلى الأول يكون حكم الفاتحة حكم السورة من غير فرق بينهما من هذه الجهة أصلا. و على الثاني يتعيّن إتيانها و ترك المتابعة. و على الثالث يتخيّر بين أيّهما شاء. و في الجواهر استظهر الأول، و استشهد عليه بشواهد، تسهل الخدشة فيها، فراجع و تأمّل.

و عمدة ما يصح الاستشهاد به لسقوط الحمد: صحيح معاوية بن وهب:

«عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام- و هي أول صلاة الرجل- فلا يمهله حتّى يقرأ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال (عليه السلام): نعم» (1).

و لا ريب في ظهوره في سقوطها. و لكن أشكل عليه تارة: بأنّه خلاف المشهور. و يرد بأنّه لم يثبت ذلك. و أخرى باشتماله على ما لا يقول به أحد: من قضاء القراءة بعد الصّلاة. و يرد: بأنّه لا يضر. و ثالثة: باحتمال أن يكون المراد بالقراءة خصوص السورة. و يرد بأنّه خلاف الظاهر و رابعة: بأنّه خلاف مرتكزات المتشرعة. و يرد: بأنّه لا عبرة بها مع الدليل على الخلاف.

ثمَّ إنّ كون الأحوط الإتمام و اللحوق في السجود إذا لم يكن ذلك من التأخّر الفاحش، و إلّا فالاحتياط في الانفراد ثمَّ الإعادة. أما الاحتياط في الانفراد فلاحتمال أهميّة قراءة الفاتحة من المتابعة. و أما الاحتياط في الإعادة فلاحتمال

ص: 72


1- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

و اللحوق به في السجود أو قصد الانفراد. و يجوز له قطع الحمد و الركوع معه، لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة (70).

مسألة 19: إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها

(مسألة 19): إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها (71)،

______________________________

اختلاف حقيقة الجماعة مع الانفراد فلا يصح العدول حينئذ. و الكل احتمال في احتمال.

(70) مقتضى ما تقدم من صحيح ابن وهب صحة الصّلاة و عدم الاحتياج إلى الإعادة. و وجوب هذا الاحتياط مبنيّ على تمامية بعض المناقشات في الصحيح، كما مرّ، و إلّا فلا وجه لوجوبه أصلا، لما عرفت من عدم تمامية شي ء من المناقشات.

و توهم: أنّه يجب الانفراد حينئذ لئلّا يقع في تفويت غرض الشارع.

فاسد: لأنّ موضوع المزاحمة شرعا إنّما هو في صورة البناء على الائتمام، و ليس ذلك تفويتا للغرض، لأنّه إذا قطع الفاتحة و تابع الإمام يتدارك الواقع بالمتابعة، و كذا العكس إن بقيت المتابعة عرفا. و ليس في البين تفويت غرض حتّى يحرم.

فروع- (الأول): لو قدر على قراءة الحمد و بعض السورة لا تجب قراءة البعض، للأصل، و التقييد في صحيح زرارة بالتمام.

(الثاني): إذا قدر على قراءة السورة سريعا يجب ذلك، للأصل و الإطلاق.

(الثالث): الظاهر جريان هذا التفصيل في التسبيحات الأربع أيضا.

(71) للإطلاق، و الاتفاق، و في صحيح ابن أبي عبد اللّه عن الصادق (عليه السلام): «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته، و هي ثنتان لك- الحديث-» (1)، و قد مرّ في أوّل هذا الفصل.

ص: 73


1- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

و وجب عليه القراءة في ثالثة الإمام الثانية له (72)، و يتابعه في القنوت في الأولى منه (73)، و في التشهّد (74)، و الأحوط التجافي فيه (75)

______________________________

(72) لعموم دليل وجوبها من غير مخصص، مضافا إلى ما مرّ في المسألة السابقة من الأدلّة الخاصة.

(73) لموثق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام، فقنت الإمام، أ يقنت معه؟

قال (عليه السلام): نعم، و يجزئه من القنوت لنفسه» (1).

و لا ريب في استفادة أصل المشروعية منه، أما الوجوب فمقتضى الأصل عدمه بعد قصور الموثق عن إثبات غير المشروعية. نعم، لا ريب في أصل رجحانه لأنّه دعاء، خصوصا في الجماعة لأجل المتابعة و لو لا الموثق لأمكن إثبات أصل الرجحان بذلك أيضا. و هل يجوز له إتيان مثل هذا القنوت بقصد الجزئية؟

فيه إشكال، إلّا أن يستفاد من قوله (عليه السلام): «و يجزيه عن القنوت لنفسه» فإنّه ظاهر في أنّه هو القنوت المعتبر في الصّلاة، و حينئذ فلا يصح له الإتيان به في الركعة الثانية بقصد الجزئية، و هو خلاف السيرة و الأفضل قصد الرجاء في القنوتين لو أتى بهما، و كذا في أحدهما.

(74) لموثق الحسين بن المختار و داود بن الحصين: «سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين، فهي الأولى له و الثانية للقوم، يتشهّد فيها؟ قال (عليه السلام): نعم. قلت: و الثانية أيضا؟ قال (عليه السلام):

نعم. قلت: كلهنّ؟ قال (عليه السلام): نعم، و إنّما هي بركة» (2)، و مثله غيره.

و منه يظهر جواز جمع تشهّدات أربع في صلاة المأموم أحيانا. و الكلام في قصد الجزئية أو الرجاء فيه ما مرّ في القنوت.

لصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): قال: «من أجلسه

ص: 74


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القنوت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 66 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

كما أنّ الأحوط التسبيح (76) عوض التشهّد، و إن كان الأقوى جواز التشهّد بل استحبابه أيضا (77). و إذا أمهله الإمام في الثانية له للفاتحة و السورة و القنوت أتي بها (78). و إن لم يمهله ترك القنوت (79) و إن لم يمهله للسورة تركها (80). و إن لم يمهله لإتمام الفاتحة- أيضا-

______________________________

الإمام في موضع- يجب أن يقوم فيه- يتجافى، أو أقعى إقعاء و لم يجلس متمكنا» (1).

و في صحيح ابن الحجاج: «يتجافى و لا يتمكن من القعود» (2).

و ظاهر الأمر هو الوجوب، و لذا ذهب إليه جمع، و لكن نسب إلى ظاهر الأكثر الاستحباب حملا للأمر عليه، لورود لفظ القعود في خبري إسحاق ابن يزيد، و عليّ بن جعفر (عليه السلام) (3)، و الجلوس في خبر عبد الرحمن (4).

و بعد التقييد في مثل المقام، إذ لعلّ الحكمة في رجحان التجافي إظهار أنّ هذا الجلوس للمأموم ليس جلوسا ذاتيا، بل هو عرضيّ في محل الإشراف على القيام، و هي تناسب الندب لا الوجوب.

(76) لا شاهد عليه، كما اعترف في الجواهر، و لكن نسب إلى جمع الأمر بالتسبيح و المنع عن التشهّد، و لعلّ الوجه فيه أنّه كما أنّ الجلوس ليس جلوسا تشهّديا فليكن ذكره أيضا كذلك، و لكنّه من مجرّد الاستحسان.

(77) للأمر به المحمول على الندب إجماعا، و قد مر في قوله (عليه السلام): «إنّما هي بركة» و لا يبعد كونه شاهدا على الندب أيضا.

(78) لإطلاق دليلها، و استصحاب التكليف بها من غير دليل على الخلاف من إجماع أو نصّ معتبر.

(79) لأنّه مندوب، و المتابعة واجبة، و لا تزاحم بينهما، كما لا يخفى.

(80) لما مرّ من صحيح زرارة.

ص: 75


1- الوسائل باب: 67 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 66 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 66 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

فالحال كالمسألة المتقدمة (81)، من أنّه يتمّها و يلحق الإمام في السجدة، أو ينوي الانفراد، أو يقطعها و يركع مع الإمام و يتم الصلاة و يعيدها (82).

مسألة 20: المراد بعدم إمهال الإمام- المجوّز لترك السورة ركوعه قبل شروع المأموم فيها

(مسألة 20): المراد بعدم إمهال الإمام- المجوّز لترك السورة- ركوعه قبل شروع المأموم فيها، أو قبل إتمامها (83) و إن أمكنه إتمامها قبل رفع رأسه من الركوع فيجوز تركها بمجرّد دخوله في الركوع و لا يجب الصبر إلى أواخره (84) و إن كان الأحوط قراءتها، ما لم يخف فوت اللحوق في الركوع (85)، فمع الاطمئنان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لا يتركها و لا يقطعها (86).

مسألة 21: إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له في قراءته

(مسألة 21): إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له في قراءته فقرأها و لم يدرك ركوعه لا تبطل صلاته، بل الظاهر عدم البطلان إذا تعمّد

______________________________

(81) لما تقدّم من صحيح زرارة الوارد في الركعتين الأولتين للمأموم و الأخيرتين للإمام فيشمل المقام، مع أنّ الظاهر أنّه في مقام بيان قاعدة كلية لحكم ما إذا لم يمهل الإمام المأموم للقراءة مطلقا، فلا وجه حينئذ لتوهّم الاختصاص بمورده.

(82) تقدّم ما يتعلّق به، فلا وجه للإعادة.

(83) لأنّ المرجع في تشخيص عدم الإمهال عرف المتشرعة، و هو المنساق.

مما مرّ من صحيح معاوية بن وهب(1).

(84) للأصل بعد عدم دليل عليه.

(85) لاحتمال أن يكون المراد بعدم الإمهال ذلك، و لكن لا بدّ من تقييده بعدم حصول التأخّر الفاحش الذي يفوت به هيئة الجماعة، كما إذا كان الإمام طويل الركوع جدّا، و المأموم بطي ء القراءة كذلك.

(86) لصدق بقاء الهيئة مع الاطمئنان المذكور و عدم التأخّر الفاحش.

ص: 76


1- تقدم في صفحة: 72.

ذلك، بل إذا تعمّد الإتيان بالقنوت مع علمه بعدم درك ركوع الإمام فالظاهر عدم البطلان (87).

مسألة 22: يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام و إن كانت الصلاة جهرية

(مسألة 22): يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام و إن كانت الصلاة جهرية. سواء كان في القراءة الاستحبابية- كما في الأولتين مع عدم سماع صوت الإمام- أو الوجوبية، كما إذا كان مسبوقا بركعة أو ركعتين (88)، و لو جهر جاهلا أو ناسيا.

______________________________

(87) كلّ ذلك لما مرّ من عدم كون المتابعة واجبا غيريا، و على فرض كونه كذلك، ففي كل جزء بالنسبة إلى نفس ذلك الجزء فلا يبطل أصل الجماعة ما لم يتحقق التأخّر الفاحش، و قد تقدّم أنّ زوال هيئة الجماعة في جزء من الصلاة لا يوجب زوالها في الكل إلّا مع التأخّر الفاحش.

(88) مقتضى الإطلاقات و العمومات اتحاد حكم الجماعة و الانفراد من حيث حكم الجهر و الإخفات مطلقا- ندبا كانت القراءة أو واجبة- و قد مرّ في صحيح زرارة قوله (عليه السلام): في المأموم المسبوق في الظهرين و العشاء:

«قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف إمام في نفسه بأم الكتاب و سورة- الحديث-» (1)، و عن الصادق (عليه السلام): في خبر قتيبة: «إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته، فاقرأ أنت لنفسك» (2)، و في خبر سماعة: «و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(3).

و ظهور قوله (عليه السلام): «في نفسه» في الإخفات مما لا ينكر بعد القطع بعدم إرادة مجرد حديث النفس منه.

و أما ظهور قوله (عليه السلام): «لنفسه» فيه، فمخدوش. فاستفادة التعميم الذي ذكره (قدّس سرّه) مشكل، إلّا أن يقال: إنّ ذلك مقتضى التأدّب اللازم للمأموم بالنسبة إلى القراءة التي هي من وظائف قيام الإمام بها فلا بدّ و أن لا

ص: 77


1- تقدم في صفحة: 71.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 10.

لم تبطل صلاته (89). نعم، لا يبعد استحباب الجهر بالبسملة (90) كما في سائر موارد وجوب الإخفات.

______________________________

يتجاهر المأموم بما هو وظيفة الإمام مطلقا حتّى في ما لا يقرأ الإمام فيه مراعاة لجانب الإمامة، فيكون ذلك من الحقوق اللازمة في الائتمام و من أحكام الجماعة مطلقا. و يؤيّد ذلك عدم التعرّض لحكم جهر المأموم أصلا لا بيانا من الإمام (عليه السلام)- ابتداء و لا سؤالا من الرواة- مع أنّ المسألة كانت ابتلائية، و يستفاد من ذلك أنّ السيرة كانت على الالتزام بالإخفات، كما في هذه الأعصار. فما ذهب إليه صاحب المستند من الاستحباب حتّى في المأموم المسبوق الذي ورد النص فيه، مخدوش.

(89) لما تقدم في بحث القراءة من صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل جهر في ما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال (عليه السلام): أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسيا، أو ساهيا، أو لا يدري فلا شي ء عليه، و قد تمّت صلاته» (1).

فإن شمل ذلك الجهر و الإخفات مطلقا حتّى مثل المقام و الجهر أو الإخفات المنذور فهو، و إلّا فيجري بالنسبة إلى السهو و النسيان حديث «لا تعاد ..»،

و كذا بالنسبة إلى الجهل لو قيل بشموله له. و إلّا فيشكل بالنسبة إليه، و لكن الظاهر الشمول للمقام الذي يناسب التسهيل.

(90) لإطلاق أدلّة استحباب الجهر بها الشامل للمقام أيضا. و نوقش فيه تارة: بانصراف دليل استحباب الجهر بما جعل فيه الإخفات ذاتا لا مثل المقام، و أخرى: بأنّ دليل الاستحباب أخبار ضعاف عمل بها من باب التسامح، فلا تعارض وجوب الإخفات الظاهر في الجميع حتّى البسملة. و يدفع الأوّل بظهور الإطلاق، و الثاني بالنقض بالظهرين، فإنّ الإخفات فيهما واجب مع التسالم على

ص: 78


1- الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
مسألة 23: المأموم المسبوق بركعة يجب عليه التشهّد في الثانية منه الثالثة للإمام

(مسألة 23): المأموم المسبوق بركعة يجب عليه التشهّد في الثانية منه الثالثة للإمام (91)، فيتخلّف عن الإمام و يتشهّد ثمَّ يلحقه في القيام أو في الركوع إذا لم يمهله للتسبيحات، فيأتي بها- و يكتفي بالمرّة- و يلحقه في الركوع أو السجود، و كذا يجب عليه التخلّف عنه في كلّ فعل وجب عليه دون الإمام من ركوع أو سجود أو نحوهما- فيفعله ثمَّ يلحقه، إلّا ما عرفت من القراءة في الأوليين (92).

مسألة 24: إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه

(مسألة 24): إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه، وجب عليه قراءة الفاتحة و السورة إذا أمهله لهما، و إلّا كفته الفاتحة على ما مرّ (93). و لو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضا فالأحوط عدم الإحرام إلّا بعد ركوعه، فيحرم

______________________________

استحباب الجهر بها، و الكلام في المقام عين الكلام فيهما.

فرع: بناء على عدم كون الإخفات في المقام شرطا لأصل الصلاة، فهل هو شرط في صحة الجماعة أو واجب نفسي فيهما، كما مرّ في المتابعة؟ وجهان:

الظاهر هو الأول.

(91) لوجوب التشهّد عليه، فيجب الإتيان به، مضافا إلى صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «فإذا كانت الثالثة للإمام- و هي له الثانية- فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد، ثمَّ يلحق بالإمام» (1).

(92) لعموم دليل وجوب الإجزاء مطلقا حتّى في حال الائتمام إلّا إذا ثبت أهمية وجوب المتابعة من وجوبها، فيسقط وجوب الإتيان بها حينئذ، أو لم تثبت الأهمية بينهما مطلقا فيتخيّر، و مقتضى سيرة المتشرّعة خلفا عن سلف أهمية الإجزاء مطلقا. و عن صاحب الجواهر تقوية أهمية المتابعة، و لم يستند إلى ما يصح الاعتماد عليه من نص أو إجماع معتبر، فراجع.

(93) تقدّم دليله أيضا، فلا وجه للإعادة.

ص: 79


1- الوسائل باب 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2.

حينئذ و يركع معه، و ليس عليه الفاتحة حينئذ (94).

مسألة 25: إذا حضر المأموم الجماعة و لم يدر أنّ الإمام في الأوليين أو الأخيرتين

(مسألة 25): إذا حضر المأموم الجماعة و لم يدر أنّ الإمام في الأوليين أو الأخيرتين قرأ الحمد و السورة بقصد القربة، فإن تبيّن كونه في الأخيرتين وقعت في محلّها، و إن تبيّن كونه في الأوليين لا يضرّه.

ذلك (95).

مسألة 26: إذا تخيّل أنّ الإمام في الأوليين فترك القراءة ثمَّ تبيّن أنّه في الأخيرتين

(مسألة 26): إذا تخيّل أنّ الإمام في الأوليين فترك القراءة ثمَّ تبيّن أنّه في الأخيرتين، فإن كان التبيّن قبل الركوع قرأ- و لو الحمد

______________________________

(94) هذه المسألة مبنية على جواز ترك الحمد لإدراك المتابعة، كالسورة أيضا و عدمه. فعلى الأول الذي اختاره صاحب الجواهر يدخل في الصلاة و يشرع في الحمد و إذا ركع الإمام يتركها و يركع معه، و يدل عليه ما مرّ من صحيح معاوية بن وهب. و على الثاني يصبر حتّى يركع الإمام فيلحقه في الركوع، و قد مرّ دفع المناقشات الواردة على الصحيح فلا بأس بالعمل به فيكون الاحتياط المذكور في المقام استحبابيا.

(95) للعلم الإجمالي إما بوجوب القراءة عليه أو بإحراز بدلها، و لا يحصل موافقته إلّا بذلك، و يصح التمسك بعموم وجوب القراءة أيضا.

إن قلت: يكون ذلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لفرض أن المأموم لا يدري أنّ الإمام في الأولتين أو الأخيرتين.

قلت: نعم، بأصالة عدم درك المأموم للأوليتين ينقح موضوع العام فيشمله، كما ثبت في الأصول.

إن قلت: لو لا معارضتها بأصالة عدم دخول الإمام في الأخيرتين.

قلت: أصالة عدم دخوله في الأخيرتين لا يثبت كون ما دخل فيه المأموم إحدى الأوليتين إلّا بناء على الأصل المثبت، فيجري الأصل الأول بلا معارض فيقرأ بقصد القربة المطلقة فإن صادفت محلّها وقعت في موقعها، و إلّا فلا يضرّه ذلك، إذ لا بأس بالقرآن و الدعاء و الذكر في حالات الصلاة بعنوان القربة المطلقة، كما تقدّم و يأتي.

ص: 80

فقط (96)- و لحقه. و إن كان بعده صحّت صلاته (97). و إذا تخيّل أنّه في إحدى الأخيرتين فقرأ ثمَّ تبيّن كونه في الأوليين فلا بأس (98)، و لو تبيّن في أثنائها لا يجب إتمامها (99).

مسألة 27: إذا كان مشتغلا بالنافلة فأقيمت الجماعة و خاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة

(مسألة 27): إذا كان مشتغلا بالنافلة فأقيمت الجماعة و خاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة و لو كانت بفوت الركعة الأولى منها- جاز له قطعها (100)، بل استحبّ ذلك (101)، و لو قبل إحرام الإمام

______________________________

(96) لأدلّة وجوب القراءة الشاملة لهذه الحالة أيضا، و قد مضى الكلام في عدم دركه إلّا بتبعيض الحمد تفصيلا، فراجع.

(97) بناء على شمول حديث «لا تعاد ..» لمثل الفرض أيضا، كما هو ظاهر كونه امتنانيا و تسهيليا.

(98) لأنّه خير وفق له، و يأتي عدم قدح الزيادة غير العمدية إن شاء اللّه تعالى. و لا ينطبق عنوان الزيادة العمدية على المقام، كما يأتي في مستقبل الكلام.

(99) لكشف عدم وجوبها من الأول، و يقتضيه الأصل أيضا.

(100) للإجماع، و لجواز قطعها مطلقا، كما مرّ في (فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة)، و على فرض مرجوحية قطع النافلة اختيارا، لكن لا ريب في جواز القطع لأمر أهم، و لا إشكال في أهمية درك الجماعة عن إتمام النافلة.

(101) للإجماع، و لصحيح عمر بن يزيد: «سئل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرواية التي يروون: إنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حد هذا الوقت؟ قال (عليه السلام): إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة. فقال (عليه السلام) له: المقيم الذي تصلّي معه» (1).

و نوقش فيه: فإنّ ظاهره كراهة التطوّع و ليس ترك كل مكروه مستحبا إلّا بدليل خارجيّ يدل عليه، اللهم إلّا أنّ يبنى عليه في المقام لأجل المسامحة في دليل الندب.

ص: 81


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

للصلاة (102). و لو كان مشتغلا بالفريضة منفردا و خاف من إتمامها فوت

______________________________

و استدل أيضا: بأنّ إتمام النافلة مستحب و درك الجماعة كذلك، و الثاني أهم من الأول.

و نوقش فيه: بأنّ المزاحمة بالأهم لا يوجب استحباب ترك المهم، كما ثبت في مسألة الضد. و أما التقييد بخوف الفوت- و لو الركعة الأولى- فالنص ساكت عنه، بل ظاهره القطع حين شروع المقيم في الإقامة و لعلّه لأجل أنّ التهيّؤ للجماعة و إقامة الصفوف أيضا أفضل من النافلة، و لكن المتيقن منه قول المقيم: (قد قامت الصلاة) لا الشروع في أصل الإقامة، و إن كان ظاهر الخبر هو الشروع فيها. هذا من حيث الاستناد إلى الخبر. و أما الإجماع فالمتيقن منه صورة خوف الفوت أيضا، لأنّ الكلمات مختلفة، فعن جمع إطلاق خوف فوت الجماعة، و عن آخرين خصوص الركعة الأولى، و عن بعض خصوص القراءة، و عن بعض عدم التقييد بشي ء أصلا. فالمتيقن من الجميع خوف فوت القراءة في الركعة الأولى، فيتفق النص و الإجماع على استحباب القطع في صورة خوف الفوت.

فروع- (الأول): ظاهر الإطلاقات شمولها للنوافل اليومية أيضا و لكن في شمولها للنافلة المنذورة خصوصا المعيّنة بوقت خاص إشكال.

(الثاني): ظاهرها عدم الفرق بين الركعة الأولى و الأخيرة منها، بل تشمل قبل السلام أيضا، و لا يبعد دعوى الانصراف عن الأخير.

(الثالث): لو كانت الصفوف كثيرة جدّا و علم بأنّه لو قطع النافلة أو لم يقطعها لا يصل إلّا إلى الركعة الثانية مثلا، يشكل استحباب القطع كما يأتي في المتن.

(الرابع): لو قطع بقصد الدرك فحصل مانع عن الائتمام، فهل يجوز له إتمام النافلة حينئذ مع عدم الإتيان بالمنافيات أصلا؟ لا يبعد ذلك بناء على أنّ قصد القطع مع عدم الإتيان بالمنافي في أكوان الصّلاة لا يبطلها و تقدّم في النيّة بعض الكلام.

(102) لشمول إطلاق النصّ و الفتوى لهذه الصورة أيضا مع تحقق الخوف المذكور.

ص: 82

الجماعة، استحبّ له العدول بها إلى النافلة (103) و إتمامها ركعتين إذا لم يتجاوز محلّ العدول، بأن دخل في ركوع الثالثة (104)، بل الأحوط عدم العدول إذا قام للثالثة و إن لم يدخل في ركوعها (105). و لو خاف من.

______________________________

(103) للإجماع، و النص، ففي صحيح سليمان بن خالد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل دخل المسجد، فافتتح الصّلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصّلاة، قال (عليه السلام): فليصلّ ركعتين، ثمَّ ليستأنف الصّلاة مع الإمام، و لتكن الركعتان تطوّعا»(1).

و في موثق سماعة: «عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّي الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال (عليه السلام): إن كان إماما عدلا فليصل أخرى و لينصرف و يجعلهما تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته ..» (2).

و يمكن الاستشهاد له أيضا بأنّ عمدة الدليل على حرمة قطع الفريضة هو الإجماع، و المتيقّن منه غير مثل المقام، بل الظاهر عدم تحققه في المقام أصلا، لذهاب جمع إلى جواز القطع من دون عدول، منهم الشيخ و القاضي و الشهيد (قدّس سرّهم). و الأمر بالعدول في الخبرين لا يدل على حرمة القطع ابتداء، لظهورهما في بيان كيفية درك ثواب ما أتى به من الصّلاة و درك فضل الجماعة أيضا، و لا يستفاد منهما شي ء أزيد من ذلك.

(104) لأصالة عدم جواز العدول إلّا في المعلوم من مفاد الدليل، و المعلوم منه غير صورة التجاوز.

(105) لما مرّ من الأصل، و قصور الخبرين عن إثبات ذلك، و لعلّ وجه ترديده (قدّس سرّه) في هذه الصورة أنّه يمكن أن يراد بقوله (عليه السلام):

«فليصلّ ركعتين»، و قوله (عليه السلام): «فليصلّ أخرى» أي فليصلّ بما يمكن أن يجعل ركعتين بحسب القواعد الشرعية، و ما لم يدخل في الركوع يمكن إلقاء

ص: 83


1- الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

إتمامها ركعتين فوت الجماعة- و لو الركعة الأولى منها- جاز له القطع بعد العدول إلى النافلة على الأقوى (106)، و إن كان الأحوط عدم قطعها (107) بل إتمامها ركعتين، و إن استلزم ذلك عدم إدراك الجماعة

______________________________

الزائد بخلاف ما إذا دخل فيه، لظهور الإجماع على عدم جواز العدول حينئذ، بل كونه معلوما من النص أيضا. و لكن الظاهر جواز القطع في الصورتين من دون العدول، للأصل بعد عدم شمول دليل حرمة القطع للمقام الذي فيه غرض شرعيّ صحيح.

(106) أما قطع النظر عن الخبرين فلجواز قطع النافلة مطلقا على المعروف، بل قد مرّ عدم دليل معتبر على حرمة قطع الفريضة في المقام. و أما بملاحظتهما فظاهرهما وجوب الإتمام، بل يمكن استصحاب حرمة القطع بناء عليها حتّى في المقام، لأنّ الفريضة و النافلة من الحالات لا مما يوجب التبدّل في أصل الموضوع حتّى لا يجري الاستصحاب، و لكن أشكل على الاستصحاب بأنّه مخدوش من جهتين:

الأولى: إنّه ليس في البين يقين بحرمة القطع مع عدم العدول، فكيف بما إذا عدل، لما مرّ من المناقشة في دليله.

الثانية: إنّ النافلة و الفريضة مختلفتان في نظر المتشرعة، بل بحسب الأدلة، لتغاير أحكامهما في الجملة الكاشف عن تغايرهما أيضا.

و أما الخبران فليسا في مقام بيان وجوب الإتمام، بل غايتهما الإرشاد إلى بيان كيفية الجمع بين الفضيلتين و درك الخيرين و لا يستفاد منهما شي ء أزيد من ذلك أصلا، فالعدول و الإتمام فضيلة لدرك فضيلة أخرى، كما لا يخفى، فيرجع في أصل جواز القطع لدرك الجماعة حينئذ إلى الأصول و القواعد العامة، و قد أثبتنا جواز قطع الفريضة للأغراض الصحيحة الشرعية فيجوز القطع هنا أيضا لدرك الجماعة.

(107) لاحتمال الحرمة، و لا ريب في حسن الاحتياط في مثله.

ص: 84

في ركعة أو ركعتين (108). بل لو علم عدم إدراكها أصلا- إذا عدل إلى النافلة و أتمّها- فالأولى و الأحوط عدم العدول (109) و إتمام الفريضة، ثمَّ إعادتها جماعة إن أراد و أمكن (110).

مسألة 28: الظاهر عدم الفرق- في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة

(مسألة 28): الظاهر عدم الفرق- في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائية أو غيرها (111)، و لكن قيل بالاختصاص بغير الثنائية (112).

مسألة 29: لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة

(مسألة 29): لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة مثلا- فذكر أنّه ترك من الركعة السابقة سجدة- أو سجدتين أو تشهّدا أو نحو ذلك- وجب عليه العود للتدارك (113). و حينئذ فإن لم يخرج عن صدق الاقتداء و هيئة الجماعة عرفا (114) فيبقى على نية

______________________________

(108) لترجيح احتمال الحرمة على الاستحباب، لكنه إنّما يصح فيما إذا كان احتمال الحرمة من الاحتمالات المعتنى بها لا كل احتمال و لو لم يعتن به.

(109) لأصالة عدم جواز العدول إلّا في ما دلّ عليه الدليل، و يشكّل شمول الدليل لمورد العلم بعدم الإدراك، فتكون الأقسام ثلاثة: إحراز الإدراك، و إحراز عدمه، و الشك في الإدراك و عدمه، و يصح العدول في الأول دون الأخيرين.

(110) لاستحباب الإعادة جماعة، و يأتي التفصيل في المسألة التاسعة عشر من (فصل مستحبات الجماعة).

(111) لإطلاق الدليل الشامل لكليهما، و تقدم أنّ المنساق منه عرفا الإرشاد إلى درك الفصلين و الجمع بين الخبرين، و لا فرق فيه بينهما.

(112) استظهر ذلك في المستند، و لكنه مخدوش بما مرّ.

(113) لدليل وجوبه، و أصالة عدم تحمّل الإمام له. و تقتضيه قاعدة الاشتغال أيضا.

(114) أي العرف الخاص، و هو المتشرعة بحسب أنظارهم.

ص: 85

الاقتداء، و إلّا فينوي الانفراد (115).

مسألة 30: يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الست الافتتاحية قبل تحريم الإمام

(مسألة 30): يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الست الافتتاحية قبل تحريم الإمام، ثمَّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه و إن كان الإمام تاركا لها (116).

مسألة 31: يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر

(مسألة 31): يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر، مع اختلافهما في المسائل الظنية المتعلقة بالصلاة، إذا لم يستعملا محلّ الخلاف و اتحدا في العمل.

مثلا: إذا كان رأي أحدهما- اجتهادا أو تقليدا- وجوب السورة، و رأي الآخر عدم وجوبها، يجوز اقتداء الأول بالثاني، إذا قرأها و إن لم يوجبها. و كذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين، يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها، لكن يأتي بها بعنوان الندب (117)، بل و كذا يجوز مع المخالفة في العمل أيضا في ما عدا ما يتعلق بالقراءة في الركعتين الأوليين، التي يتحمّلها الإمام عن المأموم،

______________________________

(115) بل يصير منفردا قهرا مع زوال هيئة الجماعة- نواه أولا- لما تقدم مرارا من أنّ الانفراد ليس من العناوين القصدية.

(116) لعموم دليل الاستحباب الشامل للمأموم و لو كان الإمام تاركا لها، و كذا العكس. و لكن لا بد من مراعاة أن لا يأتي بتكبيرة الإحرام قبل الإمام، و قد تقدّم في المسألة الحادية عشر من (فصل تكبيرة الإحرام) ما ينفع المقام.

(117) و ذلك لوجود المقتضي لصحة الائتمام- و هو إحراز المأموم صحة صلاة الإمام- و فقد المانع عنه، فتشمله أدلّة الجماعة قهرا. نعم، لو أتى بمورد الخلاف بعنوان التشريع- كما إذا أتى بالسورة- مثلا- التي لا يرى وجوبها بعنوان الوجوب و التقييد به، يشكّل أصل صحة الصّلاة حينئذ، و هو خلاف الفرض.

ص: 86

فيعمل كلّ على وفق رأيه (118)، نعم، لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب

______________________________

(118) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب مرتكزات المتشرعة، و أخرى: بحسب الأصول العملية، و ثالثة: بحسب الاستظهارات الفقهية:

أما الأولى فمقتضاها الاقتصار على ما إذا أحرز المأموم عدم مخالفة صلاة الإمام مع صلاته من حيث الأجزاء و الشرائط، و لكن الكلام في أصل اعتبارها، و كونها مدركا لحكم من الأحكام، مع أنّ الأصل عدم الاعتبار. نعم، لو كان الحكم ثابتا و مسلما يصح الاستشهاد بها، كما هو دأب الفقهاء خصوصا جمع من مشايخنا الأعلام (قدّس سرّهم).

و أما الثانية فعمدتها أصالة عدم ترتب آثار الجماعة إلّا في المتيقن من مفاد الأدلّة. و يرد: بأنّ الجماعة موضوع عرفيّ عقلائيّ فكلّما تحقق ترتب عليه الأثر إلّا في الموارد التي جعل فيها الشارع حدودا و قيودا و في غيرها يرجع إلى إطلاق مثل قولهم (عليهم السلام):

«لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته»(1) و إطلاق قوله (عليه السلام):

«الاثنان فما فوقها جماعة» (2).

و إطلاقات أدلّة أحكام الجماعة الواردة في الأبواب المختلفة، مع أنّ الفقهاء (قدّس سرّهم) حصروا شروط إمام الجماعة و لم يذكروا منها كون صلاته موافقة لصلاة المأموم عملا إلّا في موارد تأتي الإشارة إليها و إلى دليلها و لم يذكروا ذلك في شروط أصل الجماعة أيضا.

و أما الثالثة فلباب القول فيها: أنّ صحة صلاة الإمام التي تكون موضوع الائتمام تارة تلحظ بالنسبة إلى الواقع الذي في اللوح المحفوظ و نزل به الروح الأمين على سيد المرسلين، و الظاهر، بل المقطوع به عدم كون موضوعه هذه المرتبة من الصحة، لكونه موجبا لحرمان الناس عن هذه الفضيلة مع كثرة ما

ص: 87


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

.....

______________________________

يعرض عليهم من الوسواس، و أخرى: يراد بها الصحة بحسب الأدلّة الظاهرية الشرعية، فكل إمام كانت صلاته صحيحة بحسب الموازين الشرعية يصح للناس الائتمام به و ترتيب آثار الصحة على صلاته إلّا مع الدليل على الخلاف، سواء طابقت مع تكليفهم أم لا، فتكون صلاة الإمام مثل حكم الحاكم الشرعي، فكما أنّه يجب على الناس ترتيب الأثر عليه و إن خالف مع نظرهم اجتهادا. أو تقليدا، فكذا صلاة الإمام أيضا فيكون موضوع الأثر إحراز الصحة بنظر الشرع، فكلّ صلاة حكم الشارع بصحتها تكون موضوع الأثر للغير، و حينئذ فإن علم المأموم بحكم الشارع بعدم صحة صلاة الإمام بأن علم بأنّه قصّر في تكليفه اجتهادا أو تقليدا فيعلم بعدم إمضاء الشارع لصلاته، فلا موضوع للائتمام حينئذ، و إن لم يعلم بذلك فلا بدّ له من ترتيب آثار الصحة على صلاته، و من آثار الصحة صحة الائتمام. و عدم كون صلاة الإمام موافقة لاعتقاد المأموم اجتهادا أو تقليدا لا يستلزم عدم الصحة لا ظاهرا و لا واقعا.

هذا بحسب الواقع و الثبوت. و أما في مقام الإثبات فيكفي فيه عموم أدلّة ما هو معتبر في الشريعة من الأمارات و الأصول و القواعد مطلقا، و يقتضيه بناء الشرع على التسهيل و التيسير في تصحيح أعمال الأمة مهما أمكنه، كما لا يخفى على من لاحظ الأمارات المجعولة و الأصول المعتبرة و القواعد التسهيلية. و مقتضى عموماتها صحة ترتيب الأثر بالنسبة إلى الغير و إن كان معتقدا للخلاف، لثبوت الاعتبار شرعا إلّا مع الدليل على الخلاف، و هو مفقود. و لم يكن ذلك من الترجح، لفرض اعتبار معتقد المأموم أيضا.

و ما يتوهّم: من أنّ هذا يتم على القول بالمصلحة في مورد الأمارات و أما على القول بالعذرية المحضة و الطريقية الصرفة، فلا وجه له. مدفوع: بأنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا، فإنّه كما يحتمل اختصاص العذرية بمن قامت لديه الأمارة يحتمل اختصاص المصلحة به أيضا، و لا وجه للاختصاص خصوصا في الأمور النوعية من الفتوى و الحكم و الإمامة و نحوها.

و ما يقال: من أنّ هذا يختص بما إذا لم يعلم المأموم- في اعتقاده- بفساد صلاة الإمام، و أما معه فلا وجه للاقتداء و الائتمام. مدفوع: بأنّ الاعتقاد أعمّ من

ص: 88

شي ء بمن لا يعتقد وجوبه، مع فرض كونه تاركا له، لأنّ المأموم حينئذ عالم ببطلان صلاة الإمام (119)، فلا يجوز له الاقتداء به، بخلاف المسائل الظنية حيث إنّ معتقد كلّ منهما شرعيّ ظاهريّ في حقه، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر، بل كلاهما في عرض واحد

______________________________

إصابة الواقع. نعم، لا يحصل قصد الائتمام مع العلم بالفساد غالبا، و أما لو حصل فلا دليل على البطلان.

إن قلت: هذا في غير دليل القراءة، و أما فيها فلا وجه للاقتداء، لكونها في ضمان الامام، و مع اختلاف الإمام و المأموم عملا لم يخرج الإمام عن الضّمان فكيف يقتدى به؟! قلت: المناط خروجه عن الضمان شرعا و إمضاء الشارع لقراءته و المفروض تحققه.

ثمَّ إنّه يدل على بعض ما ذكرناه صحيح جميل عن مولانا الصادق (عليه السلام): «في إمام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال (عليه السلام) لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم، فإنّ اللّه جعل التراب طهورا» (1).

و من التعليل يمكن استفادة التعميم، و يأتي في فروع الفصل الآتي ما ينفع المقام.

ثمَّ إنّه إذا لم يعمل الإمام بمقتضى رأيه و عمل بحسب الاحتياط، فلا ريب في صحة الائتمام حينئذ، و إن عمل بحسب رأيه في غير ما يتعلّق بالقراءة فقد مرّ حكمه و أنّه لا دليل على بطلان الائتمام.

(119) هذا التعليل عليل، لأنّ العلم ببطلانها أعم من البطلان الشرعي،

ص: 89


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

في كونه حكما شرعيا (120). و أما فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له فمشكل، لأنّ الضامن حينئذ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه.

مثلا: إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة- و المفروض أنّه تركها- فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به. و كذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مد لازم أو نحو ذلك (121). نعم، يمكن أن يقال: بالصحة إذا

______________________________

و قد تقدّم أنّ الصحة الظاهرية الشرعية موضوع الائتمام. نعم، لا يحصل مع هذا العلم قصد القربة، و لكنه لو اقتدى و حصلت لا فرق حينئذ بين العلم بالبطلان أو حصول ظنّ اجتهاديّ به.

(120) لا فرق في الحكم الظاهري الشرعيّ بين تعلّق العلم ببطلان خلافه أولا، فيكون حجة في حق من تحققت بالنسبة إليه موازين الحكم الظاهري مطلقا و يكون من علم ببطلان خلاف ما أدّى إليه تكليفه مع غيره الذي يعمل بالخلاف في عرض واحد مع تحقق شرائط اعتبار الحكم الظاهري بالنسبة إليهما. نعم، لو علم بالبطلان واقعا، سيأتي حكمه في المسألة التالية.

(121) يمكن أن يقال: إنّ مناط الصحة و الخروج عن الضمان و العهدة يتحقق في كل مورد حكم الشارع بصحة القراءة فتكون موجبة للخروج عن عهدة الضمان إلّا مع الدليل على الخلاف، كما يأتي من الماتن (قدّس سرّه)، مع أنّه لا دليل على كون الضمان في المقام هو الضمان في الأموال، لأنّ الأدلّة مشتملة بعضها على النّهي عن القراءة خلف الإمام، و بعضها على الاجتزاء بها، و بعضها على الضمان(1)، و مرجع الأخير إلى الأولين، و مقتضى إطلاقها صحة الاجتزاء بكل قراءة أمضاها الشارع.

ص: 90


1- راجع الوسائل باب: 30 و 31 من أبواب صلاة الجماعة.

تداركها المأموم بنفسه (122) كأن قرأ السورة في الفرض الأول، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحا، بل يحتمل أن يقال: إنّ القراءة في عهدة

______________________________

و يمكن أن يقال: أيضا: إنّ التعبير بالضمان إنّما هو لأجل الاهتمام بمقام الإمامة و بيان مخاطرة، مثل ما ورد في مقام بيان القضاوة و الفتوى، فيكون ذلك كلّه من بيان بعض الحكم و المناسبات، فينحصر وجه عدم صحة الاقتداء حينئذ بما مرّ من أصالة عدم ترتّب الأثر. و قد تقدّم ما يمكن الإشكال به عليها.

و بالجملة لا فرق بين القراءة و غيرها من المسائل الاجتهادية الخلافية إلّا أن يدّعى انصراف ما دلّ على النهي عن القراءة، و ما دلّ على الاجتزاء بقراءة الإمام إلى ما إذا كانت قراءته مطابقة لتكليف المأموم، و لكنه خلاف ظاهر الإطلاق، و المنساق من النصوص بعد التأمّل أنّ صلاة الجماعة- و إن كثير المأمومون- صلاة واحدة لها قراءة واحدة، و الضمان و الاجتزاء و السقوط ليس إلّا عبارة عن أنّ قراءة الإمام للصلاة قراءة لها من حيث جهة الوحدة الملحوظ فيها، فتسقط عن المأموم و تجزي عنه، بل يحرم عليه بمجرد حكم الشارع بصحتها بناء على الحرمة، و المفروض ثبوت ذلك فقد تحققت القراءة المعتبرة في الصلاة وافقت تكليف المأموم أم لا، إذ ليس فيها إلّا قراءة واحدة و قد أتى بها شرعيّة و لا اثنينية للقراءة في البين حتّى يتحقق موضوع اختلاف تكليف المأموم مع الإمام في القراءة و اتحاده، و هذا هو الذي يقتضيه التسهيل في هذا الأمر العام البلوى مع غلبة اختلاف الأنظار و الآراء.

(122) الاحتمالات الثبوتية- في قراءة الإمام المختلفة مع تكليف المأموم- ثلاثة: فتارة: تكون صحيحة و تجزي عن المأموم. و أخرى: تكون باطلة مطلقا بدعوى: أنّ فساد الجزء بنظر المأموم يوجب فساد الكل أصلا. و ثالثا: تكون ما يطابقها تكليف المأموم صحيحة و ما يخالفها باطلة.

و أما بحسب مقام الإثبات فتنحصر في الأولين، لأنه إن قلنا بكفاية الصحة الشرعية في سقوطها عن المأموم كما استظهرناه فلا موضوع للتبعيض قهرا، و إن

ص: 91

الإمام و يكفي خروجه عنها باعتقاده، لكنّه مشكل (123) فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء (124).

مسألة 32: إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات

(مسألة 32): إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات ككونه على غير وضوء أو تاركا لركن أو نحو ذلك- لا يجوز له الاقتداء به و إن كان الإمام معتقدا صحتها من جهة الجهل أو السهو أو نحو ذلك (125).

مسألة 33: إذا رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها لا يعلم بها الإمام لا يجب عليه إعلامه

(مسألة 33): إذا رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها لا يعلم بها الإمام لا يجب عليه إعلامه (126) و حينئذ فإن علم

______________________________

قلنا بعدم الكفاية فلا وجه له أيضا، فيكون احتمال التبعيض بلا دليل إثباتا كما لا يخفى.

(123) تقدم عدم الإشكال، بل هو الذي تقتضيه وحدة صلاة الجماعة شرعا و عرفا، فتكون هذه الصلاة الواحدة مشتملة على القراءة الصحيحة الشرعية.

(124) ظهر وجه الاحتياط مما تقدّم، و ظهرت الخدشة في وجوبه، و يأتي بعض الكلام في المسألة اللاحقة.

(125) لثبوت بطلان صلاة الإمام واقعا عند المأموم و عدم أمر ظاهري للإمام أصلا بالنسبة إلى المضيّ في صلاته حتّى يكون المقام من المسألة السابقة.

نعم، هو يعتقد صحة صلاته، و الأمر بها و مجرد اعتقاد الأمر لا يقتضي الصحة عند من يعلم بالخلاف- كما ثبت في الأصول- بل لا يكون مجزيا لنفس العامل أيضا.

نعم، يكون معذورا ما بقي اعتقاده.

(126) لعدم وجوب إعلام الجاهل بالموضوع مع عدم التسبب، و أما إن كان من الجهل بالحكم، فيجب من باب إرشاد الجاهل، كما أنّه لو كان عالما بها و مع ذلك صلّى فيها يكون من موارد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيجب مع تحقق الشرائط.

ص: 92

أنّه كان سابقا عالما بها ثمَّ نسيها لا يجوز له الاقتداء به، لأنّ صلاته حينئذ باطلة واقعا، و لذا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا تذكّر بعد ذلك (127)، و إن علم كونه جاهلا بها يجوز الاقتداء، لأنّها حينئذ صحيحة و لذا لا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا علم بعد الفراغ (128)، بل لا يبعد جوازه إذا لم يعلم المأموم أنّ الإمام جاهل أو ناس (129) و إن كان الأحوط الترك في هذه الصورة (130). هذا و لو رأى شيئا هو نجس في اعتقاد المأموم بالظنّ الاجتهادي و ليس بنجس عند الإمام، أو شك في أنّه نجس عند الإمام أم لا بأن كان من المسائل الخلافية، فالظاهر جواز الاقتداء مطلقا سواء كان الإمام جاهلا أو ناسيا أو عالما (131).

______________________________

(127) إن كان رأيه اجتهادا أو تقليدا ذلك، إذ المسألة خلافية كما مرّ في أحكام النجاسات. و أما إن كان رأيه صحة الصلاة مع نسيان النجاسة و عدم التذكّر إلّا بعد الفراغ و كان رأي المأموم خلافه، فهو من جزئيات ما تقدّم في [مسألة 31].

(128) لما تقدّم من (فصل إذا صلّى في النجس) من أحكام النجاسات فراجع.

(129) لأصالة الصحة، و أصالة عدم العلم مع إحراز سبق عدمه في العدم النعتي، بل مطلقا بناء على جريانها في الأعدام الأزلية كما هو الحق.

(130) لحسن الاحتياط مطلقا، و لإمكان دعوى أنّ المتشرعة لا يقدمون على الائتمام حينئذ.

(131) أما في صورة الجهل، فلصحة صلاة الإمام واقعا- كما مرّ- و أما في صورة النسيان بأن علم المأموم أنّ رأى الإمام صحة الصلاة مع نسيان النجاسة، فهو من جزئيات ما تقدّم في [مسألة 31]، و إن شك فيه فمقتضى أصالة الصحة في صلاة الإمام جواز الائتمام به أيضا. و أما في صورة العلم، فتكون من جزئيات تلك المسألة أيضا فراجع.

ص: 93

مسألة 34: إذا تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقا

(مسألة 34): إذا تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقا أو كافرا أو غير متطهّر أو تاركا لركن مع عدم ترك المأموم له أو ناسيا لنجاسة غير معفوّ عنها في بدنه أو ثوبه- انكشف بطلان الجماعة، لكن صلاة المأموم صحيحة- إذا لم يزد ركنا أو نحوه مما يخلّ بصلاة المنفرد- للمتابعة (132) و إذا تبيّن ذلك في الأثناء

______________________________

(132) للإجماع، و النصوص الدالّة على عدم الإعادة على المأموم، بل يظهر من إطلاقها صحة أصل الصلاة و الجماعة مطلقا و إن زيد فيها ما يزاد للمتابعة فكيف يترك مجرد القراءة الذي يمكن شمول حديث «لا تعاد» له أيضا.

فمنها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي قال: «من صلّى بقوم و هو جنب، أو على غير وضوء فعليه الإعادة، و ليس عليهم أن يعيدوا، و ليس عليه أن يعلمهم» (1).

و في صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء قال (عليه السلام): يتم القوم صلاتهم فإنّه ليس على الإمام ضمان» (2).

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: «سألته عن الرجل يؤم القوم و هو على غير طهر فلا يعلم حتّى تنقضي صلاته قال (عليه السلام): يعيد و لا يعيد من صلّى خلفه و إن أعلمهم أنّه كان على غير طهر» (3).

و في صحيح ابن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أ يضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون أنّه يضمن؟ قال (عليه السلام): لا يضمن، أيّ شي ء يضمن؟ إلّا أن يصلّي بهم جنبا أو على غير طهر»(4).

و معنى الضمان فيه وجوب إعادته لنفسه- كما مرّ في سائر الصحاح- لا إعادة المأمومين حتّى يعارضها، و عن ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلما صاروا إلى الكوفة

ص: 94


1- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

.....

______________________________

علموا أنّه يهودي قال (عليه السلام): لا يعيدون»(1).

و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «في رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنّه قد صلّى بهم إلى غير القبلة قال (عليه السلام): ليس عليهم إعادة شي ء» (2).

و ظاهره كون صلاة الإمام و المأموم جميعا إلى غير القبلة إلّا أن يحمل على ما يأتي من خبر الحلبي، و عن الحلبي عنه (عليه السلام) في الأعمى يوم القوم و هو على غير القبلة قال (عليه السلام): يعيد و لا يعيدون فإنّهم قد تحرّوا» (3) و التعليل يحتمل أن يكون باعتبار أنّهم تحرّوا في القبلة لأنفسهم و اعتقدوها في الجهة التي صلّى إليها الإمام ثمَّ بان الخلاف، فلا إعادة عليهم، لمكان تحرّيهم. و أما الإمام، فلأجل كونه أعمى الظاهر عدم تحقق التحرّي منه فيجب عليه الإعادة. و يحتمل أن يكون المراد بالتحرّي بالنسبة إلى المأمومين اعتقادهم كون الجهة التي يصلّي إليها الإمام قبلة لوثوقهم به و اعتمادهم عليه، فلا إعادة عليهم لمكان تحقق التحرّي بخلاف الإمام، فلم يتحقق التحرّي منه، لأجل عماه.

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه، فصلّى بهم أ تجزيهم صلاتهم بصلاته و هو لا ينويها صلاة؟- إلى أن قال (عليه السلام):- و قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها» (4).

و هذه الأخبار ظاهرة في أنّ إحراز المأموم لصحة صلاة الإمام و إحرازه لأنّه واجد لشرائط الإمامة يكفي في صحة صلاة المأموم و جماعته مطلقا و إن زيد فيها ما يزاد، للمتابعة و إن ظهر الخلاف بعد ذلك، لإطلاق هذه الأدلّة الواردة في هذا الأمر الابتلائي و هي حاكمة على قاعدة الاشتغال الدّالة على لزوم الإعادة أو القضاء، و لا يبعد دعوى الأولوية بأن يقال: إنّه إذا كان ظهور الكفر الذي هو أعظم الموانع غير موجب للبطلان فوجود سائر الموانع لا يوجبه بالأولوية، و كذا في

ص: 95


1- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

.....

______________________________

الطهور و القبلة التي لا صلاة إلّا بهما كما في النص (1).

إن قلت: مقتضى ما دل على اعتبار القراءة في الصّلاة (2)، و ما دل على بطلانها بزيادة الركن فيها (3) هو البطلان مطلقا، فيقيّد بها إطلاق أخبار المقام، فتختص الصحة حينئذ بما إذا لم يخل فيها بوظيفة المنفرد.

قلت: لا وجه للتمسك بها في المقام لتقييدها بما دل على سقوط القراءة في الجماعة، و عدم بطلان الصلاة بزيادة الركن فيها و أخبار المقام تكون مبيّنة بأنّ المراد بالجماعة- التي تسقط فيها القراءة و تغتفر بها زيادة الركن و نحوه- أعم من الجماعة الصحيحة الواقعية و ما أحرزت صحتها ظاهرا، فلا وجه للتقييد. هذا مع صحة التمسك بحديث «لا تعاد» (4) في مثل ترك القراءة بزعم صحة الجماعة.

و خلاصة الكلام أنّ أخبار المقام شارحة و مفسّرة لما يعتبر في إمام الجماعة و صلاته بأنّه أعم من الوجود الواقعي و الإحرازي، فتصح صلاة المأموم و جماعته مطلقا في الثاني بعد ظهور الخلاف كصحتها في الأول، لحكومة هذه الأخبار على الأدلة الدالّة على ما يعتبر في الإمام و صلاته- كما في سائر موارد حكومة الأدلّة الثانوية على مفاد الأدلة الأوّلية.

و أما خبر إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: «سئل عن الصلاة خلف رجل يكذّب بقدر اللّه قال: ليعد كل صلاة صلّاها خلفه» (5).

فالمنساق منه عرفا ما إذا علم المأموم قبل الاقتداء به أنّه يكذّب بقدر اللّه فلا ربط له بالمقام. هذا، نعم استفادة الكلية من أخبار المقام بالنسبة إلى فقد جميع شرائط الصلاة و الإمامة مشكلة إلّا مع ثبوت الأولوية القطعية، فلا بدّ من الاقتصار على خصوص ما ورد في النصوص و لم يثبت فيه الأولوية القطعية.

ص: 96


1- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة.
2- راجع الوسائل باب: 1 و 4 من أبواب القراءة في الصلاة.
3- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب الركوع و باب: 28 من أبواب السجود.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

نوى الانفراد (133) و وجب عليه القراءة مع بقاء محلّها (134)، و كذا لو تبيّن كونه امرأة و نحوها ممن لا يجوز إمامته للرجال خاصّة أو مطلقا، كالمجنون و غير البالغ إن قلنا بعدم صحة إمامته (135)، لكن الأحوط.

______________________________

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الأخبار، و صريح خبر ابن أبي عمير، و صحيح زرارة الوارد في عدم صحة صلاة الإمام (1) هو عدم الفرق بين أن يعلم الإمام بفساد صلاة نفسه و عدمه فلا أثر لعلمه و جهله في صلاة المأموم صحة و فسادا.

(133) بل يصير منفردا قهرا نواه أو لا؟ لبطلان الائتمام بفقد شرط الإمامة أو بطلان صلاة الإمام، فلا موضوع للإمامة، و في صحيح زرارة «عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه على غير وضوء قال (عليه السلام): يتم القوم صلاتهم فإنّه ليس على الإمام ضمان». (2).

و أما احتمال البطلان لأنّه يلزم أن يكون ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فمردود بأنّ المقصود الحقيقي هو الصلاة و الجماعة من العوارض و الحالات و قد مرّ سابقا أنّ صفة الجماعة و الانفراد ليستا من المتباينات، بل من العوارض الخارجية و المشخصات الاعتبارية لحقيقة واحدة.

و أما ما رواه في الذكرى عن الحلبي: «يستقبلون صلاتهم لو أخبرهم الإمام في الأثناء أنّه لم يكن على طهارة» (3) فأسقطه عن الاعتبار قصور سنده و عدم ذكر أرباب الجوامع له، و هجر الأصحاب له فليحمل على الندب تسامحا فيه، و كذا ما رواه في قصة عمر (4).

(134) لإطلاق أدلّة وجوبها، و لقاعدة الاشتغال.

(135) تقدّم ما يصلح لاستظهار صحة الجماعة و صحة صلاة المأموم

ص: 97


1- تقدمت الروايات في صفحة 104.
2- تقدمت الروايات في صفحة 104.
3- راجع الذكرى في بحث عدالة الإمام.
4- مستدرك الوسائل باب: 32 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

إعادة الصّلاة في هذا الفرض، بل في الفرض الأول و هو كونه فاسقا أو كافرا .. إلخ (136).

مسألة 35: إذا نسي الإمام شيئا من واجبات الصلاة و لم يعلم به المأموم صحّت صلاته

(مسألة 35): إذا نسي الإمام شيئا من واجبات الصلاة و لم يعلم به المأموم صحّت صلاته حتّى لو كان المنسيّ ركنا إذا لم يشاركه في نسيان ما تبطل به الصلاة (137)، و أما إذا علم به المأموم نبّهه عليه (138) ليتدارك إن بقي محلّه، و إن لم يمكن أو لم يتنبّه أو ترك تنبيهه- حيث إنّه غير واجب عليه (139)- وجب عليه نيّة الانفراد إن كان المنسيّ ركنا أو

______________________________

بدعوى: إلقاء الخصوصية عما ذكر فيما تقدم من الأخبار (1) كما تقدّم ما يصلح للمناقشة إلّا بعد ثبوت القطع بالأولوية.

(136) أما الاحتياط في هذا الفرض، فلخروجه عن موارد النصوص المتقدمة، و عدم حصول القطع بالأولوية. و أما الاحتياط في الفرض الأول فللخروج عن مخالفة السيد و الإسكافي حيث ذهبا إلى وجوب الإعادة.

(137) لوجود المقتضي لصحة صلاته و فقد المانع عنها، مضافا إلى ما مرّ من الأخبار السابقة، و خصوص ما مرّ من عدم صدور النيّة من الإمام و هي من الأركان كما تقدم في واجبات الصلاة، و يصح دعوى الأولوية بالنسبة إلى ترك سائر الأركان.

(138) لا ريب في جواز التنبيه، لأصالة الإباحة إن لم ينطبق عليه محذور شرعيّ، بل يمكن القول بالاستحباب أيضا، لما يأتي.

(139) للأصل بعد عدم دليل على الوجوب. و ما يصلح أن يستدل به على الوجوب صحيح ابن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يؤم القوم، فيغلط قال (عليه السلام): يفتح عليه من خلفه» (2).

و خبر جابر عن الباقر (عليه السلام): «ليكن الذين يلون الإمام منكم أولو

ص: 98


1- راجع صفحة: 94 و 97.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

قراءة في مورد تحمّل الإمام مع بقاء محلّها (140) بأن كان قبل الركوع، و إن لم يكن ركنا و لا قراءة، أو كانت قراءة و كان التفات المأموم بعد فوت محلّ تداركها- كما بعد الدخول في الركوع- فالأقوى جواز بقائه على الائتمام (141) و إن كان الأحوط الانفراد (142) أو الإعادة بعد الإتمام (143).

______________________________

الأحلام منكم و النهي، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه» (1).

و خبر سماعة: «سألته عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول؟

قال (عليه السلام): يفتح عليه بعض من خلفه» (2).

و يرد عليه- أولا: عدم ظهور قائل بالوجوب، مع أنّه لو كان واجبا يعدّ من شرائط الجماعة كغيره من سائر الشرائط، فهي موهونة من هذه الجهة.

و ثانيا: المعروف استحباب وقوف أولى الأحلام و النهي في الصف الأول، و قد ذكر قوله (عليه السلام): «فإن نسي الإمام» تعليلا له، فيسقط ظهور خبري سماعة و ابن مسلم في الوجوب حينئذ أيضا فيصير ذلك من الآداب- كما في غيره.

(140) أما إذا كان المنسيّ ركنا، فلما مرّ في [مسألة 32]، و أما في القراءة، فلدليل وجوبها، فلما أن يأتي بها و يلحق بالإمام مع عدم التخلّف الفاحش كما يجوز له أن يقصد الانفراد.

(141) لصحة الصلاة حينئذ شرعا حتّى عند المأموم، فيكون المقتضي لصحة الائتمام موجودا و المانع عنها مفقودا.

(142) لحسن الاحتياط مطلقا و لو لاحتمال ضعيف و في المقام يحتمل بطلان الجماعة، لأجل عروض هذا النسيان على الإمام.

(143) بناء على جواز الانفراد في جميع حالات الجماعة مطلقا و إلّا فالأحوط الإتمام جماعة ثمَّ الإعادة.

ص: 99


1- الوسائل باب 7 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
2- ذكر الفيض الرواية بكاملها في الوافي باب 167 من أبواب فضل صلاة الجمعة و الجماعة.
مسألة 36: إذا تبيّن للإمام بطلان صلاته

(مسألة 36): إذا تبيّن للإمام بطلان صلاته من جهة كونه محدثا أو تاركا لشرط أو جزء ركن أو غير ذلك، فإن كان بعد الفراغ لا يجب عليه إعلام المأمومين (144) و إن كان في الأثناء، فالظاهر وجوبه (145).

______________________________

(144) للأصل، و النص، و ظهور الإجماع، و قد مرّ في صحيح الحلبي «ليس عليه أن يعلمهم» في [مسألة 34].

(145) مقتضى الأصل، و إطلاق مثل صحيح الحلبي فيما تقدّم في [مسألة 34] عدم وجوب الإعلام خصوصا صحيح زرارة الوارد فيمن لم ينو الصلاة مع عدم إنكار الإمام (عليه السلام): عليه (1).

و عن المستند دعوى الإجماع على وجوب الإعلام. و يرد بعدم تحققه، مع أنّ المتيقّن منه على فرض تحققه ما إذا حصل خلل في صلاة المأموم من غير جهة القراءة، كما أنّ ما أرسل عن عليّ (عليه السلام):

«ما كان من إمام تقدم في الصلاة و هو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعف رعافا أو وجد أذى في بطنه، فليجعل ثوبه على أنفه ثمَّ لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه ثمَّ يتوضّأ و ليتم ما سبقه من الصّلاة، و إن كان جنبا فليصلّ كلها» (2) مخدوش بقصور السند بل و الدلالة أيضا، لأنّ ظاهره وجوب تقديم رجل و هو غير الإعلام مع أنّهم لا يقولون بالوجوب فيه أيضا. نعم، مقتضى مرتكزات المتشرعة أنّهم ينكرون البقاء على الإمامة و ربما يعدّونه خلاف العدالة، و لكن ذلك لا يثبت الوجوب، و كذا ما ورد من أنّ الإمام لا يضمن صلاة من خلفه إنّ صلّي بهم على غير طهر (3)، فلا يدل على وجوب الإعلام. ثمَّ إنّه لو لم يعلم على فرض الوجوب عليه فصلاة المأموم صحيحة إن لم يخل بغير القراءة، لحديث «لا تعاد».

فروع- (الأول): لو عرض ما يوجب البطلان للمأموم الذي يكون واسطة

ص: 100


1- تقدمت في صفحة: 95.
2- الوسائل باب: 72 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- راجع صفحة: 94.
مسألة 37: لا يجوز الاقتداء بإمام يرى نفسه مجتهدا و ليس بمجتهد

(مسألة 37): لا يجوز الاقتداء بإمام يرى نفسه مجتهدا و ليس بمجتهد، مع كونه عاملا برأيه و كذا لا يجوز الاقتداء بمقلّد لمن ليس أهلا للتقليد إذا كانا مقصّرين في ذلك (146)، بل مطلقا على

______________________________

بين الإمام و بين غيره من المأمومين هل يجب عليه الإعلام أم لا؟ مقتضى الأصل هو الثاني بعد أنّه لا وجه يصح الاعتماد عليه للأول من عقل أو نقل.

(الثاني): لو كان الإمام عالما ببطلان صلاته قبل شروعه في الصلاة- أو علم بفقده لشرائط الإمامة- و لا يعلم به المأموم أصلا، فهل يحرم عليه التلبّس بالإمامة أم لا؟ مع أنّه يكون بانيا على إتيان صلاته جامعة للشرائط بعد الفراغ من الجماعة وجهان.

(الثالث): إذا كان الإمام جامعا للشرائط بنظر شخص و كانت صلاته صحيحة عنده و اقتدى به في صلاته. و كان فاقدا للشرائط و صلاته باطلة عند آخر ليس للآخر ترتيب آثار البطلان على صلاة الشخص، لأنّ الصحة الظاهرية لصلاته موضوع ترتيب الأثر بالنسبة إلى الغير أيضا.

(146) أما من حيث صحة نفس العمل، فطريق إحرازها منحصر بإحراز المطابقة للواقع إما بالمطابقة مع الاحتياط، أو بالمطابقة مع رأي من يصح الاعتماد على رأيه إن قلنا إنّ التقليد عبارة عن مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه كما اخترناه.

و أما إن قلنا إنّه التفاتيّ اختياريّ، فطريق إحراز المطابقة منحصر في الأول، و أما من جهة أنّ نفس دعوى الاجتهاد ممن ليس أهلا له يوجب الفسق أم لا، فالظاهر اختلافه باختلاف الموارد و الأشخاص و سائر الجهات، فتارة: يعتقد باجتهاد نفسه و يدّعي ذلك. و أخرى: يعتقد بالعدم و مع ذلك يدّعيه و في الصورتين إما أن يترتّب عليه أثر خارجي من تحليل حرام أو بالعكس أو لا يترتب على الدعوى شي ء أصلا. و تفصيل البحث في كل واحد من الصور يحتاج إلى مجال لا يسعه المقام و قد مرّ في (فصل التقليد) بعض الكلام و سيأتي في القضاء إن شاء اللّه تعالى.

ص: 101

الأحوط (147) إلّا إذا علم أنّ صلاته موافقة للواقع من حيث إنّه يأتي بكلّ ما هو محتمل الوجوب من الأجزاء و الشرائط، و يترك كلّ ما هو محتمل المانعية (148)، لكنّه فرض بعيد لكثرة، ما يتعلق بالصلاة من المقدّمات و الشرائط و الكيفيات (149) و إن كان آتيا بجميع أفعالها و أجزائها. و يشكّل حمل فعله على الصحة (150)، مع ما علم منه من بطلان اجتهاده أو تقليده.

مسألة 38: إذا دخل الإمام في الصلاة معتقدا دخول الوقت و المأموم معتقد عدمه أو شاك فيه

(مسألة 38): إذا دخل الإمام في الصلاة معتقدا دخول الوقت و المأموم معتقد عدمه أو شاك فيه لا يجوز له الائتمام في الصلاة (151).

نعم، إذا علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام جاز له الائتمام به (152).

______________________________

(147) لإمكان أن يقال: إنّ سقوط حكمه و فتواه ملازم لسقوط هذا المقام عنه عرفا أيضا، مع أنّ مثل هذه الدعاوي توجب الخلل في العدالة غالبا.

(148) المناط في ترك محتمل المانعية، و إتيان محتمل الجزئية و الشرطية هو محتملها بحسب أنظار محققي فقهاء كلّ عصر لا كل احتمال ثبت بطلانه أو استقرّ المذهب على خلافه، و يكفي في الصحة مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه كما مرّ في مسائل التقليد.

(149) لا بعد فيه، لما تقدّم من أنّ المناط الاحتمالات المعتنى بها لا كل احتمال و حينئذ فتقل الاحتمالات لا محالة.

(150) لأنّ الحمل على الصحة إنّما هو فيما إذا لم يكن ظاهر على خلافه و دعواه الاجتهاد- مع العلم بأنّه ليس من أهله- من الظهور على الخلاف، إذ الظاهر أنّ المجتهد يعمل برأيه في أفعاله و المفروض أنّ اجتهاده باطل، فيكون عمله باطلا.

(151) لعلم المأموم بعدم مشروعية أصل الصّلاة له، فهو مثل ما إذا علم المأموم بأنّه على غير طهارة إذ لا فرق بين شرطية الوقت و شرطية الطهارة.

(152) لأنّه بعد أن دخل الوقت في الأثناء يعلم المأموم حينئذ بصحة صلاة

ص: 102

نعم، لو دخل الإمام نسيانا من غير مراعاة للوقت أو عمل بظنّ غير معتبر لا يجوز الائتمام به و إن علم المأموم بالدخول في الأثناء، لبطلان صلاة الإمام حينئذ واقعا و لا ينفعه دخول الوقت في الأثناء في هذه الصورة، لأنّه مختص بما إذا كان عالما أو ظانّا بالظنّ المعتبر (153).

______________________________

الإمام، لما مرّ في [مسألة 3]: من أحكام الأوقات، فيصح الاقتداء به بعد أن دخل الوقت.

(153) تقدّم وجهه في المسألة الثالثة من أحكام الأوقات.

ص: 103

فصل في شرائط إمام الجماعة

اشارة

(فصل في شرائط إمام الجماعة) يشترط فيه أمور:

البلوغ (1) (فصل في شرائط إمام الجماعة)

______________________________

(1) للأصل بعد الشك في شمول الإطلاقات له، و في العلويّ المنجبر:

«لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أنّ يحتلم. و لا يؤم حتّى يحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه» (1).

مضافا إلى نفي الخلاف عن عدم الجواز في المنتهى.

و أما خبر طلحة عن جعفر عن عليّ (عليهما السلام): «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم، و أن يؤم» (2)، و نحوه خبر غياث (3) فأسقطهما عن الاعتبار قصور سندهما، مع عدم الجابر. مع عدم الجابر مع إمكان الحمل فيه.

و أما موثق سماعة: «تجوز صدقة الغلام و عتقه و يؤم الناس إذا كان له عشر سنين» (4).

فيمكن حمله على صورة تحقق الاحتلام في عشر سنين جميعا بينه و بين غيره، مع أنّ المنساق منه تحقق البلوغ في عشر سنين، فيعارض حينئذ ما دلّ على تحديده بإتمام خمسة عشر سنة، مضافا إلى إعراض المشهور عن إطلاقه، فما عن المبسوط، و الخلاف، و نسب إلى الجعفي من صحة إمامة المراهق لا دليل لهم عليه، و لعلّهم أرادوا صورة تحقق الاحتلام عند المراهقة، فلا نزاع حينئذ في البين.

ص: 104


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

و العقل (2)، و الإيمان (3)

______________________________

(2) الجنون تارة: يكون باختلال العقل من كل جهة مطلقا. و أخرى:

باختلاله في جهة خاصة فقط مع كونه عاقلا في سائر الجهات. و ثالثة: يكون أدواريّا، ففي دور يكون عاقلا مطلقا و في دور آخر يكون بخلافه.

أما الأول، فمقتضى بناء العقلاء و مرتكزاتهم سقوط أفعاله مطلقا فضلا عن إمامته و هو المتيقن من إجماع الفقهاء، و صحيح زرارة: «لا يصلّين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا» (1).

و يشمل ما ذكر للقسم الثاني أيضا، لصدق كونه مجنونا مطلقا. و أما الأخير.

فمقتضى تكليفه و صحة أعماله في دور الإفاقة صحة الاقتداء به أيضا.

و استدلّ للمنع تارة: بإطلاق ما تقدّم من الصحيح. و يرد بأنّ المنساق منه عرفا حال التلبّس بالجنون كغيره من الصفات كيف و يصدق عليه العاقل فعلا.

و أخرى: بأنّه لا يؤمن عليه من عروض الجنون في أثناء الصّلاة. و يرد بأنّه لا دليل على أنّ مجرد احتمال عروض المانع يكون مانعا بل مقتضى المرتكزات عدمه.

و ثالثة: بأنّ من المحتمل احتلامه حال الجنون و بقاء جنابته إلى حال الإفاقة، فلا تصح صلاته حينئذ. و فيه: أنّه منفيّ بالأصل، مع أنّ الكلام فيما إذا أحرز صحة صلاته من كل جهة، فلا دليل لبطلان إمامته.

(3) أي بالمعنى الأخص و هو الاعتقاد بالأئمّة الاثني عشر، و يدل عليه مضافا- إلى الإجماع- نصوص كثيرة، فعن الرضا (عليه السلام):

«لا يقتدى إلّا بأهل الولاية» (2).

و في صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة خلف المخالفين، فقال ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر» (3).

و في مكاتبة البرقي إلى أبي جعفر (عليه السلام): «أ تجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدك؟ فأجاب لا تصلّ وراءه» (4). ثمَّ إنّه يكفي مجرّد الاعتقاد.

ص: 105


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 11.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

و العدالة (4)، و أن لا يكون

______________________________

لهم (عليهم السلام) و إن لم يعلم تفصيل تمام الجهات الراجعة إليهم (عليهم السلام).

(4) للنص، و الإجماع، بل اعتبارها في الإمامة من ضروريات المذهب و عن أبي جعفر (عليه السلام):

«لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» (1) و عن عليّ (عليه السلام):

«الأغلف لا يؤم القوم و إن كان أقرأهم، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها» (2).

و عن سماعة: «سألته عن رجل كان يصلّي، فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة قال (عليه السلام): إنّ كان إماما عدلا، فليصلّ ركعة أخرى و ينصرف و يجعلها تطوّعا و ليدخل مع الإمام في صلاته، و إن لم يكن إمام عدل، فليبن على صلاته كما هو- الحديث-» (3).

فيظهر منه المفروغية عن اعتبار العدالة في الإمامة.

و عن مولانا الرضا (عليه السلام): «لا صلاة خلف الفاجر»(4) و في صحيح ابن يعفور: «بم يعرف عدالة الرجل» فما عن المستند من: «إنّي لم أعثر إلى الآن على خبر مشتمل على لفظ العدالة أو عدم جواز الاقتداء بالفاسق» مخدوش بما مرّ من ذكرها بنفسها و بلوازمها العرفية و الشرعية.

ثمَّ إنّ البحث في العدالة يقع في أمور:

الأول- إنّها من أهم الكمالات الواقعية للنفوس الإنسانية و هي الجهاد الأكبر الذي تكون مجاهدة الأنبياء و خلفاؤهم للكفار و الطغاة مقدمة لحصولها في النفوس فيستكمل بها دينهم و دنياهم، و يكون كل علم و كمال نفسي مع عدمها ضائعا في الآخرة كما ثبت ذلك كله في محلّه.

ص: 106


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

.....

______________________________

الثاني: العدالة- كالشجاعة و السخاوة و نحوها- من الصفات النفسانية المعروفة لدى العقلاء كافة، لأنّ لكل قوم عادل و فاسق في جميع الملل و الأديان، و ليست من الأمور التعبّدية الشرعية حتّى نحتاج في فهم حقيقتها من المراجعة إلى الشارع. نعم، متعلق العدالة في شرعنا يكون الأحكام الشرعية كما أنّه في سائر الشرائع و الملل يكون من أحكامها. و يترتب على تحقق هذا الموضوع آثار و أحكام في شرعنا كترتّبها عليه في سائر الأديان بحسب ما عندهم من الأحكام و الآثار، و إذا راجعنا العقلاء يقولون: إنّ العدالة الاستقامة في التحفظ على ما هو القانون الديني و العمل به، فيكون معناها في شرعنا الاستقامة في الإتيان بالواجبات و ترك المحرّمات بأن يكون معتنا بدينه و مهتمّا به، فلا يكون مجرّد ترك المحرّمات و إتيان الواجبات أحيانا من العدالة في شي ء، لأنّها أخصّ من ذلك عند العرف و المتشرعة بل في الواقع أيضا، لأنّ هذا من الحالات، و العدالة من الصفات الراسخة في النفس كالشجاعة و غيرها.

الثالث: إنّها أمر وجوديّ- كما أنّ الفسق أيضا كذلك- لشهادة العرف و الاعتبار بذلك كما هو معلوم، فتكون النسبة بينهما التضاد لا العدم و الملكة، أو السلب و الإيجاب. مع أنّه لا أثر عمليّا في هذا النزاع أصلا إلّا بناء على صحة الاقتداء بالمجهول. و ظاهر النص و الفتوى خلافه.

الرابع: هل العدالة شرط أو الفسق مانع؟ يمكن استفادة كل منهما من ظواهر الأدلّة- الواردة في خصوص المقام- فيدل على الأول قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» (1)، بناء على أنّه عبارة أخرى عن العدالة عرفا. و يدل على الثاني قوله (عليه السلام): «لا صلاة خلف الفاجر» (2).

و لكن المنساق من الأدلّة- خصوصا صحيحة ابن أبي يعفور- الأول، فيحمل الثاني على التأكيد بالسنة مختلفة، كما هو عادة الأئمة (عليهم السلام) في مقام بيان الاهتمام بالشي ء.

ص: 107


1- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

.....

______________________________

ففي صحيح ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): بم يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر، و الزنا، و الربا، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و غير ذلك، و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة المسلمين.

و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاهم إلّا من علّة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيرا مواظبا على الصّلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، و ذلك أنّ الصّلاة ستر و كفارة للذنوب، و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلّاه و يتعاهد المسلمين، و إنّما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصّلاة، لكي يعرف من يصلّي ممن لا يصلّي، و من يحفظ مواقيت الصّلاة ممن يضيع، و لو لا ذلك لم يمكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأنّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) همّ بأنّ يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك، و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من اللّه عزّ و جل و من رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، و قد كان يقول: «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة» (1).

مع أنّ الظاهر أنّ العدالة في جميع موارد اعتبارها بمعنى واحد- كالقاضي و المفتي و الشاهد- و لا ريب في ظهور الأدلّة في كون العدالة شرطا فيها لا أن يكون الفسق مانعا. و الظاهر أنّ المقام أيضا مثل سائر موارد اعتبارها، مضافا إلى أنّ هذا

ص: 108


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 1.

.....

______________________________

النزاع لغو بناء على أنّ المراد بالعدالة الصفة الراسخة في النفس دون مجرّد الحالة كما لا يخفى، مع أنّ هذا النزاع لا ثمرة عملية له أيضا إلّا بناء على صحة الائتمام بالمجهول و هو لا يجوز نصّا و إجماعا.

ففي خبر حماد المنجبر عن الصادق (عليه السلام) قال: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا» (1)، و عنه (عليه السلام): «ثلاثة لا يصلّي خلفهم: المجهول، و الغالي- الحديث-» (2).

و أما خبر عبد الرحيم القصير قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام): يقول:

إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فيقرأ القرآن فلا تقرأ و اعتد بقراءته (بصلاته)» (3) فيجب حمله على ما إذا حصل الوثوق بعدالته من إئتمام الناس به.

إن قلت: بأصالة عدم صدور الفسق تثبت العدالة.

قلت: لا ريب في كونه من الأصول المثبتة. نعم، لو كان سابقا عادلا و شك في بقائها يجري استصحاب العدالة و يترتب عليها الأثر، و كذا لو رأينا منه معصية و شك في أنّه معذور في ارتكابها أم لا، فإنّ أصالة الصحة تثبت العدالة بناء على أنّها حجة في لوازمها أيضا، فتثبت في الموردين العدالة الشرعية و لا ربط لها بصحة الاقتداء بالمجهول لثبوت العدالة في موردهما شرعا و هو كالثبوت بسائر الأمارات المعتبرة.

الخامس: تقدم أنّها صفة واقعية نفسانية كسائر الصفات النفسانية و لا ريب في أنّ طريق معرفة الصفات النفسانية إنّما يكون بآثارها الخارجية إذ لا طريق إلى معرفة الواقعيات إلّا بعلم الغيب الذي هو منحصر باللّه تعالى، و بمن يفيضه إليه كما أنّها تعلم بآثارها التي هي من الطرق العرفية العادية للعلم بالواقعيات. بل عامة الناس لا يعرفون الواقعيات إلّا من الآثار الظاهرية. و قد اختلف الفقهاء (رحمهم اللّه) في طريق معرفة العدالة على أقوال:

ص: 109


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

.....

______________________________

الأول: ما نسب إلى الشيخ (قدّس سرّه) من كفاية ظهور الإسلام في إحراز العدالة ما لم يعلم الخلاف و هذا هو المشهور بين العامة، و استدلّ عليه تارة:

بالإجماع القولي و العملي. و يرد الأول: بأنّ خلافه مظنة الإجماع و الثاني: بأنّ سيرة الأئمة (عليهم السلام) و الخواص كانت على عدم ترتيب آثار العدالة بمجرّد ظهور الإسلام، بل كان النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) يتفحّص في الشاهد.

فعن الحسن بن عليّ العسكريّ (عليهما السلام) في تفسيره عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي: أ لك حجة؟ فإن قدم بينة يرضاها و يعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه، و إن لم يكن له بيّنة حلّف المدّعى عليه باللّه ما لهذا قبله ذلك الذي ادّعاه و لا شي ء منه، و إذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شر قال للشهود: أين قبائلكما؟ فيصفان، أين سوقكما؟ فيصفان، أين منزلكما؟ فيصفان، ثمَّ يقيم الخصوم و الشهود بين يديه ثمَّ يأمر فيكتب أسامي المدّعي و المدّعي عليه و الشهود، و يصف ما شهدوا به، ثمَّ يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثمَّ مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه، ثمَّ يقول: ليذهب كل واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما و أسواقهما و محالّهما و الربض الذي ينزلانه، فيسأل عنهما.

فيذهبان و يسألان، فإن أتوا خيرا و ذكروا فضلا رجعوا إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فأخبراه، أحضر القوم الذي أثنوا عليهما، و أحضر الشهود، فقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان و هذا فلان بن فلان أ تعرفونهما؟ فيقولون: نعم، فيقول: إنّ فلانا و فلانا جاءني عنكم فيما بيننا بجميل و ذكر صالح أ فكما قالا؟ فإن قالوا: نعم، قضى حينئذ بشهادتهما على المدّعي عليه، فإن رجعا بخبر سيّئ و ثناء قبيح دعا بهم، فيقول: أ تعرفون فلانا و فلانا؟ فيقولون: نعم، فيقول: اقعدوا حتّى يحضرا، فيقعدون فيحضرهما فيقول للقوم: أ هما هما؟ فيقولون: نعم، فإذا ثبت عنده ذلك لم يهتك سترا بشاهدين و لا عابهما و لا وبخهما، و لكن يدعو الخصوم إلى الصلح، فلا يزال بهم حتّى يصطلحوا لئلّا يفتضح الشهود، و يستر عليهم.

ص: 110

.....

______________________________

و كان رؤوفا رحيما عطوفا على أمّته، فإن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون و لا قبيلة لهما و لا سوق و لا دار أقبل على المدّعى عليه فقال: ما تقول فبهما؟ فإن قال: ما عرفنا إلّا خيرا غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ أنفذ شهادتهما، و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصم و خصمه و أحلف المدّعى عليه و قطع الخصومة بينهما» (1).

بل كان عند القضاة جمع خاص لتوثيق من يرد عليهم من الشهود في الخصومات كما لا يخفى على من راجع التواريخ.

و أخرى: بأصالة عدم صدور الفسق، و أصالة الصحة. و يرد: بأنّ العدالة- كما تقدم- صفة خاصة و إثباتها بأصالة عدم صدور الفسق، و أصالة الصحة، من الأصل المثبت، و مقتضى أصالة الصحة في فعل الغير هو عدم ترتب آثار الفساد لو احتمل الفعل الصادر منه للصحة و الفساد، و أما إثبات العدالة بها فهو ممنوع- كما هو معلوم.

و ثالثة: بلزوم الحرج لو لم يكتف به. و يرد بعدم لزومه كما هو واضح.

و رابعة: بإطلاق مثل قوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ (2).

و يرد: بأنّه لا بد من تقييده بما دل على اعتبار العدالة في الشاهد.

و خامسة: بجملة من الأخبار- و هي العمدة- مثل قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر علقمة: «كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» (3)، و قول عليّ (عليه السلام): «اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض» (4) و ما ورد من الرضا (عليه السلام): في قبول شهادة الناصبي(5) إلى غير ذلك مما ذكر في المطوّلات.

و يرد أولا: بقصور سندها و عدم الجابر له.

و ثانيا: بلزوم تقييدها بصحيح ابن أبي يعفور (6) الذي هو من محكمات

ص: 111


1- الوسائل باب: 6 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 1.
2- البقرة: 282.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 13.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 23.
5- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 21.
6- راجع صفحة 108.

.....

______________________________

أخبار الباب سندا و متنا، و لا بد من إرجاع غيره إليه، أو تأويله أو طرحه.

و ثالثا: بأنّ جلّ هذه الأخبار لو لا كلّها في مقام الترغيب إلى الجماعة و الترهيب عن تركها، و في مقام دفع الوساوس النفسانية التي تحصل لكلّ أحد بتشكيك شياطين الإنس و الجنّ، فرفع الشارع عذر الجميع بمثل هذه الأخبار- التي صدرت لدفع الوسواس و رفعها- لا لبيان تحديد معنى العدالة شرعا، بل هي باقية على معناها العرفي و اللغوي كما لا يخفى.

و رابعا: بأنّ ما دلّ على الصّلاة خلف الناصبي (1) محمول على التقية قطعا.

ثمَّ إنّه يمكن حمل قول من ذهب: إلى كفاية الإسلام في العدالة على العمل بالوظائف الإسلامية التي جاء بها الشارع و لا ريب في تحقق العدالة حينئذ، بل قد يكون ذلك فوق مرتبة العدالة.

الثاني: كفاية حسن الظاهر مطلقا و نسب ذلك إلى المشهور.

الثالث: بشرط إفادة الظن.

الرابع: بشرط حصول الوثوق. و ربما يتوهّم أنّ هذه الأقوال في نفس العدالة من حيث هي، و لكن المتأمل فيها يرى أنّها في الكاشف عنها و المعرّف لها لا في نفسها. نعم، من حيث الملازمة الغالبية بين واقع العدالة و حسن الظاهر عبّروا بذلك لا أن يكون ذلك حدّا منطقيا أو تحديدا تعبّديا شرعيا، أو يكون ذلك من الموضوعات المستنبطة التي يرجع فيها إلى الفقهاء، بل العدالة مثل سائر الموضوعات العرفية التي يعرفها العرف بعد الاطلاع عليها و على آثارها كالمحبة و العلاقة و العداوة، بل تكون مثل الحرف و الصنائع كالتجارة و الزراعة و الحياكة و نحوها مما تعرف بآثارها و لوازمها العرفية و كذا العدالة صفة نفسانية واقعية التي آثارها ما فصل في صحيح ابن أبي يعفور على ما تقدم (2)، و يشهد بذلك عرف المتشرّعة أيضا، و سياق جملة من فقراته يدل أنّه لا موضوعية لحسن الظاهر من حيث هو، بل هو من طرق استكشاف تلك الصفة الواقعية النفسانية، فراجع و تأمّل.

ص: 112


1- الوسائل باب: 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
2- تقدم في صفحة: 108.

..........

______________________________

ثمَّ إنّه استدلّ للقول الثاني بما مرّ من خبر علقمة، و خبر الأمالي:

«من صلّى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة، فظنوا به خيرا»(1) و في مرسل يونس: «إذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» (2).

فيكون مجرد حسن الظاهر أمارة تعبّدية كسائر الأمارات التعبّدية الشرعية غير المقيّدة بالظن كسوق المسلمين و أرضهم و نحوهما.

و فيه أولا: قصور السند فلا تصلح للاعتماد.

و ثانيا: يمكن حملها على صورة حصول الظن العادي كما هو الغالب.

و ثالثا: يجب تقييده بما تقدم من صحيح ابن أبي يعفور بكونه من أهل الستر و العفاف، و كونه بحيث إذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: «ما رأينا منه إلّا خيرا».

و بالجملة صحيح ابن أبي يعفور شارح لجميع ما ورد من الأخبار في العدالة فلا وجه للأخذ بها مع قطع النظر عنه، و لا ريب في كونه أخص من الجميع، و قد مرّ بعض ما يتعلّق به في الاجتهاد و التقليد، فراجع إذ لا يتم المقام بدون مراجعته.

و استدلّ للثالث بأنّ المنساق من مجموع الأدلّة بقرينة مرتكزات المتشرعة في خصوص الائتمام و الاقتداء إنّما هو صورة حصول الظنّ و هو حسن إن أريد به الظنّ العادي الذي هو عبارة عن الوثوق فيتّفق جميع الأخبار حينئذ على معنى واحد.

و استدل للرابع بقوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» (3)، فإنّ ظهوره في دوران الائتمام مدار حصول الوثوق مما لا ينكر، و المنساق من صحيح ابن أبي يعفور بعد التأمّل في جميع فقراته أيضا ذلك، لأنّ من ملازمة الستر و العفاف و المواظبة على الصلاة و قول أهل القبيلة و المحلّة ما رأينا منه إلّا خيرا يحصل الوثوق قهرا.

ص: 113


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 12.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

..........

______________________________

و دعوى: أنّ سائر الأخبار حاكمة على الصحيح. مخدوشة إذ المقام مقام للتقييد لا الحكومة، و يمكن الجمع بين الأخيرين بدعوى أنّ للوثوق مراتب متفاوتة يكفي أدناها و هي مساوقة الظن العادي غالبا، بل و لحسن الظاهر أيضا مراتب و أدنى مراتب الوثوق المساوق لها كاف في المقام، لعموم الابتلاء و لو اعتبرت المراتب الأخرى لصعب حصولها، بل ربما أوجب إثارة الوسواس في أذهان العوام، و لعلّ المشهور اكتفوا بمجرّد حسن الظاهر من جهة ملازمته نوعا لحصول هذه المرتبة من الوثوق، و لم يصرّحوا بلفظ الوثوق دفعا لوساوس العوام و تشكيكاتهم، فاتبعوا إعمال هذه النكتة المستفادة من الروايات أيضا فجزاهم اللّه تعالى خيرا.

السادس: المعروف بين الإمامية أنّ العدالة صفة نفسانية باعثة على ترك الكبائر التي منها الإصرار على الصغائر و ترك منافيات المروّة.

أما اعتبار اجتناب الكبائر، فيدل عليه قوله (عليه السلام) فيما تقدم من صحيح ابن أبي يعفور: «و يعرف باجتناب الكبائر التي أو عد اللّه عليها النار» (1).

و أما كون الإصرار على الصغائر من الكبائر، فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع- قول الرضا (عليه السلام) في صحيح ابن شاذان الوارد في تعداد جملة من الكبائر: «الاشتغال بالملاهي و الإصرار على الذنوب، (2)، و قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مسلم الوارد في تعداد جملة منها: «و ضرب الأوتار و الإصرار على صغائر الذنوب» (3).

و أما اعتبار ترك منافيات المروّة فيها، فاستدل عليه تارة: بالإجماع. و يرد بعدم تحققه.

و أخرى: بما مرّ في صحيح ابن أبي يعفور من قوله (عليه السلام): «أن تعرفوه بالستر و العفاف، و كفّ البطن و اليد و الفرج و اللسان و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساترا لجميع عيوبه» بدعوى: أنّ المراد بالعيوب كل ما كان عيبا و لو لم يكن محرّما شرعا.

ص: 114


1- تقدم في صفحة: 108.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 36.

.....

______________________________

و يرد: بأنّ المنساق منه الستر و العفاف و الكفّ بالنسبة إلى محرّمات الشريعة لا أن يكون في مقام بيان معنى آخر و مجرّد الاحتمال لا يصلح للاستدلال ما لم يكن ظهور عرفيّ في البين.

و ثالثة: بمثل قوله (عليه السلام): «لا دين لمن لا مروّة له» (1).

و يرد: بأنّ للمروءة مراتب متفاوتة، فيكون لعدمها أيضا كذلك، لأنّها مساوقة للإنسانية و الشخصية و لا ريب في كونها ذات مراتب أيضا فبعض المراتب مساو لعدم الديانة و ليس الكلام فيه، بل فيما إذا كان الشخص آتيا بالواجبات و تاركا للمحرّمات، و لكن ارتكب ما ينافي شخصيته- مثلا- مع عدم انطباق عنوان آخر عليه يوجب الحرمة أصلا، و لا يمكن إثبات اعتباره في العدالة بما مرّ من الأدلّة.

ثمَّ إنّه قد قيل في ضابطة منافيات المروّة وجوه: لعل أحسنها أنّها صيانة النفس عن الأدناس و عما يشينها عند الناس، و الظاهر اختلافها باختلاف الأماكن و الأزمان و الأشخاص، فقد يكون شي ء في زمان، أو في مكان، أو بالنسبة إلى شخص منافيا لها، مع أنّه في غيره ليس كذاك. و يمكن جعل النزاع لفظيا، فمن اعتبر عدم منافيات المروّة أي فيما إذا كان ارتكابها كاشفا عن عدم الديانة، و من لم يتعرّض لها و تركها أي: فيما إذا لم تكن كاشفة عنه.

و بعبارة أخرى: لا موضوعية لاعتبار منافيات المروّة، بل هي طريقيّ محض.

ثمَّ إنّهم (قدست أسرارهم) مثّلوا لمنافيات المروّة بأمثلة كثيرة في بحث الجماعة، و كتاب القضاء، و كتاب الشهادة. و نحن نذكر جملة منها و هي:

1-: لبس الفقيه لباس الجندي. 2-: مد الرجلين في مجالس الناس.

3-: الإكثار من الحكايات المضحكة. 4-: الخروج من حسن العشرة في الأهل و الجيران و المعاملين. 5-: المضايقة في الأشياء اليسيرة الذي لا يستقضي فيه.

6-: ابتذال الشخص نفسه بلا رجحان ديني. 7-: تقبيل الشخص حليلته بين الناس. 8-: الأكل في الأسواق. 9-: المشي في الشوارع مكشوف الرأس.

ص: 115


1- أصول الكافي ج: 1 صفحة 19 حديث: 12 من كتاب العقل و الجهل.

.....

______________________________

10-: لبس الثياب المصبغة كالنساء- إلى غير ذلك مما لا تحصى المختلفة باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و الأغراض.

ثمَّ إنّه إذا كان الغرض من ارتكاب بعض منافيات المروّة إلهيّا من دون قصد تدليس و لا التباس لا يعد ذلك من المنافي عند الناس، و قال في الجواهر- و نعم ما قال-: «إنّ أولياء اللّه يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة». و ورد عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه كان يركب الحمار العاري و يردف خلفه (1)، و يأكل ماشيا إلى الصّلاة بمجمع من الناس في المسجد (2)، و كان (صلّى اللّه عليه و آله) يحلب الشاة بيده (3)، و ورد عن علي (عليه السلام): في سياق ذلك ما ملأ كتب الفريقين، و ما ذلك إلّا لأجل غلبة الجهات الواقعية على الأغراض و الجهات الدنيوية الفاسدة الزائلة، فصار ترك اعتنائهم بالدنيا مثالا لكل من تعلّق قلبه بالملإ الأعلى.

ثمَّ إنّه قد ورد في أخبارنا لفظ المروءة، و لكنّها ليس بما تعرض له الفقهاء.

فعن عليّ (عليه السلام): «و أما المروّة فاصطلاح المعيشة» (4)، و عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «ستة من المروّة، ثلاثة منها في الحضر، و ثلاثة منها في السفر، فأما التي في الحضر، فتلاوة القرآن، و عمارة المسجد، و اتخاذ الإخوان. و أما التي في السفر، فبذل الزاد، و حسن الخلق، و المزاح في غير معاصي اللّه» (5).

السابع: لا ريب في اختلاف المعاصي في الجملة كتابا و سنّة، و إجماعا و وجدانا قال تبارك و تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (6) و نرى بالوجدان التفاوت بين النظر إلى الأجنبية و لمسها و تقبيلها،

ص: 116


1- البحار باب: مكارم أخلاق النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ج: 16 صفحة: 285.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب آداب المائدة حديث: 2.
3- البحار ج: 16 صفحة: 238 باب مكارم أخلاق النبي (صلّى اللّه عليه و آله).
4- راجع روضة الكافي: صفحة 241 رقم 231.
5- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب السفر حديث: 12 كتاب الحج.
6- سورة النساء: 30.

.....

______________________________

و الزنا بها، و النصوص أيضا وافية بذلك- فراجع أبواب جهاد النفس من الوسائل- إنّما الكلام في أنّ الجميع كبيرة و التفاوت بأكبرية البعض عن بعض آخر كما عليه جمع و قد ورد: «أنّ كل ذنب عظيم» (1) أو أنّ التفاوت بأنّ بعضها كبيرة و بعضها صغيرة- كما هو المعروف بين الفقهاء (رحمهم اللّه) و جمع من محققي علماء الأخلاق- فهل يكون هذا التفاوت من باب الوصف بحال المتعلق- كما عن بعض- فالنظر إلى الأجنبية إن صدر من العامي صغيرة، و إن صدر من الفقيه- أو ممن ربّي في بيت النبوّة و الإمامة أو الفقاهة- كبيرة، فيكون التوصيف بها باعتبار حال المرتكب لا نفس المعصية كما يشهد به ما ورد في نساء النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) (2)، و ورد في تشديد الأمر على العالم و أنّه «يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد» (3). أو أنّ التوصيف باعتبار الذات، فيكون ذات المعصية على قسمين كما عليه المشهور، و هو الحق المنساق من الأدلّة عرفا.

نعم، يتأكد ذلك بحسب الأشخاص، بل الأزمنة و الأمكنة كما يأتي في أحكام التعزير إن شاء اللّه تعالى، و يمكن جعل النزاع لفظيا فكل ذنب بل كل خاطرة يكرههما اللّه تعالى كبيرة بالنسبة إلى عظمة اللّه تعالى غير المتناهية و لكن من حيث إنّه تعالى منّ على عباده و سهّل عليهم بتفصيل نواهيه كبيرة و صغيرة و لمما، و جعل الأخيرين مكفرة مع اجتناب الأولى، فالقسمة إليهما تحصل من هذه الجهة كما سهل تعالى على العباد في امتثال التكاليف امتثالا ظاهريا و لو بحسب القواعد التسهيلية الامتنانية.

الثامن: كليات الكبائر لا تخلو عن أقسام:

الأول: ما ورد النص بكونها كبيرة و قد أنهاها بعض إلى خمسين تقريبا، و عن المحقق الأردبيلي الزيادة على ذلك فراجع كتاب الجهاد من الوسائل، و صلاة الجماعة و الشهادة من الجواهر.

الثاني: ما ورد التوعيد عليه بالنار في الكتاب و السنّة

ص: 117


1- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 5.
2- راجع تفسير البرهان ج: 3 صفحة: 308 في تفسير آية 30 من سورة الأحزاب.
3- الوافي ج: 1 صفحة: 52.

.....

______________________________

لقولهم (عليهم السلام): «إنّ الكبيرة كلّ ما توعد اللّه عليها النار» (1)، بلا فرق بين كون ذلك بالصراحة أو الظهور العرفي مطلقا.

الثالث: ثبوت كونه أعظم من الكبائر المنصوصة أو عما أو عد عليه بالنار كقوله تعالى وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (2)، و قوله (عليه السلام): «الغيبة أشدّ من الزنا» (3)، و ما ورد في الرياء (4) و غير ذلك مما لا يحصى، فيستفاد كونه كبيرة حينئذ بالملازمة العرفية.

الرابع: كونه عظيما عند أهل الشرع بحسب المرتكزات الشرعية المنتهية إلى أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، و ذلك يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان كما لا يخفي.

الخامس: ورود النص بعدم الائتمام به، أو عدم قبول شهادته مع ارتكابه له، أو اعتقاده به كعدم الائتمام بمن يقول بالتجسم(5) و نحو ذلك. و هذه جملة من صغريات هذه الأقسام.

1-: الإشراك باللّه العظيم 2-: إنكار ما أنزله تعالى 3-: اليأس من روح اللّه 4-: الأمن من مكر اللّه 5-: الكذب على اللّه تعالى و على الرسول و أوصيائه 6-: محاربة أوليائه تعالى 7-: قتل النفس 8-: عقوق الوالدين 9-: أكل مال اليتيم ظلما 10-: قذف المحصنة 11-: الفرار من الزحف 12-: قطع الرّحم 13-: الزنا 14-: اللواط 15-: شرب الخمر 16-: السّرقة 17-: اليمين الغموس 18-: كتمان الشهادة 19-: شهادة الزور 20-: نقض العهد 21-:

السحر 22- الحيف في الوصيّة 23- أكل الرّبا 24-: أكل السحت 25-: القمار 26-: أكل الميتة 27-: أكل الدم 28-: أكل لحم الخنزير 29-: أكل ما أهلّ لغير اللّه 30-: البخس في المكيال و الميزان 31-: التعرب بعد الهجرة 32-:

معونة الظالمين 33-: الركون إلى الظالمين 34-: حبس الحقوق من غير عذر

ص: 118


1- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 24.
2- سورة البقرة: 191.
3- الوسائل باب: 152 من أبواب أحكام العشرة حديث 18.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الربا من كتاب التجارة.
5- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة.

.....

______________________________

35-: التكبّر 36-: الإسراف 37-: التبذير 38-: الخيانة 39-: الغيبة 40-: النميمة 41-: الاشتغال بالملاهي 42-: الاستخفاف بالحج 43-: ترك الصلاة 44-: منع الزكوات 45-: الإصرار على الصغائر 46-:

الفتنة 47-: الغناء عملا و استماعا 48-: قطيعة الرّحم 49-: المكر و الغدر و الخديعة 50-: الرياء 51-: إيذاء المؤمنين و احتقارهم و الاستهزاء و السخرية بهم 52-: كون الشخص ذا وجهين و ذا لسانين 53-: الشماتة بالمؤمن 54-: عدم إعانة من استعان به من إخوانه و منعه الحاجة التي أرادها مع التمكن 55-:

مجالسة أهل المعاصي 56-: الاستمناء إلى غير ذلك مما لم يستقصي في الفقه و إنّما تعرّضوا للأحاديث الدالّة عليها في كتب الحديث (1) و تعرّض لها الخاصة و العامة في كتب الأخلاق.

التاسع: تقدّم أنّ الإصرار على الصغيرة من الكبائر و هو عرفا المداومة و الإقامة على الشي ء خارجا، فلا يتحقق بمجرد العزم على الإتيان- كما نسب إلى القاموس- و لا بمجرّد ترك الاستغفار- كما يظهر من بعض الأخبار:

فعن أبي جعفر (عليه السلام): «الإصرار أن يذنب الذنب، فلا يستغفر اللّه و لا يحدّث نفسه بالتوبة» (2).

و في النبوي: ما أصرّ من استغفر و إن عاد في اليوم سبعين مرّة» (3)، و ذلك لعدم اعتبار قول القاموس مع مخالفته للأصل و العرف و لسائر اللغويين، و قصور الخبر سندا و دلالة لأنّه بناء على توقف عدم الإصرار على الاستغفار لا يكون فرق حينئذ بين الصغيرة و الكبيرة لمحو الكبيرة بالاستغفار أيضا، لقولهم (عليهم السلام): «لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار» (4)، مع أنّ في احتياج الصغيرة إلى الاستغفار نظر، بل منع لمحوها باجتناب الكبائر كما يأتي.

ص: 119


1- راجع الوسائل أبواب جهاد النفس، و أبواب الشهادات، و أبواب العشرة، و أبواب ما يكتسب به. به و أبواب و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
3- راجع تفسير الصافي في تفسير آية 135 من سورة آل عمران. ج: 1 صفحة: 298.
4- الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد النفس الحديث: 3، و كذا باب: 47 منه حديث: 11.

.....

______________________________

و يمكن أن يقال: إنّ الإصرار مراتب متفاوتة يتحقق بعض مراتبها بالعزم و بعضها بالمداومة و الإقامة على المعصية، و ما هو من الكبائر خصوص الأخير فقط دون الأول، و مع الشك فمقتضى الأصل عدم تحقق الإصرار و عدم عروض عنوان الكبيرة إلّا بالنسبة إلى المتيقن و هو الأخير أيضا.

ثمَّ إنّ الفرق بين الاستغفار للصغيرة و الاستغفار للكبيرة أنّ الأوّل لدفع أن تصير الصغيرة كبيرة، و الثاني لرفع الكبيرة. و بعبارة أخرى: إنّ الأول لسقوط اقتضاء المقتضي، و الثاني لرفع الأثر الفعلي.

العاشر: الكبائر متفاوتة فيما بينها قال تعالى وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ(1)، و قال الصادق (عليه السلام): «أكبر الكبائر سبع: الشرك باللّه العظيم، و قتل النفس التي حرّم اللّه إلّا بالحق، و أكل أموال اليتامى، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و إنكار ما أنزل اللّه عزّ و جل- الحديث-» (2).

كما أنّ ملكة العدالة متفاوتة شدة و ضعفا و هي ما تحصل بالتدريج كما تزول بالتدريج أيضا، فكلّ مرتبة تكون راسخة في النفس في الجملة تسمّى ملكة و إن أمكن اشتدادها إلى مرتبة أشدّ منها و يكفي في العدالة صرف وجودها، لعدم الدليل على اعتبار أزيد منه، إذ ليس لهذا اللفظ في الأخبار و كلمات القدماء عين و لا أثر.

الحادي عشر: محو الذنوب و تكفيرها يتحقق بأمور:

منها: الآلام و المحن، و المصائب، و فقد الأولاد، و حتّى الخدشة التي تصيب الإنسان، و الرؤيا التي توجب تأثير الشخص، فضلا عن سكرات الموت و غير ذلك مما لا يحصى و لا يستقصي، و قد دلّت عليها النصوص الكثيرة بل المتواترة (3)و هي من أقوى موجبات التكفير كما لا يخفى على من راجع الأخبار.

و منها: الاستغفار من الملائكة، لقوله تعالى وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ (4)، و استغفار النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)

ص: 120


1- سورة البقرة: 216.
2- الوسائل باب: 46- من أبواب جهاد النفس حديث: 20.
3- راجع الوسائل باب 96 من أبواب أحكام الأولاد، و باب: 1 و 2 و 3 من أبواب الاحتضار.
4- سورة الشورى: 5.

.....

______________________________

و الإمام حين عرض الأعمال عليهما في كلّ صباح أو في كلّ يوم خميس، و يوم اثنين كما تدل عليه روايات كثيرة، بل مستفيضة (1)، و استغفار المؤمنين الذي يكون أقرب إلى الاستجابة من استغفار العاصي لنفسه، ففي الخبر. «لا تحقّروا دعوة أحد فإنّه يستجاب لليهودي و النصراني فيكم و لا يستجاب لهم في أنفسهم» (2).

و منها: غفران اللّه جلّ جلاله تفضلا في الأيام و الليالي المتبركة- كشهر رمضان و أيام عرفة و نحوها كما في أخبار كثيرة (3).

و منها: الحسنات فإنّها يذهبن السيّئات كتابا و سنّة (4).

و منها: اجتناب الكبائر، فإنّه يوجب محو الصغائر، لقوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (5).

و منها: الشفاعة بمراتبها الكثيرة الوسيعة من شفاعة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و أوصيائه و المؤمنين كتابا و سنّة متواترة (6)، بل بالضرورة في الجملة و هناك أمور أخرى- غير ما ذكرناه- كما لا يخفى.

إن قلت: مع هذه الأمور التي توجب المحور لا يبقى موضوع لندم العاصي و توبته، مع أنّه لا ريب في وجوبها و قد ورد في الترغيب إليه ما لا يحصي (7).

قلت: للمغفرة مراتب كثيرة يمكن عدم حصول بعض مراتبها إلّا بتوبة نفس العاصي مع قدرته عليها، مع أنّ غفران الكبائر متعلّق على مشيته تبارك و تعالى و من الأمور البدائية لقوله تعالى إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ (8).

ص: 121


1- راجع الوسائل باب: 101 من أبواب جهاد النفس حديث: 10 و غيره.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب الدعاء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام شهر رمضان.
4- أمّا الكتاب: فقوله تعالى في سورة هود: 114 و الفرقان: 7، و أمّا السنة فراجع باب: 96 من أبواب جهاد النفس.
5- سورة النساء: 31.
6- راجع ج: 3 صفحة 381 من المهذب، و المجلد و الثالث من بحار الأنوار الطبعة القديمة باب الشفاعة.
7- راجع الوسائل باب: 90 و 91 و 92 من أبواب جهاد النفس.
8- سورة النساء: 48.

.....

______________________________

فيمكن أن يجب الاستغفار من المعاصي و كان استغفار غيره له موجبات لثبوت الغفران و عدم حدوث البداء بالنسبة إليه، و يشهد له قوله تعالى الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا (1).

و هذه المباحث غير منقحة في الكلمات و لعل الاجمال فيها لمصلحة أولى من مرض جملة من الجهات الكثيرة التي تتعلق بها.

الثاني عشر: لا ريب في وجوب التوبة عقلا، لقاعدة دفع الضرر المحتمل، و ما يظهر منه وجوبه شرعا أيضا كقوله تعالى تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (2) و كقوله تعالى وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ (3) حيث إنّه إرشاد إلى وجوب الإطاعة عقلا و هل هو فوري أو لا؟: المعروف هو الأول لقاعدة دفع الضرر المحتمل، خصوصا في حقوق الناس التي ادّعى صاحب الجواهر فيها أصالة الفورية إلّا ما خرج بالدليل، و لكن ظاهرهم في الكفارات التي هي كالتوبة عدم الفورية، بل في الأخبار ما هو ظاهر في عدمها، و إنّ باب التوبة مفتوحة إلى أن يبلغ النّفس إلى الحلقوم (4)، إلّا أن يقال: إنّها لا تدل على التوسعة، بل على عدم السقوط، فتجب فورا ففورا.

ثمَّ إنّ وجوبها طريقيّ إلى تدارك أصل الذنب، فلو تركها لا يعاقب و يكفي فيها مجرد الندم كما في جملة من الأخبار منها:

قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «كفى بالندم توبة» (5).

و الظاهر اعتبار آن يكون الندم من جهة الديانة و الخوف من الله تعالى، فلا يكفي إن كان من جهة أخرى- كالفضيحة عند الناس، أو ضرر المعصية بجسمه مثلا- أو غير ذلك مما يوجب الندامة، كما أنّ الظاهر جواز التبعيض فيها، فلا

ص: 122


1- غافر: 7.
2- التحريم: 8.
3- التغابن: 13.
4- الوسائل باب: 93 من أبواب جهاد النفس.
5- الوسائل باب: 83 من أبواب جهاد النفس حديث: 6.

.....

______________________________

تتوقف التوبة عن معصية على التوبة عن معصية أخرى، و الظاهر عدم اعتبار العلم تفصيلا بما عصى به، فلو ندم إجمالا عما عصى و لو لم يعلم به تفصيلا صح و كفى، هذا في حق اللّه تعالى غير المتوقف على القضاء، و أما فيما يتوقف عليه أو في حقوق الناس، ففيه تفصيل، و لا ريب في تحققها بالندم مع العزم على عدم العود، و هل تتحقق بمجرد الندم مع العزم على العود لو فرض ثبوت مثل هذا الندم حقيقة؟ وجهان: من الإطلاقات خصوصا مثل قوله (عليه السلام): «ما أصرّ من استغفر و إن عاد في اليوم سبعين مرّة» (1)، و من احتمال الانصراف خصوصا ما ورد من أنّه كالمستهزئ (2). ثمَّ إنّ للندامة و الاستغفار مراتب متفاوتة جدّا، مقتضى الإطلاقات كفاية أدناها.

الثالث عشر: تقدم أنّ تكفير الذنوب من أوسع أبواب رحمة اللّه تعالى و له طرق كثيرة ذكرنا بعضها، و يظهر من بعض الآيات الكريمة (3) و بعض الأخبار (4) ثبوت الإحباط- في الجملة أيضا- و هو أن يوجب بعض الذنوب محو أثر الطاعة، و لكن الحق بعد التأمل في مجموع ما ورد- خصوصا مثل قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (5)- أنّ الحسنات و الأفعال الخيرية و الملكات الفاضلة لا تضمحل آثارها بالكلية، بل تحصل آثارها إما في الدنيا، أو في البرزخ، أو في المحشر، أو في النار تخفيفا من شدّتها أو بنحو آخر.

و مثل قوله تعالى وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (6) يختص إما بمن مات كافرا، فيصير العمل هباء منثورا بالنسبة إلى دخول الجنة لا بالنسبة إلى سائر الآثار، أو بما إذا كان العمل باطلا شرعا و قصر العامل فيه مع زعمه صحته. نعم، يشترط دخول الجنة بالموت على الإيمان، فمن مات كافرا لا

ص: 123


1- تقدّم في صفحة: 119.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.
3- راجع المائدة: 5 و الأنعام: 88 و هود: 16 و غيرها من الآيات الشريفة.
4- راجع البحار ج: 3 صفحة: 92 من طبعة الكمباني و تفسير البرهان ج: 1 صفحة 450.
5- الزلزلة: 7 و 8.
6- الفرقان: 23.

.....

______________________________

يدخلها و إن كان قد عمل من الخيرات ما عمل، و لكن لأعماله الحسنة آثار من تخفيف العذاب أو نحو ذلك.

و قوله تعالى فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ (1) إنّما هو بالنسبة إلى كمال النفس في الدنيا بالطّاعات و الحسنات، و دخول الجنة في الآخرة الذي هو الكمال المحض لا بالنسبة إلى بعض الآثار التي لا تعد شيئا أبدا في مقابل كمال النفس و دخول الجنة، فمن مات كافرا لا يدخل الجنة و من مات مؤمنا و لم يلبس إيمانه بظلم فهو من أهل الجنة بلا ريب و إن خلط عملا صالحا و آخر سيّئات و تاب فكذلك، و إن لم يتب، فإما أن يستحق ثواب إيمانه أم لا، و الثاني باطل كتابا و سنّة كقوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (2).

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثمَّ أصابته فتنة فكفر ثمَّ تاب بعد كفره كتب له و حسب له كلّ شي ء كان عمله في إيمانه، و لا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره» (3) فإذا لم يتحقق الحبط بالنسبة إلى الكفر، فبالنسبة إلى غيره من المعاصي يكون الأولى و قد تواترت النصوص: أنّ ثواب الإيمان الجنة (4) لا شي ء آخر من تخفيف عذاب أو نحوه، و حينئذ إما أن يدخل الجنة لثواب إيمانه، ثمَّ يخرج منها، و يدخل النار بسيّئاته، و هو باطل إجماعا لأنّ من يدخل الجنة لا يخرج منها، أو يدخل النار لسيّئاته ثمَّ يخرج منها و يدخل الجنة بإيمانه، و هو صحيح لا إشكال فيه، و يدل عليه بعض الأخبار.

هذا مع قطع النظر عن الشفاعة و ما مرّ من موجبات التكفير و أما معها فلا يدخل النار أصلا هذا بالنسبة إلى الحبط الإيماني.

و أما الحبط بالنسبة إلى بعض مراتب القبول في الأعمال، فهو حق في الجملة، لأنّ لإعمال أهل الورع و التقوى مرتبة من القبول ليست تلك المرتبة

ص: 124


1- البقرة: 217.
2- الزلزلة: 7.
3- الوسائل باب: 99 من أبواب جهاد النفس حديث 1.
4- راجع الوافي ج: 3 أبواب الأيمان.

.....

______________________________

لغيرهم، و للقبول مراتب كثيرة جدّا و لتفصيل هذه المباحث محلّ آخر، و لكنّهم أهملوها أو فصّلوها بنقل الأقوال النادرة و الاحتمالات الباردة، فراجع.

ثمَّ إنّ قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (1) يحتمل وجوها:

منها- أن يكون ترك الكبيرة في تمام العمر شرطا لكفران السيّئة، فينحصر كفرانها حينئذ بأشخاص نادرين و هو بعيد عن فضله تعالى و سعة رحمته.

و منها: أن يكون بحسب الغالب، فمن كان مهتمّا بترك الكبائر يكفّر سيّئاته و إن صدرت منه كبيرة أحيانا لغلبة الهوى.

و منها: أن تكون الكبائر المكفرة بالاستغفار أو غيره موجبة لتكفير سائر السيّئات.

و منها: أن يكون ترك كل كبيرة موجبة لتكفير سيّئة، فمن كشف عورة امرأة و مسّها للزنا بها و ترك الزنا يسقط عصيان المسّ و النظر إلى العورة بالنسبة إليه، و الثاني خلاف ظاهر الآية و الأخير أنسب بفضل اللّه و سعة رحمته.

الرابع عشر: لو شك في معصية أنّها كبيرة أم لا؟ فمع وجود الأصل الموضوعي يرجع إليه، و مع عدمه فمقتضى الأصل عدم ترتب آثار الكبيرة عليها، لأنّها خصوصية زائدة على أصل الذنب، فيكون كما إذا علم بالجنس و شك في نوع خاص.

و عن جمع منهم صاحب الجواهر (رحمه اللّه) أنّ الأصل في كل معصية أن تكون كبيرة إلّا ما خرج بالدليل «لأنّ الأصل عدم تكفيرها، و لعموم الأمر بالتوبة من كل معصية إلّا ما علم أنّها صغيرة، و لا يعارض ذلك باستصحاب العدالة، لأنّا نقول إنّها عندنا اجتناب الكبائر في نفس الأمر و لا يتم ذلك إلّا باجتناب المشكوك فيه أنّه منها».

و الكلّ: مخدوش أما الأصل، فلا أصل له في مقابل العمومات و الإطلاقات الامتنانية الكثيرة الدالة على التكفير مثل إطلاق قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ

ص: 125


1- النساء: 31.

.....

______________________________

(1)، و ما ورد في الفرائض اليوميّة أنّها مثل، «الحكمة تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم و الليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن» (2).

إلى غير ذلك مما لا يحصى و لا يستقصي (3)، فيستفاد منها و من سعة فضل اللّه و رحمته أنّ الأصل في كل ذنب التكفير إلّا ما خرج بالدليل، و يشهد له سياق قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (4) إذ يستفاد منه أنّ كل ما لم يثبت كونه كبيرة يكون مكفرا، فالكبيرة عنوان خاص وجوديّ لا بد من إحرازه في ترتيب أثره، و الصغيرة تكون كل سيّئة لم تعنون بعنوان الكبيرة، و يصح إحراز عدم التعنون بهذا العنوان و لو بالأصل نعتيا كان أو أزليا.

و أما أنّ العدالة اجتناب الكبائر في نفس الأمر و لا يتم ذلك إلّا باجتناب المشكوك، فمخالف لظواهر الأدلّة- المتقدمة الواصلة إلينا في هذا الموضوع العام البلوى، لأنّ سياق جميعها أنّه يجب الاجتناب عما ثبت في الشرع كونه كبيرة، و في غيره يرجع إلى القواعد و الأصول المعتبرة الشرعية كما في سائر الموارد.

و يأتي بعض الكلام في القضاء و الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّه لو صدر من عادل كبيرة و شك في توبته، فمقتضى ظهور إيمانه تحقق الندم منها خصوصا بناء على جريان أصالة الصحة في أفعال الجوانح كجريانها في أفعال الجوارح، و سيأتي في [مسألة 4] من الفصل اللاحق ما يرتبط بالمقام.

الخامس عشر: لا ريب في أنّ للثواب، و العقاب، و الغفران، مراتب متفاوتة جدّا و يمكن أن يؤثّر موجباتها في بعض المراتب دون بعض، لسعة فضل اللّه تعالى، و لقوله جلّ شأنه إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (5) هذا و لا ريب في

ص: 126


1- سورة هود: 114.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 8.
3- راجع الوسائل أحاديث باب: 1 من أبواب وجوب الصوم، و الحج باب: 1 من أبواب أحكام. شهر رمضان و أبواب وجوب الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
4- سورة النساء: 31.
5- سورة الكهف: 30.

.....

______________________________

إنّ للعدالة أيضا مراتب متفاوتة جدّا كسائر الصّفات النفسانية، و مقتضى الإطلاقات و العمومات كفاية مسمّاها و إلّا لاختلّ النظام.

فما ورد في تفسيرها في الاحتجاج، و تفسير العسكري (عليه السلام): قال:

و هديه، و تماوت في منطقه، و تخاضع في حركاته فرويدا لا يغرّنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا و ركوب المحارم منها لضعف قيمته (بنيته) و مهانته و جبن قلبه، فنصب الدّين فخا لها فهو لا يزال يخيل (يحيل) الناس بظاهره، فإن تمكّن من حرام اقتحمه، و إذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرنّكم، فإنّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن الحرام و إن كثر، و يحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرّنكم حتّى تنظروا ما عقد عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثمَّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، و إذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنّكم حتّى تنظروا مع هواه يكون على عقله، أو يكون مع عقله على هواه، و كيف محبته للرئاسات الباطلة و زهده فيها، فإنّ في الناس من خسر الدنيا و الآخرة بترك الدنيا للدنيا، و يرى أنّ لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال و النعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة- إلى أن قال- و لكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر اللّه، و قواه مبذولة في رضاء اللّه، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العز في الباطل- إلى أن قال- فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا، و بسنّته فاقتدوا، إلى ربّكم به فتوسّلوا، فإنّه لا ترد له دعوة، و لا تخيب له طلبة» (1) يحمل على أنّه لبيان المرتبة الأخيرة على فرض اعتبار سند الرواية.

السادس عشر: لا فرق في الإصرار بين أن يكون على نوع واحد من الصغيرة أو على الأنواع المختلفة لتعليق الحكم على الصغيرة، و هي شاملة للجميع.

السابع عشر: الفرق بين العصمة و العدالة بعد اعتبار الاختيار في كل منهما

ص: 127


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 14.

.....

______________________________

بالأدلة القطعية- كما ثبت في محلّه- أنّ الأولى منصب إلهيّ يعطيه اللّه تبارك و تعالى لمن يعلم أنّه يحفظ ذلك المنصب باختياره، بخلاف الثانية فإنّها اكتسابية كما هو معلوم و إن كان لتوفيقاته تعالى و عناياته دخل فيها أيضا.

الثامن عشر: أرسل في الجواهر- في كتاب الشهادات- إرسال المسلّمات أنّ التوبة من العبادات و يعتبر فيها قصد القربة، و على هذا لو تاب رياء أو بلا قصد القربة فلا توبة له، و مقتضى الأصل بقاء فسقه. و هو مخدوش، لأنّ التوبة و الاستغفار بذاته قربي كقراءة القرآن و الدعاء و الأذكار، فيكون الرياء مانعا لا أن تكون القربة شرطا.

ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) قال في كتاب الشهادات أيضا: «التوبة لقبول الشهادة ليست توبة حقيقة، بل يمكن أن تكون فسقا آخر».

أقول: و كذلك التوبة لإقامة الجماعة أو غيرها مما تعتبر فيه التوبة لما تقدم من قصد القربة في التوبة بناء على اعتبار قصد القربة فيها، و كذا على ما قلناه، لأنّ هذا القسم من التوبة رياء و شرك و تدليس كما لا يخفى على أهله.

التاسع عشر: لا ريب في كون ما يستتبع الذنوب من قضاء الفوائت و أداء الحقوق واجبا، و هل هو شرط في صحة أصل التوبة بحيث لا تتحقق بدون الندم أم لا؟ وجهان مقتضى الأصل و الإطلاق هو الأخير، فتكون التوبة صحيحة بدونها و بها تصير أكمل و أتم، و عليه يحمل ما ورد في بعض الأخبار (1) في تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً(2).

و عن عليّ (عليه السلام) «إنّ التوبة تجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة، و للفرائض الإعادة، ورد المظالم، و استحلال الخصوم، و أن تعزم على أن لا تعود، و أن تذيب نفسك في طاعة اللّه كما ربيتها في المعصية، و أن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي» (3) و قد صرّح بما قلناه الشيخ البهائي في أربعينيته، و صاحب الجواهر في كتاب الشهادات.

ص: 128


1- راجع تفسير البرهان ج: 4 صفحة: 355.
2- سورة التحريم: 8.
3- ورد مضمونه في الوسائل باب: 87 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.

.....

______________________________

العشرون: استحقاق الثواب بالطاعات و العقاب بالسيئات إنّما يتحقق بمجرّد صدور الفعل- كما هو واضح- و لكنّه قابل للتغيير بعد الموت، و من المعاصي ما يحبط بعض الحسنات و من الطاعات ما يكفّر بعض السيئات و من المعاصي ما ينقل حسنات صاحبها إلى غيره، بل من المعاصي ما ينقل مثل سيئات الغير إلى الإنسان، و من الطاعات ما ينقل مثل حسنات الغير إلى الإنسان.

ثمَّ إنّ من المعاصي ما يوجب تضاعف العقاب كمعاصي العلماء- و العياذ باللّه- و من الطاعات ما يوجب تضاعف الثواب كطاعتهم مع قطع النظر عن أنّ كل حسنة مضاعفة، لقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (1)، و من الحسنات ما يدفع سيئات صاحبها إلى غيره و يجذب حسنات الغير إليه، و من السيئات ما يدفع حسنات صاحبها إلى الغير و يجذب سيئاته إليه، و يمكن الاستدلال لكل ذلك بالكتاب و السنة كما فصّلنا كل ذلك في تفسيرنا و من اللّه نستمد العون و التوفيق.

و لنشر إلى بعض ما قلناه في العدالة:

أعلى صفات نفسك العدالة لقربها من ساحة الجلالة

خصّيصة اللّه العليّ الأعلى و نوره الّذي به تجلّى

فكلّ مخلوق رأيت فعله فيه علامات تحاكي عدله

فليكتسب هذا المقام العالي تقرّبا من مصدر الجلال

جهادك النّفس جهاد أكبر و القتال بالسّيف جهاد الأصغر

فهو الكمال المحض للإنسان دلّ عليه واضح البرهان

فوازنوا أعمالكم بالعدل من قبل أن يأتي يوم الفصل

و راقبوا حالاتكم في الدّنيا لكي تنالوا الدّرجات العليا

و نبذ ما عدّ من الكبائر و هجر الإصرار على الصّغائر

تزيّن الإنسان بالفضائل تحفظه عن دنس الرّذائل

فليجتهد فيها جميع النّاس فإنّها المنجي بلا التباس

عن حادثات نشأة الغرور و مهلكات عالم النّشور

و الجدّ في مخالفات النّفس يرفعها إلى محلّ القدس

ص: 129


1- سورة الأنعام: 160.

ابن زنا (5)، و الذكورة إذا كان المأمومون أو بعضهم رجالا (6)، و أن لا يكون قاعدا للقائمين و لا مضطجعا للقاعدين (7)، و لا من لا يحسن

______________________________

(5) نصّا، و إجماعا، فعن مولانا الباقر (عليه السلام): في الصحيح قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يصلّين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا» (1).

و الظاهر أنّ مراد الفقهاء من تعبيرهم عن هذا الشرط بطهارة المولد ما في النصوص أيضا، فيصح إمامة ولد الشبهة، لأنّه بحكم النكاح الصحيح، و كذا من ولد عن نكاح صحيح في غير الإسلام ثمَّ أسلم، لأنّ: «لكل أمّة نكاح»(2) و قد قرّر شرعنا ذلك و كذا المجهول، لأصالة صحة نسبته التي هي من الأصول المعتبرة الشرعية بل العقلائية. و أمّا بناء على الجمود على تعبير الفقهاء، فيشكل الاقتداء به لأنّ ظاهر التعبير بطهارة المولد إحرازها مع أنّ ظاهرهم الجواز، قال في الجواهر:

«ظاهر الأصحاب الاتفاق على جواز الائتمام بمن لم يثبت أنّه ابن زنا» فيكون إحراز الولادة من الزنا مانعا لا أن يكون إحراز طهارة المولد شرطا فيصح الائتمام بكل من لم يثبت أنّه ابن زنا، مضافا إلى تنفّر الطباع عنه، فكيف يجعل إماما في الصّلاة أو مرجعا للفتوى أو في الحكم.

(6) للإجماع، و السيرة خلفا عن سلف، و لصحة دعوى القطع من مذاق الشرع بعدم جوازه أيضا، و في النبويّ المنجبر: «لا تؤم امرأة رجلا» (3)، و يمكن أن يستأنس لذلك بما ورد من محاذاتها مع الرجل أو تقدّمها عليه في الصّلاة (4) و يأتي في [مسألة 8] ما ينفع المقام.

(7) صلاة إمام و المأموم إمّا متساويتان في النقص و الكمال، أو تكون

ص: 130


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 83 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث 2.
3- سنن البيهقي ج: 3 صفحة: 90 و راجع مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- راجع الوسائل باب: 5 و 6 من أبواب مكان المصلّي.

.....

______________________________

صلاة الإمام كاملة و صلاة المأموم ناقصة أو بالعكس، و يصحّ الائتمام في الأوليين، و المشهور عدم صحته في الأخير مطلقا.

و استندوا عليه تارة: بالإجماع. و يرد: بأنّ قيام الإجماع على الكلية ممنوع جدّا، لعدم تعرّض بعض القدماء اشتراط عدم نقص صلاة الإمام عن صلاة المأموم في شرائط الإمام أصلا، فكيف يتحقّق الإجماع المعتبر.

و أخرى: بأصالة عدم ترتّب آثار الجماعة إلّا في المتيقن من مورد الأدلّة.

و يرد: بأنّ مقتضى الإطلاقات المتقدمة مثل إطلاق قولهم (عليهم السلام):

«لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» (1) صحة الجماعة مهما تحقق موضوعها عند المتشرعة إلّا إذا دلّ دليل على الخلاف و هو مفقود. نعم، لو كان اختلاف صلاة الإمام و المأموم بحيث يشك في صدقها عرفا لا وجه للتمسك بالإطلاقات حينئذ كما هو واضح.

و ثالثة: بالنبويّ الذي رواه الفريقان: أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) صلّى بأصحابه فلما فرغ قال: «لا يؤمنّ أحدكم بعدي جالسا» (2)، و بقول عليّ (عليه السلام): «لا يؤم المقيّد المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحاء، و لا صاحب التيمم المتوضئين» (3).

و يرد: مضافا إلى قصور السند، و عدم صحة الأخذ بإطلاق الأخير من كل جهة و تعارضه في التيمم بما يأتي إمكان الحمل على الكراهة جمعا بينها و بين الإطلاقات كما عن جمع القول بها.

و رابعة: بالسيرة. و ترد: بعدم اعتبارها مع الإطلاقات مع عدم اعتبارها في نفسها ما لم تكن مستندة إلى عدم ردع المعصوم، مع أنّها أعمّ من عدم الصحة، و في صحيح جميل قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إمام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟

قال (عليه السلام): لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم، فإنّ اللّه جعل التراب

ص: 131


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

القراءة بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلك حتّى اللحن في الإعراب و إن كان لعدم استطاعته غير ذلك (8)

______________________________

طهورا»(1) و مثله غيره الدال بظهور العلّة على أنّه لا بأس بنقصان صلاة الإمام عن المأموم في التكاليف الظاهرية و الاضطرارية. فمهما صحّت صلاة الإمام شرعا يصح الاقتداء به إلّا مع الدليل على الخلاف، و لكن استفادة التعميم من التعليل بالنسبة إلى الأفعال مشكل. هذا، و لكن عدم جواز إمامة القاعد للقائمين و المضطجع للقاعدين من المسلّمات الفقهية التي لا تقبل المناقشة، بل عدم الجواز من مرتكزات المتشرعة في جميع الأزمنة و الأمكنة.

(8) بلا ريب فيه إن كان لتقصير منه لبطلان صلاة الإمام حينئذ و أما إن كان لقصوره، فللوجوه التي مرّت آنفا مع إمكان الخدشة فيها في المقام أزيد مما مرّ بأنّ المتيقن من الإجماع و السيرة على فرض تماميتهما إنّما هو ما إذا كانت صلاة الإمام ناقصة بالنسبة إلى صلاة المأموم من حيث الأفعال لا من حيث الأقوال و الأذكار، و صريح النبويّ هو النقص الفعليّ (2) و هو المنساق من العلويّ (3) أيضا.

إن قلت: نعم، و لكن لم يخرج الإمام عن ضمان القراءة حينئذ.

قلت: المراد بخروجه عنه هو الخروج بحسب حكم الشارع، فمع حكمه بصحة قراءته صحّ الضمان و المفروض تحققه في المقام.

إن قلت: لو لم يمكن الائتمام بغيره؟

قلت: هذا التقييد مناف للإطلاقات خصوصا في هذا الأمر الابتلائي مع كثرة اختلاف اللهجات تكوينا في غير إعراب الفصحاء الذين لا أثر لهم في هذه الأعصار و ما قاربها و خصوصا مع تطرّق التشكيك في القراءة من أهل الوسوسة، بل و من غيرهم أيضا، فنرى من العامي الجاهل التشكيك في قراءة العالم الخبير و لو فتح باب هذه المناقشات لعمّت البلوى و البلية غالب جماعات الأمة.

ص: 132


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- تقدمتا في صفحة: 131.
3- تقدمتا في صفحة: 131.
مسألة 1: لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين

(مسألة 1): لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين، و المضطجع لمثله و الجالس للمضطجع (9).

مسألة 2: لا بأس بإمامة المتيمم للمتوضئ

(مسألة 2): لا بأس بإمامة المتيمم للمتوضئ (10)، و ذي الجبيرة لغيره، و مستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس و المبطون لغيرهما فضلا عن مثلهما، و كذا إمامة المستحاضة للطاهرة (11).

مسألة 3: لا بأس بالاقتداء بمن لا يحسن القراءة في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم

(مسألة 3): لا بأس بالاقتداء بمن لا يحسن القراءة في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم كالركعتين الأخيرتين- على

______________________________

(9) للإجماع، و ما تقدم من التعليل في صحيح جميل.

(10) نصّا، و إجماعا، و قد مرّ صحيح جميل، و في موثق ابن بكير قال:

«سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أجنب ثمَّ تيمّم، فأمّنا و نحن طهور، فقال: لا بأس به» (1)، و مثله غيره.

و في بعض الأخبار عدم جوازه.

منها: ما تقدم من قول عليّ (عليه السلام): «لا يؤم .. صاحب التيمّم المتوضئين» (2).

و منها: قول الصادق (عليه السلام): «لا يصلّي المتيمم بقوم متوضئين» (3) و يحمل على الكراهة جمعا و إجماعا.

(11) لصحة الصلاة في هذه الموارد الخمسة شرعا و يصح الائتمام بكل صلاة صحيحة شرعية إلّا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف في المقام مع أنّ عموم التعليل في صحيح جميل (4) يدل على الصحة في الموارد الخمسة كما هو واضح بلا شبهة.

ص: 133


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

الأقوى (12)، و كذا لا بأس بالائتمام بمن لا يحسن ما عدا القراءة من الأذكار الواجبة و المستحبّة التي لا يتحمّلها الإمام عن المأموم إذا كان ذلك لعدم استطاعته غير ذلك (13).

مسألة 4: لا يجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله

(مسألة 4): لا يجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله إذا اختلفا في المحل الذي لم يحسناه (14). و أما إذا اتحدا في المحلّ، فلا يبعد

______________________________

(12) لفحوى ما تقدم في أول هذا الفصل، فيصح التمسك بإطلاقات أحكام الجماعة بعد كونه من الموضوعات العرفية، و بإطلاق مثل قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» (1) و غيره مما هو كثير جدّا.

(13) لعين ما تقدّم في سابقة من غير فرق.

(14) لأصالة عدم صحة الائتمام إلّا فيما دل عليه الدليل بالخصوص.

و يمكن الخدشة فيها بما مرّ مكرّرا من أنّ الاقتداء و الائتمام و الجماعة من الموضوعات العرفية، فمع تحققها عرفا تترتّب عليها الأحكام قهرا و يرجع إليها الاستدلال على البطلان بعمومات وجوب القراءة.

و يرد: بأنّه مع تحقق الائتمام عرفا تسقط القراءة، لحكومة أدلّة سقوطها في الجماعة على ما دلّ على وجوبها. نعم، لو شك في تحقق الائتمام و الجماعة حينئذ عرفا، فلا وجه للتمسك بها، فتجري أصالة عدم ترتب آثار الجماعة بلا مزاحم.

و استدل أيضا بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا يؤمن المقيّد المطلقين» (2).

و يرد: بظهوره في النقص الفعلي دون القولي، و مع الشك فيه يكون التمسك به من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، مضافا إلى عدم صدق المطلق على المأموم من كل جهة، لفرض كونه ممن لا يحسن القراءة أيضا فالجزم بالفتوى مشكل و طريق الاحتياط واضح.

ص: 134


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

الجواز (15) و إن كان الأحوط العدم، بل لا يترك الاحتياط مع وجود الإمام المحسن (16) و كذا لا يبعد جواز إمامة غير المحسن لمثله مع اختلاف المحل أيضا إذا نوى الانفراد عند محلّ الاختلاف، فيقرأ لنفسه بقية القراءة (17) لكن الأحوط العدم، بل لا يترك مع وجود المحسن في هذه الصورة أيضا (18).

مسألة 5: يجوز الاقتداء بمن لا يتمكن من كمال الإفصاح بالحروف أو كمال التأدية

(مسألة 5): يجوز الاقتداء بمن لا يتمكن من كمال الإفصاح بالحروف أو كمال التأدية إذا كان متمكنا من القدر الواجب فيها و إن كان المأموم أفصح منه (19).

______________________________

(15) لفحوى ما مرّ في سابقة، مع أنّ ظاهر هم عدم الخلاف في الجواز في هذه الصورة.

(16) لم يظهر وجه لهذين الاحتياطين لا استحباب الأول، لظهور الإجماع على الجواز. نعم، لا ريب في حسنة العقلي، و لا وجوب للأخير، فإنّه إن كان المراد وجوب الاحتياط في ترك الاقتداء بمن لا يحسن، فقد مرّ عدم الدليل على استحبابه- فضلا عن وجوبه- و إن كان المراد وجوب الاحتياط في الاقتداء بالمحسن، فقد مرّ في [مسألة 1] من أول (فصل الجماعة) و سيأتي في المسألة السادسة عدم الوجوب. نعم، هو حسن عقلا.

(17) ظهر من جميع ما مرّ صحة الجماعة، فلا تجب عليه القراءة، مع أنّها لو وجبت عليه لا دليل على لزوم نيّة الانفراد، لأصالة عدم الملازمة بين وجوب القراءة و الانفراد فيقرأ حينئذ رجاء و تصح جماعته و صلاته قطعا.

(18) تقدم آنفا أنّه لا دليل على وجوب هذا الاحتياط و إن كان حسنا.

(19) لما مرّ من التعليل في صحيح جميل (1)، و للإطلاقات الواردة في الاقتداء بأهل الولاية مع الوثوق بدينه- كما تقدم- مع أنّه لا إشكال في الجواز عندهم، و يظهر منهم الإجماع عليه.

ص: 135


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
مسألة 6: لا يجب على غير المحسن الائتمام بمن هو محسن

(مسألة 6): لا يجب على غير المحسن الائتمام بمن هو محسن و إن كان هو الأحوط. نعم، يجب ذلك على القادر على التعلّم إذا ضاق الوقت عنه كما مرّ سابقا (20).

مسألة 7: لا يجوز إمامة الأخرس لغيره

(مسألة 7): لا يجوز إمامة الأخرس لغيره و إن كان ممن لا يحسن (21). نعم، يجوز إمامته لمثله (22) و إن كان الأحوط الترك خصوصا مع وجود غيره، بل لا يترك الاحتياط في هذه الصورة (23).

مسألة 8: يجوز إمامة المرأة لمثلها

(مسألة 8): يجوز إمامة المرأة لمثلها (24)، و لا يجوز للرجل و لا

______________________________

(20) راجع [مسألة 1] من أول (فصل الجماعة).

(21) لما في مفتاح الكرامة من عدم وجدان الخلاف في عدم صحة إمامته و إن كان مقتضى صحة صلاة الأخرس شرعا، و التعليل فيما مرّ من صحيح جميل صحة إمامته أيضا، مع أنّهم لم يذكروا النطق في شرائط الإمامة.

(22) لصحة صلاتهما شرعا، فيشملهما إطلاق قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» (1)، مضافا إلى ظهور إجماعهم عليه.

(23) تقدم عدم الدليل على وجوب هذا الاحتياط و إن كان حسنا.

(24) للنصوص الواردة في المقام و هي على أقسام:

الأول: المطلقات الدالة على الجواز كموثق سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة تؤم النساء، فقال لا بأس به» (2)، و صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة و التكبير فقال: قدر ما تسمع» (3) و نحوهما غيرهما.

و المنساق من الأول هو الفرائض، و كذا المنساق من الثاني مفروغية الجواز فيها عرفا إذ السؤال عن الحكم بعد المفروغية عن أصل الجواز، لأنّ الجماعة في

ص: 136


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 11.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.

للخنثى (25)

______________________________

غير الفرائض غير معهودة بين الشيعة من زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى آخر أولاده المعصومين، و كانوا (عليهم السلام) ينكرون ذلك أشدّ الإنكار.

الثاني: ما دل على الجواز في خصوص الفريضة كخبر الصيقل قال: «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام): كيف تصلّي النساء على الجنائز- إلى أن قال- ففي صلاة مكتوبة أ يؤم بعضهنّ بعضها؟ قال: نعم» (1).

الثالث: ما يدل على الجواز في النافلة دون الفريضة مثل صحيح هشام بن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال: تؤمهنّ في النافلة، فأما المكتوبة فلا و لا تتقدّمهن، و لكن تقوم و وسطهنّ» (2)، و الجمع العرفي الشائع في الفقه يقضي حمل ما دل على المنع على الكراهة و لعل الوجه فيها غلبة عدم تحفظهنّ على حدود الفرائض، بل على أصل الصلاة- فضلا عن حدودها- مع أن الغالب أنّ مفسدة اجتماعهنّ أكثر من مصلحة الجماعة غالبا.

إن قلت: فما وجه تصريحهم (عليهم السلام) بجواز جماعتهنّ في النافلة التي وردت الأخبار بأنّ الجماعة فيها بدعة (3)؟

قلت: يمكن أن يحمل ذلك على التقية، أو على مجرد المتابعة الصورية لأن يتعلمن كيفية أصل الصلاة أو غير ذلك من المحامل، فلا وجه لما عن جمع من منع إمامة المرأة لمثلها تمسكا بالأخبار المانعة (4)، لأنّه طرح لما دل على الجواز بلا وجه، فما هو المشهور هو المتعيّن.

(25) أما الأول: فلما تقدم في أول الفصل. و أما الثاني فلاحتمال ذكورية الخنثى بعد قصور إطلاقات الأدلّة عن الشمول، فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر خصوصا على القول بعدم وجود إطلاق في أدلّة الجماعة.

ص: 137


1- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5 و 6.
4- راجع الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4 و 3.
مسألة 9: يجوز إمامة الخنثى للأنثى دون الرجل

(مسألة 9): يجوز إمامة الخنثى للأنثى دون الرجل، بل و دون الخنثى (26).

مسألة 10: يجوز إمامة غير البالغ لغير البالغ

(مسألة 10): يجوز إمامة غير البالغ لغير البالغ (27).

مسألة 11: الأحوط عدم إمامة الأجذم و الأبرص و المحدود بالحدّ الشرعي بعد التوبة

(مسألة 11): الأحوط عدم إمامة الأجذم و الأبرص و المحدود بالحدّ الشرعي بعد التوبة، و الأعرابي (28)

______________________________

(26) أما الأول: فلأنّه إما رجل أو أنثى و يجوز إمامة كل منهما للأنثى. و أما الثاني: فلاحتمال أنوثية الخنثى، فيكون من إئتمام الرجل بالأنثى، و أما الثالث:

فلاحتمال ذكورية المأموم و أنوثية الإمام، فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر.

(27) لانصراف أدلّة المنع- التي تقدّمت في أول الفصل- عن مثله أو لحمل ما مرّ من دليل الجواز عليه، و نسب هذا القول إلى جمع منهم الشهيد (رحمه اللّه)، و لكن دليلهم الأول بدويّ لا اعتبار به، و الثاني من الجمع الذي لا شاهد عليه.

و عن جمع آخر عدم الجواز، لإطلاق أدلّة اعتبار البلوغ في الإمامة الظاهر في عدم الفرق بين كون المأموم بالغا أو غيره، لإطلاق أدلّة سائر الشرائط الإمامة و الجماعة الظاهر في عدم الفرق بينهما إلّا أن يتمسك بما هو المغروس في أذهان المتشرّعة خلفا عن سلف من أنّهم يرون اعتبار البلوغ في الإمام فيما إذا كان المأموم بالغا دون غيره، فيرون إمامة غير البالغ لمثله صحيحة، و هذه قرينة على أنّ حمل ما ورد من الجواز على هذه الصورة لا يكون بدويّا على هذا.

ثمَّ إنّه يعتبر عدم ارتكاب الكبيرة عن غير البالغ، و عدم الإصرار على الصغيرة أيضا، لأنّ اعتبار هذا المعنى في الإمام وضعيّ لا دخل له بالتكليف.

(28) لاشمئزاز النفوس منهم، و لقول أبي جعفر (عليه السلام): «خمسة لا يؤمّون الناس و لا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، و المجذوم، و ولد الزنا، و الأعرابي حتّى يهاجر، و المحدود» (1).

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في الأخيرين ما قبل التوبة و ما بعدها، مع أنّه

ص: 138


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2

إلّا لأمثالهم (29)، بل مطلقا و إن كان الأقوى الجواز في الجميع مطلقا (3).

مسألة 12: العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر

(مسألة 12): العدالة ملكة الاجتناب (31) عن الكبائر، و عن الإصرار على الصغائر، و عن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدّين، و يكفي حسن الظاهر الكاشف عن تلك الملكة (32).

مسألة 13: المعصية الكبيرة هي الكبيرة كلّ معصية

(مسألة 13): المعصية الكبيرة هي الكبيرة كلّ معصية ورد النص بكونها

______________________________

لا وجه لهذا القيد بناء على أنّ الحدّ موجب لتكفير الذنب- كما سيأتي في محله- هذا و لكن الأول لا يصلح أن يكون دليلا على الحكم الشرعي، و الثاني معارض برواية عبد اللّه بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال: نعم، قلت: هل يبتلي اللّه بهما المؤمن؟ قال:

نعم، و هل كتب اللّه البلاء إلّا على المؤمن» (1) و نحوه غيره، مع إعراض المشهور عن ظاهر ما دلّ على المنع، مضافا إلى أنّ المنساق منه عرفا جهة الاشمئزاز النفسانية لا أمرا تعبّديا محضا.

(29) لانصراف الأخبار عنهم، و عدم الاشمئزاز فيهم، مضافا إلى جريان السيرة على إمامة الأعرابي لمثله.

(30) لما مرّ من قصور الأدلة عن إفادة المانعية التعبّدية، فالمرجع حينئذ الإطلاقات بعد عدم ما يصلح للتقييد.

(31) لما تقدم تفصيله في أول الفصل، فراجع و تأمّل و تقدّم أنّ لفظ الملكة لم يرد في الأخبار، و إنّما ذكر في كلمات بعض فقهائنا الأخبار، و لكن لازم الملكة ورد في صحيح ابن أبي يعفور (2)، فيصح أن يراد به الملكة من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم.

(32) لما تقدم من أنّ الواقعيات لا تعرف إلّا بآثارها، و حسن الظاهر من الآثار العرفية لتلك الملكة، مضافا إلى ما تقدم من الدليل عليه.

ص: 139


1- الوسائل باب: 15 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 108.

كبيرة- كجملة من المعاصي المذكورة في محلّها- أو ورد التوعيد بالنار عليه في الكتاب أو السّنّة صريحا أو ضمنا أو ورد في الكتاب أو السّنّة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار أو كان عظيما في أنفس أهل الشرع (33).

مسألة 14: إذا شهد عدلان بعدالة شخص كفى في ثبوتها

(مسألة 14): إذا شهد عدلان بعدالة شخص كفى في ثبوتها (34) إذا لم يكن معارضا بشهادة عدلين آخرين (35)، بل و شهادة عدل واحد بعدمها (36).

مسألة 15: إذا أخبر جماعة غير معلومين بعدالته و حصل الاطمئنان كفى

(مسألة 15): إذا أخبر جماعة غير معلومين بعدالته و حصل الاطمئنان كفى، بل يكفي الاطمئنان إذا حصل من شهادة عدل واحد، و كذا إذا حصل من اقتداء عدلين به، أو من اقتداء جماعة مجهولين به، و الحاصل إنّه يكفي الوثوق و الاطمئنان للشخص من أيّ وجه حصل (37) بشرط كونه من أهل الفهم، و الخبرة، و البصيرة،

______________________________

(33) لما تقدم في الأمر الثامن- من الأمور المتعلقة بالعدالة- فراجع.

(34) لعموم دليل حجيتها الشامل للمقام و غيره، مضافا إلى الإجماع عليه في المقام.

(35) لسقوطها لأجل المعارضة حينئذ فلا اعتبار لكل واحد منهما، فيكون موردهما من مجهول الحال و تقدّم عدم صحة الائتمام به. نعم، لو حصل الوثوق بعدالته لصح الائتمام به كما سيأتي.

(36) بناء على حجية العدل الواحد. و أما بناء على عدمها- كما نسب إلى المشهور- فلا وجه لسقوط البيّنة حينئذ و قد مرّ مكرّرا ما يتعلّق بذلك.

(37) لأنّ الاطمئنان العرفي حجة عقلائية و لم يردع عنها الشارع، و يدل عليه في المقام قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» (1) إذ الوثوق

ص: 140


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

و المعرفة بالمسائل، لا من الجهال (38)، و لا ممن يحصل له الاطمئنان

______________________________

عبارة أخرى عن الاطمئنان.

و أما خبر الاحتجاج عن الرضا (عليه السلام) قال: «قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته و هدية و تماوت في منطقة و تخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرّنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا و ركوب المحارم منها لضعف قيمته (بنيته) و مهانته و جبن قلبه، فنصب الدّين فخا لها. فهو لا يزال يخيل الناس بظاهره، فإن تمكن من حرام اقتحمه، و إذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرّنّكم، فإنّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام و إن كثر و يحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنّكم حتّى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمَّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، و إذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرّنّكم حتّى تنظروا مع هواه يكون على عقله، أو يكون مع عقله على هواه، و كيف محبته للرئاسات الباطلة و زهده فيها، فإنّ في الناس من خسر الدنيا و الآخرة بترك الدنيا للدنيا، و يرى أنّ لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال و النعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة- إلى أن قال- و لكن الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر اللّه، و قواه مبذولة في رضاء اللّه، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل- إلى أن قال- فذلكم الرجل نعم الرجل فيه فتمسكوا، و بسنته فاقتدوا، و إلى ربّكم به فتوسلوا، فإنّه لا ترد له دعوة، و لا تخيّب له طلبة» (1)، فهو قاصر سندا، مع أنّ المنساق منه عدم حصول الاطمئنان لا حصوله و عدم الاعتبار به، مضافا إلى أنّه ليس في إمام الجماعة فراجع و تأمّل فيه.

(38) لأنّهم كالأنعام، بل هم أضلّ كما في الكتاب الكريم (2)، و أتباع كل

ص: 141


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 14.
2- سورة الأعراف: 176.

و الوثوق بأدنى شي ء كغالب الناس (39).

مسألة 16: الأحوط أن لا يتصدّى للإمامة من يعرف نفسه بعدم العدالة

(مسألة 16): الأحوط أن لا يتصدّى للإمامة من يعرف نفسه بعدم العدالة (40)، و إن كان الأقوى جوازه (41).

______________________________

ناعق كما في الحديث (1)، و لو أحرز أنّ أهل البصيرة اجتمعوا حوله لأغراض مادية لا اعتبار بهم أيضا.

(39) لأنّه لا اعتبار بمثل هذا الاطمئنان لدى العقلاء، بل مقتضى الأصل عدم اعتباره.

(40) لخبر السياري قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة، فيقدم بعضهم فيصلّي بهم جماعة فقال: إن كان الذي يؤم بهم ليس بينه و بين اللّه طلبة فليفعل» (2).

(41) لأنّ ظواهر الأدلّة- مثل قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» (3)، و ما مرّ من ظاهر صحيح ابن أبي يعفور (4) و غيره- أنّ اقتداء المأموم بمن أحرز عدالته موجب لتحقّق موضوع الجماعة شرعا، فيصح حينئذ للمأموم ترتيب آثار الجماعة كما يصح للإمام ذلك أيضا سواء كان الإمام عند نفسه عادلا أم لا، و هذا هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة في هذا الأمر العام البلوى، و يمكن أن يكون اعتبار العدالة في سائر الأمور أيضا هكذا فيكون إحراز العدالة عند الناس شرطا في المفتي و القاضي و الشاهد و لو لم يكونوا عند أنفسهم عدولا. و خبر السياري- المتقدّم- مضافا إلى قصور سنده- يحتمل أن يكون الإمام (عليه السلام) إما في مقام استكمال نفوس مواليه و ترغيبهم إلى الكمالات الواقعية، أو في مقام انصرافهم عن الجماعة و الاجتماع خوفا عليهم من الأعذار،

ص: 142


1- راجع نهج البلاغة: الباب: رقم 147.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة الدعوى حديث: 2.
4- راجع صفحة 108.
مسألة 17: الإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره

(مسألة 17): الإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره (42)، و إن كان غيره أفضل منه (43)، لكن الأولى له تقديم الأفضل (44)، و كذا صاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة (45) و إلّا فلا يجوز بدون إذنه (46)، و الأولى أيضا تقديم الأفضل (47) و كذا الهاشمي أولى من غيره المساوي له في الصفات (48).

______________________________

و يؤيد ذلك ما يأتي من خبره الآخر، فمع عدم حجيته لا ربط له بالمقام.

ثمَّ إنّه لا فرق في ذلك بين الجماعة الواجبة و المندوبة، كما لا فرق في ترتب الأحكام بين التكليفية منها و الوضعية، لظهور الإطلاق، و الاتفاق.

(42) لارتكازات المتشرعة، بل العقلاء، و ظهور الإجماع، و الرضوي:

«صاحب الفراش أحق بفراشه، و صاحب المسجد أحق بمسجده» (1).

(43) لعموم ما تقدّم من الأدلة و إطلاقها الشامل لهذه الصورة أيضا.

(44) لكونه من أهمّ محاسن الأخلاق، و لو صلّى الأفضل أو غيره مع عدم رضا صاحب المسجد، يكون من موارد المزاحمة في حق السبق و تقدّم في مكان المصلّي بعض الكلام فيه، و يأتي في المشتركات بعضه الآخر.

(45) لحكم العرف و العقلاء بذلك، و كذا قوله (عليه السلام): «و لا يتقدمنّ أحدكم الرجل في منزله» (2).

(46) لأنّه من الصلاة في المغصوب حينئذ، و تقدم في مكان المصلّي عدم الجواز.

(47) لما تقدم من أنّه من أهمّ محاسن الأخلاق المطلوبة على الإطلاق.

(48) لإطلاق النبويّ: «قدموا قريشا و لا تقدموها» (3)، و لأنّ فيه إكرام للرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و هذا المقدار يكفي في الاستحباب بناء على المسامحة و لذا نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين.

ص: 143


1- مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- كنز العمال ج: 6 صفحة: 198.
مسألة 18: إذا تشاحّ الأئمة رغبة في ثواب الإمامة لا لغرض دنيويّ

(مسألة 18): إذا تشاحّ الأئمة رغبة في ثواب الإمامة لا لغرض دنيويّ (49) رجح من قدّمه المأمومون جميعهم (50) تقديما ناشئا عن ترجيح شرعيّ (51) لا لأغراض دنيوية (52).

و إن اختلفوا فأراد كلّ منهم تقديم شخص، فالأولى ترجيح الفقيه الجامع للشرائط (53)

______________________________

(49) قادح في العدالة. و أما مع عدم القدح فيها، فلا يضرّ التشاح سواء كان لمجرد الأغراض الأخروية أو للدنيوية غير القادحة فيها أو مشتركا بينهما.

(50) لجملة من الأخبار، و يشهد له الاعتبار أيضا.

منها: حديث المناهي قال: «و نهي أن يؤمّ الرجل قوما إلّا بإذنهم، و قال: من أمّ قوما بإذنهم و هم به راضون فاقتصد بهم في حضورهم، و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده و قعوده، فله مثل أجر القوم، و لا ينقص عن أجورهم شي ء» (1)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ثلاثة في الجنّة على المسك الأذفر: مؤذن أذّن احتسابا، و إمام أمّ قوما و هم به راضون، و مملوك يطيع اللّه و يطيع مواليه» (2)، و عن السياري قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) إنّ القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم و يتقدّم أحدهم، فيصلّي بهم، فقال: إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس قال: و من لهم بمعرفة ذلك؟ قال (عليه السلام): فدعوا الإمامة لأهلها» (3)، و يدل عليه أيضا ما تقدم من تضاعف ثواب الجماعة بتضاعف المأمومين، و ما ورد من أنّ يد اللّه مع الجماعة.

(51) كأجمعية أحدهما للكمالات النفسانية الشرعية و منه إظهار شوكة الإسلام من جهة كثرة المأمومين لأحدهما.

(52) لأنّها ربما توجب الإخلال بقصد القربة في أصل الصلاة، فتوجب بطلانها، فلا يبقى موضوع للجماعة حينئذ.

(53) لقبح ترجيح المرجوح على الراجح، و لما ورد من الأخبار بمضامين

ص: 144


1- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

خصوصا إذا انضمّ إليه شدّة التقوى و الورع (54).

______________________________

مختلفة في فضل الفقهاء مثل ما دلّ على أنّهم «أمناء اللّه» (1)، و «أنّهم ورثة الأنبياء»(2)، «كأنبياء بني إسرائيل» (3)، و أنّ من «صلّى خلف عالم فكأنّما صلّى خلف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) (4) و عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال للهاشمي: «إنّكم سادات الناس و العلماء ساداتكم» (5)، و ما دل على أنّ: «أئمتكم وافدكم إلى اللّه فانظروا من توفدون في دينكم و صلاتكم» (6) إلى غير ذلك مما لا تحصى.

(54) لأنّه لا ريب في زيادة الدرجة و الفضيلة عند اللّه تعالى بذلك، بل عند الناس أيضا.

ثمَّ إنّه نسب إلى المشهور تقديم الأقرأ، ثمَّ الأقدم هجرة، ثمَّ الأسنّ ثمَّ الأصبح، للرضوي: «إنّ أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرأهم للقرآن فإن كانوا في القراءة سواء فأفقههم، و إن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة، و إن كانوا في الهجرة سواء فأسنّهم، فإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجها»(7) و تقدّم أنّ «صاحب المسجد أولى بمسجده»، و عن الصادق (عليه السلام) في خبر أبي عبيدة: «أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سنّا، فإن كانوا في السنّ سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة و أفقهم في الدّين و لا يتقدمنّ أحدكم الرجل في منزله، و لا صاحب سلطان في سلطانه» (8)، و عن الصدوق في

ص: 145


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 10.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.
3- البحار ج: 2 باب: 8 من كتاب العلم حديث: 67.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
5- لم أعثر على مصدره و إنما ورد في الكتب الفقهية.
6- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
7- مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
8- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

فإن لم يكن، أو تعدّد فالأولى تقديم الأجود قراءة (55) ثمَّ الأفقه في أحكام الصلاة (56)، و مع التساوي فيها فالأفقه في سائر الأحكام غير ما للصلاة (57)

______________________________

حديث آخر: «فإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجها» (1)، و لكن الظاهر بل المعلوم أنّه ليس المراد بالأقرإ مجرّد العلم بالتجويد مع الجهل بأحكام الصّلاة بل المراد به العلم بأحكام القرآن الذي لا ينفّك غالبا عن كونه فقيها خصوصا في أوائل الإسلام التي كان مدار الفقاهة على علم القرآن، فيكون المراد بالأفقه حينئذ الأفقه بالسنّة، فلا تنافي هذه الأخبار قول الماتن (رحمه اللّه) و على فرض الجمود على أنّ المراد به خصوص العلم بالتجويد فلا بد من حمله على المرتبة المتأخرة عن الفقيه الجامع للشرائط، لعدم مقاومة مثل هذه الأخبار- مع قصور سندها- لمعارضة ما ارتكز في العقول و ثبت بالمستفيضة من آل الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) من تقديم الفقيه على غيره- كما تقدم (2)- فيكون المرتكز و الأخبار من القرينة المتصلة المقيّدة لإطلاق مثل هذه الأخبار كما أنّ الظاهر أنّه لا موضوعية للأقرب هجرة و لا الأسنّ، بل هما طريقان إلى أكثرية الأسنّ بالمعارف الإسلامية إذ ربّ كبير سنّ و أقرب هجرة ليس لهما من أحكام الإسلام نصيب و ربّ شاب أفقه من شائب.

(55) لما تقدم في الصادقي و الرضوي (عليهما السلام).

(56) لما مرّ في الرضوي، فإنّ الأفقهية في أحكام الصّلاة هو المتيقن منه و أما خبر أبي عبيدة- المتقدّم- فإن كان المراد بأقدم هجرة الأفقهية في أحكام الصّلاة أيضا فيوافق الرضوي و إلا فهو مخدوش من هذه الجهة فقط بإعراض المشهور.

(57) بدعوى أنّ للأفقهية مراتب متفاوتة، منها: ما كانت في أحكام الصلاة، و منها: ما كانت في غيرها، و مقتضى مرتكزات المتشرعة تقديم الأولى

ص: 146


1- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- راجع صفحة: 144.

ثمَّ الأسنّ في الإسلام (58)، ثمَّ من كان أرجح في سائر الجهات الشرعية (59).

و الظاهر أنّ الحال كذلك إذا كان هناك أئمّة متعدّدون، فالأولى للمأموم اختيار الأرجح بالترتيب المذكور (60) لكن إذا تعدّد المرجح في بعض كان أولى ممن له ترجيح من جهة واحدة (61).

______________________________

على الثانية، فينزل الرضوي على ذلك أيضا تنزيلا عرفيا.

(58) لما مر من أنّه لا موضوعية للهجرة من حيث هي، بل تكون طريقا لتعلم معارف الإسلام و التفقه في الدّين و على هذا، فالأسنّ يكون أعلم بأحكام الدّين و أقرب إلى الكمالات الإنسانية من غيره غالبا، و لو فرض العكس ففي شمول الدليل له منع، و يشهد لما قلنا مكاتبة ابن ماهويه و أخيه إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): «اصمدا في دينكما على كل مسنّ في حبنا و كل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى» (1) فإنّ ظهورها في عدم الموضوعية لمطلق الهجرة مما لا ينكر.

(59) لإطلاق قولهم (عليهم السلام): «قدّموا أفضلكم و قدموا خياركم» (2) و لا ريب في أنّ الأفضلية و الخيرية من الأمور الإضافة القابلة للشدة و الضعف.

(60) لإطلاقات أدلة الترجيح الشاملة لصورة التشاح و غيرها و كذا لو كان هناك جمع صالحون للإمامة و أراد المأموم تقديم واحد منهم بلا تشاح بينهم و لا بين الأئمة.

(61) لأنّه حينئذ يصير أفضل من غيره، فيشمله إطلاق الدليل، مضافا إلى أنّ تقديم ذي المزية الفاضلة من المرتكزات العقلائية في الجملة بلا فرق فيه بين صورة التشاح و غيرها.

ص: 147


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث 45.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2 و 3.

و المرجحات الشرعية مضافا إلى ما ذكر كثيرة (62) لا بد من ملاحظتها في تحصيل الأولى و ربما يوجب ذلك خلاف الترتيب المذكور. (63)، مع أنّه يحتمل اختصاص الترتيب المذكور بصورة التشاح بين الأئمة أو بين المأمومين لا مطلقا (64) فالأولى للمأموم مع تعدد الجماعة ملاحظة جميع الجهات في تلك الجماعة من حيث الإمام و من حيث أهل الجماعة من حيث تقواهم و فضلهم و كثرتهم و غير ذلك ثمَّ اختيار الأرجح فالأرجح (65).

مسألة 19: الترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية و الاستحباب لا على وجه اللزوم و الإيجاب

(مسألة 19): الترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية و الاستحباب لا على وجه اللزوم و الإيجاب (66) حتّى في أولوية الإمام الراتب الذي هو صاحب المسجد، فلا يحرم مزاحمة الغير له و إن كان

______________________________

(62) كالتجلّي بمكارم الأخلاق، و الرياضات الشرعية، و شرف النسب و غير ذلك، و قد يكون المرجح عرفيا إن لم يرجع إلى الأمر الدنيوي المحض.

(63) لأنّه بحسب الغالب لا الحصر الحقيقي من كل جهة، مع أنّه لا بدّ من ملاحظة الأهم و المهم، و هي تختلف اختلافا كثيرا بحسب الخصوصيات و الجهات، فيوجب ذلك خلاف الترتيب لا محالة.

(64) هذا الاحتمال خلاف الإطلاقات، فهو ساقط، و لو كان له وجه لأشير إليه في خبر من الأخبار في هذا الأمر العام البلوى.

(65) لإطلاق مثل قولهم (عليه السلام): «قدموا أفضلكم» المراد به الاقتداء بالأفضل بأيّ وجه تحققت الأفضلية الشرعية، و لكن لا بدّ و أن يقيد هذا بما إذا لم يستلزم الترجيح تضييع حق أو توهين لشخص، فإنّ مثل هذه الموارد من مصائد الشيطان.

(66) للأصل، و السيرة، و ظهور الإجماع، بل الضرورة، فما نسب إلى ابن أبي عقيل- من منع إقامة الجاهل للعالم، و إلى المبسوط من وجوب تقديم الأقرأ على الأفقه- محمول على ما لا يخالف السيرة و الإجماع.

ص: 148

مفضولا من سائر الجهات أيضا إذا كان المسجد وقفا (67) لا ملكا له و لا لمن لم يأذن لغيره في الإمامة.

مسألة 20: يكره إمامة الأجذم، و الأبرص، و الأغلف المعذور في ترك الختان

(مسألة 20): يكره إمامة الأجذم، و الأبرص (68)، و الأغلف- المعذور في ترك الختان (69) و المحدود بحدّ شرعيّ بعد توبته (70)،

______________________________

(67) لكن يجري فيه حينئذ حكم ما تقدم في بحث المكان من المزاحمة في حق السبق، فراجع.

(68) مرّ ما يتعلّق بهما في [مسألة 11]: فلا وجه للإعادة.

(69) لخبر الأصبغ عن عليّ (عليه السلام): «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس ولد الزّنا، و المرتد، و الأعرابي بعد الهجرة، و شارب الخمر، و المحدود، و الأغلف، (1) المحمول على الكراهة بالنسبة إلى غير الثاني و الخامس بقرينة قوله (عليه السلام): «لا ينبغي» مع أنّه لا وجه للحرمة بل و لا الكراهة بالنسبة إلى الأعرابي بعد الهجرة و تعلّمه الأحكام الشرعية، و قد مرّ أنّ السبق إلى الهجرة من المرجّحات.

و أما قوله (عليه السلام): «الأغلف لا يؤمن القوم و إن كان أقرأهم، لأنّه ضيع من السّنة أعظمها، و لا تقبل له شهادة، و لا يصلّي عليه إلّا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه» (2)، فقاصر سندا عن إفادة الحرمة، مع أنّه لم يذكر أحد من شرائط وجوب الصلاة على الميت المسلم كونه مختونا، بل لا يجوز أن يختن بعد موته كما مرّ في أحكام الأموات، فهذه الرواية موهونة من هذه الجهة. نعم، لو تمكّن من الختان و تركه عمدا يمكن أن يكون ذلك كبيرة بناء على أنّ ترك كل واجب كبيرة، أو يكون من الإصرار على الصغيرة، فيوجب الفسق على أيّ حال.

(70) مرّ ما يتعلّق به في [مسألة 11] فراجع.

ص: 149


1- الوسائل باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

و من يكره المأمومون إمامته (71)، و المتيمّم للمتطهّر (72)، و الحائك، و الحجام، و الدباغ. (73) إلّا لأمثالهم (74)، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص للكامل (75) و كل كامل للأكمل (76).

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 8، ص: 150

______________________________

(71) للنبوي: «ثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة:- إلى أن قال- و إمام قوم يصلّي بهم و هم له كارهون» (1)، و عن الصادق (عليه السلام)- فيمن لا يقبل لهم صلاة: «و الرجل يؤم القوم و هم له كارهون» (2) و قد عمل بهما المشهور و حملوهما على الكراهة، و يحتمل أن يراد بهذه الأخبار كراهة المأمومين له من جهة عدم ديانته أصلا، فتبطل الجماعة حينئذ إلا أن تكون تقية في البين، فلا وجه للاستدلال بهما حينئذ للمقام.

(72) لقوله (عليه السلام): «لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين» (3) المحمول على الكراهة جمعا كما مر.

(73) للنبوي (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تصلّ خلف الحائك و إن كان عالما، و لا الحجام و إن كان زاهدا، و لا الدبّاغ و إن كان عابدا» (4).

(74) لانصراف الخبر عنهم عرفا.

(75) خروجا عن خلاف الإيضاح قال في الجواهر: «و من العجيب ما عن الإيضاح من أنّه كل ما اشتملت صلاة الإمام على الرخصة في ترك واجب، أو فعل محرّم لسبب اقتضاها و خلا المأموم عن ذلك السبب لم يجز الائتمام من رأس».

(76) لما في البيان من كراهة إمامة الكامل للأكمل، و أرسل ذلك إرسال المسلمات.

ص: 150


1- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.
4- مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

فصل في مستحبات الجماعة و مكروهاتها

اشارة

(فصل في مستحبات الجماعة و مكروهاتها)

أما المستحبات فأمور
اشارة

أما المستحبات فأمور:

أحدها: أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا واحدا

أحدها: أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا واحدا و خلفه إن كانوا أكثر (1) و لو كان المأموم امرأة واحدة وقفت خلف الإمام على الجانب الأيمن، بحيث يكون سجودها محاذيا لركبة الإمام أو قدمه (2) (فصل في مستحبات الجماعة و مكروهاتها)

______________________________

(1) لقول أحدهما (عليهما السلام)، في الصحيح: «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر قاموا خلفه»(1) المحمول على الندب إجماعا، و عن المنتهى في المأموم الواحد لو وقف عن يساره فعل مكروها إجماعا.

(2) لصحيح الفضيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أصلّي المكتوبة بأمّ عليّ قال (عليه السلام)، نعم، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك» (2). و قوله (عليه السلام): «الرجل إذ أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه» (3)، و في بعض الأخبار: أنّها تقوم وراءه» (4)، و في بعضها «تكون خلفه»(5)و اختلاف هذه التعبيرات قرينة على الاستحباب كما هو المعروف بين الأصحاب، مع ظهور تسالمهم على عدم الفرق بين المقام، و ما مرّ في مسألة

ص: 151


1- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مكان المصلّي حديث: 9.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

و لو كنّ أزيد وقفن خلفه (3) و لو كان رجلا واحدا و امرأة واحدة أو أكثر وقف الرجل عن يمين الإمام و الامرأة خلفه (4). و لو كانوا رجالا و نساء اصطفوا خلفه و اصطفت النساء خلفهم (5). بل الأحوط مراعاة المذكورات. هذا إذا كان الإمام رجلا. و أما في جماعة النساء، فالأولى وقوفهنّ صفّا واحدا أو أزيد من غير أن تبرز أمامهنّ من بينهنّ (6).

______________________________

المحاذاة من جهة كراهتها و استحباب تأخرها في المقامين، مع أنّ أصل الجماعة من المندوبات، فما ورد في كيفيتها يكون كذلك أيضا إلّا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود.

(3) لقول عليّ (عليه السلام): «المرأة خلف الرجل صف، و لا يكون الرجل خلف الرجل صفّا، إنّما يكون الرجل إلى جنب الرجل عن يمينه» (1)، و عن الصادق (عليه السلام): «المرأة صف و المرأتان صف و الثلاثة صف» (2).

(4) لخبر الوليد قال: «سألته عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد معهما النساء قال يقوم الرجل إلى جنب الرجل و يتخلفن النساء خلفهما» (3).

(5) لقول الصادق (عليه السلام): «الرجل يوم النساء؟ قال (عليه السلام):

نعم، و إن كان معهنّ غلمان، فأقيموهم بين أيديهنّ و إن كانوا عبيدا» (4) و نحوه غيره مضافا إلى ظهور الإجماع و السيرة.

(6) لنصوص كثيرة منها قول الصادق (عليه السلام): «و لا تتقدمهنّ و لكن تقوم وسطا منهنّ» (5) و نحوه غيره.

و هذه الأخبار في مقام النهي تنزيها عن تبرزها عند الإمامة كتبرز الرجل عند إمامته.

ص: 152


1- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 12.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9 و 3.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 12 و غيره.
الثاني: أن يقف الإمام في وسط الصف

الثاني: أن يقف الإمام في وسط الصف (7).

الثالث: أن يكون في الصف الأول أهل الفضل

الثالث: أن يكون في الصف الأول أهل الفضل: ممن له مزية في العلم، و الكمال، و العقل، و الورع، و التقوى، و أن يكون يمينه لأفضلهم (8) في الصفّ الأول، فإنّه أفضل الصفوف (9).

______________________________

و أما النهي عن أصل التقدم في الجملة المعتبرة، في الإمامة بناء على عدم جواز المساواة، فليست متعرّضة له، فلا يجوز الاستدلال بها على الفرق بين إمامة الرجل و المرأة من هذه الجهة، و قد مرّ في الشرط الرابع من شرائط الجماعة ما ينفع المقام فراجع.

(7) للنبويّ (صلّى اللّه عليه و آله): «وسطوا الإمام و سد الخلل» (1)، و أما خبر عليّ بن إبراهيم الهاشمي رفعه قال: «رأيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يصلّي بقوم و هو إلى زاوية في بيته بقرب الحائط و كلهم عن يمينه و ليس على يساره أحد» (2) فحكاية فعل لا يدل على أكثر من أصل الجواز، فلا تعارض بينه و بين غيره.

(8) قال الشهيد في الذكرى: «و ليكن يمين الصف لأفاضل الصف لما روي من أن الرحمة تنقل من الإمام إليهم ثمَّ إلى يسار الصف إلى الثاني» و ظهوره في الصف الأول بقرينة ذيله مما لا ينكر.

(9) للإجماع، و النصّ كقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح جابر:

«ليكن الذين يلون الإمام منكم أولوا الأحلام و النّهي، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه و أفضل الصفوف أولها و أفضل أولها ما دنا من الإمام» (3) و الظاهر أنّ ذكر أولى الأحلام و النهي من باب المثال لكل مرجع ديني فيشمل الورع و التقوى، كما أنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السلام): «فإن نسي الإمام» من باب الحكمة لا العلّة، و في

ص: 153


1- كنز العمال ج: 4 حديث: 2906.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2 و في باب: 8 منها حديث: 1.
الرابع: الوقوف

الرابع: الوقوف في القرب من الإمام (10).

الخامس: الوقوف في ميامن الصفوف

الخامس: الوقوف في ميامن الصفوف فإنّها أفضل من مياسرها (11). هذا في غير صلاة الجنازة. و أما فيها أفضل الصفوف آخرها (12).

السادس: إقامة الصفوف، و اعتدالها

(السادس: إقامة الصفوف، و اعتدالها، و سدّ الفرج الواقعة فيها، و المحاذاة بين المناكب (13).

______________________________

الخبر: «إنّ الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل اللّه عزّ و جل» (1)، فيكون هناك مستحبان فعليان الأول اختيار الصف الأول مطلقا. و الثاني كون أهل الفضل في الصف الأول، و الظاهر أنّه ينبغي للناس تقديم أولي النّهي إلى الصف الأول، و ليس ذلك من الإيثار في العبادة، بل هو من تحصيل شرط كمال العبادة و تقريبها إلى القبول، و كذا الكلام في كون يمين الصف، فإنّ فيه اجتمع مستحبان أيضا.

(10) لما تقدّم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح جابر.

(11) تأسّيا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله)، و لأنّ اللّه «يحب التيامن في كل شي ء» (2) و لمرفوع سهل: «فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد» (3)، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(12) لقولهم (عليهم السلام): «خير الصفوف في الصّلاة المقدم، و خير الصفوف في الجنائز المؤخّر» (4). ثمَّ إنّ هذا الاستثناء لا ربط له بالمقام كما لا يخفى.

(13) للنصوص، و الإجماع، فعن الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه

ص: 154


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
السابع: تقارب الصفوف بعضها من بعض

السابع: تقارب الصفوف بعضها من بعض، بأن لا يكون ما بينها أزيد من مقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد (14).

الثامن: أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف من خلفه

الثامن: أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف من خلفه بأن لا يطيل في أفعال الصّلاة من القنوت. و الركوع، و السجود (15)- إلّا إذا علم حبّ التطويل من جميع المأمومين (16).

______________________________

(صلّى اللّه عليه و آله) قال: «أقيموا صفوفكم فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من قدّامي و من بين يديّ، و لا تخالفوا فيخالف اللّه تعالى بين قلوبكم» (1). و عنه (عليه السلام):

أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خلال»(2)، و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «سوّوا بين صفوفكم، و حاذوا بين مناكبكم لا يستحوذ عليكم الشيطان» (3).

(14) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، و يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان إذا سجد» (4)، المحمول ذلك على الندب للإجماع.

(15) للإجماع، و نصوص مستفيضة منها ما عن عليّ (عليه السلام): «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن قال: «يا علي إذا صلّيت فصلّ صلاة أضعف من خلفك»(5) و الظاهر أنّ هذا كان حين وجّه (صلّى اللّه عليه و آله) عليّا إلى اليمن، و عن الصادق (عليه السلام) «ينبغي للإمام أن يكون صلاته على صلاة أضعف من خلفه» (6).

(16) لإطلاق ما دل على استحباب تطويل الركوع و السجود و الصلاة (7) بعد الشك في شمول أدلّة المقام له.

ص: 155


1- الوسائل باب: 70 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 70 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 70 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 62 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 69 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 69 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
7- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الركوع و باب: 23 من أبواب السجود.
التاسع: أن يشتغل المأموم المسبوق بتمجيد اللّه تعالى

التاسع: أن يشتغل المأموم المسبوق بتمجيد اللّه تعالى، بالتسبيح و التهليل، و التحميد، و الثناء إذا أكمل القراءة قبل ركوع الإمام و يبقي آية من قراءته ليركع بها (17).

العاشر: أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم

العاشر: أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم بل يبقى على هيئة المصلّي حتّى يتم من خلفه صلاته من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافرا (18)، بل هو الأحوط (19) و يستحب له أن يستنيب من

______________________________

(17) لما عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ قال: أبق آية و مجّد اللّه تعالى و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع» (1)، لكن في خبر ابن أبي شعبة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته قال: فأتمّ السورة و مجّد اللّه و أثن عليه حتّى يفرغ» (2).

و يمكن الحمل على التخيير، و أفضلية إبقاء الآية. و أما التخصيص بالمأموم المسبوق كما في المتن، فلعلّه لأجل ظهور أخبار المقام في وجوب القراءة و لا وجوب بالنسبة إلى غيره.

(18) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر سماعة: «ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلم أحدا حتّى يرى أنّ من خلفه قد أتموا الصلاة ثمَّ ينصرف هو» (3)، و قوله (عليه السلام): «لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّى حتّى يقضي كل من خلفه ما فاته من الصلاة» (4).

(19) خروجا عن خلاف السيد و ابن الجنيد، فنسب إليهما الوجوب تمسكا بصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم و لا يخرج من ذلك الموضع حتّى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أنّ فيهم مسبوقا فإن علم أن ليس فيهم

ص: 156


1- الوسائل باب: 35 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من باب التعقيب حديث: 6.
4- الوسائل باب: 2 من باب التعقيب حديث: 4.

يتم بهم الصلاة عند مفارقته لهم (20) و يكره استنابة المسبوق بركعة أو أزيد (21)، بل الأولى عدم استنابة من لم يشهد الإقامة (22).

______________________________

مسبوق بالصّلاة، فليذهب حيث شاء» (1).

و كذا خبر ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن حد قعود الإمام بعد التسليم ما هو؟ قال: يسلّم و لا ينصرف و لا يلتفت حتّى يعلم أنّ كل من دخل معه في صلاته قد أتمّ صلاته ثمَّ ينصرف» (2).

و لكن إعراض المشهور عن ظاهرهما، و معارضتهما بموثق عمار أوهنهما قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي بقوم فيدخل قوم في صلاته بقدر ما صلّي ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته و سلّم أ يجوز له و هو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال: نعم» (3).

(20) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في حديث-: «فإن ابتلى بشي ء من ذلك فأمّ قوما حضريين، فإذا أتمّ الرّكعتين سلّم، ثمَّ أخذ بيده بعضهم فقدّمه- الحديث- (4)، و يدل عليه أيضا ما ورد في الإمام الذي عرض له مانع عن إتمام الصّلاة (5) فراجع ما تقدّم في [مسألة 14] من أوّل (فصل الجماعة).

(21) لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يؤم القوم فيحدث رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ قال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة، و لكن يأخذ بيد غيره فيقدمه» (6).

المحمول على الكراهة بقرائن خارجية و داخلية و يشمل الحديث الأزيد بالأولى.

(22) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لم ينبغ أن يقدم إلّا من شهد

ص: 157


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التعقيب حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التعقيب حديث: 8.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب التعقيب حديث: 7.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 72 من أبواب صلاة الجماعة.
6- الوسائل باب: 41 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
الحادي عشر: أن يسمع الإمام من خلفه القراءة الجهرية و الأذكار

الحادي عشر: أن يسمع الإمام من خلفه القراءة الجهرية و الأذكار (23)، ما لم يبلغ العلوّ المفرط (24).

الثاني عشر: أن يطيل ركوعه إذا أحسّ بدخول شخص ضعيف

الثاني عشر: أن يطيل ركوعه إذا أحسّ بدخول شخص ضعيف ما كان يركع انتظارا للداخلين ثمَّ يرفع رأسه و إن أحسّ بداخل (25).

الثالث عشر: أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من الفاتحة الحمد للّه ربّ العالمين

الثالث عشر: أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من الفاتحة الحمد للّه ربّ العالمين (26).

______________________________

الإقامة» (1) المحمول على مطلق الرجحان و الفضيلة.

(23) لقول الصادق (عليه السلام): «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه، كل ما يقول»(2)، و يتأكّد الاستحباب في التشهّد، و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، لصحيح حفص: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهّد، و لا يسمعونه شيئا يعني: الشهادتين، و يسمعهم أيضا السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (3).

(24) لانصراف الدليل عنه، و السيرة الفتوائية و العملية من الخلف و السلف على عدمه.

(25) لخبر ابن عبيد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: إنّي إمام مسجد الحيّ فأركع بهم فأسمع خفقان نعالهم و أنا راكع، فقال: اصبر ركوعك و مثل ركوعك فإن انقطعوا و إلّا فانتصب قائما» (4)، و ظاهره استحباب ذلك مرة واحدة و لا يبعد الشمول لما إذا كان في كل ركعة بخلاف ما إذا تعدّد في ركعة واحدة أو تعدّد في كل ركعة و لا ريب في شموله لما تقارب في هذه الأعصار من الأشعار بقول: «يا اللّه» أو نحوه من قول: «إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ».

(26) لقول الصادق (عليه السلام): «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد،

ص: 158


1- الوسائل باب: 41 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 50 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
الرابع عشر: قيام المأمومين عند قول المؤذّن

الرابع عشر: قيام المأمومين عند قول المؤذّن: قد قامت الصّلاة (27).

و أما المكروهات فأمور أيضا
اشارة

و أما المكروهات فأمور أيضا:

أحدها: وقوف المأموم وحده في صف وحده مع وجود موضع في الصفوف

أحدها: وقوف المأموم وحده في صف وحده مع وجود موضع في الصفوف (28)، و مع امتلائها فليقف آخر الصفوف أو حذاء الإمام (29).

الثاني: التنفّل بعد قول المؤذّن

الثاني: التنفّل بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة بل عند الشروع

______________________________

ففرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد للّه ربّ العالمين و لا تقل آمين» (1) المحمول على الندب إجماعا.

(27) لصحيح ابن سالم عن الصادق (عليه السلام): «إذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة أ يقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتّى يجي ء إمامهم؟ قال: لا بل يقومون على أرجلهم، فإن جاء إمامهم و إلّا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم» (2).

(28) للإجماع، و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تكونن في العثكل قلت:

و ما العثكل؟! قال: أن تصلّي خلف الصفوف وحدك» (3) المحمول على الكراهة، لخبر أبي الصباح قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصف وحدة فقال (عليه السلام): «لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد» (4).

(29) لخبر سعيد الأعرج قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي الصّلاة فلا يجد في الصف مقاما أ يقوم وحده حتّى يفرغ من صلاته؟

قال (عليه السلام): نعم، لا بأس يقوم بحذاء الإمام» (5).

ص: 159


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 57 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

في الإقامة (30).

الثالث: أن يخص الإمام نفسه بالدعاء إذا اخترع الدعاء من عند نفسه

الثالث: أن يخص الإمام نفسه بالدعاء إذا اخترع الدعاء من عند نفسه (31)، و أما إذا قرأ بعض الأدعية المأثورة فلا (32).

الرابع: التكلّم بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة

الرابع: التكلّم بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة، بل يكره في غير الجماعة أيضا (33) كما مرّ إلّا أنّ الكراهة فيها أشدّ (34) إلّا أن يكون

______________________________

(30) لصحيح ابن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟

قال (عليه السلام): إذا أخذ المقيم في الإقامة» (1) و احتمال أن يكون المراد من الأخذ في الإقامة قول: قد قامت الصّلاة بعيد، فيشمل الحديث حين قول المؤذّن قد قامت الصلاة بالأولى.

(31) لقول الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «من صلّى بقوم فاختص نفسه بالدعاء، فقد خانهم»(2).

(32) مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المخترع و المأثور، فيغير مواضع الاختصاص حينئذ بلفظ الجمع. إلّا أن يكون دعاء مختصا بخصوص الإمام فلا وجه للتعميم حينئذ.

(33) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلمت أعدت الإقامة» (3) المحمول على الكراهة بقرينة قوله (عليه السلام): «لا بأس أن يتكلّم الرجل و هو يقيم الصلاة و بعد ما يقيم إن شاء» (4).

(34) لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة: «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام و أهل المسجد إلّا في التقديم إمام» (5) المحمول على شدة الكراهة جمعا و إجماعا.

ص: 160


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الأذان و الإقامة حديث:.
2- الوسائل باب: 71 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 10.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

المأمومون اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدّم يا فلان (35).

الخامس: إسماع المأموم الإمام ما يقوله بعضا أو كلا

الخامس: إسماع المأموم الإمام ما يقوله بعضا أو كلا (36).

السادس: إئتمام الحاضر بالمسافر و العكس مع اختلاف صلاتهما قصرا أو تماما

السادس: إئتمام الحاضر بالمسافر و العكس (37) مع اختلاف صلاتهما قصرا أو تماما. و أما مع عدم الاختلاف- كالائتمام في الصبح و المغرب- فلا كراهة، و كذا في غيرهما أيضا مع عدم الاختلاف، كما لو ائتمّ القاضي بالمؤدّي أو العكس و كما في مواطن التخيير إذا اختار المسافر التمام (38)، و لا يلحق نقصان الفرضين بغير القصر و التمام بهما في الكراهة، كما إذا ائتمّ الصبح بالظهر أو المغرب أو هي بالعشاء أو العكس (39).

______________________________

(35) لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدّم يا فلان» (1).

(36) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه شيئا مما يقول» (2).

(37) لقول الصادق (عليه السلام): «لا يؤم الحضرمي المسافر و لا المسافر الحضري» (3) المحمول على الكراهة، لقرائن داخلية و خارجية.

(38) لظهور النصوص عرفا أنّ مناط الكراهة اختلاف كمية ركعات صلاة الإمام و المأموم من حيث الحضر و السفر لا اختلاف أصل حالتهما سفرا و حضرا مع الاتحاد في كمية الصلاة.

(39) كل ذلك لأصالة عدم الإلحاق بالمسافر و الحاضر بعد عدم الدليل عليه، فيكون الإلحاق من القياس الباطل.

ص: 161


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.
2- الوسائل باب: من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
مسألة 1: يجوز لكلّ من الإمام و المأموم عند انتهاء صلاته قبل الآخر

(مسألة 1): يجوز لكلّ من الإمام و المأموم عند انتهاء صلاته قبل الآخر بأن كان مقصّرا و الآخر متمّا أو كان المأموم مسبوقا- أن لا يسلم و ينتظر الآخر حتّى يتم صلاته و يصل إلى التسليم فيسلّم معه (40)، خصوصا للمأموم (41) إذا اشتغل بالذكر و الحمد و نحوهما إلى أن يصل الإمام و الأحوط الاقتصار على صورة لا تفوت الموالاة و أما مع فواتها ففيه إشكال (42) من غير فرق بين كون المنتظر.

______________________________

(40) لدرك فضل الجماعة في التسليمة أيضا مع وجود المقتضي و فقد المانع، و الظاهر كونه أفضل و قال في الجواهر- و نعم ما قال-: «لإطلاق أدلّة الجماعة و الحث عليها المقتضية بظاهرها جواز الائتمام حال تلبّس الإمام بأيّ جزء من أجزاء الصّلاة و إن لم يحسب ركعة إلّا بإدراك الركوع».

أقول: فإذا كان الشروع في الائتمام كذلك فيكون في البقاء عليه بطريق أولى. و أما ما ورد في جملة من أخبار اقتداء المسافر بالحاضر من قولهم (عليهم السلام): «فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم» (1) فهو في مقام بيان أنّ تكليف المسافر الإتيان بالركعتين فقط مع الحاضر و أنّ تكليفه لا ينقلب، لا أن يكون في مقام بيان وجوب التسليم قبل الإمام.

(41) لصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2): «سألته عن إمام مقيم أمّ قوما مسافرين كيف يصلّي المسافرون؟ قال: ركعتين ثمَّ يسلّمون و يقعدون و يقوم الإمام فيتم صلاته، فإذا سلّم و انصرف انصرفوا».

بناء على أنّ المراد بقوله (عليه السلام) ثمَّ يسلّمون التسليم المندوب، و بقوله (عليه السلام): «و انصرف انصرفوا» تسليم الانصراف كما هو الظاهر، و يمكن أن يستأنس للمقام بما ورد في التاسع من مندوبات الجماعة فراجع.

(42) لقصور دليل المقام عن معارضة ما دلّ على وجوب الموالاة- بناء

ص: 162


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9.

هو الإمام أو المأموم (43).

مسألة 2: إذا شك المأموم- بعد السجدة الثانية من الإمام أنّه سجد معه السجدتين أو واحدة يجب عليه الإتيان بأخرى

(مسألة 2): إذا شك المأموم- بعد السجدة الثانية من الإمام- أنّه سجد معه السجدتين أو واحدة يجب عليه الإتيان بأخرى إذا لم يتجاوز المحلّ (44).

مسألة 3: إذا اقتدى المغرب بعشاء الإمام و شك في حال القيام أنّه في الرابعة أو الثالثة

(مسألة 3): إذا اقتدى المغرب بعشاء الإمام و شك في حال القيام أنّه في الرابعة أو الثالثة ينتظر حتّى يأتي الإمام بالركوع و السجدتين حتّى يتبيّن له الحال فإن كان في الثالثة أتى بالبقية و صحّت الصلاة و إن كان في الرابعة يجلس و يتشهّد و يسلّم (45) ثمَّ يسجد سجدتي السهو لكلّ واحد من الزيادات من قوله: بحول اللّه، و للقيام، و للتسبيحات إن أتى

______________________________

على وجوبه- هذا إذا لم يشتغل بالذّكر و الدعاء، و أما معه فهما من الصّلاة و لا تفوت الموالاة بهما و إن طالا، بل يمكن أن يقال: أنّ درك المتابعة أهم من فوت الموالاة.

(43) لشمول الدليل لهما، و صلاحية كل منهما لدرك فضل الجماعة مع الانتظار، لكونه من الأمور الإضافية المتقوّمة بالطرفين.

(44) لقاعدة الاشتغال من غير دليل حاكم عليها، لأنّ رجوع المأموم و بالعكس إنّما هو في الشك في الرّكعات، و لا أقلّ من الشك في شمول دليله للمقام، فلا يصح التمسك به، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

نعم، لو حصل من الرجوع إليه الاطمئنان بالإتيان يعتمد عليه حينئذ، لاعتبار الاطمئنان العرفي من أيّ سبب حصل.

(45) لأنّ الشك في الركعات الذي هو مورد جملة من الأحكام- من البناء على الأكثر أو المتابعة للإمام، أو البطلان- إنّما هو الشك الثابت المستقر الذي لا يزول بالتأمل و التروّي، و مع إمكان كونه زائلا لا تتعلق به الأحكام و لا ريب في أنّ الشك في المقام يصح زواله بانتظار ما يظهر من حال الإمام.

ص: 163

بها أو ببعضها (46).

مسألة 4: إذا رأى من عادل كبيرة لا يجوز الصلاة خلفه

(مسألة 4): إذا رأى من عادل كبيرة لا يجوز الصلاة خلفه (47) إلّا أن يتوب مع فرض بقاء الملكة فيه (48) فيخرج عن العدالة بالمعصية و يعود إليها بمجرد التوبة (49).

مسألة 5: إذا رأى الإمام يصلّي و لم يعلم أنّها من اليومية أو من النوافل لا يصحّ الاقتداء به

(مسألة 5): إذا رأى الإمام يصلّي و لم يعلم أنّها من اليومية أو من النوافل لا يصحّ الاقتداء به (50)، و كذا إذا احتمل أنّها من الفرائض التي لا يصح اقتداء اليومية بها (51) و إن علم أنّها من اليومية، لكن لم يدر أنّها أيّة صلاة من الخمس أو أنّها أداء أو قضاء أو أنّها قصر أو تمام لا

______________________________

(46) بناء على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة و سيأتي التفصيل في محلّه و أنّه لا دليل يعتمد عليه على هذه الكلية.

(47) إن لم يمكن حمل صدورها على الصحة. و لو شك في أنّها هل صدرت منه على وجه العمد و الطغيان أو على وجه الغفلة و النسيان، فمقتضى ظهور حال المسلم هو الحمل على الأخير ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(48) و مع الشك في زوالها يستصحب بقاؤها.

(49) لما ورد «أنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (1)، و مع الشك في التوبة لا يبعد صحة التمسك بظاهر الإيمان، فإنّه يقتضي الندامة بعد العصيان و كفى بالندم توبة» كما وردت به السنة» (2).

(50) لأصالة عدم ترتب الأثر على هذا الاقتداء مع الشك في تحقق شرطه، و لكن لو اقتدى رجاء فبان في الأثناء أو بعد الفراغ أنّها مما يصح الاقتداء فيها و حصل منه قصد القربة صحت صلاته و جماعته لوجود المقتضي و فقد المانع. هذا إذا لم تكن قرينة عرفية على تعيين أنّها نافلة أو فريضة و إلّا فيعمل بها.

(51) لجريان عين ما تقدم في سابقة هنا أيضا من دون فرق بينهما.

ص: 164


1- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.
2- الوسائل باب: 83 من أبواب جهاد النفس حديث: 5 و 6.

بأس بالاقتداء (52) و لا يجب إحراز ذلك قبل الدخول (53) كما لا يجب إحراز أنّه في أيّ ركعة كما مرّ.

مسألة 6: القدر المتيقّن من اغتفار زيادة الركوع للمتابعة سهوا زيادته مرّة واحدة في كلّ ركعة

(مسألة 6): القدر المتيقّن من اغتفار زيادة الركوع للمتابعة سهوا زيادته مرّة واحدة في كلّ ركعة، و أما إذا زاد في ركعة واحدة أزيد من مرّة كأن رفع رأسه قبل الإمام سهوا ثمَّ عاد للمتابعة ثمَّ رفع أيضا سهوا ثمَّ عاد- فيشكل الاغتفار (54) فلا يترك الاحتياط حينئذ بإعادة الصلاة بعد الإتمام. و كذا في زيادة السجدة القدر المتيقّن اغتفار زيادة سجدتين في ركعة و أما إذا زاد أربع فمشكل (55).

مسألة 7: إذا كان الإمام يصلّي- أداء أو قضاء يقينيا و المأموم منحصر

(مسألة 7): إذا كان الإمام يصلّي- أداء أو قضاء يقينيا- و المأموم منحصر. (56) بمن يصلّي احتياطيا يشكل (57) إجراء حكم

______________________________

(52) لتحقق شرطه و هو كون الإمام في اليومية، فيصح الاقتداء في كل ذلك نصّا، و إجماعا كما مرّ في [مسألة 3] من أول (فصل الجماعة).

(53) للأصل، و الإجماع، و الإطلاق.

(54) من احتمال الانصراف إلى الواحدة فقط، فتكون الزيادة عليها من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان. و من أنّ هذا الانصراف لم يبلغ مرتبة الظهور العرفي، مع أنه يشكل أصل صحة الدعوى و الأخذ بالقدر المتيقن، لأنّ مثل هذه الزيادة التي يؤتى بها لأجل المتابعة يمكن أن لا تكون من الزيادة المبطلة أصلا- كما أشرنا إليه سابقا- و مع الشك، فالمرجع أصالتي عدم الصحة و عدم المانعية خصوصا في هذه الجماعة التي بنى الشارع على المسامحة مهما أمكن سيّما مع عدم تعرّض النصوص لذلك.

(55) ظهر وجه الإشكال فيه كما ظهر دفعه أيضا و كذا إن زاد مرتين في سجدة.

(56) لا وجه لقيد الانحصار، لأنّ في صورة عدم الانحصار أيضا لا يصح رجوع الإمام إلى من يصلّي احتياطا.

(57) الإشكال في رجوع الإمام عند الشك إلى الذي يصلّي احتياطا لعدم

ص: 165

الجماعة من اغتفار زيادة الركن و رجوع الشاك منهما إلى الآخر و نحوه لعدم إحراز كونها صلاة. نعم، لو كان الإمام أو المأموم أو كلاهما يصلّي باستصحاب الطهارة لا بأس بجريان حكم الجماعة، لأنّه و إن كان لم يحرز كونها صلاة واقعية- لاحتمال كون الاستصحاب مخالفا للواقع- إلّا أنّه حكم شرعيّ ظاهريّ (58) بخلاف الاحتياط، فإنّه إرشاديّ و ليس حكما ظاهريا (59)، و كذا لو شك أحدهما في الإتيان بركن بعد

______________________________

إحراز كون صلاته فريضة، فلا يتحقق موضوع الائتمام فلا يصح الرجوع حينئذ و أما رجوع المأموم المصلّي احتياط إلى الإمام في الشك في الركعات، فلا محذور فيه، لأنّ صلاة الإمام فريضة فإن كانت صلاة المأموم فريضة في الواقع فيتحقق موضوعه لا محالة، و إن كانت غير فريضة يكون رجوعه لغوا و لا أثر له- إن لم يحصل الاطمئنان- و كذا الكلام في زيادة الركن. فإنّها تكون للمتابعة في الجماعة الصحيحة. هذا إن كانت صلاة المأموم احتياطية ندبية، و أما إن كانت وجوبية فيصح الاقتداء بناء على جريان استصحاب بقاء الأمر الأول و ثبوت الوجوب الشرعي لا الوجوب الطريقي المحض إلى حكم العقل، و كذا يصح بناء على أنّ المراد بالفريضة أعمّ من الواجب بأصل الشرع أو بحكم العقل، فما تكون فريضة و مشروعة في أصلها الجماعة تصح الجماعة فيه أيضا. ثمَّ إنّ إشكاله (رحمه اللّه) في المقام ينافي إطلاق قوله بالصحة في مورد الاحتياط الاستحبابي في المسألة الأولى من أول فصل الجماعة فراجع.

(58) لأنّ موضوع جواز الائتمام كل صلاة حكم بصحة الائتمام فيها سواء كان منشأ الحكم العلم بنفس الواقع أم أمارة كاشفة عنه، أو أصل موضوعي أو حكمي معتبر شرعا.

(59) إذا كان الحكم الشرعي الظاهري أعمّ من التأسيسي و التقريري- كما هو الظاهر من الكلمات- فالائتمام في هذه الصورة أيضا يصح، لأنّه و إن لم يكن حكما شرعيا تأسيسيا، لكنه حكم شرعيّ تقريريّ و إمضائيّ بأدلّة حسن الاحتياط مطلقا.

ص: 166

تجاوز المحل، فإنّه حينئذ و إن لم يحرز بحسب الواقع كونها صلاة لكن مفاد قاعدة التجاوز أيضا حكم شرعيّ فهي في ظاهر الشرع صلاة (60).

مسألة 8: إذا فرغ الإمام من الصلاة و المأموم في التشهّد أو في السلام الأول لا يلزم عليه نيّة الانفراد

(مسألة 8): إذا فرغ الإمام من الصلاة و المأموم في التشهّد أو في السلام الأول لا يلزم عليه نيّة الانفراد بل هو باق على الاقتداء عرفا (61).

مسألة 9: يجوز للمأموم المسبوق بركعة أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته

(مسألة 9): يجوز للمأموم المسبوق بركعة أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته و ينفرد (62)، و لكن يستحب له أن يتابعه في التشهّد متجافيا إلى أن يسلّم ثمَّ يقوم إلى الرابعة (63).

______________________________

(60) فيشملها أدلّة مشروعية الجماعة في الفريضة.

(61) لأصالة بقاء اتصاف الصلاة بالجماعة و بقاء الائتمام، فيكون المقام مثل ما إذا تأخّر المأموم عن الإمام في أثناء الصلاة عمدا ثمَّ لحق به، و متابعة المأموم مع الإمام في الصلاة علة في الجملة عرفا، لاتصاف صلاته بالجماعة، لا أن تكون من العلة الحقيقة الدقية بالنسبة إلى كل جزء، لعدم ابتناء الشرعيات عليها مطلقا.

(62) لأصالة عدم حرمة قصد الانفراد في تمام الحالات مطلقا و قد مرّ في [مسألة 16] من أول فصل الجماعة.

(63) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في المسبوق بركعتين: «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين» (1)، و قوله (عليه السلام) فيمن أدرك ركعة: «فإذا سلّم الإمام قام فقرأ» (2) المنساق منهما عرفا أنّهما في مقام بيان آداب الجماعة لا إيجاب حكم فيها.

و أما التجافي، فلإطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه يتجافى أو أقعى إقعاء و لم يجلس متمكنا» (3) و تقدم

ص: 167


1- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
مسألة 10: لا يجب على المأموم الإصغاء إلى قراءة الإمام في الركعتين الأوليين من الجهرية إذا سمع صوته

(مسألة 10): لا يجب على المأموم الإصغاء إلى قراءة الإمام في الركعتين الأوليين من الجهرية إذا سمع صوته، لكنّه أحوط (64).

مسألة 11: إذا عرف الإمام بالعدالة ثمَّ شكّ في حدوث فسقه جاز له الاقتداء به

(مسألة 11): إذا عرف الإمام بالعدالة ثمَّ شكّ في حدوث فسقه جاز له الاقتداء به عملا بالاستصحاب، و كذا لو رأى منه شيئا و شكّ في أنّه موجب للفسق أم لا (65).

مسألة 12: يجوز للمأموم مع ضيق الصف أن يتقدّم إلى الصف السابق أو يتأخّر إلى اللاحق

(مسألة 12): يجوز للمأموم مع ضيق الصف أن يتقدّم إلى الصف السابق أو يتأخّر إلى اللاحق إذا رأى خللا فيهما (66) لكن على وجه لا ينحرف عن القبلة (67) فيمشي القهقرى.

______________________________

بعض الكلام في [مسألة 19] من (فصل أحكام الجماعة).

(64) لما تقدم في [مسألة 1] من (فصل أحكام الجماعة) بالنسبة إلى عدم وجوب الإصغاء. و بالنسبة إلى الاحتياط فيه، فراجع هناك.

(65) إن كان بنحو الشبهة الموضوعية. و أما في الشبهة المفهومية، فلا وجه للاستصحاب، لأنّه من للاستصحاب في المفهوم المردد، و أما الاستصحاب في الحكم الكلّي، فهو من وظيفة المجتهد و لا حظّ للعاميّ منه كما ثبت ذلك كله في محله.

(66) لأصالة عدم المانعية، و لما مرّ في [مسألة 2] من (فصل مكروهات الصلاة) من جواز المشي في الصلاة، و لموثق سماعة: «لا يضرك أن تتأخّر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف فتأخّر إلى الصف الذي خلفك، و إذا كنت في صف و أردت أن تتقدّم قدامك فلا بأس أن تمشي إليه» (1)، بل مقتضى ما ورد في بعض الأخبار من الأمر بتسوية الصفوف و تتميمها (2) استحباب ذلك مطلقا و لو كان في أثناء الصلاة، و الأحوط جرّ الرجلين لا المشي الحقيقي.

(67) لما دل على مانعية الانحراف و لا يصلح مثل موثق سماعة الوارد في مقام التحفظ على الآداب لتقييده.

ص: 168


1- الوسائل باب: 70 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 70 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9.
مسألة 13: يستحب انتظار الجماعة إماما و مأموما و هو أفضل من الصّلاة في أول الوقت منفردا

(مسألة 13): يستحب انتظار الجماعة إماما و مأموما و هو أفضل من الصّلاة في أول الوقت منفردا (68)، و كذا يستحب اختيار الجماعة مع التخفيف على الصلاة فرادى مع الإطالة (69).

مسألة 14: يستحب الجماعة في السفينة الواحدة و في السفن المتعدّدة للرّجال و النّساء

(مسألة 14): يستحب الجماعة في السفينة الواحدة و في السفن المتعدّدة للرّجال و النّساء (70)، و لكن تكره الجماعة في بطون

______________________________

(68) لما دل على فضل الجماعة الراجح على فضيلة أول الوقت قطعا، و عن جميل بن صالح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أيّهما أفضل أ يصلّي الرجل لنفسه في أول الوقت، أو يؤخّر قليلا و يصلّي بأهل مسجده إذا كان هو إمامهم؟

قال (عليه السلام)، «يؤخّر و يصلّي بأهل مسجده إذا كان هو الإمام» (1) و نحوه غيره، و هو و إن ورد في الإمام و يمكن أن يكون ذكره من باب المثال مع أنّه يعلم منه حكم المأموم بالملازمة عرفا.

(69) لأفضلية الجماعة من الإطالة قطعا، و في خبر جميل بن صالح (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: «سأله رجل فقال: إنّ لي مسجدا على باب داري، فأيّهما أفضل أصلّي في منزلي فأطيل الصلاة أو أصلّي بهم و أخفف؟ فكتب: صلّ بهم و أحسن الصلاة و لا تثقل» و قد مرّ عدم الفرق بين الإمام و المأموم من هذه الجهة قطعا.

فرع: لو دار الأمر بين الصلاة مع الخضوع و الخشوع و الصلاة مع الجماعة بدونهما، فالظاهر كون الجماعة أفضل أيضا، لكثرة الإطلاقات الواردة في فضلها مما لا يحصى.

(70) لإطلاق أدلّتها، و خصوص قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا بأس بالصلاة في جماعة في السفينة» (3)، و نحوه نصوص كثيرة، و لكن لا بد من مراعاة

ص: 169


1- الوسائل باب: 74 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 74 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 73 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

الأودية (71).

مسألة 15: يستحب اختيار الإمامة على الاقتداء

(مسألة 15): يستحب اختيار الإمامة على الاقتداء،: فللإمام- إذا أحسن بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده- مثل أجر من صلّى مقتديا به و لا ينقص من أجرهم شي ء (72).

مسألة 16: لا بأس بالاقتداء بالعبد إذا كان عارفا بالصّلاة و أحكامها

(مسألة 16): لا بأس بالاقتداء بالعبد إذا كان عارفا بالصّلاة و أحكامها (73).

______________________________

اجتماع شرائط الجماعة.

فرع: لو تقدمت سفينة المأموم على سفينة الإمام في أثناء الصلاة ثمَّ تأخّرت، فالظاهر صحة الجماعة مع عدم التأخّر الفاحش بحيث تبطل هيئة الجماعة عرفا.

(71) لقول أبي الحسن (عليه السلام): «لا تصلّ في بطن واد جماعة» (1) المحمول على الكراهة إجماعا.

(72) لقول الصادق (عليه السلام): «من أمّ قوما بإذنهم و هم به راضون فاقتصد بهم في حضوره، و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده و قعوده فله مثل أجر القوم، و لا ينقص عن أجورهم شي ء» (2).

(73) لإطلاق قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» (3).

مضافا إلى الأخبار الخاصة كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام):

«أنّه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا؟ قال: لا بأس به» (4).

و كذا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: الصلاة خلف العبد؟ فقال لا بأس به إذا كان فقيها و لم يكن هناك أفقه منه» (5).

ص: 170


1- الوسائل باب: 73 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
مسألة 17: الأحوط ترك القراءة في الأوليين من الإخفاتية

(مسألة 17): الأحوط ترك القراءة في الأوليين من الإخفاتية و إن كان الأقوى الجواز مع الكراهة كما مرّ (74).

مسألة 18: يكره تمكين الصّبيان من الصّف الأول

(مسألة 18): يكره تمكين الصّبيان من الصّف الأول على ما ذكره المشهور- و إن كانوا مميّزين (75).

مسألة 19: إذا صلّى- منفردا أو جماعة- و احتمل فيها خللا في الواقع

(مسألة 19): إذا صلّى- منفردا أو جماعة- و احتمل فيها خللا في الواقع و إن كانت صحيحة في ظاهر الشرع يجوز بل يستحب (76) أن

______________________________

و ما عن قرب الإسناد قال: «لا بأس أن يؤم المملوك إذا كان قارئا» (1).

و في موثق سماعة قال: «سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال: لا، إلّا أن يكون هو أفقههم و أعلمهم» (2).

و لكن ورد في بعض الأخبار المنع عن الاقتداء به كخبر السكوني عن علي (عليه السلام): «لا يؤم العبد إلّا أهله» (3). و يمكن الجمع بينهما بحمل ما دل على المنع على ما إذا لم يكن عالما بأحكام الصلاة- كما هو الغالب في العبيد- أو على الكراهة كما فعله صاحب الوسائل.

(74) تقدم ما يتعلق به في أول (فصل أحكام الجماعة) فلا وجه للتكرار لها.

(75) و عن بعض إلحاق المجانين و العبيد، و عن آخر إلحاق كل من ليس فيه فضل، و عن صاحب الجواهر: «لم أجد نصا بالخصوص في شي ء من ذلك و إن كان يفهم من الرياض وجوده بالنسبة إلى الصبيان».

و عن بعض الاستدلال عليه بما مرّ من أنّه ينبغي أن يكون في الصف الأول أهل الفضل.

و يرد بأنّه مبني على كون ترك المندوب مكروها و لا دليل عليه. ثمَّ إنّ إطلاق قولهم يشمل المميزين أيضا.

(76) لمثل قوله تعالى وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ (4)، و للأخبار الدالة

ص: 171


1- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
4- سورة الحج: 78.

يعيدها منفردا أو جماعة (77)، و أما إذا لم يحتمل فيها خللا فإن صلّى منفردا ثمَّ وجد من يصلّي تلك الصّلاة جماعة (78) يستحب له أن يعيدها جماعة (79).

______________________________

على رجحان الاحتياط شرعا مهما أمكن.

(77) لأصالة بقاء التخيير الثابت بينهما في الابتداء، مضافا إلى النصوص الخاصة في إعادة الانفراد جماعة كما يأتي التعرّض لها.

(78) ليس هذا اللفظ في النصوص و إنّما هو من عبارة المحقق في الشرائع.

(79) للإجماع، و النصوص الآتية. ثمَّ البحث في هذه المسائل من جهات:

الجهة الأولى: في الأقسام المتصوّرة و أصولها سبعة: 1- أن يصير من صلّي منفردا مأموما لصلاة الجماعة. 2- أن يصير إماما للجماعة. 3- أن يصير الإمام إماما مرّة ثانية. 4- أن يصير من صلّى إماما مأموما لغيره. 5- عكس ذلك. 6- أن يصير المأموم مأموما ثانيا. 7- إقامة نفس الجماعة التي أقيمت أولا مرّة أخرى إماما و مأموما.

الجهة الثانية: في حكم هذه الصور بحسب الشبهة الحكمية الكلية، و لا ريب في أنّ مقتضى أصالة البراءة و الإباحة الجواز في الجميع وضعا و تكليفا، لحديث الرفع، و قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

إن قبل: إنّ الإتيان بذلك تشريع و هو محرم بالأدلة الأربعة.

يقال أولا: لا وجه للتشريع مع ما تقدم من الإطلاقات الشاملة لجميع الصور.

و ثانيا: إنّ الإعادة تكون غالبا بقصد الرجاء و لا تشريع معه كما لا يخفى.

الجهة الثالثة: فيما يقتضيه الأصل الموضوعيّ و هو أصالة عدم ترتب الأثر، و عدم سقوط القراءة، و عدم اغتفار زيادة الركن، و عدم صحة رجوع كل منهما إلى الآخر في الشك.

ص: 172

.....

______________________________

و فيه- أولا: أنّها محكومة بالإطلاقات و العمومات- على ما تقدم جملة منها في أول فصل الجماعة.

و ثانيا: أنّها معارضة بأصالة بقاء الأثر الثابت الأولى قطعا، و مع الشك في السقوط يستصحب الثبوت، لأنّ المعادة عين المبتدأة عرفا و شرعا، فتجري فيها جميع ما كان لها من الأحكام و الآثار إلّا ما خرج بالدليل.

الجهة الرابعة: ظاهر جملة من الإطلاقات- التي تقدم بعضها- يشمل جميع ما مرّ من الأقسام مثل قوله (عليه السلام): «ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنّه سنّة» (1).

فإنّ إطلاقه يشمل جميع أقسام المعادة كالمبتدأة.

و مثل قوله (عليه السلام): «من لم يصلّ في جماعة فلا صلاة له بين المسلمين» (2)، بل يمكن أن يقال: إنّه ترغيب إلى الإعادة مع الجماعة مطلقا، بل و إعادة الجماعة جماعة أيضا- إماما و مأموما- تأكيدا و تثبيتا لامتثال قوله» (عليه السلام).

و بالجملة: المعادة عين المبتدأة من كل جهة إلّا ما خرج بالدليل. و على أيّ تقدير المتأمل في المطلقات الواردة في الأبواب المختلفة من الجماعة يطمئنّ بالجواز في جميع الصور المتقدمة، و كذا من راجع ما ورد في فضل الجماعة (3).

يطمئنّ بأنّها مطلوبة للشارع بجميع أطوارها و شؤونها إلّا ما نصّ على عدم الجواز فيها.

الجهة الخامسة: المعروف بين الفقهاء أنّ العبادات توقيفية فلا بد فيها من الجمود على مورد النص، و هذا الكلام لا بد و أن يفصل، فإن كان المراد عدم إمكان جعل العبادة في مقابل الشارع، فهو حق لا ريب فيه لأنّ كيفية خدمة المولى لا تعلم إلّا نوابه الخاصين به، و إن كان المراد الجمود على دخل كل محتمل الدخل و الاحتياط بالنسبة إليه، فهو مخالف لما استقرت عليه سيرتهم-

ص: 173


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
3- راجع الوسائل باب: 1 و 2 و 3 من أبواب صلاة الجماعة.

.....

______________________________

فتوى و عملا- من الرجوع إلى الإطلاق و العموم، و أصالة البراءة في كل محتمل الدخل جزءا أو شرطا، و على هذا فالإجماع الذي يكون معقده هذه القاعدة لا اعتبار بإطلاقه، مع أنّه لا إجماع على الجواز في جميع الأقسام السبعة المتقدمة، و لا على المنع مطلقا، بل لا شهرة على المنع المطلق. و لم أر هذه المسألة معنونة بشقوقها في كتب المتقدمين، و إنّما حدث التشقيق من المتأخرين و متأخريهم، فاللازم تطبيق الحكم على العمومات و الإطلاقات و القواعد و الأصول العامة، فإن حصل من الأخبار الخاصة الواردة ما يخالفها نأخذ به و إلا فالاعتماد على ما قلناه.

الجهة السادسة: في الأخبار الخاصة الواردة منها:

صحيح هشام ابن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «في الرجل يصلّي الصلاة وحدة ثمَّ يجد جماعة قال: يصلّي معهم و يجعلها الفريضة إن شاء» (1).

و إطلاقه يشمل الإمامة و المأمومية كما أنّ قوله (عليه السلام): «يجعلها الفريضة إن شاء» ظاهر في صحة إتيانها بداعي الأمر الأول، و ذلك لأنّ للأمر الأول مراتب بحسب مراتب نقصان المأتيّ به، بل بحسب مراتب قبوله.

و منها: قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2): «لا ينبغي للرجل أن يدخل معهم في صلاتهم و هو ينويها صلاة، بل ينبغي له أن ينويها و إن كان قد صلّي، فإنّ له صلاة أخرى» و ظهوره في الإطلاق- بالنسبة إلى من صلّى منفردا أو جماعة إماما أو مأموما- و الإمامية و المأمومية ممّا لا ينكر كظهوره في استحباب أصل هذا العمل مطلقا سواء احتمل خللا في عمله الأول أم لا.

و منها: موثق عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي الفريضة ثمَّ يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم و هو أفضل، قلت: فإن لم يفعل؟ قال: ليس به بأس» (3).

و إطلاقه يشمل الإعادة إماما أو مأموما كما أنّ لفظ «أفضل» ظاهر في الاستحباب.

ص: 174


1- الوسائل باب: من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9 و 10.

.....

______________________________

و منها: خبر أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أصلّي ثمَّ أدخل المسجد، فتقام الصلاة و قد صلّيت فقال: صلّ معهم، يختار اللّه أحبّهما إليه» (1)، و ظهوره في الاستحباب لا شبهة في، بل من ذيله يمكن استحباب الإعادة في كل مورد كانت المعادة ذات فضيلة لم يكن في المبتدأة كما إذا صلّي في بيته ثمَّ ورد المسجد فإعادتها فيه منفردا لدرك فضل المسجد إلى غير ذلك من جهات الفضل و مراتبه.

و منها: ما عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمَّ يجد جماعة قال: يصلّي معهم و يجعلها الفريضة» (2).

و ظهوره في الإعادة جماعة مطلقا ممّا لا ينكر.

و منها: صحيح ابن بزيع قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): إنّي أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن أتاهم، و ربما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل فأكره أن أتقدّم و قد صليت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سميت ذلك فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللّه. فكتب (عليه السلام) صلّ بهم» (3).

و في خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا صلّيت و أنت في المسجد و أقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج، فإن شئت فصلّ معهم و اجعلها تسبيحا» (4).

المراد بالتسبيح الصلاة المندوبة، و في النبوي (صلّى اللّه عليه و آله) «رأى رجلا يصلّي وحده فقال: ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه» (5).

و إطلاقه يشمل من صلّى أيضا، بل صرّح بذلك في خبر آخر، فقد روي أنّ معاذا يصلّي مع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ثمَّ يرجع و يصلّي بقومه.

ثمَّ إنّ احتمال كون بعض هذه الأخبار في مورد التقية أو ظهور بعضها فيها لا

ص: 175


1- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
5- مستدرك الوسائل باب: 43 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

إماما كان أو مأموما (80)، بل لا يبعد جواز إعادتها جماعة إذا وجد من يصلّي غير تلك الصلاة، كما إذا صلّى الظهر فوجد من يصلّي العصر (81) جماعة، لكن القدر المتيقّن الصورة الأولى (82). و أما إذا صلّى جماعة إماما أو مأموما، فيشكل استحباب إعادتها (83) و كذا يشكل (84) إذا صلّى اثنان منفردا ثمَّ أراد الجماعة فاقتدى أحدهما بالآخر من غير أن يكون هناك من لم يصلّ.

مسألة 20: إذا ظهر بعد إعادة الصّلاة جماعة أنّ الصّلاة الأولى كانت باطلة يجتزئ بالمعادة

(مسألة 20): إذا ظهر بعد إعادة الصّلاة جماعة أنّ الصّلاة الأولى كانت باطلة يجتزئ بالمعادة (85).

______________________________

يوجب تقييد إطلاق الحكم بها إلّا إذا كانت قرينة خارجية معلومة على التقييد، و ذلك لما ثبت في محله من أنّ المورد لا يخصّص الوارد.

(80) لإطلاق ما تقدّم من الأخبار، بل التصريح به في بعضها.

(81) لإطلاق النصوص، و عدم وجود لفظ تلك الصلاة فيها. هذا مضافا إلى إطلاقات أدلة الجماعة، فتستحب الإعادة في هذه الصورة أيضا.

(82) مع وجود إطلاق النصوص لا وجه للاقتصار على القدر المتيقن لأنّه مختص بما إذا كان الدليل منحصرا بالدليل اللبّي و شكّ في مدلوله بخلاف المقام الذي تمَّ الإطلاق في الأدلّة اللفظيّة.

(83) لا إشكال فيه، لثبوت الإطلاق الشامل لهذه الصورة أيضا خصوصا في مثل صلاة الجماعة التي ورد في فضلها ما ورد- كما تقدّم- و لو فرض إمكان استفادة خصوصية من بعض أخبار المقام- المتقدمة- فهو من باب الغالب لا التقييد الحقيقيّ، فيشمل إطلاق الأخبار جميع الصور السبعة المتقدمة بلا دليل على الخلاف إلّا بعض شبهات ظهر دفعها فيما تقدّم من جهات البحث.

(84) لا وجه لهذا الإشكال أيضا إلّا شبهة انصراف الأخبار عن هذه الصورة و هي شبهة ساقطة بعد التأمل فيما ذكرناه من الجهات.

(85) لأنّ المعادة عين المبتدأة في تمام الجهات مطلقا إلّا في أنّه لو صحّت المبتدأة تكون المعادة مندوبة قهرا، فلا بدّ و أن تجزئ عنها لو كانت باطلة.

ص: 176

مسألة 21: في المعادة إذا أراد نيّة الوجه ينوي الندب

(مسألة 21): في المعادة إذا أراد نيّة الوجه ينوي الندب (86) لا الوجوب على الأقوى.

______________________________

(86) إن كان المراد الندب من حيث الجماعة، فلا ريب فيه، لظواهر ما تقدّم من النصوص. و إن كان المراد الندب من حيث ذات الصلاة، فهو مخدوش لأنّها كانت متّصفة بالوجوب و المفروض أنّ المعادة عين المبتدأة بجميع الخصوصيات و الجهات و منها قصد الوجوب- لو أراد قصد الوجه- و لا يلزم من ذلك أن تصير واجبة بالفعل، لأنّ قصد الوجوب يكون حينئذ كسائر الشرائط المعتبرة فيها، فكما أنّه يعتبر فيها الطهارة و نحوها من سائر الشرائط يعتبر قصد الوجوب أيضا- بناء على اعتباره- فيصحّ له ترك أصل الإتيان ثانيا، و لكن لو أتى لا بدّ و أن يكون مع الشرائط التي منها قصد الوجوب لو أراد قصده، فيكون الوجوب حكائيا لا نفسيا فعليا من كل جهة.

فروع- (الأول): يجوز تكرار المعادة- إماما أو مأموما أو هما معا- لغرض صحيح شرعيّ، لأنّ ذلك خير محض، فيشمله إطلاق قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (1) مع أنّ الامتثال بعد الامتثال رجاء بداعي أن يختار اللّه أحبّهما إليه من أجلّ مقامات العبودية و الانقياد، كما يصح ذلك لقضاء حاجة المؤمن أيضا، فإنّ ما ورد في فضله (2) ممّا تبهر منه العقول.

(الثاني): تجوز إعادة الفريضة مطلقا لدرك شرف و فضيلة لم تكن في المبتدأة من فضل مكان، أو حالة انقطاع إليه تعالى، لما مرّ في بعض الأخبار من أنّه «يختار اللّه أحبّهما إليه» (3) مع أنّ صحة الامتثال بعد الامتثال موافق للقاعدة- كما ثبت في محله- إلّا إذا كان امتثال الأول علة تامة منحصرة لسقوط الأمر خطابا و ملاكا و قبولا بجميع مراتب القبول. و أنّى للعبد القاصر حصول العلم بذلك.

(الثالث): لا بدّ من تقييد جميع ما قلناه بما إذا لم يوجب الوسواس و إلّا يشكل أصل الجواز.

ص: 177


1- سورة البقرة: 148.
2- راجع الوسائل باب: 25- 29 من أبواب العشرة.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 10.

فصل في الخلل الواقع في الصّلاة

اشارة

(فصل في الخلل الواقع في الصّلاة)

فصل في تعريف الخلل و بعض ما يتعلق بها

اشارة

أي الإخلال بشي ء يعتبر فيها وجودا أو عدما (1).

مسألة 1: الخلل إما أن يكون عن عمد أو عن جهل

(مسألة 1): الخلل إما أن يكون عن عمد أو عن جهل، أو سهو، أو اضطرار، أو إكراه، أو بالشك، ثمَّ إما أن يكون بزيادة أو نقيصة

______________________________

(فصل في الخلل الواقع في الصّلاة)

(1) الخلل: ما أوجب خروج الصلاة عن وضعها الأصليّ إمّا بالبطلان مطلقا، أو بصيرورتها معرضا للقواعد الثانوية التسهيلية الامتنانية التي بها حكم الشارع بصحة الصلاة- حتّى مع وجود بعض النواقص فيها تسهيلا على العباد و امتنانا عليهم- و هي ستة عشر قاعدة تدور أحكام الخلل عليها:

1- قاعدة التجاوز 2- قاعدة الفراغ 3- قاعدة لا تعاد 4- قاعدة عدم الشك بعد الوقت 5- قاعدة عدم اعتبار الشك مع كثرته 6- قاعدة عدم اعتبار الشك في النافلة 7- قاعدة عدم اعتبار شك الإمام مع حفظ المأموم و بالعكس 8- قاعدة اعتبار الظن في الركعات 9- قاعدة أنّه لا سهو في سهو 10- قاعدة البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة 11- قاعدة أنّ كل جزء منسيّ يؤتى به ما لم يدخل في الركن اللاحق و يسقط التدارك مع الدخول فيه 12- قاعدة أنّ الزيادة و النقيصة العمدية توجب البطلان 13- قاعدة أنّ المناط في الشك و الظن المستقر منهما دون الحادث الزائل 14- قاعدة أنّ لكل زيادة و نقيصة سجدتي السهو 15- قاعدة أنّه ليس في الركعتين الأولتين من كل صلاة- و في الفجر و المغرب- سهو 16- قاعدة أنّه لا يعيد الصلاة فقيه. و نذكر جميع ذلك إن شاء اللّه تعالى في الموارد المناسبة لها.

ص: 178

و الزيادة: إما بركن أو غيره و لو بجزء مستحب (2)- كالقنوت في غير الركعة الثانية أو فيها في غير محلّها- أو بركعة. و النقيصة إما بشرط ركن- كالطهارة من الحديث و القبلة- أو بشرط غير ركن أو بجزء ركن أو غير ركن، أو بكيفية- كالجهر و الإخفات و الترتيب و الموالاة- أو بركعة.

مسألة 2: الخلل العمدي موجب لبطلان الصلاة بأقسامه

(مسألة 2): الخلل العمدي موجب لبطلان الصلاة بأقسامه: من الزيادة (3)

______________________________

(2) مندوبات الصلاة- بل مندوبات كل عبادة واجبة- لا يمكن أن تكون جزء الماهية، لعدم تقوّمها بها كما هو شأن تقوّم كل ماهية بأجزائها، و لا أن يكون جزء الفرد، لصحة اتصافها بالوجوب حينئذ مع أنّها ليست كذلك إلّا بناء على العناية و المسامحة، فهي آداب خاصة في محل مخصوص- كآداب المائدة مثلا- فلا يشملها ما دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الجزء أو نقيصته، لعدم الجزئية فيها رأسا إلّا إذا دلّ دليل بالخصوص على البطلان بالإخلال بها أو انطبقت إحدى القواطع و المبطلات عليها، و على فرض صدق الجزئية- بنظر عرف المتشرعة- كما هو كذلك- و استظهرناه من إطلاقات بعض الأدلة مثل قوله (عليه السلام):

«كل ما ذكرت اللّه عزّ و جل به فهو من الصلاة» (1)- فأدلة الخلل ظاهرة في غيرها.

(3) الزيادة على أقسام:

منها: ما دلّ الدليل بالخصوص على البطلان بها، فتكون تابعة لمقدار دلالة الدليل.

و منها: ما إذا أخذ المركب مقيدا بعدمها و هو أيضا تابع للدليل الدال عليه، بل يرجع ذلك إلى النقيصة، لفرض اشتراط المركب بعدمها فمع تحقق الزيادة ينتفي هذا الشرط، فيكون من النقيصة لا الزيادة.

و منها: ما ليس بشي ء منهما و مقتضى الأصل العمليّ فيها عدم البطلان كاستصحاب الصحة، و أصالة عدم المانعية، و أصالة البراءة عن القضاء و الإعادة.

ص: 179


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 4.

.....

______________________________

و إنّما البحث في أنّه هل يكون دليل على البطلان بها- بنحو الكلّي حتّى يتقدم على الأصل العملي- أم لا؟ و هذه- من إحدى القواعد التي أشرنا إليها في صدر البحث- «قاعدة أنّ الزيادة و النقيصة العمدية توجب البطلان» و إطلاق الجزئية بالمسامحة العرفية عليها لا يوجب شمول أدلة الخلل لها.

و قد استدلّ عليها تارة: بأنّها تشريع محرّم فتبطل الصلاة.

و يرد بأنّه أول الدعوى و عين المدعى، مع أنّ التشريع لا يوجب بطلان أصل العمل إلّا إذا كان موجبا للإخلال بقصد القربة فيه و المفروض عدمه.

و أخرى: بقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (1)، و بقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح الفضلاء:

«إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» (2).

و يرد: بأنّ المقدر يحتمل أن يكون ركعة، أو ما اعتبر عدمه في الصلاة، أو ما دلّ الدليل على البطلان بالزيادة به بالخصوص، أو مطلقا الشي ء و لا ظهور فيها في خصوص الأخير لو لم نقل بأنّ المنساق منهما هو الأول، مع أنّ قول أبي جعفر (عليه السلام) روي في الكافي: «زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها»(3) لا أقلّ من تكافؤ الاحتمالات، فكيف يصحّ الاستدلال حينئذ، مضافا إلى إطلاق قول الصادق (عليه السلام): «ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (4)فإنّه ظاهر في الترغيب إلى التصحيح عند الشك في الفساد بأيّ وجه أمكن.

و ثالثة: بما ورد في سجدة العزيمة «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (5)، و بما ورد في بطلان صلاة من أتمّ في مورد القصر: «لأنه قد زاد في فرض اللّه

ص: 180


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1. و راجع باب: 14 من أبواب الركوع.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2. و راجع باب: 14 من أبواب الركوع.
3- الوافي ج: 5 صفحة: 144 حديث:
4- الوسائل باب 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

عزّ و جل» (1)، فيستفاد منها قاعدة كلية و هي «أن مطلق الزيادة يوجب البطلان».

و يرد: بأنّ قوله (عليه السلام): «السجود زيادة في المكتوبة» مجمل في مورده كما مرّ، فكيف يتعدّى عنه إلى غيره، و يحتمل أن يراد بالزيادة في سجدة العزيمة أي ما أخذ عدمه في الصلاة فلا ربط لها بالمقام حينئذ، و ظهور قوله (عليه السلام)- في الإتمام في مورد القصر «لأنّه زاد في فرض اللّه عزّ و جل»- في زيادة الركعة ممّا لا ينكر فيخرج عمّا نحن فيه أيضا.

و رابعة: بمرسل ابن السمط عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال، «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان»(2) بدعوى أنّه يدل على اتحاد حكم الزيادة و النقيصة سهوا و عمدا، فسهوهما موجب لسجدتي السهو و عمدهما موجب للبطلان.

و يرد: أولا: بقصور السند. و ثانيا: أنّه ليس في مقام بيان حكم العمد بوجه أبدا، و هذا النحو من الاستدلال لا يخلو عن القياس كما لا يخفى على من يأمن الالتباس، فلا بدّ و أن يرجع في الزيادة العمدية إلى دليل آخر.

و خامسة: بما ورد في التفكير: «عمل و ليس في الصلاة عمل»(3) بدعوى أنّ كل ما هو خارج عن حقيقة الصلاة الموظفة شرعا منهيّ عنه، فيوجب البطلان.

و يرد: بأنّ الأخذ بإطلاقه ممنوع، فلا بدّ و أن يراد به الأعمال التي تنطبق عليها إحدى القواطع و بيّنه (عليه السلام) بهذا التعبير تقية من العامة.

و سادسة: بتسالم الأصحاب عليه قديما و حديثا.

و يمكن الخدشة فيه بحصوله ممّا تقدّم من الأدلة المخدوشة، مع أنّ الزيادة في الأركان منصوص البطلان (4)، و في الحروف و الكلمات ينطبق عليها عنوان التكلم العمدي، و في الأذكار و القرآن لا وجه للبطلان، لما ورد من أنّه كل ما

ص: 181


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة المسافر حديث: 8.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
4- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع، و باب 28 من أبواب السجود.

و النقيصة (4) حتّى بالإخلال بحرف من القراءة أو الأذكار أو بحركة أو بالموالاة بين حروف كلمة أو كلمات آية أو بين بعض الأفعال مع بعض، و كذا إذا فاتت الموالاة سهوا أو اضطرار لسعال أو غيره و لم يتدارك بالتكرار أو متعمّدا (5).

مسألة 3: إذا حصل الإخلال بزيادة أو نقصان جهلا بالحكم

(مسألة 3): إذا حصل الإخلال بزيادة أو نقصان جهلا بالحكم، فإن كان بترك شرط ركن- كالإخلال بالطهارة الحدثية، أو بالقبلة بأن صلّى مستدبرا أو إلى اليمين أو اليسار، أو بالوقت بأن صلّي قبل دخوله أو بنقصان ركعة أو ركوع أو غيرهما من الأجزاء الركنية، أو بزيادة ركن- بطلت الصلاة (6) و إن كان الإخلال بسائر الشروط أو الأجزاء زيادة أو

______________________________

ذكرت اللّه عزّ و جل به و النبيّ فهو من الصلاة (1).

هذا و لكن الأدلة المذكورة و إن أمكنت المناقشة في كل واحد منهما إلا أنّ المجموع- مع مرتكزات المتشرعة من التحفظ على عدم الزيادة، و كونها عندهم كالنقيصة- يكفي في الاطمئنان بالحكم و لا يقصر هذا الاطمئنان عن سائر الظنون الاجتهادية التي عليها المعوّل في الفقه من أوله إلى آخره.

(4) لقاعدة: «انتفاء الكل بانتفاء جزئه» و قاعدة: «انتفاء المشروط بانتفاء شرطه» مضافا إلى ظهور الإجماع بعد عدم شمول حديث «لا تعاد» لصورة العمد، مطلقا، فقاعدة ان النقيصة العمدية توجب البطلان مما يدل عليها العقل و النقل.

(5) لشمول الدليل لجميع ذلك بلا ريب فيه و لا إشكال من أحد و قد سبق في مباحث القراءة و الأذكار ما ينفع المقام.

(6) لإطلاق أدلة اعتبار تلك الأجزاء و الشرائط على ما يأتي، مضافا إلى معروفية أنّ الجاهل بالحكم كالعامد إلا ما خرج بالدليل، و إلى ما يأتي من حديث «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة»

ص: 182


1- تقدم في صفحة: 179.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ الخلل الحاصل عن الجهل بالحكم تارة: في الجزء. و أخرى: في الشرط، و على كل منهما، إمّا أن يكون عن قصور، أو عن تقصير، و على الجميع إمّا أن يكون بسيطا، أو مركبا، و مقتضى إطلاق المراد- النفس الأمري المعبّر عنه بنتيجة الإطلاق، و عموم الملاك الشامل لحالتي العلم و الجهل- البطلان في الجميع، و لو قلنا بقصور الإطلاق اللحاظي عن شمولها كما عن جمع، و لكن قد أثبتنا في محله إمكانه، فمقتضاه البطلان أيضا، فالإطلاقان ثابتان و العموم شامل و التقييد و التخصيص مفقود، فالمتعيّن هو البطلان. و هذا هو العمدة و إلا فمعروفية أنّ الجاهل بالحكم كالعامد قابل للخدشة، فالمدار على إطلاق الأدلة إلّا أن يدل دليل على الخلاف، و قد وردت الأدلة الخاصة في موارد مختلفة دالة على الصحة- كالجهر في موضع الإخفات و بالعكس (1)، و الصلاة في النجاسة جهلا بها (2) إلى غير ذلك.

و إنّما البحث هنا- في إثبات قاعدة كلية دالة على الصحة في جميع موارد الخلل الجهلي غير مختصة بمورد خاص، و ما يمكن أن يثبت به القاعدة الكلية- ما اشتهر بقاعدة «لا تعاد» و البحث فيها من جهات: الأولى: في مدركها، و الأصل فيها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود. ثمَّ قال: القراءة سنة و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة» (3).

و أما البحث عن السند، فهو ساقط لصحته، و اعتماد جميع الأصحاب عليه فتوى و عملا. و هذا الكلام المبارك كسائر كلمات مولانا الباقر (عليه السلام) التي يستفاد منها القواعد الكلية.

الثانية: أنّه تنحل إلى قاعدتين: الأولى: قاعدة «لا تعاد». الثانية: قاعدة «لا تنقض السنة الفريضة» و هي أيضا قاعدة معتبرة نتكلم فيها إن شاء اللّه تعالى.

و مقتضى إطلاقه- و كونه في مقام التسهيل و الامتنان، و التفصيل بين السنة- أي ما

ص: 183


1- الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 1.

.....

______________________________

ثبت بغير الكتاب- و الفريضة- أي ما ثبت به- أنّ كل ما يتصوّر من الخلل الوارد على الصلاة- عمدا كان أو جهلا، أو سهوا، أو نسيانا، زيادة أو نقيصة- لا تعاد الصلاة منها إلّا من الخلل الوارد على الخمسة، فيصير الخلل الجهلي مشمول الحديث أيضا، فيخرج الخلل العمدي فقط لأنّ المنساق من الحديث عرفا ما إذا كان حصول الخلل لأجل عذر عرفيّ في الجملة بحيث لا يتمكّن معه من إتيان المأمور به كاملا، و العمد ليس عذرا أصلا، و ما في بعض الموارد من صحة العمل و لو مع الترك العمدي- كما في بعض ما يعتبر في الحج- إنّما هو لأجل الدليل الخاص لا يقاس به غيره، و بعد خروج الخلل العمدي تبقى صور الجهل داخلة في الإطلاق تسهيلا و امتنانا خصوصا في أوائل الإسلام التي كثر الجهل بين الأنام، بل يزيد الجهل في هذه الأيام فضلا عن قديم الأزمان. و أورد عليه بوجوه: الوجه الأول: أنّه ليس له إطلاق أصلا، بل الحديث في مقام بيان أهمية الخمسة بالنسبة إلى غيرها.

و يرد: بأنّه خلاف المحاورات العرفية، فأي فرق بينه و بين سائر القواعد الثانوية الامتنانية حتى يثبت لها الإطلاق بخلاف المقام.

الوجه الثاني: أنّه على فرض ثبوت الإطلاق له، فخروج العامد عنه إجماعا يوهن إطلاقه.

و يرد أولا: بعدم شموله للعامد، إذا المنساق منه عرفا من لم يتمكن من تصحيح صلاته إلا بالإعادة و العامد حين تعمد الإخلال متمكن من التصحيح و ترك الإخلال بلا إشكال، فهو تخصص لا أن يكون تخصيصا.

و ثانيا: أنّ تقييد المطلق و تخصيص العام شائع و لا يضر بالإطلاق و العموم كما ثبت في محله.

الوجه الثالث: دعوى الإجماع على عدم شموله لمورد الجهل.

و يرد: بأنّه ليس من الإجماع التعبديّ المعتبر، بل حصل من اجتهاداتهم الشريفة في الأدلة لا أقلّ من الشك في ذلك فكيف يعتمد عليه، مع أنّ المسألة لم تكن معنونة بالتفصيل عند القدماء حتّى تستظهر آراؤهم الشريفة.

الوجه الرابع: أنّ الترك المستند إلى الجهل بالحكم عمديّ بالنسبة إلى

ص: 184

.....

______________________________

المتروك جزءا كان أو شرطا فلا يشمله الحديث، لما مرّ، بل مقتضى إطلاق ما دلّ على البطلان بتعمد الترك هو البطلان مثل صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شي ء عليه» (1).

و يرد عليه: أنّ المراد بالعمد في الروايات، بل عند الفقهاء، ولدي المتشرعة هو العلم بالحكم و الموضوع معا لا خصوص الأخير كما لا يخفى لمن راجع موارد استعمالاته في الفقه فراجع و تأمل.

الوجه الخامس: دوران الأمر بين تقييد حديث «لا تعاد» بغير الجهل و تقييد جميع أدلة الشرائط و الأجزاء بحديث «لا تعاد» في موارد الخلل عن جهل. و الأول أولى لقلة التقييد بخلاف العكس.

و يرد: بأنّ هذا شأن جميع الأدلة الثانوية التسهيلية الامتنانية مطلقا، فإن معنى تقدمها على الأدلة الأولية إنّما هو تقييد الكل بها كما لا يخفى.

الوجه السادس: ما وقع فيه الخلل عن جهل هل تكون فيه المصلحة الملزمة الواقعية أم لا؟ فعلى الأول لا وجه للصحة بدونها. و على الثاني لا وجه للأمر بها أصلا، فيصح الاكتفاء بإتيان بقية الأجزاء و لو عمدا.

و يرد أولا: بالنقض بالخلل عن سهو و نسيان، بل عن جهل في الموارد الخاصة التي دل الدليل المخصوص على الإجزاء، فكل ما يجاب عنه في تلك الموارد يجاب به في المقام أيضا.

و ثانيا: بأنّ لها مصلحة واقعية و لكن بمحض الخلل تحدث مصلحة تداركية لما فات منها كما في جميع موارد التسهيلات و الامتنانيات و الموارد التي يكون الجهل فيها عذرا بالخصوص و هذا ثبوتا لا إشكال فيه، و طريق إثباته إطلاق الأدلة و كثرة رأفة الشارع على الأمة، و سهولة الشريعة، و وجود نظير المقام مما افتقر فيه الخلل عن الجهل في الصلاة و الحج و غيرهما ممّا لا يخفى، و لا دليل على الخلاف من إجماع أو غيره.

ص: 185


1- الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1 و 2.

.....

______________________________

إن قلت: مع حدوث المصلحة المتداركة للواقع في هذه الموارد لا وجه لتشريع ما أخلّ به أصلا، كما لا وجه للعقاب على تركه- إن كان عن تقصير- كما نسب إلى المشهور فيمن جهر في موضع الإخفات أو بالعكس عن جهل مع التقصير.

قلت: المصلحة الحادثة المتداركة في طول الواقع لا في عرضه. و هي أقلّ من المصلحة الواقعية قهرا، و لكن مع حصولها لا وجه لإيجاب تدارك المصلحة الواقعية، فيصح تشريع الواقع و يجب تعلمه، لإطلاق وجوبه و تمامية ملاكه و يعاقب على تركه مع التقصير لتفويته في الجملة، و يجزي ما أتى به لتحقق المصلحة التداركية و لا يجب الإعادة أو القضاء، لعدم ملاك الإيجاب فيه.

الوجه السابع: أنّ حديث «لا تعاد» يجري في مورد لو لا جريانه يصدق فيه الإعادة، و قد مرّ أنّ الخلل الجهليّ عمدي بالنسبة إلى مورده جزءا كان أو شرطا، و في الإخلال العمديّ يكون أصل العمل كأن لم يكن، فلا وجه لإطلاق الإعادة عليه، ألا ترى أنّ من لم يصلّ أصلا لا يقال له تجب عليك إعادة الصلاة و المقام يصير مثله أيضا.

و يرد: بصحة إطلاق الإعادة عرفا، ألا ترى أنّه لو صلّى أحد بلا طهارة مستدبر القبلة عمدا يصح أن يقال له: أعد صلاتك فإنّها باطلة خصوصا بناء على الوضع للأعم.

فتلخّص: أنّ مقتضى إطلاق الحديث- و رأفة الشارع و سهولة الشريعة و ورود الاغتفار في الجملة في موارد كثيرة في الجهل- شموله للخلل عن جهل أيضا إلا أن يدل دليل على الخلاف، و ليس إلّا دعوى الإجماع، و كونه من الإجماع المعتبر أول الكلام، و يقتضيه حديث الرفع(1) و قوله (عليه السلام): «أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» (2)، فإنّ شمول إطلاقه لما نحن فيه ممّا لا ريب فيه.

الثالثة: الظاهر شمول الحديث للزيادة كشموله للنقيصة أيضا، لكونه من القواعد الكلية الامتنانية، فالخروج عن مفاده يحتاج إلى دليل و هو مفقود، فيشمل

ص: 186


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

الحديث لكل خلل مطلقا من كل حيثية و جهة سواء حصل عن الجهل أن الإكراه أو الاضطرار كشمول حديث الرفع لها أيضا فيرفع المانعية و القاطعية و الجزئية و الشرطية في حالتي الإكراه و الاضطرار مطلقا إلّا مع دليل الخلاف، و حينئذ فيحمل ما دل على البطلان بالزيادة على ما إذا وقعت عن عمد من غير إكراه و لا اضطرار جميعا بينه و بين مثل حديث «لا تعاد»، أو يحمل على ما إذا كانت من الأركان بلا فرق حينئذ بينما إذا كانت بالاختيار أو الإكراه أو الاضطرار، و يشهد للتعميم إطلاق قوله (عليه السلام): «ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (1)، فإنّ هذا التأكيد و التعبير حاكم على جميع أدلة الخلل و شارح لها مهما أمكن التدبر و الحيلة الشرعية.

ثمَّ إنّه لا فرق في الخلل المشمول للحديث بين كونه عن قصور أو تقصير لظهور الإطلاق و ما يقال: من أنّه مع التقصير لا وجه حينئذ لأصل التشريع و وجوب التعلم. مردود نقضا و حلا بما تقدّم.

الرابعة: الظاهر عدم اختصاص الحديث بما إذا فرغ من الصلاة، فيشمل الخلل الحاصل في الأثناء، لظهور الإطلاق لكن مع عدم التمكن من التصحيح شرعا و إلّا فيصير من الخلل العمدي كما مرّ، و لو شكّ في أنّ الخلل عمديّ أو سهويّ، ففي شمول حديث «لا تعاد» له- و كذا مثل قاعدتي التجاوز و الفراغ- إشكال، لأنّه بعد عدم شمولها للخلل العمدي يكون التمسك بدليلها في مورد الشك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إلّا أن يثبت الموضوع بظاهر حال المصلّي حيث إنه يقتضي عدم صدور الخلل العمديّ منه، أو يقال: إنّ ما خرج عن تحت أدلة الخلل مطلقا إنّما هو خصوص ما أحرز عمديته، فتكون صورة الشك فيها داخلة في العموم.

الخامسة: الحصر في المستثنى إضافيّ، لعدم اختصاص الإعادة بها بل تجب في تسعة، الخمسة المذكورة في الحديث، و النية، و التكبيرة، و القيام المتصل بالركوع، و القيام حال التكبيرة راجع أول (فصل واجبات الصلاة)، و أول (فصل تكبيرة الإحرام)، و أول (فصل القيام)، فقد تعرّضنا لها ببعض الكلام. كما

ص: 187


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل حديث: 1.

نقصا فالأحوط الإلحاق بالعمد في البطلان (7)، لكن الأقوى إجراء حكم السهو عليه (8).

______________________________

إنّ قوله (عليه السلام): «الصلاة ثلاث أثلاث:، ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود» (1)، فليس في مقام الحصر الحقيقيّ حتى ينافي حديث «لا تعاد»، و إنّما هو لبيان الحصر الإضافي بالنسبة إلى بعض ما له دخل في الصلاة ممّا له نحو أهمية في الجملة، فلا تنافي بين مثل هذه الأحاديث.

ثمَّ إنّ إطلاق حديث «لا تعاد» بالنسبة إلى الخمسة مقيّد بما مرّ في [مسألة 3] من (فصل أحكام الأوقات) من الصحة فيما إذا دخل الوقت في الأثناء، و ما تقدّم في (فصل أحكام الخلل في القبلة)، و بما مرّ في الركوع و السجود من أقسامها الاضطرارية، فراجع و تأتي جملة من الفروع المتعلقة به إن شاء اللّه.

تعالى.

(7) خروجا عن خلاف من خصّ حديث «لا تعاد» بالخلل السهوي فقط.

(8) لما أثبتناه من التعميم في مفاد حديث «لا تعاد» فراجع. هذا بعض الكلام بما اصطلحوا عليه بحديث «لا تعاد الكبير».

و هناك حديث آخر سمّوه ب «لا تعاد الصغير» و هو ما عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة قال: لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة» (2)، و مثله غيره.

و عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد أخرى ثمَّ استيقن أنّه قد زاد سجدة فقال: لا و اللّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، و قال: لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة» (3) و السند معتبر و الدلالة تامة، و الحكم موافق للأصول من أصالة الصحة و عدم المانعية، و البراءة عن القضاء و الإعادة.

ص: 188


1- الوسائل باب: 28 من أبواب السجود حديث: 2 و باب: 9 من أبواب الركوع.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الركوع حديث: 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الركوع حديث: 3.
مسألة 4: لا فرق في البطلان بالزيادة العمدية بين أن يكون في ابتداء النيّة أو في الأثناء

(مسألة 4): لا فرق في البطلان بالزيادة العمدية بين أن يكون في ابتداء النيّة أو في الأثناء، و لا بين الفعل و القول (9)، و لا بين الموافق

______________________________

و يمكن أن يستفاد منها قاعدة كلية و هي: أنّه كلما استيقن بعد الصلاة أنّه زاد غير الركن شيئا تصح صلاته، سواء كان ذلك الشي ء معلوما و معينا أم مرددا بين أمور في الجملة، و سواء كان جميعها من غير الركن أم كان مرددا بين الركن و غيره، لجريان أصالة عدم وجوب القضاء أو الإعادة في جميع ذلك، فالحكم ورد مطابقا للأصل، فلا وجه للتفصيل بعد ذلك و تقدم في السجدة بعض الكلام و يأتي في الفروع المستقبلة ما ينفع المقام. هذا.

و لنشر إلى القاعدة المستفادة من ذيل حديث «لا تعاد الكبير» و هو قوله (عليه السلام): «لا تنقض السنة الفريضة» و خلاصة القول فيها: أنّ الفريضة في اصطلاح الأئمة في الصلاة ما ثبت وجوبه بالكتاب، و السنة ما ثبت وجوبه بغير الكتاب من السنن المعصومية، و تسمّى الفريضة، بفرض اللّه أيضا، و السنة بفرض النبيّ، و ليس المراد بها السنة في مقابل الواجب كما هو شائع بين الفقهاء و هذا نحو اهتمام من المعصومين بالنسبة إلى فرض اللّه تعالى و عناية خاصة به، و يشهد له ما عن زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): كان الذي فرض اللّه على العباد عشر ركعات و فيهنّ القراءة و ليس فيهنّ و هم يعني سهوا، فزاد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهن قراءة، فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» (1)، و المراد بقوله: «ليس فيهنّ قراءة» أي تعيينا- كما تقدم في حكم الأخيرتين- كما أنّ بقوله (عليه السلام): «حتى يحفظ و يكون على يقين» أعمّ من كل حجة معتبرة شرعا.

و مثله روايات أخرى مستفيضة بل متواترة في هذه الجهة استشهدنا بها في المقام للتفرقة في الجملة بين فرض اللّه و فرض النبيّ و أنّه يغتفر في فرض النبيّ ما لا يغتفر في فرض اللّه تعالى و يأتي في الفروع المستقبلة ما ينفع المقام.

(9) لإطلاق الدليل على فرض التمامية الشامل للجميع.

ص: 189


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل حديث: 1.

لأجزاء الصّلاة و المخالف لها (10)، و لا بين قصد الوجوب بها و الندب (11). نعم، لا بأس بما يأتي به من القراءة و الذكر في الأثناء (12) لا بعنوان أنّه منها (13)،

______________________________

(10) لصدق الزيادة مع قصد الجزئية في المخالف أيضا. و ما في المستند من عدم الصدق في المخالف لو صحّ في المركبات الخارجية لا يصح في المركبات الاعتبارية المتقوّمة بقصد الجزئية زيادة و نقيصة إذ الجزئية فيها تدور مدار القصد وافقت أو خالفت، مع أنّه لا يصحّ في المركبات الخارجية أيضا، لأنّ البيت- مثلا- مركّب من الجص و الآجر و الخشب و كل هذه يخالف بعضها بعضا في النوع و كذا في غيرها ممّا تكون مخالفة من الأمور المتباينة التي تجمعها صورة واحدة و هيئة فأرده.

(11) بأن كان قصد الندب بعنوان التشريع، فتبطل الصلاة من هذه الجهة، و أما إن كان بعنوان الجزئية فلا وجه للبطلان، لما مرّ من خروجه حينئذ عن كونه جزء للماهية أو الفرد بحسب الواقع، فلا تتحقّق الجزئية المبطلة إلّا أن يقال: إنّ المناط في الزيادة المبطلة الحكم المسامحيّ العرفيّ لوقوع الزيادة في الصلاة، و لا ريب في صحة حكمه حينئذ بالزيادة، أو يقال بأنّ ما قصد به الجزئية لا ينفكّ عن قصد التشريع.

(12) للإجماع، و النص مثل قول الصادق (عليه السلام): «كل ما كلمت اللّه به في صلاة الفريضة فلا بأس» (1)، و قول أبي جعفر (عليه السلام): «من قرأ القرآن قائما في صلاته كتب اللّه له بكل حرف مائة حسنة- الحديث-» (2).

(13) للزوم الزيادة المبطلة حينئذ. و أما قول الصادق (عليه السلام): «كل ما ذكرت اللّه عزّ و جل به- و النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فهو من الصلاة» (3) محمول على أنّه من الأمور الجائزة في الصلاة لا من أجزائها، و لكنّه خلاف الظاهر، فلنا

ص: 190


1- الوسائل باب: 13 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 4.

ما لم يحصل به المحو للصورة (14)، و كذا لا بأس بإتيان غير المبطلات من الأفعال الخارجية المباحة كحكّ الجسد و نحوه إذا لم يكن ماحيا للصورة (15).

مسألة 5: إذا أخلّ بالطهارة الحدثية ساهيا

(مسألة 5): إذا أخلّ بالطهارة الحدثية ساهيا بأن ترك الوضوء أو الغسل أو التيمم- بطلت صلاته و إن تذكّر في الأثناء و كذا لو تبيّن بطلان أحد هذه من جهة ترك جزء أو شرط (16).

مسألة 6: إذا صلّى قبل دخول الوقت ساهيا بطلت

(مسألة 6): إذا صلّى قبل دخول الوقت ساهيا بطلت و كذا لو صلّى إلى اليمين أو اليسار أو مستدبرا فيجب عليه الإعادة أو القضاء (17)

______________________________

أن نقول: إنّ أجزاء الصلاة إما جزء لماهيتها، أو لفردها أو من الأجزاء الترخيصية فيها، و القرآن و الذكر من القسم الآخر، و لا مانع في هذا التقسيم من عقل أو نقل بعد مساعدة العرف عليه. و الظاهر جواز ذكر أسماء الأئمة (عليهم السلام) أيضا لما ورد من «أنّ ذكرنا من ذكر اللّه تعالى»(1).

(14) لشمول ما دلّ على البطلان بما يوجب المحو لها أيضا إلّا أن يدعى الانصراف عنها.

(15) للأصل، بل الأصول مضافا إلى الإجماع، و قد مرّ ما يجوز فعله في الصلاة من الأمور الخمسة و العشرين راجع (فصل المكروهات في الصلاة).

(16) بضرورة الفقه، بل المذهب إن لم تكن من الدّين، مضافا إلى نصوص خاصة (2)، و قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(17) لكون الخلل في الوقت أو القبلة مستثنى من حديث «لا تعاد»- كما تقدّم- و يقتضيه قوله (عليه السلام) أيضا: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» (3) و قوله

ص: 191


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الذكر حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 2 و 3 من أبواب الوضوء.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام القبلة حديث: 2.
مسألة 7: إذا أخلّ بالطهارة الخبثية في البدن أو اللباس ساهيا بطلت

(مسألة 7): إذا أخلّ بالطهارة الخبثية في البدن أو اللباس ساهيا بطلت، و كذا إن كان جاهلا بالحكم أو كان جاهلا بالموضوع و علم في الأثناء مع سعة الوقت (18)

______________________________

(عليه السلام)، «ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها» (1) و قد مرّ ما يتعلّق بها في مباحث الأوقات و القبلة فراجع.

(18) لإطلاق أدلة الطهارة الخبيثة المقتضية لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

و أما الأخبار الخاصة فهي على قسمين:

الأول: ما ورد في نسيان الاستنجاء و هي مختلفة، فبعضها يدل على الصحة مطلقا: كقول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار: «لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة» (2) و بعضها يدل على البطلان مطلقا: كموثق سماعة قال: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) «إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم ترق الماء، ثمَّ توضأت، و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت فعليك الإعادة، و إن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك- الحديث-» (3)، و بعضها ما يدل على التفصيل (4): بين الوقت فيعيد و خارجه فلا يعيد.

الثاني: ما ورد في أحكام مطلق النجاسات و هي أيضا مختلفة.

فمنها: ما يدل على الصحة مطلقا كصحيح أبي العلاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرّجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثمَّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له» (5).

و منها: ما يدل على البطلان مطلقا كصحيح زرارة قال: «قلت له: أصاب

ص: 192


1- الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 2.

و إن علم بعد الفراغ صحّت (19) و قد مرّ التفصيل سابقا (20).

______________________________

ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منّي فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّت، ثمَّ إنّي ذكرت بعد ذلك، قال:

تعيد الصلاة و تغسله، قلت: فإنّي لم أكن رأيت موضعه و علمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه، فلما صلّيت وجدته قال: تغسله و تعيد» (1).

و منها: ما يدل على التفصيل بين الوقت و خارجه كصحيح ابن مهزيار قال:

«كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل و أنّه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنّه أصابه و لم يره و أنّه مسحه بخرقة، ثمَّ نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه ثمَّ توضأ وضوء الصلاة فصلّى. فأجابه بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت ممّا أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقق، فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلاة اللواتي كنت صليتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما إن كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها- الحديث-» (2).

و لو لا أخذ المشهور بما دل على البطلان مطلقا و إعراضهم عن غيره لكان القول بالصحة- و استحباب الإعادة خصوصا في الوقت- متعينا و لكن مخالفة المشهور و الأساطين الأعاظم نحو من التجري، و موافقتهم- مع وجود الأدلة بين أيدينا- نحو من التقليد و كل منهما ممّا لا ينبغي، فالاحتياط أوضح طريق السداد.

(19) لصحيح عبد الرحمن عن الصادق (عليه السلام): «عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أم كلب أ يعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد» (3)، و يقتضيه حديث الرفع (4) أيضا.

(20) و قد تقدّم وجه ذلك كلّه، فراجع أحكام النجاسات (فصل إذا صلّى في النجس) فلا وجه للإعادة.

ص: 193


1- الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 3 و 2.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث 1.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب الخلل حديث: 1.
مسألة 8: إذا أخلّ بستر العورة سهوا فالأقوى عدم البطلان

(مسألة 8): إذا أخلّ بستر العورة سهوا فالأقوى عدم البطلان (21) و إن كان هو الأحوط (22)، و كذا لو أخلّ بشرائط الساتر عدا الطهارة من المأكولية، و عدم كونه حريرا، أو ذهبا و نحو ذلك (23).

مسألة 9: إذا أخلّ بشرائط المكان سهوا فالأقوى عدم البطلان

(مسألة 9): إذا أخلّ بشرائط المكان سهوا فالأقوى عدم البطلان (24)

______________________________

(21) لحديث «لا تعاد»، و صحيح ابن جعفر: «عن الرجل يصلّي و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته» (1) إذ المراد بعدم العلم ما هو الأعم من السهو أيضا.

(22) لدعوى الإجماع على البطلان. و اعتباره خصوصا في المقام مخدوش جدّا، فلا يصلح إلا للاحتياط، مع أنّه حسن في كل حال،

(23) كل ذلك لحديث «لا تعاد» (2) الذي هو من الأبواب التسهيلية الامتنانية التي فتحها الشارع لعبادة، و يمكن التمسك بحديث الرفع (3) أيضا.

و دعوى: أنّ موثق ابن بكير- الوارد في الصلاة فيما لا يؤكل لحمه: «إنّ الصلاة في و بر كل شي ء حرام أكله، فالصلاة في و بره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله»(4) يكون أظهر من حديث «لا تعاد» بملاحظة اشتماله على التأكيد (مخدوش) بما مرّ تفصيله في شرائط اللباس فراجع، مع أنّ سياق حديث «لا تعاد» سياق الحكومة على الكل إلّا ما خصّص به بنص صحيح، أو إجماع معتبر صريح و كل منهما مفقود في المقام.

(24) لحديثي الرفع، و لا تعاد.

ص: 194


1- الوسائل باب: 27 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل: 2 باب: 9 من القبلة حديث: 1، و أورده في أبواب الركوع باب: 10 حديث 5 و في أبواب أبواب السجود.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الخلل حديث: 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و إن كان أحوط (25) فيما عدا الإباحة (26)، بل فيها أيضا (27) إذا كان هو الغاصب (28).

مسألة 10: إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه سهوا

(مسألة 10): إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه سهوا إما لنجاسته أو كونه من المأكول أو الملبوس- لم تبطل الصلاة (29) و إن كان

______________________________

(25) لحسن الاحتياط في كل شي ء عقلا، و أما احتمال اختصاص حديث «لا تعاد» بخصوص نقيصة الأجزاء سهوا، فلا يشمل الخلل في الشروط. و عدم شمول حديث الرفع لمثل المقام باطل، لأنّه تضييق فيما وسعه الشارع، و ردّ لما منّ به على الأمة.

(26) لعدم فعلية النهي مع السهو في الموضوع و الجهل به، فتصحّ الصلاة لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ، مع أنّ الظاهر اتفاقهم عليها حينئذ.

(27) لحسن الاحتياط على كل حال خصوصا فيما يتعلّق بأموال الناس.

(28) لذهاب جمع إلى البطلان بالنسبة إليه، لأنّ حديثي الرفع و «لا تعاد» امتنانيّ و يلزم من جريانهما في المقام خلاف الامتنان بالنسبة إلى المالك خصوصا إن كان النسيان عن تقصير.

و فيه: أنّ عذرية النسيان من الأمور العقلائية غير القابلة للتخصيص إلّا بدليل خاص، و يقتضيه إطلاق حديث الرفع أيضا و ذلك لا ينافي عصيان الغاصب من جهة أخرى فيعاقب من تلك الجهة و إن صحّت صلاته من جهة أخرى.

(29) لحديثي الرفع، و لا تعاد، مع أنّه من المسلّمات و المنساق عرفا من قوله (عليه السلام) في صحيح «لا تعاد إلّا .. من الركوع و السجود» (1) الركوع و السجود بالمعنى العرفيّ اللغويّ لا بما اعتبر فيهما من الشرائط الشرعية و لو فرض الشك فيه و لم يصح التمسك حينئذ به، لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، و صيرورته بتمامه مجملا، لسراية إجمال المستثنى إلى المستثنى منه، لكونهما بمنزلة كلام واحد يكفي حديث الرفع، و ظهور التسالم و عادة الشرع في

ص: 195


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

هو الأحوط (30)، و قد مرّت هذه المسائل في مطاوي الفصول السابقة (31).

مسألة 11: إذا زاد ركعة أو ركوعا أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهوا بطلت الصلاة

(مسألة 11): إذا زاد ركعة أو ركوعا أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهوا بطلت الصلاة (32) نعم، يستثنى من ذلك زيادة الركوع أو السجدتين في الجماعة (33) و أما إذا زاد ما عدا هذه من الأجزاء غير الأركان- كسجدة واحدة أو تشهد أو نحو ذلك مما ليس بركن- فلا

______________________________

رفع اليد عن تكاليفه في طرف العذر نسيانا كان أو غيره.

(30) خروجا عن خلاف من خالف و إن كان بلا دليل، أو تكلف له بدليل عليل.

(31) و قد مرّ ما يتعلّق بها فراجع، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(32) لما أرسل إرسال المسلّمات الفقهية في تعريف الركن من أنّه ما كان نقيصته و زيادته مطلقا موجبة للبطلان، و لعل مراد من اقتصر منهم على خصوص الترك هو المثال فقط، أو من جهة الغالب لا التقيد به حتّى يكون مخالفا، و يمكن أن يكون المتيقن من قول الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (1) هو الركن، و أمّا الركعة فهي منصوصة بالخصوص في قوله (عليه السلام): «إن استيقن أنّه صلّى خمسا و ستا فليعد» (2)، و أما حديث «لا تعاد» فإن قلنا بشموله للزيادة أيضا، فيكون دليلا للبطلان في الركوع و السجدة و إن لم نقل بشموله لها فلا وجه للتمسك به للصحة فيها، لإعراض المشهور عنه حينئذ كما لا وجه للتمسك به للصحة في زيادة التكبيرة حيث إنّها غير الخمسة المستثناة لذلك أيضا،

(33) تقدّم ما يتعلّق به، و قلنا: إنّه يمكن أن يكون خروج ذلك تخصيصا لا تخصيصا.

ص: 196


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

تبطل (34) بل عليه سجدتا السهو (35)، و أما زيادة القيام الركني فلا تتحقق إلّا بزيادة الركوع أو بزيادة تكبيرة الإحرام. (36)، كما أنّه لا تتصوّر زيادة النيّة بناء على أنّها الدّاعي بل على القول بالإخطار لا تضرّ زيادتها.

مسألة 12: يستثنى من بطلان الصّلاة بزيادة الركعة ما إذا نسي المسافر سفره

(مسألة 12): يستثنى من بطلان الصّلاة بزيادة الركعة ما إذا نسي المسافر سفره، أو نسي أنّ حكمه القصر، فإنّه لا يجب القضاء إذا تذكر خارج الوقت، و لكن يجب الإعادة إذا تذكّر في الوقت كما سيأتي إن شاء اللّه (37).

مسألة 13: لا فرق في بطلان الصّلاة بزيادة ركعة بين أن يكون قد تشهّد في الرابعة

(مسألة 13): لا فرق في بطلان الصّلاة بزيادة ركعة بين أن يكون قد تشهّد في الرابعة ثمَّ قام إلى الخامسة أو جلس بمقدارها كذلك أم لا (38)، و إن كان الأحوط في هاتين الصورتين إتمام الصلاة أو تذكّر

______________________________

(34) لأصالة بقاء الهيئة الصلاتية، و عدم خروج المصلّي، عن كونه مصلّيا، مع ظهور الإجماع على عدم البطلان.

(35) يأتي ما يتعلّق بها في (فصل موجبات سجود السهو).

(36) لأنّ ركن الصلاة على قسمين:

الأول: ما كان كذلك بحسب ذاته و من الوصف بحال الذات و هو الثلاثة المذكورة.

و الثاني: ما كان ركنا من باب الوصف بحال المتعلق و هو القيام.

(37) يأتي في [مسألة 3] من (فصل أحكام صلاة المسافر) و يأتي دليله.

(38) لإطلاق الأدلة، و شهرة الفتوى بها بين الفقهاء، مع كونها مخالفة للعامة، و موافقته لمرتكزات المتشرعة، و لكن في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صلّى خمسا قال: إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته»(1)، و مثله غيره كصحيح علاء (2)، و لكن

ص: 197


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل حديث: 4.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل حديث: 7.

قبل الفراغ ثمَّ إعادتها (39).

مسألة 14: إذا سها عن الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته

(مسألة 14): إذا سها عن الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته (40)، و إن تذكّر قبل الدخول فيها رجع و أتى به و صحّت

______________________________

يحتمل أن يكون المراد بالجلوس قدر التشهّد الإتيان به و الفراغ من الصلاة كما هو المنساق من مثل هذا التعبير عرفا، فلا يكون مخالفا لسائر الأخبار حينئذ، و على فرض الظهور في الإطلاق أسقطها عن الاعتبار إعراض القدماء عنها و موافقتها للعامة.

(39) خروجا عن مخالفة النص- المتقدّم- المهجور، و من اعتمد عليه و خالف المشهور.

(40) لنصوص معمولة:

منها: صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم قال (عليه السلام) يستقبل» (1)، و عنه (عليه السلام) قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة» (2)، و يقتضيه حديث: «لا تعاد» (3).

و منها: موثق ابن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يركع قال: يستقبل حتّى يضع كل شي ء من ذلك موضعه» (4)و لو لا فتوى المشهور لأمكن أن يقال: إنّ جزء الصلاة ركنا كان أو غيره ما كان مترتبا على سابقة و لو لا ذلك لما كان جزاء أصلا، فيلقى السجدتين و يأتي بالركوع و يتم صلاته و لا شي ء عليه إلا سجدة السهو- بناء على وجوبها لكل زيادة- و يمكن حمل الاستقبال الوارد في مثل موثق عمار على ذلك أيضا فيحمل الاستئناف الوارد في غيره على الاستحباب، بل في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع قال: فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة

ص: 198


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 3.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 2.

صلاته (41) و يسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة (42) و لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الأولى (43).

مسألة 15: لو نسي السجدتين و لم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية

(مسألة 15): لو نسي السجدتين و لم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية

______________________________

لهما فيبني على صلاته على التمام- الحديث-» (1).

و بالجملة: نصوص المقام أقسام ثلاثة:

منها: ما مرّ من صحيح رفاعة.

و منها: ما تقدّم من صحيح ابن مسلم.

و منها: ما دلّ على صحة الصلاة و قضاء الركوع بعدها و القسمان الأخيران موهونان بالإعراض فيتعيّن الأخذ بالأول فلا حظ و تأمّل.

(41) أمّا بناء على ما قلناه من سقوط الجزء غير المترتب على سابقة عن الجزئية رأسا فوجه الصحة واضح، و كذا بناء على ما مرّ من القسم الأول من الأخبار، لظهورها في التذكر بعد إتمام السجدتين، و كذا بناء على القاعدة المعروفة بين الأصحاب من أنّ كل جزء منسيّ علم نسيانه في الأثناء وجب الإتيان به ما لم يلزم منه زيادة ركن، و المفروض في المقام عدم لزوم ذلك لما مرّ أنّ الركن إنّما هو السجدتين معا لا المسمّى و لذا ذهب جمع إلى الصحة، و لكن المشهور البطلان و يمكن توجيهه بما مرّ في (فصل السجود) من أنّ لمسمّى السجود ركنية في الجملة، لأنّ من أتى بسجدة واحدة و ترك الأخرى سهوا تصح صلاته نصّا (2)و فتوى و قد روعيت هذه الركنية الإجمالية هنا أيضا و قد مرّ إشكال علميّ مع دفعه، فراجع.

و بالجملة: القول بصحة الصلاة مع نسيان سجدة واحدة ملازم لمضيّ محل تدارك الركوع المنسيّ بالدخول في السجدة الواحدة هنا، فراجع و تأمّل.

(42) يأتي ما يتعلّق بها.

(43) تقدم أنّ المشهور البطلان و مرّ وجهه.

ص: 199


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الركوع حديث 2.
2- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب السجود.

الركوع من الركعة التالية بطلت صلاته (44) و لو تذكّر قبل ذلك رجع و أتى بهما و أعاد ما فعله سابقا مما هو مرتّب عليهما بعدهما (45)، و كذا تبطل الصّلاة لو نسيهما من الركعة الأخيرة حتّى سلّم و أتى بما يبطل الصّلاة عمدا و سهوا كالحدث و الاستدبار (46) و إن تذكّر بعد السلام قبل الإتيان بالمبطل فالأقوى أيضا البطلان (47) لكن الأحوط التدارك ثمَّ الإتيان بما

______________________________

(44) بلا خلاف فيه عندهم في غير الركعة الأخيرة، و تقتضيه القاعدة المتسالمة لديهم من أنّ كل جزء فات و لا يلزم من تداركه زيادة ركن وجب تداركه و إلّا فلا يجب إلّا إذا كان ركنا فتبطل الصلاة. نعم، بناء على ما احتملناه سابقا من أنّ الجزء ما وقع في محلّه ملحوقا بما سبقه، و مع العدم لا يكون جزءا أصلا يلقي السجدتين و يأتي بالركوع و يتم الصلاة، و لكن الظاهر عدم التزامهم به.

(45) لما مرّ من القاعدة المتسالمة لديهم.

(46) للعلم التفصيلي ببطلان الصلاة حينئذ إمّا لفقد السجدتين إن كان السلام مخرجا قهرا مطلقا، أو لوقوع المبطل المطلق فيها إن لم يكن كذلك.

(47) بناء على كون السلام مخرجا قهرا و لو وقع في غير محله، و لكنّه أوّل الكلام، بل لا دليل عليه إلّا إطلاق مثل قولهم (عليهم السلام): «و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت» (1)، أو «فهو الانصراف» (2):

أو قوله (عليه السلام): «تحريمهما التكبير، و تحليلها التسليم (3)، أو نحو ذلك من كلماتهم- عليهم السلام- المباركة.

و لا يمكن الأخذ بإطلاقها لما يأتي في موجبات سجود السهو من عدم مبطلية السلام الواقع في غير موقعه لا أقلّ من الشك في شمولها لمثل المقام، فيكون التمسّك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع حينئذ حديث «لا تعاد»، فالمنساق من تلك الأخبار السلام الواقع في محلّه مع الالتفات إلى ترتبه.

ص: 200


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 8.

هو مرتب عليهما ثمَّ إعادة الصّلاة و إن تذكّر قبل السلام أتى بهما و بما بعدهما من التشهّد و التسليم و صحّت صلاته (48) و عليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه و للتسليم المستحب (49).

مسألة 16: لو نسي النيّة أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته

(مسألة 16): لو نسي النيّة أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته (50)

______________________________

على باقي الأجزاء المعتبرة، و كذا السلام الذي يقوله العامة مع العمد إليه في التشهد الوسط، و ممّا ذكر يظهر وجه الاحتياط الذي ذكره (رحمه اللّه).

(48) أما وجوب الإتيان به، فلقاعدة «إن كل ما فات سهوا يجب ان يؤتى به قبل فوت محله» و اما صحة الصلاة فلحديث «لا تعاد».

(49) لما يأتي في (فصل موجبات سجود السهو) و كيفيته و سنثبت هناك أنّه لا دليل على كلية وجوبه لكل زيادة و نقيصة إلّا في موارد خاصة تمَّ الدليل عليها بالخصوص.

(50) أمّا بالنسبة إلى النية، فلأنّ ما كان متقوّما بها فوقع بدونها تكون لغوا لدى العقلاء. هذا مضافا إلى إجماع العلماء، و كون مثل القصد و النية من الشروط الذكرية ممّا تأباه الفطرة، فلا محل لتوهم جريان حديث «لا تعاد» فيها أيضا لجريانه بعد إحراز أصل العنوان، و لا يجري ذلك مع فقد النية. ثمَّ إنّ المراد بالنية المنسية الخصوصيات المعتبرة شرعا فيها دون أصلي القصد و الإرادة إجمالا إذ لا يعقل صدور الفعل الاختياري بدونها و لو بنحو الإجمال و الارتكاز.

و أمّا بالنسبة إلى التكبيرة، فللنص و الإجماع، ففي صحيح زرارة قال:

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسي تكبيرة الافتتاح قال (عليه السلام): يعيد» (1)، و في صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع قال: يعيد الصلاة» (2)، و نحوهما، و ما دلّ على الخلاف أمّا مؤول أو مطروح (3).

ص: 201


1- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب تكبير الإحرام حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب تكبير الإحرام حديث: 5.
3- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب تكبير الإحرام حديث: 8 و 9.

سواء تذكّر في الأثناء أو بعد الفراغ (51)، فيجب الاستئناف، و كذا لو نسي القيام حال تكبيرة الإحرام (52)، و كذا لو نسي القيام المتصل بالركوع بأن ركع لا عن قيام (53).

مسألة 17: لو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم

(مسألة 17): لو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام و أتى بها (54) و لو ذكرها بعد التسليم الواجب قبل فعل ما

______________________________

(51) للإطلاق، و الاتفاق.

(52) إجماعا، و نصا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق عمار قال:

«سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل- إلى أن قال- إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم و لا يعتدّ بافتتاح و هو قاعد» (1).

(53) للإجماع، و لا مجرى لحديث «لا تعاد» فيه و في سابقته للدليل الخاص على البطلان فيهما، فيخصّص به قاعدة «لا تعاد» كما خصّص في موارد أخرى لأدلة خاصة.

(54) لأنّه من زيادة التشهد سهوا و هي لا تقدح للإجماع، و لحديث «لا تعاد» خصوصا إطلاق قوله (عليه السلام): «و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة» (2)، فإنّه يشمل الزيادة و النقيصة.

و تدلّ على الصحة أيضا الأخبار الآتية بالفحوى، مضافا إلى نصوص خاصة تدل عليه، منها: صحيح النضري قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّا صلينا المغرب فسهل الإمام فسلّم في الركعتين فأعدنا الصلاة فقال: و لم أعدتم، أ ليس قد انصرف رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في ركعتين فأتمّ بركعتين؟ ألا أتممتم؟!» (3).

ص: 202


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث: 2.

يبطل الصلاة عمدا و سهوا قام و أتمّ (55) و لو ذكرها بعده استأنف الصّلاة من رأس (56)

______________________________

(55) لأنّه من وقوع التشهد و السلام في غير المحل سهوا و هو غير قادح، للأصل و حديث «لا تعاد»، و يدل عليه صحيح العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثمَّ ذكر أنّه لم يركع قال: يقوم فيركع و يسجد سجدتين» (1) و قريب منه غيره، و كذا لو كان فعل ما يبطل عمدا لا سهوا كالتكلّم مثلا، لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمَّ ذكر أنّه لم يصل غير ركعتين، فقال: يتم ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» (2).

و نسب إلى جمع البطلان و وجوب الإعادة لدعوى الإجماع، و لأنّه من التكلم العمدي، و لمرسل المبسوط (3) و الكل باطل: أمّا الأول: فهو موهون بذهاب الأكثر إلى الصحة.

و الثاني: مردود بأنّ المراد بالسهو الغفلة عن عدم خروجه عن الصلاة لا عدم القصد في التكلم أصلا.

و الأخير: بعدم أثر له في الكتب المعتمدة أصلا، فكيف يعمل به في مقابل الأخبار المعتبرة- الدّالة على الصحة.

(56) لعدم إمكان تصحيحها أصلا، مضافا إلى جملة من النصوص:

منها: صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل صلّى ركعتين ثمَّ قام، قال: يستقبل، قلت: فما يروي الناس، فذكر حديث ذي الشاملين فقال: إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لن يبرح من مكانه، و لو برح استقبل» (4)

ص: 203


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث 8.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الصلاة حديث: 9.
3- المبسوط: صفحة 134 فصل تروك الصلاة و ما يقطعها.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الصلاة حديث: 7 و 19.

من غير فرق بين الرباعية و غيرها (57) و كذا لو نسي أزيد من

______________________________

و مثله غيره المحمول على ما إذا قام قيام مستلزما للاستدبار أو نحوه ممّا يكون مطلق وجوده مبطلا لا مجرّد القيام و لو مستقبل القبلة، فإنّ البطلان حينئذ مخالف للنّص و الإجماع.

نعم، نسب إلى الصدوق (رحمه اللّه) الصحة و لو تخلّل المنافي المطلق مستندا إلى صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صلّي بالكوفة ركعتين ثمَّ ذكر و هو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين قال: يصلّي ركعتين» (1).

و في موثق عمار: «فيتمّها و لو بلغ الصين و لا يعيد الصلاة» (2)، و لكنه، موافق للعامة و مخالف للمشهور، و معارض بغيره- كما تقدّم- فلا بدّ من رد علمه إلى أهله و النسبة إلى الصدوق غير ثابتة و إن كان هو (رحمه اللّه) مغرورا بظاهر الأخبار كما عن صاحب الجواهر في بحث الخلل، بل قال: «إنّه معلوم من طريقته» فراجع.

(57) لإطلاق الأدلّة الخاصة مع كون الحكم موافقا للقاعدة، مضافا إلى خبر الحضرمي في المغرب قال: «صلّيت بأصحابي المغرب، فلمّا أن صلّيت ركعتين سلّمت فقال بعضهم: إنّما صلّيت ركعتين فأعدت فأخبرت أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال: لعلّك أعدت؟ فقلت: نعم، فضحك ثمَّ قال: إنّما كان يجزيك أن تقوم فتركع ركعة- الحديث-» (3).

و خبر عبيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «في رجل صلّى الفجر ركعة ثمَّ ذهب و جاء بعد ما أصبح و ذكر أنّه صلّى ركعة قال: يضيف إليه ركعة» (4).

فما يقال: من عدم الصحة في غير الرباعية لعدم تعلق السهو بها، لا وجه له في مقابل الدليل الخاص، مع أنّ المقام ليس من السهو، بل هو علم بالنقصان في

ص: 204


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث: 20.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث: 20.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث: 4.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث: 18.

ركعة (58).

مسألة 18: لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصّلاة

(مسألة 18): لو نسي ما عدا الأركان (59) من أجزاء الصّلاة لم

______________________________

طرف إمكان الإتمام فلا وجه للقياس، مع أنّه مع الفارق.

(58) لإطلاق الأدلة الخاصة، و كون الحكم موافقا للقاعدة، مضافا إلى ما دلّ على جريان هذا الحكم فيما إذا صلّى الظهر ركعتين فراجع الروايات(1).

فرع: لو كان في الركعة الأخيرة الاعتقادية و علم أنّه ترك الركعة الثانية- مثلا- يمكن تصحيحه بدعوى: أنّ الأولية و الثانوية و الثالثية و الرابعية في الركعات ليست متقوّمة بالقصد، بل هي انطباقية خارجية قصدت أم لا، فينطبق على ما يؤتي به أولا الأولى، و على ما يؤتى به ثانيا الثانية و هكذا، فيصير هذا الفرع من صغريات ترك القراءة و القنوت و التشهد نسيانا، فيأتي بركعة متصلة و يتم الصلاة ثمَّ يقضي التشهد و تصح صلاته، و يدل عليه إطلاق الأخبار المتقدّمة، فراجع و تأمّل.

(59) لا بدّ لشرح هذه المسألة المفصّلة من بيان أمور:

الأوّل: أنّ الصلاة مع نسيان غير الركن إمّا أن تكون باطلة مطلقا و هو مخالف للنّص، و الإجماع، و حديث «لا تعاد» أو تكون صحيحة مطلقا و لو مع إمكان التدارك و هو مخالف للإجماع، و قاعدة الاشتغال، و إطلاق دليل وجوب المنسيّ، أو يجب أن يؤتى به في أيّ محل حصل التذكر و هو مخالف لدليل وجوب الترتيب مع إمكان تحصيله، أو يرجع و يأتي به مع ما يترتّب عليه و هو المطلوب.

و قد جعل ذلك من القواعد المسلمة المدعى عليها الإجماع من أنّ كل من نقص شيئا سهوا و تذكّر قبل الدخول في الركن وجب عليه الرجوع إليه و الإتيان به، و اعتمد عليها الفقهاء و استدلوا بها في أبواب الخلل، و دليلها السبر و التقسيم الذي تعرّضنا له، و بعد تمامية الدليل لا وجه للتطويل و التفصيل، لأنّ التطويل إنّما هو لإيضاح المطلب و بعد صيرورته واضحا بالتيسير لا معنى للتعرّض للكثير.

الثاني: مقتضى إطلاق اعتبار الترتب و احتمال أنّ جزئية اللاحق متقوّمة بتقدّم

ص: 205


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل حديث 11 و 14 و غيرهما.

.....

______________________________

سابقة عليه هو وجوب الرجوع، و تدارك المنسيّ، ثمَّ إتيان ما بعده مطلقا في تمام حالات الصلاة، و تحديد ذلك بحد خاص لا بد و أن يكون بدليل مخصوص يدل عليه، و قد ورد الدليل بتحديده في موارد ثلاثة:

منها: الدخول في الركن قال في الجواهر: «الظاهر من تتّبع كلمات الأصحاب في غير المقام أنّ المراد بالمحل بالنسبة للسهو عدم الدخول في ركن آخر، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك» و يدل عليه مضافا إلى ذلك إطلاق كلماتهم أنّ زيادة الركن و نقيصته موجبة للبطلان إلّا في الجماعة، و حينئذ فلو دخل في الركن و تذكّر المنسيّ، فإن صحّ الرجوع و التدارك فلا يخلو إمّا أن يأتي بالركن ثانيا، فهو من زيادة الركن، أم لا يجب الإتيان به، فهو من النقيصة إن سقط الركن المأتيّ به عن الركنية و إن بقي عليها و مع ذلك وجب تدارك المنسيّ، فهو خلاف الترتيب و يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل الدليل على عدمه، فتصحّ الصلاة بعد الدخول في الركن بحديث «لا تعاد» و حينئذ فإن كان للمنسيّ قضاء يقضي و إلّا فلا شي ء عليه.

و يمكن أن يستأنس ذلك من قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمَّ ذكرت، فاقض الذي فاتك سهوا»(1) بناء على أنّ المراد بالقضاء ما هو الأعم من التدارك، للإجماع على عدم مشروعية قضاء الأركان، و الإجماع على تحديد محل التدارك بما مرّ.

و يمكن أن يستفاد تحديد محل التدارك بالدخول في الركن من أخبار متفرقة واردة في الأبواب المختلفة كخبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» (2) و كصحيح ابن جابر عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل نسي السجدة الثانية حتّى قام فذكر و هو

ص: 206


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل حديث: 7 و أورد صاحب الوسائل الرواية عن الشيخ في باب 26 حديث: 1 مع تغيير فيها فراجع.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

قائم أنّه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع- الحديث-»(1) و عنه (عليه السلام): «إذا قمت في الركعتين الأولتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك» (2).

و منها: كون محل المنسيّ في فعل خاص جاز موضع ذلك الفعل- كالذكر في الركوع و السجود إذا نسيه و تذكّر بعد رفع الرأس منهما- لأنّ تدارك المنسيّ حينئذ إمّا باستيناف أصل الصلاة و هو منفيّ بالنص، و الإجماع. أو بتدارك أصل الركوع و السجود و محل ذلك الفعل و هو مضافا إلى أنّه قد يكون من زيادة الركن لا يكون محلا له، لأنّ محلّه ما انطبق عليه أول الوجود قهرا خصوصا بضميمة حديث «لا تعاد» الدال على صحة الصلاة مع نسيان كل شي ء منها إلّا الخمسة، مع ما ورد من أنّ نسيان الذكر في الركوع و السجود لا يوجب البطلان- كما يأتي- و غير ذلك من الأدلّة الثانوية الواردة لتصحيح الصلاة مع النسيان من إجماع أو غيره فقد جاز المحل بحسب تلك الأدلّة، فيكون إتيان المحل ثانيا لتدارك ما نسي فيه زيادة مبطلة و تشريعا محرما، فلا وجه لاحتمال انطباق الزيادة السهوية بالنسبة إلى المحل المأتي به أولا، لأنّه مع وقوعه صحيحا شرعا لا يكون زائدا.

و منها: التذكّر بعد السلام الواجب على تفصيل مرّ في [مسألة 15] و غيرها من المسائل السابقة لكون السلام مخرجا شرعيا عن الصلاة فلا يبقى موضوع للتدارك أصلا.

الثالث: وجوب مثل القيام في القراءة و الطمأنينة فيها و في غيرها من أجزاء الصلاة يحتمل أن يكون شرطيا واقعيا حتّى يكون نسيانه موجبا لبطلان أصل المشروط و وجوب تداركه مع الإمكان، و يحتمل أن يكون شرطا ذكريا، كما يحتمل أن يكون مستقلا فيها بلا تقييد بينها أصلا و عليه أيضا إمّا أن يكون واقعيا أو التفاتيا محضا.

و الحق أن يقال: مقتضى أصالة الإطلاق في دليل الأجزاء عدم تقيدها بالقيام و هو مقتضى المرتكزات العقلائية أيضا لأنّ نفس القيام و الركوع و السجود للمولى

ص: 207


1- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الخلل حديث: 2.

تبطل صلاته (60)، و حينئذ فإن لم يبق محلّ التدارك وجب عليه سجدتا السهو للنقيصة. (61)، و في نسيان السجدة الواحدة و التشهّد يجب

______________________________

نحو تخضع و عبودية فله مطلوبية نفسية كالركوع و السجود، كما أنّ مقتضى جميع الأدلّة الثانوية من حديث «لا تعاد» و غيره كونه التفاتيا لا واقعيا، و أما الطمأنينة فلا دليل على اعتبارها إلّا ظهور الإجماع، و المتيقن منه كونه واجبا نفسيا ذكريا.

الرابع: لو أتى بالقراءة أو الذكر أو التشهد مع ترك الطمأنينة نسيانا و شكّ في بقاء محلها حتى تجب الإعادة، فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوبها، لمّا مرّ من كونها واجبا نفسيا ذكريا، فلا مجرى لقاعدة الاشتغال لأنّ الشك في أصل التكليف، كما لا مجرى لاستصحاب بقاء المحل، لأنّه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي الذي ثبت في محله عدم اعتباره.

الخامس: مقتضى صحيح ابن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها، فقال: أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمّت صلاتك إذا كان نسيانا» (1) و إطلاق مثل قولهم (عليهم السلام): «و التشهّد سنة، و لا تنقض السنة الفريضة» (2)، و صحيح ابن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أقرأ سورة فأسهو فأنتبه و أنا في آخرها، فأرجع إلى أول السورة أو أمضي؟ قال: بل امض» (3)، و غير ذلك ممّا هو كثير توسعة الأمر في نسيان غير الأركان، و يمكن التمسّك بها لتوسعة الأمر في الموالاة و الترتيب و الطمأنينة بالفحوى كما لا يخفى.

(60) إجماعا، و نصّا من حديث «لا تعاد» و غيره ممّا هو كثير جدّا ورد في الأبواب المتفرقة تقدمت جملة منها في المسائل السابقة.

(61) لما يأتي التفصيل في (فصل موجبات سجود السهو).

ص: 208


1- الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: من أبواب التشهّد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

قضاؤهما أيضا عبد الصلاة (62) قبل سجدتي السهو، و إن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك ثمَّ الإتيان بما هو مرتب عليه مما فعله سابقا (63)، و سجدتا السهو لكلّ زيادة (64)، و فوت محلّ التدارك إما بالدخول في الركن بعده على وجه لو تدارك المنسيّ لزم زيادة الركن (65)، و إما بكون محلّه في فعل خاص جاز محلّ الفعل كالذكر في الركوع و السجود إذا نسيه و تذكّر بعد رفع الرأس منهما (66)، و إما بالتذكّر بعد السلام الواجب (67) فلو نسي القراءة، أو الذكر أو بعضهما، أو الترتيب فيهما، أو إعرابهما، أو القيام فيهما، أو الطمأنينة فيه، و ذكر بعد الدخول في الركوع فات محلّ التدارك (68)، فيتمّ الصلاة و يسجد

______________________________

(62) لما يأتي في (فصل قضاء الأجزاء المنسية) تفصيلا.

(63) لإطلاق دليل وجوبه، و لقاعدة الاشتغال من حيث أصل وجوب إتيانه و من حيث الترتيب بينها.

(64) يأتي الكلام إن شاء اللّه تعالى في محله.

(65) قد مرّ تفصيله، فراجع هذا في غير النافلة و أمّا فيها، فيأتي حكمه في الشك في النافلة من (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها) فراجع.

(66) لما تقدّم، مضافا إلى خبر القداح عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه:

«أنّ عليّا (عليه السلام) سئل عن رجل ركع و لم يسبح ناسيا قال: تمّت صلاته» (1)، و عن عليّ بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن الأول عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه و سجوده قال: لا بأس بذلك» (2).

(67) على تفصيل تقدم في [مسألة 15] فراجع.

(68) للإجماع، و لحديث «لا تعاد» في الجميع و لنصوص خاصة في القراءة:

منها: موثق منصور- المتقدّم- «إنّي صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في

ص: 209


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الركوع حديث: 2.

سجدتي السهو للنقصان إذا كان المنسيّ من الأجزاء (69) لا لمثل الترتيب و الطمأنينة مما ليس بجزء (70).

و إن تذكّر قبل الدخول في الركوع رجع و تدارك و أتى بما بعده (71).

و سجد سجدتي السهو لزيادة ما أتى به من الأجزاء (72). نعم، في نسيان القيام حال القراءة أو الذكر و نسيان الطمأنينة فيه لا يبعد فوت محلّهما قبل الدخول في الركوع أيضا، لاحتمال كون القيام واجبا حال القراءة لا شرطا فيها.

و كذا كون الطمأنينة واجبة حال القيام لا شرطا فيه، و كذا الحال في الطمأنينة حال التشهّد و سائر الأذكار فالأحوط العود و الإتيان بقصد

______________________________

صلاتي كلها فقال (عليه السلام): أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمّت صلاتك إذا كان نسيانا» (1)و هو يدل على حكم نسيان الترتيب، و الطمأنينة، و الإعراب بالأولوية القطعية.

(69) أما وجوب إتمام الصلاة، فلإطلاق دليل وجوبه، و حرمة القطع، و أما حكم سجدة السهو، فيأتي في محله.

(70) للأصل، و ظهور دليل إيجاب سجود السهو في النقيصة الجزئية لا كل نقيصة و لو لم تكن جزءا، و مع الشك في الشمول لا وجه للتمسك به، لأنّه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و يأتي ما يتعلّق بالمقام في [مسألة 61] من مسائل الختام.

(71) لإطلاق دليل وجوب المنسيّ، مع إمكان الإتيان به شرعا، و أما وجوب الإتيان بما بعده، فلإطلاق دليل وجوبه، و قاعدة الاشتغال بعد وقوع ما صدر منه على غير الوظيفة الشرعية.

(72) راجع فصل موجبات السهو.

ص: 210


1- تقدّم في صفحة: 208.

الاحتياط و القربة لا بقصد الجزئية (73)، و لو نسي الذكر في الركوع أو السجود أو الطمأنينة حاله و ذكر بعد رفع الرأس منهما فات محلّهما (74).

و لو تذكّر قبل الرفع أو قبل الخروج عن مسمّى الركوع وجب الإتيان بالذكر (75)، و لو كان المنسي الطمأنينة حال الذكر فالأحوط إعادته بقصد الاحتياط و القربة (76).

و كذا لو نسي وضع أحد المساجد حال السجود (77)، و لو نسي

______________________________

(73) لأنّه مع كونها واجبا نفسيا فات محلها، و مع كونها واجبا شرطيا فالمحل باق، و طريق الاحتياط أن يأتي بها رجاء، و قد استظهرنا كونها واجبا ذكريا- لا واقعيا سواء كان نفسيا أم كان غيريا- في الأمر الثالث و الرابع، فراجع.

فهذا الاحتياط مندوب.

(74) أما بالنسبة إلى الذكر، فيدل عليه مضافا إلى الإجماع ما تقدّم من خبري القداح و ابن يقطين (1). و أمّا بالنسبة إلى الطمأنينة، فلمّا مرّ من أنّه لا دليل عليها إلّا الإجماع و المتيقن منه حال الالتفات، و احتمال كونها شرطا في الركوع و السجود- حتّى يلزم فواتهما بفواتها و يجب تداركهما ما لم يدخل في الركن اللاحق، و بطلان الصلاة مع الدخول فيه- منفيّ بالأصل، و ظهور الإطلاق، و صدق الركوع و السجود مع عدم الطمأنينة أيضا، فيصح التمسك بحديث «لا تعاد» للصحة حينئذ، لأنّ المراد بالركوع و السجود فيهما هو المسمّى العرفي لا بجميع ما اعتبر فيهما شرعا.

(75) لبقاء محله، فيشمله إطلاق دليل وجوبه، مضافا إلى قاعدة الاشتغال.

(76) لما مرّ آنفا في الأمر الثالث و الرابع، فراجع.

(77) فيأتي بها إن كان في المحل، لدليل وجوبها، و قاعدة الاشتغال و لفوت المحل إن كان بعد رفع الرأس من السجود و قد مرّ في (فصل السجود) أنّ المقوّم

ص: 211


1- تقدّمتا في صفحة: 209.

الانتصاب من الركوع و تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية فات محلّه (78)، و أما لو تذكّر قبله فلا يبعد وجوب العود إليه لعدم استلزامه إلّا زيادة سجدة واحدة و ليست بركن (79).

كما أنّه كذلك لو نسي الانتصاب من السجدة الأولى و تذكّر بعد

______________________________

لحقيقة السجدة إنّما هو وضع الجبهة و وضع باقي المساجد واجبات خارجية عن حقيقتها، فتكون الزيادة و النقيصة دائرة مدار وضع الجبهة و عدمها.

(78) لتحقق الدخول في الركن حينئذ بلا إشكال و لا خلاف من أحد.

(79) قد مرّ في أول (فصل السجود) في [مسألة 14] من هذا الفصل ثبوت الركنية لها في الجملة، و مقتضاه فوت المحل بالدخول في السجدة الأولى أيضا.

إلّا أن يقال: إنّ الركن الذي يوجب الدخول فيه سقوط الإتيان بالمنسيّ السابق الركن من كل جهة كما هو المتيقن من إجماعهم على هذا الحكم لا الركن في الجملة و من بعض الجهات.

ثمَّ إنّه تقدم أنّ محتملات الانتصاب عن الركوع ثلاثة:

الأول: كونه واجبا غيريا معتبرا في حقيقة الركوع و عليه فيجب تدارك.

الركوع أيضا.

و فيه: أنّه خلاف العرف و اللغة، و إطلاق أدلّة الركوع، و مقتضى الأصل أيضا عدمه، لأنّه من صغريات الأقلّ و الأكثر، مع أنّي لم أظفر بالقائل بوجوب تدارك الركوع مع نسيان الانتصاب منه، بل ظاهرهم عدم جوازه، لكونه من زيادة الركن.

الثاني: كونه واجبا نفسيا صلاتيا من حيث كونه انتصابا و قياما مع قطع النظر عن كونه عن ركوع.

الثالث: كون القيام عن ركوع بعنوان القيد، و المقيد واجبا صلاتيا و على الثاني يكون المحل باقيا فيجب تداركه بخلاف الثالث فيفوت المحل بمجرد الهويّ إلى السجود، فكيف بما إذا سجد، و مقتضى إطلاق دليل وجوب الانتصاب.

ص: 212

الدخول في الثانية (80)، لكن الأحوط (81) مع ذلك إعادة الصّلاة، و لو نسي الطمأنينة حال أحد الانتصابين احتمل فوت المحلّ و إن لم يدخل في السجدة كما مرّ نظيره (82).

و لو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد و ذكر بعد الدخول في الركوع أو بعد السلام فات محلّهما (83) و لو ذكر قبل ذلك تداركهما، و لو نسي الطمأنينة في التشهّد فالحال كما مرّ من أنّ الأحوط الإعادة بقصد القربة و الاحتياط و الأحوط مع ذلك إعادة الصّلاة أيضا لاحتمال كون التشهّد زيادة عمدية (84) حينئذ خصوصا إذا تذكّر نسيان الطمأنينة فيه بعد القيام (85).

______________________________

عن الركوع، و أصالة عدم تقييده بشي ء، و ظهور تسالمهم على عدم بطلان الركوع في المقام، و وجوب الرجوع للتدارك ما لم يسجد هو الثاني.

(80) الظاهر فوت محل الانتصاب من السجدة الأولى بعد الدخول في الثانية كما هو مقتضي مرتكزات المتشرعة و المصلّين، مع عدم إشارة إلى بقاء محله بعد الدخول في السجدة الثانية في دليل معتبر من إجماع أو نص مع كون الموضوع ابتلائيا بين سواد الناس قديما و حديثا.

(81) ظهر- ممّا تقدم- وجه الاحتياط.

(82) مرّ ما يتعلّق به في الأمر الثالث و الرابع و فيما بعد هما من المسائل.

(83) على تفصيل بين ما إذا نسي من الركعة الأخيرة و غيرها، و قد مرّ القول في ذلك كله، فراجع.

(84) مع كونها بعنوان الرجاء، و القربة المطلقة لا بأس بها فالاحتياط بالإعادة ضعيف حينئذ، لما مرّ مرارا من أنّ: «ذكر اللّه حسن على كل حال».

(85) لاحتمال زيادة القيام حينئذ عمدا، و لكن فيه أنّ مثل هذا القيام ليس جزءا صلاتيا حتّى تتحقّق به الزيادة لأنّ القيام الصلاتيّ ما كان في ضمن قراءة أو ذكر، و المفروض أنّه فارغ عنها، بل هو شي ء مباح لا بأس بزيادته و نقيصته.

ص: 213

مسألة 19: لو كان المنسيّ الجهر أو الإخفات لم يجب التدارك

(مسألة 19): لو كان المنسيّ الجهر أو الإخفات لم يجب التدارك بإعادة القراءة أو الذكر على الأقوى (86) و إن كان أحوط (87) إذا لم يدخل في الرّكوع.

______________________________

(86) لعدم دليل على كونهما شرطا في صحة القراءة و غاية ما يستفاد من أدلة وجوبهما كونها واجبا ذكريا، بل هو شي ء مباح مستقلا في حال القراءة، فيسقط الوجوب مع النسيان و تصح الصلاة.

و يدل عليه مضافا- إلى حديث «لا تعاد»- صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال (عليه السلام): أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته» (1).

و إطلاقه يشمل ما إذا تذكر في أثناء الآية أو بعد تمامها أو بعد الفراغ من أصل القراءة كما أنّ إطلاق قوله (عليه السلام) «لا يدري» يشمل القاصر و المقصّر و الملتفت و غيره.

(87) لا وجه لهذا الاحتياط في مقابل ما تقدّم من إطلاق الصحيح إلّا إذا كانت الإعادة بعنوان القربة المطلقة و مطلق القرآنية، فلا بأس به حينئذ.

فروع- الأول: لو نسي بعض المندوبات و دخل في الواجب- كما لو نسي الاستعاذة و دخل في القراءة- يصح الرجوع و استدراكه رجاء، و أمّا بقصد الوجوب، فيشكل ذلك.

(الثاني): لو كان في التشهّد- مثلا- و علم إجمالا بأنّه إما ترك السورة نسيانا أو نسي الصلوات من التشهد يأتي بالصلوات، لأنّ الشك فيها في المحل، و لا شي ء عليه بالنسبة إلى الشك في نسيان السورة، لأنّه بعد المحلّ.

(الثالث): لو كان خارجا عن النسيان المتعارف، فالظاهر انصراف الأدلة عنه.

ص: 214


1- الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

فصل في الشك

اشارة

(فصل في الشك) و هو إما في أصل الصّلاة و أنّه هل أتى بها أم لا، و إما في شرائطها، و إما في اجزائها، و إما في ركعاتها.

مسألة 1: إذا شكّ في أنّه هل صلّى أم لا؟

(مسألة 1): إذا شكّ في أنّه هل صلّى أم لا؟ فإن كان بعد مضيّ الوقت لم يلتفت و بنى على أنّه صلّى (1) سواء كان الشك في صلاة (فصل في الشك)

______________________________

(1) عدم الاعتناء بالشك بعد الوقت- في الصلاة- ممّا أرسل إرسال المسلّمات الفقهية و تسمّى بقاعدة «عدم اعتبار الشك بعد الوقت، قال في الجواهر في قضاء الصلاة: «و ما شك فيه، فالأصل براءة الذمّة منه خصوصا في مثل الصلاة التي قد ثبت عدم الالتفات إلى الشك فيها خارج وقتها» و يشهد له العرف أيضا، فإذا كان عمل واجبا في وقت معيّن فمضى وقته ثمَّ شك في إتيان ذلك العمل الظاهر أنّ المتعارف لا يعتنون بهذا الشك إلّا مع القرينة على عدم الإتيان به.

و يدلّ عليه قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أيّ حالة كنت» (1). إنّما الكلام في أنّه موافق للقاعدة حتّى يجري في جميع الموقتات، أو مخالف لها حتّى يقتصر فيه على خصوص الصلاة لا يبعد أن يقال: إنّ الإتيان مقتضى ظاهر حال

ص: 215


1- الوسائل باب: 60 من أبواب المواقيت حديث: 1.

واحدة أو في صلاتين (2)، و إن كان في الوقت وجب الإتيان بهما- كان شك في أنّه صلّى صلاة الصبح أم لا، أو هل صلّى الظهرين أم لا؟ أو هل صلّى العصر بعد العلم بأنّه صلّى الظهر أم لا (3)، و لو علم أنّه صلّي العصر و لم يدر أنّه صلّى الظهر أم لا، فيحتمل جواز البناء على أنّه صلّاها (4)،

______________________________

العامل الملتزم بعمل في وقت خاص، فظاهر الحال يقتضي الإتيان إلّا مع القرينة على الخلاف.

و يمكن أن يقال أيضا: إنّ عدم الاعتبار في الصلاة- التي هي أهمّ الواجبات الإلهية- يستلزم عدم الاعتبار في غيرها من الواجبات الشرعية الموقتة بالأولى.

و لكن اعتبار ظاهر الحال مطلقا أول الكلام، و الأولوية غير معتبرة في المقام، لأنّ الصلاة أهمّ الواجبات ابتلاء لعامة الناس، فينبغي التسهيل فيها من كل جهة بخلاف سائر الواجبات، إلّا أن يتمسّك بما أشرنا إليه من أنّ العرف لا يعتنون بمثل هذا الشك في أعمالهم الموقتة، و الرواية وردت موافقة لهذا الأمر الارتكازي.

(2) لظهور الإطلاق و هل يشمل ما إذا كان في أيّام أو شهور أو سنين- كما إذا شكّ في أواخر العمر أنّه هل صلّى أوائل بلوغه شهرا أو سنة أو أقلّ أو أكثر؟

وجهان: من الجمود على الإطلاق، و من صحة الانصراف، و لكن الانصراف بدويّ، فالإطلاق محكم.

(3) لإطلاق أدلّة وجوبها، و لقاعدة الاشتغال، و ما تقدّم من صدر صحيح زرارة.

(4) استدل على جواز البناء على إتيان الظهر تارة: بقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر حريز(1)- في حديث- «فإنّ شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشك بعد أن يصلى العصر فقد مضت، إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من

ص: 216


1- الوسائل باب: 60 من أبواب المواقيت حديث: 2.

.....

______________________________

الشك إلّا بيقين» فيكون قوله (عليه السلام) فيه مفسّرا لما مرّ من قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة و يفسر الحائل بأنّه أعمّ من أن يكون خروج الوقت أو الدخول في صلاة العصر.

و نوقش فيه: بقصور السند، و عدم العامل به، و يرد الأول بأنّه معتبر، و الثاني بأنّه ليس من الأعراض الموهن.

و أخرى: بقاعدة التجاوز.

و نوقش فيها أولا: بأنّه لا مجرى لها، لأنّ الترتيب شرط التفاتي، و مع النسيان لا ترتيب في البين، فلا موضوع للتجاوز حينئذ حتّى تجري القاعدة.

و يرد: بأنّه لا ريب في اعتبار الترتيب في الجملة و كونه مجعولا شرعيا أولا، كما في تمام الأجزاء الصلاتية التي تجري فيها قاعدة التجاوز، و موضوع جريانها ما هو المجعول أولا بلحاظ طبع الصلاة من الشرائط و الأجزاء، لا بحسب الطوارئ من النسيان و غيره، و إلّا فلا يبقى مجال لجريانها في مثل ما إذا شكّ في القراءة بعد الدخول في الركوع- مثلا- لأنّ جزئية القراءة ذكرية لا واقعية، و حيث إنّ الترتيب بين الظهرين مجعول شرعيّ أوليّ، فيثبت مجراها بحسب هذا الجعل و إن لم يكن مجرى لها بحسب ما جعل ثانيا في حال النسيان، بل جميع القواعد التي تعرض الصلاة إنّما تعرضها في عرض واحد بلحاظ مجعولاتها الأولية.

و ثانيا: بأنّ الترتيب بين تمام أجزاء صلاة العصر مع صلاة الظهر- سواء كانت قبل عروض الشك أم بعدها- تثبت الصحة للأجزاء السابقة على الشك و لا يكفي ذلك في إحراز صحة الأجزاء اللاحقة.

و يرد بأنّ مقتضى كون هذه القواعد تسهيلية امتنانية، و واردة لتصحيح الصلاة أنّها متكفلة لصحتها مطلقا إلّا مع قرينة معتبرة على الخلاف، و بهذا يجاب أيضا عمّا يتوهم من أنّها تقتضي صحة الأجزاء السابقة، أمّا وقوع الأجزاء اللاحقة فلا.

و ثالثا: بأنّها تجري في الأجزاء و نحوها ممّا تكون لها مطلوبية غيرية و أمّا في مثل صلاة الظهر في المقام التي لها وجوب نفسيّ مستقل فلا تجري. لا أقلّ من الشك فيه، فلا يصحّ التمسّك بعمومها، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و الجواب: أنّ صلاة الظهر لها جهة مقدمية أيضا بالنسبة إلى العصر،

ص: 217

لكن الأحوط الإتيان بها (5)، بل لا يخلو عن قوّة (6)، بل و كذلك لو لم يبق إلّا مقدار الاختصاص بالعصر و علم أنّه أتى بها و شك في أنّه أتى بالظهر أيضا أم لا، فإنّ الأحوط الإتيان بها (7) و إن كان احتمال البناء على الإتيان بها و إجزاء حكم الشك بعد مضيّ الوقت هنا أقوى من السابق (8).

______________________________

و كذا المغرب بالنسبة إلى العشاء، فالأقسام ثلاثة: واجب مستقلّ محض لا ربط له بغيره، و غيريّ محض، و ما هو برزخ بينهما. و تجري القاعدة في الأول و الأخيرة، و لكنّه مع ذلك كلّه مشكل.

(5) قد ظهر وجهه الاحتياط ممّا تقدّم.

(6) لما مرّ من إمكان المناقشة فيما استدل به على الصحة. هذا إذا كان الشك بعد العلم بإتيان العصر، و أما إن كان في أثنائه فقد تقدّم حكمه في [مسألة 20] من (فصل الأوقات).

(7) وجه الاحتياط هنا عين ما تقدم في سابقة، فلا وجه للتكرار.

(8) هذه المسألة مبنية على أنّ المراد بالاختصاص الذاتي من كل حيثية و جهة بحيث يكون مقدار أربع ركعات إلى المغرب بالنسبة إلى صلاة الظهر كما بعد المغرب بالنسبة إليها- سواء كانت الذمة مشغولة بصلاة العصر أم لا- أو أنّ المراد بالاختصاص هو الاختصاص الفعليّ يعني: أنّ من اشتغلت ذمّته بصلاة العصر و بقي من الوقت أربع ركعات إلى المغرب وجب عليه صرف هذا الوقت في العصر مع اشتراك ذات الوقت بين الظهرين، فعلى الأول يكون الشك في الظهر بعد الوقت و لا اعتبار به بخلاف الثاني.

و قد مرّ في مبحث الأوقات قصور الأدلّة عن إثبات الأول. فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الإتيان بالظهر حينئذ إلّا إذا قلنا بما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر حريز «العصر حائل» (1)، أو قلنا بجريان قاعدة

ص: 218


1- تقدّم في صفحة 216.

نعم، لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر و علم بعدم الإتيان بها أو شكّ فيه و كان شاكا في الإتيان بالظهر (9) وجب الإتيان بالعصر (10)، و يجري حكم الشك بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر (11) لكن الأحوط قضاء الظهر أيضا.

مسألة 2: إذا شكّ في فعل الصّلاة- و قد بقي من الوقت مقدار ركعة

(مسألة 2): إذا شكّ في فعل الصّلاة- و قد بقي من الوقت مقدار ركعة فهل ينزل منزلة تمام الوقت أم لا؟ وجهان: أقواهما الأول (12)

______________________________

التجاوز بالنسبة إلى الظهر و تقدم ما يتعلق بهما.

(9) لا فرق بين هذين الفرعين و ما سبق من حيث المبنى، لأنّه بناء على الاختصاص الذاتي يكون الشك بالنسبة إلى الظهر من الشك بعد الوقت في الفروع الثلاثة، و بناء على الفعلي و اشتراك ذات الوقت للصلاتين يكون من الشك في الوقت فيها. نعم، خبر حريز، و قاعدة التجاوز، يختص بالأول لعدم موضوع لهما في الأخيرين.

(10) لفعلية تكليفه بها على كل تقدير.

(11) بناء على أنّ المراد بالاختصاص هو الاختصاص الذاتي يكون من الشك بعد الوقت، و أما إن كان المراد الاختصاص الفعليّ فالوقت مشترك فلا يكون من الشك بعد الوقت بالنسبة إليه، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الظهر في الفروع الثلاثة إلّا إذا تمَّ خبر حريز، و قاعدة التجاوز. و منه يظهر وجه الاحتياط.

(12) هذا الفرع مبنيّ على أنّ التنزيل في قوله (عليه السلام): «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (1) بلحاظ تمام الآثار مطلقا إلّا ما خرج بالدليل، أو بلحاظ أظهر الآثار، أو بلحاظ ما دلّ عليه الدليل بالخصوص من إجماع أو غيره، فعلى الأولين يكون بمنزلة تمام الوقت بخلاف الأخير، و المنساق من التنزيلات الشرعية عرفا هو الأول، و المتيقن منها هو الثاني، و الأخير هو المتعارف منها كما لا

ص: 219


1- راجع ج: 5 من هذا الكتاب صفحة: 90 و في الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت.

أما لو بقي أقلّ من ذلك، فالأقوى كونه بمنزلة الخروج (13).

مسألة 3: لو ظنّ فعل الصّلاة فالظاهر أنّ حكمه حكم الشكّ

(مسألة 3): لو ظنّ فعل الصّلاة فالظاهر أنّ حكمه حكم الشكّ (14) في التفصيل بين كونه في الوقت أو في خارجه و كذا لو ظنّ عدم فعلها.

مسألة 4: إذا شكّ في بقاء الوقت و عدمه يلحقه حكم البقاء

(مسألة 4): إذا شكّ في بقاء الوقت و عدمه يلحقه حكم البقاء (15).

مسألة 5: لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا

(مسألة 5): لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا، فإن كان في الوقت المختص بالعصر بنى على الإتيان بها (16)، و إن

______________________________

يخفى، لكنّه حينئذ يصير جزء الدليل لا تمامه و هو خلاف ظاهره.

(13) إن أريد به الخروج تكوينا، فهو خلاف الوجدان، و إن أريد به الخروج من فعلية الأمر بالأداء فهو مسلّم، و لكن كون ذلك موجبا لسقوط الأمر بالقضاء أول الكلام، لإمكان دعوى وجود الملاك في الأداء و إن لم يكن الأمر به فعليا كما في النائم.

(14) لأنّ المراد من الشك في الروايات و كلمات الفقهاء خلاف العلم و الحجة المعتبرة، فيشمل الظنّ غير المعتبر أيضا. نعم، في اصطلاح المنطق و الحكمة يكون مقابلا للظنّ مطلقا، كما أنّه في عدد الركعات يكون كذلك أيضا- أي: مطابقا لاصطلاحهما- لما يأتي من اعتبار الظنّ فيها.

(15) لأصالة بقاء الوقت، و قاعدة الاشتغال. و أما استصحاب بقاء وقت الفريضة، فإن أريد به إثبات وجوب إتيانها في زمان الشك، فلا إشكال فيه، و إن أريد به إثبات كون زمان الشك وقت الفريضة، فقد يقال: إنّه مثبت، و لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد بوقت الفريضة أي وجوب إتيانها، فلا يكون مثبتا حينئذ.

(16) لكونه من الشك بعد خروج الوقت بناء على الاختصاص الذاتي، و أما بناء على الاختصاص الفعليّ و الاشتراك الذاتي، فيشكّل جريان قاعدة الشك

ص: 220

كان في الوقت المشترك عدل إلى الظهر بعد البناء على عدم الإتيان بها (17).

مسألة 6: إذا علم أنّه صلّى إحدى الصّلاتين من الظهر أو العصر و لم يدر المعيّن منها يجزيه الإتيان بأربع ركعات

(مسألة 6): إذا علم أنّه صلّى إحدى الصّلاتين من الظهر أو العصر و لم يدر المعيّن منها يجزيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة (18)، سواء كان في الوقت أو في خارجه (19).

نعم، لو كان في وقت الاختصاص بالعصر يجوز له البناء على أنّ ما أتى به هو الظهر (20) فينوي فيما يأتي به العصر، و لو علم أنّه صلّى

______________________________

بعد الوقت، و قد تقدم في المسألة الأولى من هذا الفصل ما يظهر منه حكم هذا الفرع، كما تقدّم في [مسألة 20] من (فصل الأوقات) عين هذا الفرع فراجع.

(17) لقاعدة الاشتغال بناء على عدم شمول ما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر حريز: «لأنّ العصر حائل»، و قاعدة التجاوز للمقام، و كذا قاعدة الفراغ بناء على صحة جريانها في الأثناء بلحاظ الأجزاء السابقة، لإطلاق دليلها، و كونها متحدة مع قاعدة التجاوز من حيث الدليل كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (1) و إلّا فلا مجرى لقاعدة الاشتغال، لكونها محكومة بقاعدتي التجاوز و الفراغ، و خبر حريز المتقدم.

(18) لأنّ المأتيّ به إن كان ظهرا يقع هذا عصرا، و إن كان بالعكس فبالعكس، و الترتيب شرط ذكريّ فيحصل العلم بالفراغ لا محالة. هذا مع ظهور الإجماع على الإجزاء حينئذ.

(19) لما مرّ في سابقة، مضافا إلى النص الوارد في الفائتة المرددة (2).

(20) بناء على جريان قاعدة الشك بعد الوقت فيها، لكن يشكل جريانها.

ص: 221


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات.

إحدى العشاءين و لم يدر المعيّن منهما وجب الإتيان بهما (21)، سواء كان في الوقت أو في خارجه (22)، و هنا أيضا لو كان في وقت الاختصاص بالعشاء، بنى على أنّ ما أتى به هو المغرب و أنّ الباقي هو العشاء (23).

مسألة 7: إذا شكّ في الصّلاة في أثناء الوقت و نسي الإتيان بها

(مسألة 7): إذا شكّ في الصّلاة في أثناء الوقت و نسي الإتيان بها وجب عليه القضاء إذا تذكّر خارج الوقت (24)، و كذا إذا شكّ و اعتقد أنّه خارج الوقت ثمَّ تبيّن أنّ شكّه كان في أثناء الوقت (25)، و أما إذا شكّ و اعتقد أنّه في الوقت فترك الإتيان بها عمدا أو سهوا ثمَّ تبيّن أنّ شكّه كان

______________________________

في المقام أولا: بأنّه يحتمل أن يكون المأتيّ بها عصرا فيكون الوقت حينئذ للظهر، و يصير التمسك بالقاعدة تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. و ثانيا:

يحتمل أن يكون المراد بخروج الوقت الذي لا اعتبار به بالشك بعده هو الخروج تكوينا. و حينئذ فإن قلنا بالاختصاص الذاتي يكون من الخروج التكويني، و إن قلنا بالاختصاص الفعليّ، فلا يكون كذلك، و أصالة عدم الإتيان بالعصر لا تثبت الاختصاص الذاتي غايتها الاختصاص الفعليّ و هو لا ينافي قضاء الظهر لقاعدة الاشتغال. فالأحوط أن يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة كما في الوقت المشترك.

(21) لأنّه لا يحصل العلم بالفراغ إلّا بذلك، فيجب الجمع بينهما، لقاعدة الاشتغال.

(22) لجريان قاعدة الاشتغال في كل منهما.

(23) يجري ما تقدم في الظهرين هنا أيضا من غير فرق، فيأتي بالعشاء و يقضي المغرب على الأحوط.

(24) لقاعدة الاشتغال و لا تجري في المقام قاعدة الشك بعد الوقت لاختصاصها بالشك الحادث بعد الوقت فلا يشمل ما حدث في الوقت و بقي إلى ما بعده.

(25) لأنّ المدار على الواقع دون الاعتقاد خصوصا مع تبيّن الخلاف.

ص: 222

خارج الوقت فليس عليه القضاء (26).

مسألة 8: حكم كثير الشك في الإتيان بالصّلاة و عدمه حكم غيره

(مسألة 8): حكم كثير الشك في الإتيان بالصّلاة و عدمه حكم غيره فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت و خارجه، و أما الوسواسي، فالظاهر أنّه يبني على الإتيان و إن كان في الوقت (27).

مسألة 9: إذا شكّ في بعض شرائط الصّلاة

(مسألة 9): إذا شكّ في بعض شرائط الصّلاة، فإما أن يكون قبل الشروع فيها، أو في أثنائها، أو بعد الفراغ منها فإن كان قبل الشروع فلا بدّ من إحراز ذلك الشرط (28) و لو بالاستصحاب و نحوه من الأصول (29)، و كذا إذا كان في الأثناء (30)، و إن كان بعد الفراغ منها

______________________________

(26) لحدوث الشك في الواقع بعد الوقت و المدار على الواقع دون الاعتقاد كما مرّ.

(27) لشمول ما دل على وجوب الاعتناء بالشك في الوقت، و ما دل على عدم الاعتناء بالشك في خارجه له أيضا، و احتمال الانصراف بدويّ ساقط، و ما ورد من «عدم الاعتناء لكثير الشك، و أنّه من إطاعة الشيطان» (1) ظاهر، بل نص في الشك الحاصل في أثناء الصلاة، لصحيح زرارة و أبي بصير (2) لا ما كان في أصل الإتيان، فما عن بعض من شموله للمقام خلاف المنساق من ظاهره، و يأتي في (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها) بعض الكلام.

و أما لزوم البناء بالنسبة إلى الوسواسي، فلحرمة ترتيب الأثر نصّا (3) و إجماعا.

(28) لقاعدة الاشتغال الدالة على لزوم الإحراز.

(29) كأصالة الصحة، و أصالة الإباحة في الشبهات الموضوعية، و أصالة البراءة في الشبهات الحكمية.

(30) لوجوب كون المأتيّ به مطابقا للوظيفة الشرعية حدوثا و بقاء.

ص: 223


1- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و غيره.
2- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و غيره.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدّمات العبادات.

حكم بصحتها (31) و إن كان يجب إحرازه للصلاة الأخرى (32) و قد مرّ التفصيل في مطاوي الأبحاث السابقة.

______________________________

(31) لقاعدة الفراغ المعتبرة نصّا و إجماعا كما سيأتي.

(32) لقاعدة الاشتغال بعد عدم دليل حاكم عليها، و قاعدة الفراغ إنّما تصحّح ما مضى دون ما يأتي.

ثمَّ إنّه لا بأس بالإشارة إلى قاعدة التجاوز و الفراغ، و سائر القواعد التسهيلية حسب ما يقتضيه المقام، و لا بدّ أولا من بيان أمور كلية جارية في جميع تلك القواعد، ثمَّ التعرّض لكل واحدة منها بالخصوص:

الأول: يدور فقه الإمامية، بل المسلمين على الأمارات، و القواعد و الأصول المعتبرة، و الأولى حجة ظاهرية في ظرف استتار الواقع، و تقع في طريق الاستنباط، و الثانية أحكام فقهية كلية يشترك فيها الفقيه و العامي إلّا أنّ العاميّ لقصوره عن تطبيقها على الصغريات لا يليق بالتطبيق، و لكن أصل الحكم الكلّي مشترك بينهما، و كذا الأخيرة فإنّ مضامينها بأنفسها أحكام شرعية لا أن تكون واسطة في استنباط حكم شرعيّ.

و الجامع بين الأخيرين عدم وقوعهما في طريق الاستنباط و لذا لا تعدّان من مسائل علم الأصول بخلاف الأولى حيث إنّ المناط في كون المسألة أصولية صحة وقوعها في طريق الاستنباط و كبرى للصغريات الجزئية حتى يستنتج النتيجة الفقهية.

هذا هو المشهور بين الأصوليين و تبعهم مشايخنا الأعلام (قدس سرهم)، و لكن تعرّضنا للخدشة فيه في كتابنا في الأصول، و أثبتنا أنّ المدار في كون المسألة أصولية صحة وقوعها في طريق الاعتذار للحكم الكلّي عند الشارع.

فيقال: هذا مما قامت عليه البراءة النقلية أو العقلية، و كلما قامت عليه البراءة يصح الاعتذار به لدى الشارع، فهذا مما يصح الاعتذار به لدى الشارع، و كذا بالنسبة إلى القواعد الفقهية. فالأخيرين كالأولى من المسائل الأصولية أيضا، و التفصيل مذكور في الأصول، فراجع كتابنا (تهذيب الأصول) ان شئت.

ص: 224

.....

______________________________

الثاني: الأمارات معتبرة لحكمة غلبة الكشف عن الواقع و التسهيل و التيسير و لو في صورة إمكان الوصول إليه، و لا كشف في الأخيرين، بل هما نفس الأحكام الظاهرية قد تصادف الواقع و قد تخالفه، و يصح الاعتذار بهما في كلتا الحالتين، و كل منهما مقدمة على الأصول. و قد يقع التعارض بين الأمارة و القاعدة فيؤخذ بالأرجح منهما. و يأتي التفصيل في المقامات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: يصح أن يسمّى الأصل قاعدة و بالعكس، لأنّ مفاد كل منهما إنّما هو الحكم الشرعيّ و لا مشاحة في الاصطلاح، فيصح أن يقال: أصالة الصحة، أو يقال: قاعدة الصحة، و القواعد مقدمة على الأصول العامة الأربعة سواء سمّيت أصلا أم قاعدة. و كانت الكليات تسمّى في عصر الأئمة (عليهم السلام) أصلا، و يشهد له قوله (عليه السلام): «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول و عليكم أن تفرّعوا» (1)، و في بعض الأخبار: «قلت له (عليه السلام): «هذا أصل؟

قال (عليه السلام): نعم» (2).

الرابع: عن جمع من الأصوليين أنّ لوازم الأمارات حجة بخلاف الأصول و القواعد. أما الأول: فلأنّ الحجة على الشي ء حجة على لوازمه عرفا. و أما الأخيران فلأنّه ليس مفادهما إلّا نفس الحكم الشرعيّ من حيث هو، و مقتضي الأصل عدم اعتبار لوازمه و ملزوماته، و هذه الكلية التي قالوها لا دليل عليها من عقل أو نقل، فالمناط كله على الاستفادة العرفية و الأفهام المحاورية، فكل أصل كان اعتباره في مفاده المطابقيّ اعتبارا له في لوازمه العرفية تعتبر لوازمه أيضا، و كذا الأمارة. و كل أصل أو أمارة لا يكون كذلك لا اعتبار بلوازمها مطلقا. هذا و التفصيل يطلب من الأصول.

الخامس: لا ريب في تقدم الأمارات و القواعد على الأصول- حكمية كانت أو موضوعية- و السّر فيه أنّ اعتبار الأمارات و القواعد لحكمة الكشف عن الواقع، بخلاف اعتبار الأصول فإنّ اعتبارها إنّما هو في ظرف الجهل المحض، نعم بعض

ص: 225


1- الوسائل باب: 6 من أبواب صفات القاضي حديث: 51.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

الأصول برزخ بين الأمارة المحضة و الأصل المحض كالاستصحاب مثلا.

ثمَّ إنّ هذه القواعد لم تكن تذكر مستقلة في تأليف، بل لم تكن معنونة بصورة مستقلة، و إنّما كانت تذكر في المجامع الحديثية و الفقهية الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها تلك القواعد، و إنّما حدث التأليف المستقل فيها لدى المتأخرين، و قد فصل القول فيها مع أنها لا تحتاج إلى التفصيل. و نحن نتعرض لجملة منها بما يقتضيه المجال مع تلخيص المقال و من اللّه العصمة و عليه الاتكال.

(قاعدة التجاوز و الفراغ) و البحث فيهما من جهات: الأولى: قد ورد في اعتبارهما جملة من النصوص، منها: صحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة. قال (عليه السلام): يمضي على صلاته و لا يعيد» (1)، و صحيحة الآخر عنه (عليه السلام): «في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال (عليه السلام): «لا يعيد و لا شي ء عليه» (2)، و صحيحته عن أبي جعفر (عليه السلام): «كل ما شككت فيه- بعد ما تفرغ من صلاتك- فامض و لا تعد» (3) و موثقته: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام): يقول: كل ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا إعادة عليك فيه» (4)، و موثقته الأخرى عن أبي جعفر (عليه السلام): «كل ما شككت فيه- مما قد مضى- فامضه كما هو» (5)، و في صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا شك الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أ ثلاثا صلى أم أربعا؟ و كان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتم لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» (6)، و موثق ابن أبي يعفور: «إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» (7).

ص: 226


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث 5.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 6.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
6- الوسائل باب: 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
7- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 2.

.....

______________________________

و لا ريب في اعتبار هذه الأخبار، و اعتماد الأصحاب عليها قديما و حديثا، و يدل على اعتبارها في الجملة إجماع الإمامية.

و إنّما الكلام في أنّهما من القواعد التعبّديّة المؤسسة من قبل الشارع، أو من الأمور العقلائية التي قرّرها تسهيلا على العباد!! و الظاهر هو الأخير، لكونهما من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة في العامل المختار المجبولة عليها الفطرة في جميع الأعصار اعتنى بها الشارع في الصلاة امتنانا على الأمة و تيسيرا عليهم.

إن قيل: فعلى هذا لا بدّ و أن تجري في جميع الموارد من العبادات و المعاملات من دون اختصاص بالصلاة.

يقال: لم يجر بناء من العقلاء على إجراء أصالة عدم السهو و الغفلة مطلقا في جميع الأمور فلا بدّ من الاقتصار على المتيقن من مورد بنائهم، كما لو كان شخص مديونا لآخر إلى مدة معينة و بعد انقضاء المدة شك في أنّه سها عن الإعطاء أم لا؟، ليس بناء العقلاء على الحكم بفراغ الذمة، لأصالة عدم السهو و الغفلة، و كذا لو شك عامل مشغول بعمل متدرج الوجود و بعد الدخول في الجزء اللاحق شك في أنّه هل أتى بما سبقه أم لا؟ لم يستقر البناء على عدم التفحص لأصالة عدم السهو و الغفلة، إلى غير ذلك من الموارد، فهي معتبرة فيما اتفق عليه بناؤهم و آراؤهم، و في مورد الشك لا بد من الرجوع إلى قواعد أخرى، و لا ثمرة عملية في هذا النزاع بعد الشك في تعميم بناء العقلاء، و عدم استفادة التعميم من الأدلة الشرعية.

الثانية: أنّهما قاعدتان مستقلّتان أو قاعدة واحدة يعمل بأحدهما في أثناء العمل، و بالأخرى بعد الفراغ منه، و يصح إعمال التجاوز بعد الفراغ و الفراغ في الأثناء أيضا. الحق هو الأخير، لأنّه إما بناء على أنّهما من صغريات أصالة عدم السهو و النسيان فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى البيان، و أما بناء على التعبدية المحضة فالجامع القريب العرفي ثبوتا و إثباتا إنّما هو الشك في انطباق المأتيّ به على المأمور به، و الشك في فراغ الذمة عما اشتغلت به، سواء كان ذلك في الأثناء أم بعد الفراغ، و مع وجود هذا الجامع القريب لا وجه لجعلهما قاعدتين مستقلّتين.

و توهّم: أنّ مورد قاعدة التجاوز إنّما هو الشك في أصل الوجود، و مورد

ص: 227

.....

______________________________

قاعدة الفراغ إنّما هو الشك في صحة الموجود و لا جامع بين مفاد كان التامة و الناقصة فلا وجه لجعلهما قاعدة واحدة.

فاسد: لأنّه تبعيد للمسافة و اعوجاج للسبيل من غير دليل. أما أولا: فلوجود الجامع بين مفاد كان التامة و كان الناقصة، و هو الشيئية المطلقة التي تعم جميع الموجودات من الممكن و الواجب. و أما ثانيا: فلأنه قياس بين التكوينيات الحقيقة الخارجية و الاعتباريات العرفية الشرعية التي تدور مدار صحة الاعتبار بأيّ نحو أمكن عرفا، فالجامع القريب مما ذكرناه موجود، و العرف عليه شاهد فهما قاعدة واحدة.

و كذا ما عن بعض مشايخنا من أنّ مورد الشك في قاعدة التجاوز جزء المركب، و في قاعدة الفراغ تمامه و أنّه يلزم التناقض في الدليل فإنّ قوله (عليه السلام): «إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» (1)لو عمّ الجزء و الكل فلو شك المصلّي في الحمد و هو في الركوع قد تجاوز محله مع أنّه باعتبار الشك في أصل الصلاة لم يتجاوز مخدوش: أما الأول: فلأنّ متعلق الشك في كل منهما نفس تفريغ الذمة و هو واحد بلا إشكال. و أما الثاني: فهو غريب جدا لتقوم التناقض بوحدة الموضوع، و هنا متعدد اعتبارا و حيثية، بل و حقيقة أيضا، فلا وجه لتوهم التناقض في مثل هذه الأمور الاعتبارية التي يصح اعتبارها بطرق شتّى. مع أنّه لا يترتب على الوحدة و التعدد ثمرة مهمة لا علمية و لا عملية، إلّا ما قيل في موارد و كلها مخدوشة:

منها: اعتبار الدخول في الغير في مورد قاعدة التجاوز، و يأتي ما يتعلق به، و على فرض اعتبار ذلك في مورد قاعدة التجاوز، فلا بأس بأن يعتبر في بعض مصاديق قاعدة واحدة خصوصية زائدة لقرينة خارجية من باب تعدد الدال و المدلول.

و منها: أنّ قاعدة الفراغ تجري في الوضوء بخلاف التجاوز: و فيه: أنّه لا ربط لذلك بالوحدة و التعدد و إنّما هو تخصيص لأصل هذه القاعدة في أثناء الوضوء

ص: 228


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 1.

.....

______________________________

لدليل خارجي، و كم من قواعد كلية خصصت بدليل خاص.

و منها: أنّ قاعدة الفراغ تجري في الشك في الشرطية أيضا بخلاف قاعدة التجاوز، فاختلفوا في جريانها فيه.

و فيه- أولا: أنّه لا كلية لعدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الشك في الشرطية في الأثناء على ما يأتي تفصيله.

و ثانيا: أنّ عدم جريانها من التخصص لا التخصيص، كما أنّ قاعدة الفراغ تجري في الشك في الطهارة بالنسبة إلى صلاة الظهر، و لكن يجب استئناف الطهارة لصلاة العصر مع ذلك.

الثالثة: هل يعتبر الدخول في الغير في مورد قاعدة التجاوز أم لا، فلا أثر للشك بعد عروضه و لو لم يدخل في الغير؟ و البحث فيه تارة بحسب الأصل، و أخرى بحسب الاعتبار، و ثالثة بحسب الأخبار، و رابعة بحسب كلمات الأصحاب.

أما الأولى: فمقتضى أصالة عدم السهو و الغفلة و بقاء الإرادة الارتكازية النفسانية للمركب عدم اعتبار الدخول في الغير. و منه يظهر البحث عن الجهة الثانية أيضا، لأنّه بعد انطواء الأجزاء في إرادة الكل إرادة لها و داعية إلى إتيانها، فمع كونها مرادة بهذا النحو و توجّه النفس إلى إتيان الكل لا وجه لاعتبار الشك بعد ذلك سواء دخل في الغير أم لا.

و أما الجهة الثالثة: فمقتضى أصالة الإطلاق في جملة من الأخبار عدم الاعتبار أيضا، كصحيح ابن الحجاج عن الكاظم (عليه السلام): «تبني على اليقين و تأخذ بالجزم و تحتاط بالصلوات كلها» (1)، فإنّ إطلاق قوله (عليه السلام) «و تأخذ بالجزم» ينفي ترتيب الأثر على كل شك مطلقا إلّا إذا دل دليل معتبر على التقييد بشي ء بالخصوص، و كصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «سألته عن رجل ركع و سجد و لم يدر هل كبّر أو قال شيئا في ركوعه و سجوده هل يعتد بتلك الركعة و السجدة؟ قال (عليه السلام): إذا شك فليمض في صلاته» (2) فإنّ

ص: 229


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 9.

.....

______________________________

إطلاقه يشمل الدخول في الغير و عدمه، و كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (1).

هذه جملة من الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها عدم اعتبار الدخول في الغير، و يشهد له ما ورد من أنّ هذا الشك من الشيطان كما يأتي في موثق الفضل بن شاذان فلا بدّ و أن يدافع معه بأيّ وجه أمكن (2).

و هناك جملة أخرى من الأخبار يمكن أن يستفاد منها اعتبار الدخول في الغير، كصحيح حريز عن زرارة قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال (عليه السلام): يمضي. قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبّر، قال (عليه السلام): يمضي. قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ، قال (عليه السلام): يمضي. قلت: شك في القراءة و قد ركع قال (عليه السلام):

يمضي، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال (عليه السلام): يمضي على صلاته، ثمَّ قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء» (3)، و موثقة حماد بن عثمان: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أشك و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا؟. قال (عليه السلام): امض» (4)، و موثق فضيل بن يسار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟

قال (عليه السلام): بلى قد ركعت فامض في صلاتك، فإنّما ذلك من الشيطان» (5)و موثق إسماعيل بن جابر: «قال أبو جعفر (عليه السلام): إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» (6)، و صحيح محمد بن مسلم: «عن أبي جعفر (عليه السلام): في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع، فقال (عليه السلام): يمضي في صلاته حتّى يستيقن» (7)، و صحيح عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال (عليه السلام): قد ركع» (8).

ص: 230


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 1.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 3.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 4.
7- الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 5.
8- الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 6.

.....

______________________________

و أمثال هذه الأخبار مما ورد في أبواب الوضوء (1). و لكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّ ما ورد في الركوع غير خبر ابن جابر إنّما ورد ذلك في مورد فرض سؤال السائل، و قد ثبت أنّ المورد لا يكون مخصصا للحكم، خصوصا مع إطلاق التعليل بقوله (عليه السلام): «إنّما ذلك من الشيطان»، و ما نراه بالوجدان من أنّ مثل هذه الشكوك إنّما هو من وساوس النفس التي هي من أقوى جنود الشيطان.

و أما الأخبار التي لها ظهور في اعتبار الدخول في الغير فيحتمل أن يكون للدخول في الغير موضوعية خاصة في الحكم بالمضيّ، و يحتمل أن يكون اعتباره لأجل كشفه عن مضيّ المحل الشرعيّ فلا اعتبار بالشك حينئذ، و يحتمل أن يكون كاشفا عن بقاء الإرادة الإجمالية الارتكازية بالنسبة إلى المركب و أجزائه و شرائطه فوجد المشكوك مستندا إلى تلك الإرادة فلا ينبغي أن يعتني بالشك، و مع وجود هذه الاحتمالات لا ترجيح لخصوص الاحتمال الأول.

مضافا إلى أنّ هذا الشك بطبعه إنّما يحصل بعد الدخول في الجزء اللاحق، إذ لو حصل في المحل لكان داعيا إلى الاستئناف بالفطرة مع أنّ كون الحكم تسهيليا امتنانيا يقتضي التيسير فيه مطلقا، فالجزم باعتبار الدخول في الغير بنحو الموضوعية مشكل جدّا، فيكفي مضيّ المحل فقط و هو حاصل بإرادة إتيان الغير دخل فيه أم لم يدخل.

و أما الجهة الرابعة: فيظهر من كلماتهم التسالم على اعتبار الدخول في الغير، و لكن الظاهر بل المعلوم استناده إلى ما بين أيدينا من الأخبار فيشكل الاعتماد عليه.

الرابعة: اختلف الفقهاء (قدس سرّهم) في أنّ الغير- على فرض اعتبار الدخول فيه- هل يعتبر أن يكون من الأجزاء المستقلّة، أو يكفي كونه من جزء الجزء أيضا، أو يكفي كونه مقدمة الغير أيضا، كالهويّ للركوع أو السجود- مثلا-؟

فمن قائل بالأول جمودا على صدر صحيح زرارة، و من قائل بالثاني جمودا على قوله (عليه السلام) في مقام بيان القاعدة الكلية: «إذا شككت في شي ء من الوضوء

ص: 231


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء.

.....

______________________________

و دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء» (1) فإنّ لفظ غير متوغّل في الإبهام و الإجمال، فيشمل الجميع و لا وجه لحمله على صدره، لفرض أنّه في مقام الضابطة الكلية، و مورد السؤال لا يكون مخصصا لما سيق مساق القاعدة الكليّة.

و استدل للأخير بما مرّ من صحيح عبد الرحمن حيث ذكر فيه الهويّ إلى السجود، فيكون مؤيّدا لاستفادة التعميم من لفظ الغير، مع إطلاق قوله (عليه السلام): «كلما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» فإنّه أيضا مطلق، و قد ورد لبيان القاعدة الكليّة و لا موجب لتقييده، و قد مرّ سقوط هذا البحث من أصله و كفاية مجرّد مضيّ المحل و بقاء الإرادة الإجمالية الارتكازية، و بقاء هذه الإرادة يكفي فيه الاستصحاب، و لا نحتاج إلى ما تكلفه الأصحاب، و هذه الأخبار وردت على طبق هذا الاستصحاب، و هو مقدّم على أصالة عدم الإتيان، كما هو شأن كل استصحاب موضوعيّ بالنسبة إلى كل أصل حكميّ.

الخامسة: الفراغ عن الشي ء تارة: واقعي حقيقي، و أخري: ظاهريّ شرعيّ، و ثالثة: اعتقاديّ بحسب مرتكزات المتشرعة، و رابعة: بنائيّ بحسب نظر العامل. و الظاهر شمول الأدلّة للجميع، لأنّه أقرب إلى الامتنان و أبعد عن إطاعة الشيطان، و البحث عن اعتبار الدخول في الغير و عدمه تقدم في الأمر الرابع فلا وجه للإعادة، بل هنا أسهل، لإطلاق قوله (عليه السلام): «الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال (عليه السلام): هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك» فإنّ إطلاق صدره و ذيله ممّا لا ريب في شموله لجميع الصور.

و أمّا قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرهما فشككت في بعض ما سمّي اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوءه لا شي ء عليك فيه» (2).

فإنّه يحتمل في قوله (عليه السلام): «و قد صرت في حالة أخرى» الوجوه

ص: 232


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.

.....

______________________________

الثلاثة التي تقدّم ذكرها، و لا قرينة فيه لاعتبار الدخول في الغير بنحو الموضوعيّة الصّرفة.

السادسة: هل القاعدة تشمل التجاوز عن المحل العادي أيضا؟ قولان يظهر عن جميع الأخير.

و خلاصة ما قالوا في وجه ذلك: أنّ القاعدة شرعية، و الأمثلة المذكورة في الأخبار أيضا شرعية، فيرجع في غيره إلى أصالة عدم الإتيان.

و فيه- أولا: ما تقدّم من عدم كونها تعبديّة، بل هي من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة، و أصالة البقاء على الإرادة الارتكازية الأولية.

و ثانيا: إنّه لا وجه للرجوع إلى أصالة عدم الإتيان، بل المرجع أصالة بقاء الإرادة الإجمالية الارتكازية الثابتة حين الشروع في العمل المنبسطة على جميع الأجزاء و أجزائها و مقدماتها بنحو الجملة و الإجمال و حين الشك في زوالها يرجع إلى أصالة بقائها.

و ثالثا: أنّ ما ذكر في الأدلّة إنّما هو من باب الغالب و المثال، فلا وجه للجمود و الاختصاص به. نعم، مع الشك في صدق الأدلة الشرعية لا يصح التمسك بها، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فيرجع إلى أصالة عدم الغفلة و السهو عمّا أراد، فإذا كان من عادته قراءة بعض الآيات بعد تمام الفاتحة قبل الشروع في السورة فدخل في السورة، و شك في أنّه هل قرأ الآية الخاصة أم لا؟ تجري القاعدة بالنسبة إليها أيضا إن كان مريدا لقراءتها حين الشروع في الصلاة بالإرادة الإجمالية الارتكازية كسائر ما يقرأ في الصلاة من واجباتها و مندوباتها.

و أمّا ما يتوهم من أنّه لو كان المحل العادي معتبرا و جرت فيه القاعدة للزوم الحكم بالطهارة فيما إذا كانت عادته الوضوء بعد الحدث الأصغر و الغسل بعد الأكبر مع أنّهم لا يقولون به. فلا وجه له لأنّ مورد قاعدة التجاوز و الفراغ هو الشك في انطباق المأتيّ به على المأمور به فقط و يتمحض الشك في ذلك، و في المثال يكون الشك في أصل الوجود لا في انطباق المأتيّ به على المأمور به.

إن قيل: إنّ في قاعدة التجاوز يكون الشك في أصل الوجود فتجري فيه القاعدة، فليكن المقام أيضا كذلك.

ص: 233

.....

______________________________

يقال: إنّ في مورد التجاوز أيضا يكون الشك في انطباق مجموع المأتيّ به على المأمور به، و لا يلاحظ خصوص المشكوك من حيث هو لأنّه تبع للكل فالمناط ملاكا و خطابا و انطباقا على المأمور به إنّما هو على الكل.

السابعة: لا ريب في جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى شرائط الأجزاء كالجهر و الإخفات و الموالاة و أداء الكلمات على الطريقة المعتبرة، للعموم و الإطلاق، و ظهور الاتفاق. و لكن في جريانها بالنسبة إلى الطهارة و الاستقبال و الستر و نحوها ممّا هو شرط للصلاة كلام.

فعن جمع من الفقهاء (قدّس سرّهم) منهم صاحب المدارك صحة الجريان، للعموم و الإطلاق، و التسهيل و الامتنان، و هو الذي تقتضيه أصالة عدم السهو و النسيان. و عن بعض آخر عدم الجريان.

و خلاصة دليلهم على طوله: أنّه لا محل لها حتّى يصدق التجاوز عن المحل، و أنّ قاعدة التجاوز إنّما تتكفل تصحيح ما مضى فقط لا ما يأتي، فيرجع في ما يأتي إلى الأصل.

و الخدشة فيهما ظاهرة. أمّا قضيّة اعتبار مضيّ المحل فلا ريب في الصدق، لأنّ المحل الشرعيّ بحسب ظواهر الأدلة القولية و البيانية إنّما هو قبل الصلاة، فراجع صحيح حماد و صحيح حريز و غيرهما (1) من الأدلة. و كذا عند المتشرعة خلفا عن سلف حيث إنّهم يرون المحل الشرعيّ لمثل هذه الشرائط قبل التلبس بالصلاة.

و أمّا أنّ القاعدة لتصحيح ما مضي و لا تتكفل لما يأتي، فلا أصل له من عقل أو نقل، بل هي لتصحيح المأتيّ مطلقا. نعم، لو كان المراد بما يأتي به عملا مستقلا، كالعصر بالنسبة إلى الظهر فهذه القواعد ساكتة عنه مطلقا، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل حينئذ.

الثامنة: مورد جريان القاعدتين ينحصر بخصوص صورة الشك. و أمّا من احتمل الترك عمدا أو عن جهل بالحكم أو الموضوع أو لأجل الاضطرار أو نحوه،

ص: 234


1- تقدّم في صفحة: 230.
مسألة 10: إذا شكّ في شي ء من أفعال الصّلاة

(مسألة 10): إذا شكّ في شي ء من أفعال الصّلاة، فإما أن يكون قبل الدخول في الغير المرتب عليه. و إما أن يكون بعده، فإن كان قبله وجب الإتيان (33)، كما إذا شكّ في الركوع و هو قائم، أو شكّ في السجدتين- أو السجدة الواحدة- و لم يدخل في القيام، أو التشهّد، و هكذا لو شكّ في تكبيرة الإحرام و لم يدخل فيما بعدها، أو شكّ في الحمد و لم يدخل في السورة، أو فيها و لم يدخل في الركوع، أو القنوت و إن كان بعده لم يلتفت و بنى على أنّه أتى به من غير فرق بين الأولتين و الأخيرتين على الأصح (34).

______________________________

فلا تشملها القاعدة جمودا على لفظ الشك الوارد في أدلّتها، فلا بد من العمل بالقواعد الأخرى من أصالة الصحة و نحوها، و طريق الاحتياط هو العود و التدارك رجاء ما لم يكن محذور في البين، و يأتي التفصيل في الفروع الآتية إن شاء اللّه تعالى و منه نستمد العون و التوفيق.

التاسعة: لا يعتبر في مجرى قاعدة الفراغ الدخول في الغير، لإطلاق جملة من الأخبار، و ما في بعضها، كقوله (عليه السلام): «و قد صرت في حالة أخرى» يأتي فيه جميع الوجوه المزبورة في قاعدة التجاوز فيكفي فيها مجرّد الفراغ إمّا واقعا أو شرعا أو بناء أو وجدانا بأن يجد نفسه فارغا عن العمل، و مع الشك في ذلك كله فلا مجرى لها حينئذ، لأنّ التمسّك بدليلها يكون من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، فالمرجع قاعدة الاحتياط. هذه خلاصة ما يتعلّق بالمقام و من اللّه الاعتصام.

(33) لقاعدة الاشتغال بلا دليل حاكم عليها، و جميع ما ذكره من الأمثلة داخل تحت هذه القاعدة، فلا وجه للتطويل في بيان الدليل لكل واحد منها.

(34) لما مرّ من قاعدة التجاوز التي هي من القواعد التسهيلية في هذا التكليف العام البلوى لعامة الناس و هذا هو المشهور، بل لم يعرف الخلاف إلّا من الشيخين، و ابن حمزة، و العلامة في التذكرة على إشكال في استظهار الخلاف منهم، و مستند التعميم إطلاق أدلة القاعدة، مع أنّ صحيح زرارة ظاهر في

ص: 235

و المراد بالغير مطلق الغير (35) المترتب على الأول- كالسورة بالنسبة للفاتحة- فلا يلتفت إلى الشّك فيها و هو آخذ في السورة، بل و لا إلى أول الفاتحة أو السورة و هو في آخرهما بل و لا إلى الآية و هو في الآية المتأخّرة، بل و لا إلى أول الآية و هو في آخرها، و لا فرق بين أن يكون ذلك الغير جزءا واجبا، أو مستحبا كالقنوت بالنسبة إلى الشكّ في السورة، و الاستعاذة بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام، و الاستغفار بالنسبة إلى التسبيحات الأربعة، فلو شكّ في شي ء من المذكورات بعد الدخول في أحد المذكورات لم يلتفت، كما أنّه لا فرق في المشكوك فيه أيضا بين الواجب و المستحب (36).

و الظاهر عدم الفرق بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء أو مقدماتها (37)، فلو شكّ في الركوع أو الانتصاب منه بعد الهوي للسجود لم يلتفت. نعم، لو شكّ في السجود و هو آخذ في القيام وجب عليه

______________________________

الأولتين (1) و مستند التخصيص بالأخيرتين إطلاق جملة من الأخبار الدالة على أن الأولتين لا يدخلهما الشك، فراجع روايات الباب (2).

و يرد بأنّ المنساق من الشك- الذي لا يدخل في الأولتين- الشك في خصوص الركعات فقط دون غيرها، مع أنّ عدّ العلامة من المخالف مشكل، لكثرة اختلاف فتواه كما لا يخفى على من راجع كتبه.

(35) مرّ ما يتعلّق به سابقا فراجع، بل قد مرّ إمكان استظهار عدم اعتبار الدخول في الغير.

(36) لظهور الإطلاق، مع التمثيل لكل منهما فيما مرّ من صحيح زرارة.

(37) جمودا على إطلاق الغير، و قد مرّ ما يتعلّق به سابقا.

ص: 236


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1. و غيره من روايات الباب.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1. و غيره من روايات الباب.

العود (38)، و في إلحاق التشهّد به في ذلك وجه (39) إلّا أنّ الأقوى خلافه (40).

فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت و الفارق النص (41)

______________________________

(38) لصحيح عبد الرحمن- في حديث-: «رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد» (1) و هو ظاهر في خروج المقدمات، و يمكن حمله على الندب بقرينة خبره الآخر قال:

«قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال: قد ركع» (2)، أو حمله على أول مرتبة من النهوض بحيث يكون المحل باقيا عند المصلين و يصدق عدم التجاوز عندهم، فإنّ إطلاق الغير في هذا الأمر الامتناني التسهيلي غير قابل للتقييد، مع توغل هذه الكلمة في الإهمال و الإجمال من كل جهة.

(39) لاحتمال أن يكون ذكر السجود من باب المثال فيشمل التشهد أيضا، فلو كان آخذا في القيام و شكّ في التشهد يرجع.

(40) لظهور الغير في الإطلاق و التعميم ما لم يكن قرينة على الخلاف و ذكر الأجزاء المستقلّة ليس من القرينة على الخلاف، لأنّه من باب الغالب لا التخصيص في هذا الأمر التسهيليّ، و إلّا لأشير إليه في نص مخصوص، فالخبر الآخر لعبد الرحمن ورد على طبق إطلاق الغير- كما تقدّم-

(41) و هو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل رفع رأسه عن السجود فشكّ قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد، قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال (عليه السلام): يسجد» (3)، و لكن يمكن حمل الصحيح في مورده على الندب.

ص: 237


1- الوسائل باب: 15 من أبواب السجود حديث: 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الركوع حديث: 6.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب السجود حديث: 6.

الدال على العود في السجود، فيقتصر على مورده و يعمل بالقاعدة في غيره (42).

مسألة 11: الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار

(مسألة 11): الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار (43)، فمن كان فرضه الجلوس مثلا و قد شكّ في أنّه هل سجد أم لا و هو في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام لم يلتفت (44)، و كذا إذا شكّ في التشهّد. نعم، لو لم يعلم أنّه الجلوس الذي هو بدل عن القيام، أو جلوس للسجدة، أو للتشهّد وجب التدارك، لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذ (45).

______________________________

(42) لاتفاق النص و الفتوى على عمومها إلّا فيما خرج بالدليل.

(43) لأنّ المنساق من الأدلّة و المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ صلاة غير المختار عين صلاة المختار في جميع الأجزاء، و الشرائط، و الأحكام و الخصوصيات، إلّا ما سقط بالاضطرار، أو دلّ دليل على السقوط بالخصوص، و مقتضى العموم و الإطلاق في أدلّة القاعدة- التسهيلية الامتنانية- الجارية في الصلاة ذلك أيضا، و لا فرق بين كون صلاة المضطر بدلا عن صلاة المختار، أو أنّه أسقط الشارع جملة من الواجبات عن صلاة المضطر، لأنّ المنساق من أدلّة الأحكام التسهيلية الامتنانية في الصلاة أنّها أحكام الطبيعة ما يسمّى بالصلاة مطلقا سواء قلنا بالصحيح أم الأعم، لأنّ للصحيح أيضا مراتب كثيرة جدّا، فلا وجه لما في الجواهر من التفصيل فراجع.

(44) إذا توجه و لو في الجملة إلى أنّه لو كان مختارا لكان قائما و أنّ هذا الجلوس بمنزلته، و أمّا لو كان شاكا فيأتي حكمه بعد ذلك، و إلى ذلك يرجع ما عن بعض مشايخنا (رحمهم اللّه) في الحاشية من أنّه لا يكون القيام بدلا إلّا مع الشروع في القراءة أو التسبيحات.

(45) فيكون التمسك بدليل القاعدة حينئذ من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، و يمكن استصحاب بقاء المحل و عدم الدخول في الغير، فيجب الإتيان حينئذ لإحراز عدم الدخول في الغير بواسطة الأصل

ص: 238

مسألة 12: لو شكّ في صحة ما أتى به و فساده لا في أصل الإتيان

(مسألة 12): لو شكّ في صحة ما أتى به و فساده لا في أصل الإتيان، فإن كان بعد الدخول في الغير، فلا إشكال في عدم الالتفات (46).

و إن كان قبله، فالأقوى عدم الالتفات أيضا (47) و إن كان الأحوط الإتمام و الاستئناف إن كان من الأفعال (48) و التدارك إن كان من القراءة

______________________________

إن قلت: كيف يجري الأصل مع تقدم القاعدة عليه.

قلت: نعم، و لكن في مورد ثبوت جريانها لا فيما إذا لم تجر كما في المقام، فيجري الأصل حينئذ بلا كلام.

(46) لعدم تفرقة العرف بين الشك في صحة الموجود و الشك في أصل الوجود، فيشمله إطلاق الدليل خصوصا قاعدة الفراغ التي موردها الشك في صحة الموجود كما مرّ. نعم، الغالب في مورد قاعدة التجاوز هو الشك في أصل الوجود و هو المذكور في أخبارها أيضا- كما تقدّم- و ذلك لا يصلح لتقييد المطلقات، مضافا إلى ما تقدّم من أنّها من صغريات أصالة عدم الغفلة و النسيان، و لا فرق حينئذ بينهما كما هو معلوم.

(47) لأصالة الصحة عند الشك فيها، مضافا إلى أصالة عدم السهو و الغفلة عنها، مع أنّه قد تقدّم إمكان استظهار عدم اعتبار الدخول في الغير، و لكن الأحوط الرجوع و الإتيان رجاء مثل القراءة و الأذكار.

(48) إن كانت الأفعال غير الركوع و السجود و دخل في الغير ثمَّ شك في الصحة له أن يرجع و يأتي بها رجاء و لا يجب عليه ذلك، و لا شي ء عليه مع عدم الرجوع لجريان القاعدة حينئذ بلا إشكال. و إن لم يدخل في الغير، فمقتضى أصالة الصحة، و ما مرّ من إمكان استفادة عدم اعتبار الدخول في الغير عدم وجوب الاستئناف، و لكن الأحوط أن يأتي به رجاء. و إن كانت الركوع و السجود و شك في الصحة بعد الدخول في الغير مضى على شكه و لا شي ء عليه و إن كان الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة. هذا إذا كان الشك في أصل صحتهما، و أمّا إن كان الشك في واجباتهما من الذكر و الطمأنينة و غيرهما، فالظاهر خروج ذلك عن فرض المقام،

ص: 239

أو الأذكار ما عدا تكبيرة الإحرام (49).

مسألة 13: إذا شكّ في فعل قبل دخوله في الغير

(مسألة 13): إذا شكّ في فعل قبل دخوله في الغير، فأتى به ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان آتيا به، فإن كان ركنا بطلت الصّلاة (50) و إلّا فلا (51).

نعم، يجب عليه سجدتا السهو للزيادة (52)، و إذا شكّ بعد الدخول في الغير، فلم يلتفت ثمَّ تبيّن عدم الإتيان به، فإن كان محلّ تدارك المنسيّ باقيا بأن لم يدخل في ركن بعده تداركه (53)، و إلّا فإن كان ركنا بطلت الصّلاة (54) و إلّا فلا (55)، و يجب عليه سجدتا السهو للنقيصة (56).

______________________________

لأنّها واجبات فيهما لا أن تكون شرطا لصحتهما، فيكون من خروج المحل حينئذ قطعا.

(49) مرّ ما يتعلّق به في [مسألة 16] من (فصل تكبيرة الإحرام) و الأحوط فيه الإتمام و الإعادة.

(50) لزيادة الركن واقعا، و الأمر الاعتقادي لا أثر له بعد ظهور الخلاف لو لم نقل باختصاص ما دلّ على أنّ زيادة الركن توجب البطلان بغير الفرض.

(51) لأصالة الصحة، و عدم المانعية، و عدم وجوب الإعادة و القضاء.

(52) سيأتي ما يتعلّق بوجوبها لكل زيادة و نقيصة في محله إن شاء اللّه تعالى.

(53) لإطلاق دليل وجوبه، و قاعد الاشتغال، مع وجود المقتضي للتدارك و فقد المانع عنه.

(54) لزيادة الركن، و قد مرّ أنّ زيادته مطلقا توجب البطلان لو لم نقل باختصاص دليل البطلان بغير الفرض.

(55) لما مرّ من أنّ زيادة غير الركن لا توجب البطلان للأصول التي مرّت الإشارة إليها.

(56) يأتي ما يتعلّق بها إن شاء اللّه تعالى في محله.

ص: 240

مسألة 14: إذا شكّ في التسليم

(مسألة 14): إذا شكّ في التسليم، فإن كان بعد الدخول في صلاة أخرى، أو في التعقيب، أو بعد الإتيان بالمنافيات لم يلتفت (57) و إن كان قبل ذلك أتى به (58).

مسألة 15: إذا شكّ المأموم في أنّه كبّر للإحرام أم لا؟

(مسألة 15): إذا شكّ المأموم في أنّه كبّر للإحرام أم لا؟ فإن كان بهيئة المصلّي جماعة- من الإنصات و وضع اليدين على الفخذين و نحو ذلك- لم يلتفت (59) على الأقوى، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة (60).

مسألة 16: إذا شكّ و هو في فعل في أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدمة أم لا؟

(مسألة 16): إذا شكّ و هو في فعل في أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدمة أم لا؟ لم يلتفت (61)، و كذا لو شكّ في أنّه هل سها أم لا؟ و قد جاز محلّ ذلك الشي ء الذي شكّ في أنّه سها عنه أو لا.

نعم، لو شكّ في السهو و عدمه و هو في محلّ يتلافي فيه المشكوك فيه أتى به على الأصح (62).

______________________________

(57) بلا إشكال فيه حينئذ و قد تقدّم ما يتعلّق به فراجع.

(58) لقاعدة الاشتغال إن لم يجد نفسه فارغا عن الصلاة و إلّا فلا يجب و إن كان أحوط.

(59) لظهور حاله حينئذ في التلبس بالجماعة، فيتحقق الدخول في الغير، فتجري قاعدة التجاوز.

(60) لاحتمال أن يكون التلبس بالهيئة أعمّ من الدخول في الجماعة.

(61) لأنّه إن كان بلحاظ الشك السابق، فمقتضى الأصل عدم حدوثه و إن كان بلحاظ الشك الفعليّ، فلا اعتبار به للتجاوز، و كذا الكلام فيما لو شكّ في أنّه سها في السابق أم لا.

(62) لكونه من الشك في المحل حينئذ لو لم نقل بانصراف الشك الذي يتدارك في المحل عن مثله، أو شمول قولهم (عليهم السلام): «لا سهو في سهو» (1) لمثله و الأول غير بعيد و يأتي ما يتعلق بالثاني إن شاء اللّه تعالى في محله.

ص: 241


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

فصل في الشك في الركعات

اشارة

(فصل في الشك في الركعات)

مسألة 1: الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة ثمانية

(مسألة 1): الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة ثمانية (1):

أحدها: الشك في الصّلاة الثنائية كالصبح و صلاة السفر (2).

(فصل في الشّك في الرّكعات)

______________________________

(1) لا وجه للحصر فيها، بل كل ما لم يرد نص فيه و لم يمكن إرجاعه إلى المنصوص فهو مبطل كالشك بين الثلاث و الخمس، فإنّه من الشكوك المبطلة، مع أنّه (رحمه اللّه) لم يذكره و سيأتي في [مسألة 3] أنّ ما عدا الشكوك التسعة موجب للبطلان.

(2) نصّا، و إجماعا، ففي معتبرة ابن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد»(1)، و في صحيح العلاء عنه (عليه السلام) أيضا: «سألته عن رجل يشك في الفجر قال (عليه السلام): يعيد، قلت، المغرب؟ قال: نعم، و الوتر و الجمعة، من غير أن أسأله» (2).

و في صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال: يستقبل حتى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة، و في المغرب، و في الصلاة في السفر» (3).

و في موثق سماعة: «عن السهو في صلاة الغداة، فقال (عليه السلام): إذا لم تدر واحدة صلّيت أم اثنتين، فأعد الصلاة من أولها، و الجمعة أيضا إذا سها فيها

ص: 242


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

الثاني: الشك في الثلاثية كالمغرب (3).

الثالث: الشك بين الواحدة و الأزيد (4).

______________________________

الإمام، فعليه أن يعيد الصلاة، فإنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها، فلم يدر كم صلّى، فعليه أن يعيد الصلاة» (1).

و من التعليل يستفاد عموم الحكم لكل ثنائية واجبة كصلاة الطواف مثلا و هي من القواعد المعتبرة التي هي: كون الشك في ركعتي الثنائية يوجب البطلان، و يدل على البطلان في هذا القسم جميع ما ورد من البطلان في القسم الثالث أيضا.

و أما موثق عمار: «عن رجل لم يدر صلّي الفجر ركعتين أو ركعة؟

قال (عليه السلام): يتشهّد و ينصرف ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوعا، و إن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة، قلت:

فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال: يتشهّد و ينصرف ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان صلّى ثلاثا كانت هذه تطوعا، و إن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة» (2)فلا قائل منا بمضمونه فلا بد من رد علمه إلى أهله.

كما أنّ مثل خبر ابن أبي العلاء: «عن الرجل لا يدري أ ركعتين صلّى أم واحدة؟ قال (عليه السلام): يتم» (3) لا بد إمّا أن يحمل على النافلة، أو يطرح، لإعراض الأصحاب عنه، فلا وجه لما نسب إلى الصدوق- إن صحّت النسبة- من التخيير بين الإعادة و البقاء جمعا بين الأخبار.

(3) نصّا، و إجماعا و قد مرّ بعض النصوص الدال عليه في القسم الأول، كما مرّ الجواب عن موثق عمار.

(4) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، بل متواترة قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «كان الذي فرضه اللّه على العباد عشر ركعات: و فيهنّ القراءة

ص: 243


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 20.

الرابع: الشك بين الاثنتين و الأزيد قبل إكمال السجدتين (5).

الخامس: الشك بين الاثنتين و الخمس أو الأزيد و إن كان بعد الإكمال (6).

______________________________

و ليس فيهنّ و هم- يعني سهوا- فزاد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهنّ قراءة، فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين، و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم» (1)و نحوه غيره.

(5) لأنّ المنساق من الركعة- في الروايات و عند الرواة، و مرتكزات المسلمين- ما اشتمل على جميع أجزائها الواجبة التي منها السجدتان و ذلك لا ينافي إطلاقها على نفس الركوع أحيانا كما ورد في صلاة الآيات أنّها: «عشر ركعات» (2)إذ لا ريب في أنّه خلاف ظهور الركعة، فيكون بالعناية، فالقول بأنّها تتحقق بالدخول في الركوع ضعيف، و حينئذ فيكون الشك الواقع فيها قبل إكمال السجدتين من الشك الواقع في الأولتين، فيكون من القسم الثالث من الشكوك المبطلة موضوعا أيضا لا حكما فقط، فيشمله ما دلّ على وجوب حفظ الأولتين عن الشك.

(6) على المشهور فيه، و في القسم السادس، و استدل على البطلان فيهما تارة: بأنّ مقتضى القاعدة المستفادة من النصوص في الشكوك الصحيحة هو البناء على الأكثر كما يأتي و هو غير ممكن في المقام.

و يرد عليه: بأنّه فيما إذا أمكن البناء عليه و أما مع عدم إمكانه، فيرجع إلى شي ء آخر من أصل أو غيره.

و أخرى: بأنّه لم يرد فيهما دليل على الصحة بالخصوص، فيكون مبطلا.

و يرد عليه: بأنّه مسلم لو دلّ دليل على أنّ الأصل في الشكوك أن تكون مبطلة إلّا ما خرج بالدليل و هو غير ثابت كما لا يخفى، بل مقتضى قاعدة «ما أعاد

ص: 244


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الكسوف و الآيات حديث 1 و 2.

.....

______________________________

الصلاة فقيه قط يحتال فيها و يدبرها حتّى لا يعيدها»- التي سيأتي إليها الإشارة- بطلان هذا الأصل.

و ثالثة: بعدم إمكان الاحتياط، لدوران الأمر بين الزيادة و النقيصة.

و يرد عليه: بأنّه مسلم لو لم يكن أصل موضوعيّ في البين و هو أصالة عدم الزيادة، و عدم تلبّس المصلّي بالمشكوك، فيجري الأصل و يجب إتمام ما نقص.

و أشكل على أصالة عدم الزيادة بوجوه:

الأول: أنّها مخالفة للإجماع. و يرد: بعدم تحققه، مع أنّه معلوم المدرك.

الثاني: أنّها محكومة بالأخبار الدالة على أنّ حكم الشك الصحيح هو البناء على الأكثر.

الثالث: أنّها مثبتة إذا المراد بها إثبات أنّ الركعة ثانية- مثلا- حتّى يترتب عليها آثارها.

و يرد: بأنّ مفادها وجوب الإتيان بالوظيفة الفعلية و هي قد تكون الإتيان بالركعات الأخر- كالشك بين الاثنتين و الخمس- و قد تكون الإتمام و الإتيان بالتشهد و السلام- كالشك بين الأربع و الست مثلا- فيكون من الموضوعات المركّبة المحرزة بعض أجزائها بالوجدان، و بعض أجزائها بالأصل، فيترتّب عليه الحكم قهرا و لا محذور فيه أبدا.

الرابع: أنّه قد علم من استقراء أحكام الشكوك أنّ الشارع أسقط هذا الأصل في الركعات مطلقا.

و يرد عليه: أنّه عبارة أخرى عن الإشكال الثاني، فلا وجه لتكراره بوجه آخر، و قد مرّ جوابه من أنّ الأصل ساقط في مورد دلالة الدليل على الخلاف لا مطلقا حتّى فيما لا دليل على الخلاف.

فنلخص أنّ المقتضي لجريان الأصل موجود، و ما ذكر لا يصلح للمانعية.

ثمَّ إنّه قد يستدل على البطلان بما يأتي في القسم الثامن من قول أبي الحسن (عليه السلام): «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء

ص: 245

السادس: الشك بين الثلاث و الست أو الأزيد (7).

السابع: الشك بين الأربع و الست أو الأزيد (8).

______________________________

فأعد الصلاة» (1)بدعوى: صدقه على هذه الأقسام من الشكوك أيضا و يرد عليه أنّه خلاف الوجدان كما لا يخفى.

و قد يستدل على الصحة بإطلاق قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا» (2).

و موثق الشحام: «رجل صلّى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال (عليه السلام): إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستا فليعد، و أن كان لا يدري أ زاد أم نقص فليكبّر و هو جالس، ثمَّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمَّ يتشهّد» (3).

و صحيح زرارة: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أ زاد أم نقص فليسجد سجدتين و هو جالس»، و قد سمّاها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) «المرغمتين»(4).

و حينئذ ففي كل مورد دل دليل على خلاف إطلاقها يؤخذ به، و في غيره يكون الإطلاق محكما، و لكن أوهنها عن الاعتبار إعراض المشهور.

و لباب الكلام: أنّه لا دليل على كونه من الشكوك المبطلة إلّا ظهور التسالم و الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

(7) يجري فيه جميع ما مرّ في سابقة من غير فرق.

(8) يجري فيه أيضا جميع ما تقدّم في سابقيه، و قد نسب إلى جميع الصحة فيه منهم العلامة و الشهيد و المحقق الثاني، و ابن أبي عقيل، و يمكن الاستئناس

ص: 246


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

الثامن: الشك بين الركعات بحيث لم يدر كم صلّى (9).

مسألة 2: الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية
اشارة

(مسألة 2): الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية:

أحدها: الشك بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين

أحدها: الشك بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين (10)، فإنّه يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة و يتم صلاته (11) ثمَّ يحتاط بركعة من

______________________________

لها- مضافا إلى ما مرّ- بما ورد في الشك بين الأربع و الخمس كما سيأتي إن شاء اللّه بعد إلغاء الخصوصية.

(9) إجماعا، و نصّا قال أبو الحسن (عليه السلام): «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع و وهمك على شي ء، فأعد الصلاة» (1). و أما صحيح ابن يقطين «عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أم اثنتين أم ثلاثا قال (عليه السلام): يبني على الجزم و يسجد سجدتي السهو و يتشهّدا تشهّدا خفيفا» (2) فلا بدّ من طرحه، لمعارضته بغيره، و إعراض المشهور عنه من هذه الجهة.

(10) فإنّه لو كان قبل ذلك كان من الشك في الأولتين كما مرّ.

(11) نصوصا و إجماعا، بل جعل ذلك من القواعد المعتبرة- و هي قاعدة البناء على الأكثر- التي يستدل بها في الشكوك. و يدل عليها تعبير أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيها بلفظ (كل) في موثق عمار: «يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتم ما ظننت أنّك نقصت» (3).

و في خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا سهوت فابن على الأكثر» (4) و في خبره الثالث عنه (عليه السلام) أيضا: «كل ما دخل عليك الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر» (5).

فالبناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة من القواعد الكلية المعتبرة لا بد

ص: 247


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.

.....

______________________________

و أن يستدل بها في المسائل الكثيرة، و يذكر فروعها كما جرت عادة الفقهاء عليه، و مدركها النصوص المتقدمة و الإجماع، و يدل على كونه من القواعد الكلية ما تقدم من قول الصادق (عليه السلام): «أجمع لك السهو كله في كلمتين» فإنّ ظهوره في الكلية ممّا لا ينكر، و قد أسقط الشارع البناء على الأقل في عدد الركعات، و في أشواط الطواف و في أشواط السعي إلّا أنّه في الأخيرين حكم بالبطلان، و في الصلاة حكم بالبناء على الأكثر. و يأتي التفصيل في كتاب الحج إن شاء اللّه تعالى.

و أما قول أبي الحسن (عليه السلام): «إذا شككت فابن اليقين» (1) فمحمول على التقية، أو على غلبة الظن، أو على عمل ما يحصل منه اليقين بصحة الصلاة و هو ما مرّ من قول الصادق (عليه السلام).

كما أنّ صحيح عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام): «عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا قال (عليه السلام): يعيد، قلت: أ ليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال (عليه السلام) إنّما ذلك في الثلاث و الأربع» (2) محمول على ما إذا حصل الشك قبل الإكمال.

و أما صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): «قلت له: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا قال (عليه السلام): إن دخل الشك بعد دخوله في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى و لا شي ء عليه و يسلّم» (3) فإن كان المراد من قوله (عليه السلام): «مضى في الثالثة» أي: بنى على الأكثر و أتمّ صلاته ثمَّ صلّى الاحتياط و لا إعادة عليه، فينطبق على سائر الأخبار المشهورة و يكون موافقا لما استقرّ عليه المذهب، و لكنه خلاف الظاهر، بل ظاهره البناء على الأقل، و قوله (عليه السلام): «مضى في الثالثة» أي مضى في الركعة التي يشك أنّها الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى، أي: يأتي بركعتين آخرتين متصلة، فتكون موافقة للعامة حينئذ، و على تقدير إجمالها فلا وجه للاستدلال بها.

و أما خبر العلاء: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل صلّى ركعتين

ص: 248


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

قيام أو ركعتين من جلوس (12).

و الأحوط اختيار الركعة من قيام (13)، و أحوط منه الجمع بينهما (14) بتقديم الركعة من قيام (15)، و أحوط من ذلك استئناف الصّلاة

______________________________

و شك في الثالثة قال: يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد و قام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب» (1)، فيمكن أن يكون دليلا للمشهور بأن يكون قوله: «فإذا فرغ» قرينة على أنّ المراد باليقين في قوله «يبني على اليقين» العمل بما يوجب اليقين بالفراغ كما مرّ، فما نسب إلى المقنع من البطلان، لما مرّ من صحيح عبيد، و ما نسب إلى الفقيه من البناء على الأقل، لخبر العلاء، و ما نسب إلى والده من التخيير بين البناء على الأقل التشهّد في كل ركعة، و البناء على الأكثر جمعا بين الأدلّة، ظاهرة الخدشة، فلا وجه للجميع بعد استقرار المذهب على خلافهم في كل عصر.

(12) للإجماع على التخيير بينهما كما في الجواهر، و لظهور الاتفاق على اتحاد حكم هذه الصورة مع الصورة الآتية و الحكم فيها التخيير، فيكون هنا أيضا كذلك، و لتغليب حكم النافلة عليها من هذه الجهة ما لم يدل دليل على الخلاف، و لكن نسب إلى الجعفي، و ابن أبي عقيل الاقتصار على الركعتين من جلوس، و لعلّهما تبعا أكثر النصوص في القسم الثاني، لاشتمالها على الجلوس، و سيأتي ما فيه، و نسب إلى المفيد و غيره اختيار القيام و لعلّهم تبعوا ظواهر المطلقات، و ما مرّ من خبر العلاء، و لكن المطلقات مقيّدة بما مرّ من ظهور الإجماع على التخيير، و قد مرّ ما في خبر العلاء فراجع.

(13) جمودا على ظاهر المطلقات، و خروجا عن الخلاف من عينه.

(14) خروجا عن خلاف الجعفي و العماني على فرض ثبوت الخلاف مع أنّ الاحتياط حسن على كل حال.

(15) لئلّا يلزم الفصل بين الصلاة و صلاة الاحتياط بصلاة أخرى بعد

ص: 249


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

مع ذلك (16).

و يتحقق إكمال السجدتين بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية على الأقوى (17) و إن كان الأحوط- إذا كان قبل رفع الرأس- البناء ثمَّ

______________________________

احتمال تعيين القيام للجمود على ظواهر المطلقات. و تضعيف ما نسب إلى الجعفي و العماني من تعيين الجلوس، و إلّا يكون الاحتياط بتقديم القيام مخالفا للاحتياط باحتمال تعيين الجلوس كما نسب إليهما.

(16) خروجا عن خلاف من أوجبها كما مرّ عن المقنع، مستندا إلى صحيح عبيد و قد مرّ ما فيه (1).

(17) لأنّ المنساق مما دلّ على حفظ الأولين و عدم الشك في وجودهما هو تحقق تمام الأجزاء الواجبة للركعة و يحصل ذلك بالفراغ من الذكر الواجب للسجدة الثانية فلا يصدق الشك في الأولتين حينئذ و يتحقق حفظهما و يرجع الشك بين الاثنين و الثلاث إلى أنّ الركعة المتلبس بها ثالثة أم لا بعد العلم بإتيان الثانية بتمام ما يجب فيها، لأنّ طرف الأقل في كل شك معلوم التحقق دائما، و الشك إنّما هو في انطباق الأكثر على الركعة المتلبّس بها و عدمه.

نعم، لو كان رفع الرأس من السجدة الثانية من واجباتها أو من واجبات الركعة السابقة لكان هذا الشك قبل تمامية الركعة، و لكنه ليس كذلك بل هو واجب مقدميّ للدخول في الركعة اللاحقة، و ليس من أجزاء الركعة السابقة أصلا، كما أنّ التشهّد واجب مستقل صلاتيّ و ليس من أجزاء الركعة السابقة و لا اللاحقة.

فما ينسب إلى المشهور من أنّ إتمام الركعة برفع الرأس من واجبات السجود و الركعة و مقوماتهما و إن كان مستندهم في ذلك ما مرّ من قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «إن دخل الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى و لا شي ء عليه» (2).

ص: 250


1- راجع صفحة: 248.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

الإعادة (18)، و كذا في كلّ مورد يعتبر إكمال السجدتين (19).

الثاني: الشك بين الثلاث و الأربع في أيّ موضع كان

الثاني: الشك بين الثلاث و الأربع في أيّ موضع كان (20)،

______________________________

ففيه أولا: أنّه قد مرّ إجماله. و ثانيا: أنّهم (رحمهم اللّه) لا يعتبرون الدخول في الثالثة، و رفع الرأس أعمّ منه عرفا، فيكون المراد منه ما قبل الإكمال إجماعا إلّا أن يقال: إنّ رفع الرأس حيث إنّه من مقدمات الركعة اللاحقة، فمع تحققه يكون بمنزلة الدخول فيها، و لكنه تكلّف بلا دليل عليه، و إن كان مستندهم إلى استصحاب تلبّس المصلّي بالثانية فتجب الإعادة بالشك مطلقا إلّا مع العلم بالخلاف.

ففيه أولا: أنّه خلاف ما ظاهرهم التسالم عليه من عدم كون رفع الرأس من أجزاء الركعة و السجدة و ثانيا: أنّه مع إجمال المراد لا بدّ و أن يرجع إلى عموم وجوب البناء على الأكثر، لثبوته و استقراره، مع بنائهم على أنّ إجمال مفهوم المخصص المنفصل لا يسري إلى العام، فلا مجرى للاستصحاب حينئذ، كما لا وجه لما عن بعض من أنّ الإكمال يحصل بمجرد وضع الجبهة في السجدة الثانية لأنّ ترك الذكر سهوا لا يوجب البطلان، فيعلم منه أنّه ليس من المقومات.

و فيه أولا: إنّ عدم البطلان عند السهو، لدليل خاص به لا يوجب تحقق إكمال الركعة بمجرد وضع الجبهة حتى في حال العمد و الالتفات. و ثانيا: إنّه على هذا يلزم القول بتحقق الإكمال بمجرد وضع الجبهة في السجدة الأولى أيضا، لأنّ ترك السجدة الثانية سهوا، و ترك الذكر الواجب في السجدة الأولى سهوا لا يوجب البطلان كما هو واضح. و أما ما تقدّم من الماتن (رحمه اللّه) في (فصل السجود) من جعل رفع الرأس من واجبات السجدة، فهو مبنيّ على المسامحة.

(18) خروجا عن مخالفة المشهور و إن كان لا دليل لهم على ما نسب إليهم كما مرّ.

(19) لجريان عين ما ذكرنا في المقام فيه أيضا بلا فرق.

(20) لأنّ الشك بين الثلاث و الأربع لا يتحقق إلّا بعد العلم بتحقق الأولتين تماما

ص: 251

و حكمه كالأول (21)

______________________________

و مع حفظهما لا بأس بأن تكون الشكوك الأخر قبل الإكمال، فلا يتصوّر في هذا القسم شك قبل الإكمال المبطل كما هو واضح.

(21) إجماعا، و نصوصا عامة و خاصة، فمن الأول قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا سهوت فابن على الأكثر» (1)، و من الثاني صحيح الحلبي: «إن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا، و لم يذهب و وهمك إلى شي ء فسلّم ثمَّ صلّى ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب- الحديث-» (2).

و عنه (عليه السلام): أيضا في مرسل جميل: «فيمن لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا و وهمه في ذلك سواء قال: فقال (عليه السلام): إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس» (3).

و يمكن أن يستفاد من مثل هذه الأخبار أنّ الركعات الاحتياطية حيث إنّها مرددة بين الفريضة و النافلة روعي فيها جهة الفريضة و النافلة إلّا مع الدليل على الخلاف، و مما يتعلّق بالنافلة التخيير فيها بين القيام و الجلوس و هذا نحو تسهيل على المكلفين.

ثمَّ إنّ مقتضى ظاهر كثير من الأخبار المشتملة على الجلوس تعيّنه، و لكن مرسل جميل المنجبر بالشهرة قرينة على أنّها في مقام بيان إحدى فردي التخيير لا التعيين، و بإزاء الأخبار المعتبرة أخبار أخر:

منها: صحيح العلاء: «عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا قال (عليه السلام): يعيد الصلاة» (4) و لا بد من حمله على ما قبل الإكمال أو طرحه.

ص: 252


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.

إلّا أنّ الأحوط هنا (22) اختيار الركعتين من جلوس و مع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام (23).

الثالث: الشك بين الاثنتين و الأربع بعد الإكمال

الثالث: الشك بين الاثنتين و الأربع بعد الإكمال، فإنّه يبني على الأربع (24).

______________________________

و منها: صحيح ابن مسلم في من سها فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا و اعتدل شكّه قال (عليه السلام): «يقوم فيتم ثمَّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس»(1)، و لا بد من رده إلى أهله أيضا، لأنّ ظاهره وجوب البناء على الأقل مع فعل الاحتياط أيضا و هو مما لا تقول به العامة، فكيف بالخاصة.

و منها: صحيحة زرارة المعروفة (2)عن أحدهما: «إذا لم يدر في ثلاث هو، أو في أربع و قد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى و لا شي ء عليه و لا ينقض اليقين بالشك- الحديث-» و ظاهرها وجوب البناء على الأقل و إتمام الصلاة و هو موافق للعامة، فلا بد إما من حملها على البناء على الأكثر و عمل الاحتياط مفصولة أو طرحها، فلا وجه لما نسب إلى ابن إدريس من التخيير بين البناء على الأكثر و البناء على الأقل جمعا بين الأدلّة، لأنّه بلا شاهد بل على خلافه الشواهد.

(22) لاشتمال كثير من الأخبار عليه، و ذهاب جمع إلى تعيّنه.

(23) مرّ وجهه آنفا، فلا وجه للتكرار.

(24) إجماعا، و نصوصا في البناء على الأربع منها: ما تقدم من النصوص العامة الدالة على البناء على الأكثر. و منها: صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا و لم يذهب و وهمك إلى شي ء فتشهّد و سلّم ثمَّ صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ثمَّ تشهد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع و إن كنت صلّيت

ص: 253


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

و يتم صلاته ثمَّ يحتاط بركعتين من قيام (25).

الرابع: الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد الإكمال

الرابع: الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد الإكمال، فإنّه يبني على الأربع (26) و يتم صلاته ثمَّ يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين

______________________________

أربعا كانتا هاتان نافلة» (1).

و قوى في المدارك التخيير بين ما ذكر و البناء على الأقل جمعا بين هذه الأخبار و صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): «قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في اثنتين و قد أحرز اثنتين؟ قال (عليه السلام): يركع بركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهّد و لا شي ء عليه» (2) بدعوى ظهوره في إتيانهما متّصلتين.

و يرد: بعدم الظهور خصوصا بقرينة الأخبار الأخر.

و عن الصدوق (رحمه اللّه) الحكم بالإعادة، لصحيح ابن مسلم قال: «سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أو أربعا قال (عليه السلام) يعيد الصلاة» (3).

و يرد: بإمكان حمله على ما قبل الإكمال، أو على الندب جمعا، و عن الشيخ حمله على المغرب أو الغداة.

(25) للإجماع، و النصوص، كصحاح ابن أبي يعفور، و ابن بزيع و ابن مسلم عن الصادق (عليه السلام):، و يشهد له الاعتبار أيضا كما لا يخفى.

(26) للإجماع، و النصوص العامة الدالة على البناء على الأكثر، و الأدلّة الخاصة. ففي مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام): «في رجل صلّى، فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا قال (عليه السلام): يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة و إلّا تمت الأربع» (4).

ص: 254


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.

من جلوس (27) و الأحوط تأخير الركعتين من جلوس (28).

______________________________

(27) لما تقدم من مرسل ابن أبي عمير المعمول به عند المشهور، و عن جمع من الفقهاء تعيين الركعة من قيام بدل الركعتين من جلوس، لإطلاق قول الصادق (عليه السلام): في موثق عمار: «فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت» (1).

و لأنّ القيام أصل في الصلاة. و يرد بأنّ الموثق مقيّد بأخبار المقام، و الثاني من مجرد الاعتبار بلا كلام.

و عن جمع التخيير بين الجلوس و القيام جمعا مع أنّ في صحيح ابن الحجاج عن أبي إبراهيم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أو أربعا، فقال: يصلّي ركعة من قيام ثمَّ يسلّم ثمَّ يصلّي ركعتين و هو جالس» (2).

و يرد بأنّ التخيير متفرّع على عدم الترجيح، و الترجيح في المقام لخبر ابن أبي عمير، لكونه مقيّدا لجميع المطلقات و عمل به المشهور.

و أما صحيح ابن الحجاج فيبعده أولا عدم تعارف رواية أبي إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) في مثل هذه الأحكام.

و ثانيا: أنّه ضبط في جملة من النسخ (ركعتين من قيام) بدل (ركعة من قيام)، بل قيل: إنّ النسخ المشهورة كذلك، فلا اعتبار بما ضبط فيه ركعة من قيام خصوصا مع المخالفة، لمرسل ابن أبي عمير- المتقدّم- و عمل المشهور، فكيف يصح الاعتماد عليه؟!!

(28) مقتضى الجمود على ظاهر المرسل وجوبه، و نسب ذلك إلى المشهور أيضا، و لعلّ تردّده (قدّس سرّه) لما في جملة من الكلمات- العطف بالواو- الظاهر في مطلق الجمع، و لأصالة عدم الوجوب، و لأنّ تشريع صلاة الاحتياط لتكميل أصل الصلاة و يترتّب ذلك على تقديم القيام على الجلوس أو العكس، إلّا أن

ص: 255


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1. و غيره.
الخامس: الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين

الخامس: الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين فيبني على الأربع و يتشهّد و يسلّم ثمَّ يسجد سجدتي السهو (29).

______________________________

يدعى حصول الاطمئنان أنّ لفظ (ثمَّ) لمطلق الترتيب الفضلي لا الإيجابي، و لكن لا وجه لذلك كلّه في مقابل النص المشتمل على لفظ (ثمَّ) (1)الظاهر في الترتيب.

(29) للإجماع، و النص، فعن الصادق (عليه السلام): في صحيح ابن سنان: «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فأسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعدهما» (2)، و عنه (عليه السلام): أيضا في صحيح الحلبي:

«إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا أو نقّصت أم زدت، فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» (3) و مثلهما خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) أيضا (4)، و ظهور هما فيما بعد الإكمال مما لا ينكر. هذا حكم وجوب سجود السهو في هذا القسم من الشك.

و أما وجوب البناء على الأربع، فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع- ظهور قوله (عليه السلام): في صحيح الحلبي- المتقدّم- «فتشهّد و سلّم» فإنّه ظاهر في ترتب وجوب التشهّد و السلام على عروض الشك، و بعد تقييده بكونه بعد إكمال السجدتين يكون ذلك ملازما للبناء على الأربع، لأنّه المعلوم المتيقن و لا تجري قاعدة البناء على الأكثر في المقام، لأنّه فيما إذا كان البناء عليه صحيحا لا ما إذا كان مبطلان.

ثمَّ إنّه نسب إلى الشيخ في الخلاف البطلان، و نسب إليه و إلى المفيد عدم وجوب سجدتي السهو، و ما تقدّم من الأخبار حجة عليهما، و نسب إلى الصدوق في المقنع وجوب الإتيان بركعتين جالسا، لمرسل الشحام: «سألته عن رجل صلّى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال (عليه السلام): إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستا، فليعد و إن كان لا يدري أ زاد أم نقص فليكبّر و هو جالس، ثمَّ يركع

ص: 256


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1. و غيره.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
السادس: الشك بين الأربع و الخمس حال القيام

السادس: الشك بين الأربع و الخمس حال القيام (30) فإنّه يهدم و يجلس و يرجع شكّه إلى ما بين الثلاث و الأربع فيتم صلاته ثمَّ يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام.

السابع: الشك بين الثلاث و الخمس حال القيام

السابع: الشك بين الثلاث و الخمس حال القيام فإنّه يهدم القيام و يرجع شكّه (31) إلى ما بين الاثنتين و الأربع فيبني على الأربع و يعمل عمله.

______________________________

ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمَّ يتشهّد» (1).

و يرد بقصوره عن معارضة المعتبرة المعمول بها لدى الأصحاب، و وهنه بهجرهم عنه، و لم يعمل بإطلاقه أحد حتى الصدوق (رحمه اللّه)، مع أنّ في طريقه أبي جميلة و هو بين ضعيف و مجهول.

(30) هذه الأقسام الأربعة تسمّى بالشكوك الهدمية: و يعتبر فيها أن يكون أحد طرفي الشك الخمسة، فما زاد، و أن يكون حدوثها في حال القيام قبل الركوع، و حينئذ فإن قلنا بجريان أصالة عدم الزيادة في مثل هذه الشكوك التي لا نص فيها فتجري، و يأتي بالركوع في القسم السادس و يتم الصلاة و لا شي ء عليه، و لكن ظاهرهم التسالم على سقوطها في عدد الركعات مطلقا حتى فيما لا نص فيه، مع أنّ هذه الشكوك داخلة في المنصوصة، لصدق كونه شاكا بين الثلاث و الأربع وجدانا في هذا القسم، و كونه شاكا بين الثلاث و الأربع في الثاني، و بين الاثنين و الثلاث و الأربع في الثالث، و بين الأربع و الخمس في الرابع، فتشملها ما مرّ من أدلّة الشكوك المنصوصة، فتكون داخلة فيها موضوعا أيضا لا حكما فقط، و يأتي زيادة توضيح آنفا.

(31) هذا التعبير يكشف عن رجوع هذه الشكوك إلى المنصوص بعد الجلوس و هدم القيام، و لكن الظاهر أنّها داخلة فيها في حال القيام و قبل هدمه،

ص: 257


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
الثامن: الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام

الثامن: الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام فيهدم القيام و يرجع شكّه إلى الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فيتم صلاته و يعمل عمله.

التاسع: الشك بين الخمس و الست حال القيام

التاسع: الشك بين الخمس و الست حال القيام فإنّه يهدم القيام فيرجع شكّه إلى ما بين الأربع و الخمس فيتم و يسجد سجدتي السهو مرّتين إن لم يشتغل بالقراءة أو التسبيحات (32) و إلّا فثلاث مرّات، و إن

______________________________

لأنّ المصلّي القائم الذي لا يدري ثلاثا صلّى و أنّ ما بيده الرابعة، أو صلّى أربعا و ما بيده الخامسة، فهو قاطع بوجود الثالثة و شاك في الرابعة، و مقتضى وجوب البناء على الأكثر أنّه صلّى أربعا، فيجلس و يتشهّد و يسلّم، و يأتي بالاحتياط بما مرّ في الشك بين الثلاث و الأربع و هكذا فيما يأتي.

ثمَّ إنّه لا ثمرة عملية في القول بأنّ شكّه حال القيام من الشكوك المنصوصة، أو يرجع إليها بعد الجلوس و هدم القيام، بل لا ثمرة علمية معتنى بها أيضا. نعم، يمكن أن يقال: إنّه على الثاني لا تشملها أدلّة الشكوك المنصوصة، لانصرافها عنها حينئذ. و هو باطل، لمنع هذا الانصراف خصوصا بعد قول الصادق (عليه السلام) في موثق حمزة بن حمران: «ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (1)، فتبيّن من ذلك حكم هذه الأقسام الأربعة، فلا وجه لأن نتعرّض لكل منها مستقلا.

(32) وجوب سجدتي السهو في جميع ما ذكر مبنيّ على وجوبها لكل زيادة و نقيصة غير ما هو المنصوص بالخصوص، كما أنّ تعددها لما ذكر مبنيّ على أنّ المناط في وحدتها و تعددها وحدة الفعل الذي حصل سهوا و تعدّده لا وحدة نفس السهو من حيث هو و تعدّده، كما أنّ وجوبها حتى المثل لقيام الذي وجب هدمه شرعا مبنيّ على شمول أدلّتها لمثل هذه الزيادة. و الكل محل البحث كما سيأتي التعرّض له في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 258


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

قال: «بحول اللّه» فأربع مرّات، مرّة للشك بين الأربع و الخمس، و ثلاث مرّات لكلّ من الزيادات من قوله: بحول اللّه، و القيام، و القراءة أو التسبيحات، و الأحوط في الأربعة المتأخرة بعد البناء و عمل الشك إعادة الصّلاة أيضا (33).

كما أنّ الأحوط في الشك بين الاثنتين و الأربع و الخمس، و الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس، العمل بموجب الشكّين ثمَّ الاستئناف (34).

______________________________

(33) لاحتمال عدم شمول أدلّة الشكوك الهدمية و لزوم الاقتصار على موردها فقط.

(34) هذان الشكّان من الشكوك المركّبة، لأنّ الأول مركب من الاثنين و الأربع و الخمس، و الثاني مركّب من الثلاث و الأربع و الخمس.

و الشكوك المركّبة على أقسام ثلاثة: تارة: يكون تمام أجزائه صحيحا- كالشك بين الاثنتين و الثلاث، و الثلاثة و الأربع.

و أخرى: يكون تمام أجزائه باطلا كالشك بين الواحدة و الأزيد، و الاثنتين و الخمس.

و ثالثة: يكون مركّبا من الصحيح و الباطل كالشك بين الثلاث و الأربع، و الاثنتين و الخمس، و لا ريب في أنّ الوسط من الشكوك المبطلة، و كذا الأخير على ما ادعي عليه الإجماع.

و أما الأول فادعي الإجماع على عدم كونه من الشكوك المبطلة و جريان حكم الشكوك البسيطة عليه، لإطلاق أدلّة البسائط الشامل لحال الانفراد و التركب.

و عن صاحب الجواهر (رحمه اللّه) الإشكال في الإطلاق لظهور الأدلّة في خصوص الانفراد، فلا تشمل المركب.

و يرد أولا: بأنّ استفادة خصوص الانفراد من الانصراف البدوي لا الظهور اللفظي، فالإطلاق ثابت.

ص: 259

مسألة 3: الشك في الركعات ما عدا هذه الصور التسعة

(مسألة 3): الشك في الركعات ما عدا هذه الصور التسعة

______________________________

و ثانيا: على فرض الظهور في خصوص الانفراد يكون حال التركب ملحقا به حكما، بقرينة الإجماع، و ما في بعض موثقات عمار (1) من أنّ البناء على الأكثر أصل كلّي مجعول لتتميم الصلاة.

و قد استشكل أيضا بأنّ ما مرّ من الشكّين مشتمل على الشك بين الاثنين و الخمس، و الثاني على الثلاث و الخمس و هما من الشكوك المبطلة.

و فيه: أنّ تحليل الشك الحاصل للمصلّي إلى الشكوك تارة: يكون بالدقة العقلية. و أخرى: يكون بالنظر العرفي. و ثالثة: بحسب وجدان الشاك، و لا اعتبار بالأول قطعا، و مقتضى الأخيرتين كونهما من الشكوك المركبة الصحيحة، لأنّ بعروض الشك يصير الاثنان طرفا للأربع في الأول، و الثالث طرفا للأربع فيكون طرف الخمس فيهما هو الأربع. نعم، يصح فرض كونه الاثنين أو الثلاث أيضا، و قد مرّ عدم الاعتبار بالفرض، مع أنّه يصح أن يقال: إنّ الشكوك المركّبة مطلقا شك واحد ذو أطراف كثيرة، فيكون جميع الأطراف طرفا لنفس الشك في عرض واحد كالعلم الإجمالي الذي له أطراف كثيرة، و قد اختار صاحب المستند في هذه الشكوك البناء على الأقل بدعوى أنّ أصالة عدم الزيادة ساقطة فيما أمكن البناء على الأكثر ثمَّ يتمم الصلاة بالاحتياط، و على فرض تمامية إجماعهم على سقوط أصالة عدم الزيادة، فإنّما يصح ذلك في مورد تعرّضهم له، لا في مورد سكوتهم عنه و لا وجه لسقوطهما فيما لا يمكن كما في نظائر المقام، و يشهد لهذه الدعوى ما ورد في الشك بين الأربع و الخمس (2)، فإنّ الشارع حكم فيه بالصحة، لأصالة عدم زيادة الركعة و حينئذ فطريق الاحتياط في هذه الشكوك إما البناء على الأقل و الإتمام ثمَّ الإعادة، لاحتمال كون الحكم فيها البناء على الأكثر و عمل الاحتياط، أو البناء على الأكثر و عمل الاحتياط ثمَّ الإعادة، لاحتمال كون الحكم فيها البناء، على الأقل و إتمام الصلاة بدون الاحتياط.

ص: 260


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

موجب للبطلان- كما عرفت- (35) لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقل صحيحا و الأكثر باطلا كالثلاث و الخمس و الأربع و الست و نحو ذلك البناء على الأقل و الإتمام ثمَّ الإعادة، و في مثل الشك بين الثلاث و الأربع و الست يجوز البناء على الأكثر الصحيح و هو الأربع و الإتمام و عمل الشك بين الثلاث و الأربع ثمَّ الإعادة، أو البناء على الأقل و هو الثلاث ثمَّ الإتمام ثمَّ الإعادة (36).

مسألة 4: لا يجوز العمل بحكم الشك من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه

(مسألة 4): لا يجوز العمل بحكم الشك من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه، بل لا بدّ من التروّي و التأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين، أو يستقر الشك (37)

______________________________

(35) إن كان مدرك هذه الكلية تعرض الأخبار لجملة من الشكوك المبطلة، و جملة من الشكوك الصحيحة و عدم تعرّضها لغيرها، فلا دلالة فيه، لأنّ التعرّض لها، لغلبة الابتلاء بها لا الحصر فيها، و إن كان المدرك سقوط أصالة عدم الزيادة في الشك في الركعات مطلقا و عدم صحة البناء على الأقل، فلا يمكن حينئذ تصحيح الصلاة، فقد مرّ إمكان المناقشة في سقوطها بقول مطلق حتى فيما لا يمكن فيه البناء على الأكثر، فيحتمل البناء على الأقل في غير الشكوك المنصوصة و إتمام الصلاة، لأصالة عدم الزيادة، كما يحتمل البناء على الأكثر الصحيح و إتمام الصلاة، لإطلاق ما دلّ على البناء على الأكثر، و الجبر بالاحتياط إنّما هو في مورد الاحتياج إليه لا مطلقا حتى لا يصح البناء على الأكثر إلّا فيما أمكن فيه الاحتياط، فيستفاد من أدلّة البناء على الأكثر لزومه مطلقا، و بعد البناء عليه إن احتاج إلى جبر النقص يجبر بالاحتياط و إلّا فلا.

(36) تقدّم ما يصلح دليلا لكل من الإتمام و الإعادة فراجع.

(37) لأنّ المتفاهم عرفا من الأدلة الشك المستقرّ لا الذي يكون في معرض الزوال بالتروّي كما هو كذلك في جميع الصفات التي تكون موضوعا للحكم- كاليقين، و الظن، و الخوف- لا أقلّ من الشك في أنّ الأدلّة هل تشمل الشك الذي يمكن زواله بالتروّي أم لا؟ فلا يصح التمسك حينئذ بإطلاقها، لأنّه من التمسّك

ص: 261

بل الأحوط (38) في الشكوك غير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ، و إن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشك (39).

______________________________

بالعام في الشبهة المصداقية، مع أنّ مقتضي أصالة عدم حدوث موجب البطلان في الشكوك المبطلة عدم الحكم بالبطلان بمجرد حدوثها، لأنّها ليست كالحدث قطعا، فما عن بعض من التمسك بالأصل، و إطلاق الأدلّة لعدم وجوب التروّي لا وجه له، و المقام نظير وجوب الفحص عن تعيين المكلّف به مع العلم بأصله في الجملة، و ليس وجوب التروّي نفسيّا و لا غيريّا، بل هو طريقي لتعيين الوظيفة كوجوب الفحص و التعلّم في سائر الموارد. هذا إذا احتمل التبدّل بالتروّي، و أما مع عدم احتماله فلا وجه لوجوبه، و يمكن أن يجمع بذلك بين الكلمات، فمن قال بالوجوب أراد صورة احتمال التبدّل، و من قال بالعدم أراد صورة عدم احتماله، فيرتفع النزاع بذلك من البيّن.

(38) حذرا عن إبطال الصلاة مهما أمكن، و لقاعدة (ما أعاد الصلاة فقيه).

(39) لشمول الإطلاق له حينئذ، و الظاهر أنّ الاستقرار العرفيّ مساوق لليأس عن حصول العلم أو الظنّ عرفا، و لو لم يكن مساوقا له يشكل التمسك بالإطلاق، لقوة احتمال إرادة خصوص ذلك منه بعد معلومية كثرة اهتمام الشارع بعدم إبطال صلاة المصلّي مهما وجد لتصحيحها طريق، و ما ورد: «ما أعاد الصلاة ففيه يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها»، و يؤيّد ذلك كثرة القواعد الامتنانية التسهيلية المجعولة للصلاة، و ما ورد من عدم تعويد الشيطان(1)، و لا بأس بالإشارة إلى بيان قاعدة «ما أعاد الصلاة فقيه»:

و الأصل فيها موثق حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها»(2).

ص: 262


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
مسألة 5: المراد بالشك في الرّكعات تساوي الطرفين

(مسألة 5): المراد بالشك في الرّكعات تساوي الطرفين (40) لا ما

______________________________

أقول: و هو موافق للسيرة في الجملة، لأنّ كل من له خبرة و إطلاق على عمل بخصوصياته و سائر جهاته و مصححاته الأولية و الثانوية لا يبادر إلى طرح عمله بمجرّد احتمال الفساد فيه و لا يستأنفه إلّا إذا عجز عن إصلاحه، و هذا أمر وجدانيّ لدى أهل خبرة كل حرفة و مهنة، و يعد ذلك من مهارتهم في صنعتهم و حرفتهم، إذ لا يبادروا إلى التخريب و التضييع ما كان لهم في الإصلاح تدبير و طريق، و لا بدّ للشارع من الاهتمام بهذه الجهة في الصلاة التي هي معترك الوساوس و معركة الشياطين في إبطالها بأيّ وجه أمكنهم، فلا بدّ و أن يقابل ذلك بأيّ وجه أمكن، و يدل على ما قلناه أيضا ما في صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (عليه السلام): هل سجد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) سجدة السهو قط؟ قال (عليه السلام): لا و لا يسجدهما فقيه» (1). و حيث إنّ كل عام قرين التخصيص و حليفه حتى قيل:- ما من عام إلّا و قد خص- خصص قوله (عليه السلام): «ما أعاد الصلاة فقيه قط» بما في خبر الهاشمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «سئل عن رجل لم يدر أ واحدة صلّى أم اثنتين؟ فقال (عليه السلام) له: يعيد الصلاة، فقال له: فأين ما روي أنّ الفقيه لا يعيد الصلاة؟!! فقال (عليه السلام): إنّما ذلك في الثلاث و الأربع» (2).

فقد خصصت هذه القاعدة بالنسبة إلى الشك في الأولتين، و تبقى على عمومها بالنسبة إلى كلما يصلح أن يدخل تحتها.

(40) يطلق الشك في العلوم العقلية على ما يقابل العلم و الظن و الوهم فما يحصل في النفس إن كان راجحا و لم يحتمل الخلاف فيه، فهو علم و إن احتمل الخلاف، فهو ظن، و الطرف المرجوح و هم، و ما تساوى فيه الطرفان فهو شك، و في علم الأصول، و اصطلاح الفقهاء يطلق على ما ليس بمعتبر، فالظنون غير المعتبرة يطلق عليها الشك بهذا الاصطلاح، و الظاهر أنّ اصطلاح الكتاب و السنّة ذلك أيضا، فيستعمل الشك فيهما في خلاف اليقين، و أما في خصوص المقام

ص: 263


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 13.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.

يشمل الظن، فإنّه في الركعات بحكم اليقين (41) سواء كان في الركعتين

______________________________

فحيث دلّ الدليل على اعتبار الظن في عدد الركعات فلا بد و أن يراد به ما يقابل الظن، و يستعمل الظن في اليقين في الكتاب الكريم كما فصّلناه في التفسير في الآيات المناسبة لذلك فراجع.

(41) لما يأتي من الأدلة عليه.

(قاعدة اعتبار الظن في عدد الركعات) و هي من القواعد المعتبرة في الجملة، و يمكن أن يستدلّ عليها بأمور:

الأول: أنّ الإتيان موافق لطبع إرادة الصلاة، فكل مسلم أراد الصلاة مقتضى طبع هذه الإرادة صدور المراد بأجزائها و شرائطها، إلّا إذا ثبت مانع في البين، فهذا ظاهر حال معتبر لدى المتشرّعة و لو لم يكن ظن في البين، فكيف بما إذا حصل الظن، و لو لا ما ورد من الشارع من المنع عن العمل بهذا الظاهر في مورد الشك لقلنا باعتباره فيه أيضا، مضافا إلى بقاء الإرادة الأولية الارتكازية الباعثة على العمل إلّا مع ثبوت الخلاف بحجة معتبرة.

الثاني: أنّه يستفاد ذلك من الأخبار المختلفة الواردة في الأبواب المتفرّقة من رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر (1)، و ما ورد في عدّ الركعات بالحصى أو الخاتم و عد الغير (2)، و قوله (عليه السلام): «ما أعاد الصلاة فقيه قسط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها» (3)، و قوله (عليه السلام): «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة، فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد- الحديث- (4)،

ص: 264


1- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

و تشريع القواعد التسهيلية على الناس و امتنانا عليه.

الثالث: الإجماع و هو في الأخيرتين يمكن تحصيله، و في الأولتين لم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن إدريس.

الرابع: أنّه مناسب للتسهيل الذي هو في عادة الشرع مهما أمكنه ذلك خصوصا في الصلاة التي تكون مورد ابتلاء الناس في كل يوم و ليلة مرات.

الخامس: الأخبار الخاصة، منها النبويّ: «إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فيبني عليه» (1)، و في الآخر: «إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب» (2)، فإنّ المراد بالصواب ما هو الأقرب إلى الواقع من الفعل أو الترك، و المراد بالأحرى و التحرّي ملاحظة الأقرب إلى الوقوع، فيدل على اعتبار الظن مطلقا في الأولتين أو غيرهما.

و منها: صحيح صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام): «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع و وهمك على شي ء، فأعد الصلاة» (3)، و إطلاق الأمر بالإعادة يختص بالأولتين، فيدل بالمفهوم على اعتبار الظن فيهما، و يكون حاكما على ما دل على لزوم حفظ الثنائية، و الثلاثية، و الأولتين من الرباعية.

إن قلت: هذا إذا لوحظ الحفظ و اليقين على وجه الطريقية، و أما إن لوحظ على وجه الموضوعية، فلا وجه لحكومة مثل الصحيح عليه.

قلت: مقتضى ظواهر الأدلّة بحسب المحاورات العرفية كونها طريقا محضا إلى الواقع إلّا إذا دلّ دليل بالخصوص على الموضوعية و هو مفقود.

و قد يستدل بموثق عمار: «إذا ذهب و وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة فأسجد سجدتي السهو بغير ركوع أ فهمت؟ قلت: نعم»(4) بدعوى أنّه (عليه السلام): في مقام بيان ضابطة كلية للظن و جعله معتبرا مطلقا سواء حصل بعد الفراغ أم في الأثناء، و لا بدّ من حمل قوله (عليه السلام): «فاسجد

ص: 265


1- سنن البيهقي ج: 2 صفحة: 330.
2- سنن ابن ماجه باب: 33 من كتاب إقامة الصلاة و السنّة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

الأوّلتين (42) أو الأخيرتين (43)

______________________________

سجدتي السهو» على الندب لعدم قائل بإطلاق وجوبهما، و هناك أخبار أخر يأتي التعرّض لها.

فروع- (الأول): لا فرق في الظن بين القويّ الذي وصل إلى مرتبة الاطمئنان، و الضعيف الذي لم يصل إليها، كما لا فرق بين ما كان مسبوقا بالشك و التردّد و بين غيره. نعم، لو حصل الظنّ ثمَّ تبدل إلى الشك يجري عليه حكم الشك، لأنّ المراد بالظن هو المستقر منه دون الزائل كما هو واضح.

(الثاني): الظنون الخاصة الحاصلة من الأمارات المعتبرة خارجة عن المقام لعدم الاحتياج في اعتبارها إلى التمسك بهذه الأدلّة، لفرض اعتبارها بالخصوص.

نعم، لو كان دليل اعتبارها مختصا بموارد مخصوصة تشملها إطلاقات أدلّة المقام و عموماتها حينئذ، فهي معتبرة في عدد الركعات لا محالة إما لأدلّتها إن كان لها عموم و إطلاق، أو لهذه الأدلّة.

(الثالث): المستفاد من إطلاقات المقام، و ظواهر كلمات الأعلام أنّ الظن كالعلم، فيبنى على ما ظن مصححا كان أو مبطلا، فلو ظن بالخمسة- مثلا- في الرباعية، أو الثلاثة في الثنائية أو الأربعة في الثلاثية يكون مبطلا، و لو ظن بالواحدة أو الاثنين أو الثلاثة أو الأربعة يبني على ما ظن بلا احتياج إلى الاحتياط و لا سجود السهو، و لو شك بين الاثنين و الثلاث و الأربع، ثمَّ ظن عدم الأربع يكون شكا بين الاثنين و الثلاث و هكذا، و لكن الأحوط في غير المتيقن من الأدلة البناء على الظن ثمَّ الإعادة. هذا بعض الكلام في حكم الظن في الركعات، و سيأتي الكلام في حكم الظن في الأفعال في [مسألة 16] من (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها).

(42) لما تقدّم من النبويّ و غيره من الأخبار.

(43) لما مرّ من الأدلة مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن: «إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع، فسلّم، و انصرف-

ص: 266

مسألة 6: في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين

(مسألة 6): في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين كالشك بين الاثنتين و الثلاث، و الشك بين الاثنتين و الأربع و الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- إذا شك مع ذلك في إتيان السجدتين، أو أحدهما

______________________________

الحديث-» (1)، و في صحيح الحلبي- في حديث-: «و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة، و لا تسجد سجدتي السهو، و إن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم ثمَّ اسجد سجدتي السهو» (2)و في صحيح ابن أبي العلاء عن الصادق (عليه السلام): «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع- الحديث-» (3) فيدل بالمفهوم على اعتبار الظن، و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) أيضا:

«إن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي ء- الحديث-» (4) إلى غير ذلك مما هو كثير.

و أما صحيح ابن مسلم- فيمن لا يدري ثلاثا صلّى أم أربعا- قال (عليه السلام): «فإن كان أكثر و همه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثمَّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض و صلّى ركعتين و تشهّد و سلّم» (5)، و قريب منه موثق أبي بصير (6)، فلا بد من حملهما على الاستحباب، أو طرحهما، لإعراض الأصحاب.

و أما صحيح ابن جعفر: «عن الرجل يسهو فيبني على ما ظن كيف يصنع؟

أ يفتتح الصلاة أم يقوم فيكبّر فيقرأ؟ و هل عليه أذان و إقامة؟ و إن قد سها في الركعتين الأخراوين و قد فرغ من قراءته هل عليه أن يسبّح أو يكبّر؟

قال (عليه السلام): يبني على ما كان صلّى إن كان فرغ من القراءة- الحديث-» (7) فإجماله يمنع عن الاعتماد عليه، و يأتي في [مسألة 16] من (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها) ما يرتبط بالمقام.

ص: 267


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7 و 8.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

و عدمه إن كان ذلك حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهّد بطلت الصلاة، لأنّه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بأحدهما فيكون قبل الإكمال (44).

و إن كان بعد الدخول في القيام أو التشهّد لم يبطل، لأنّه محكوم بالإتيان شرعا فيكون بعد الإكمال (45)، و لا فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أو تقدّم أحدهما على الآخر (46) و الأحوط الإتمام و الإعادة (47)

______________________________

(44) فيصدق حينئذ عدم حفظ الأولتين، كما يصدق دخول الوهم فيهما بعد عدم طريق معتبر لإثبات الحفظ و نفي الوهم عنهما.

(45) هذا صحيح بالنسبة إلى القيام، و أما إن دخل في التشهّد فالصحة مشكلة، لأنّ مقتضى جريان قاعدة البناء على الأكثر أنّ الركعة المتلبس بها ثالثة و ليست بثانية، فيجب إلغاء التشهّد الواقع في غير المحل و الإتيان بالسجدة، فلم يتجاوز المحل حتى تجري قاعدة التجاوز لا أقل من الشك في ذلك، فلا يصح التمسك بدليله لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى جريان قاعدة التجاوز كون الركعة ثانية، و عدم جواز الإتيان بسجدة أخرى، و أنّه لو أتى بها تكون صلاته باطلة، فلا يمكن الجمع بين القاعدتين و لا ترجيح لإحداهما على الأخرى في البين و لا ترتيب بينهما أيضا بكون إحداهما واقعية و الأخرى ظاهرية، بل كلاهما من القواعد المجعولة الظاهرية، فيجب الاحتياط بإتيان السجدة و إتمام الصلاة ثمَّ الإعادة.

نعم، لو قلنا بكفاية الدخول في مطلق الغير و لو لم يكن مرتبا شرعيا تجري القاعدة و تصح الصلاة، و كذا لو قلنا إنّ لازم البناء على الأكثر عرفا هو مضيّ المحل بالنسبة إلى ما يتعلق بالأولتين سواء أتى بالتشهّد أم لا، فيبني حينئذ على الأكثر و يتم الصلاة ثمَّ يأتي بالاحتياط، و لا بأس بهذا الوجه و إن أمكنت الخدشة في الوجه الأول بناء على اعتبار الدخول في الغير.

(46) لإطلاق الدليل الشامل لكل منهما.

(47) لاحتمال عدم شمول إطلاق دليل الشكوك الصحيحة لمثل الفرض.

ص: 268

خصوصا مع المقارنة أو تقدّم الشك في الركعة.

مسألة 7: في الشك بين الثلاث و الأربع

(مسألة 7): في الشك بين الثلاث و الأربع، و الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس، إذا علم حال القيام أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة السابقة بطلت الصّلاة، لأنّه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسيّة، فيرجع شكّه إلى ما قبل الإكمال، و لا فرق بين أنّ يكون تذكّره للنسيان قبل البناء على الأربع أو بعده (48).

مسألة 8: إذا شكّ بين الثلاث و الأربع- مثلا- فبنى على الأربع

(مسألة 8): إذا شكّ بين الثلاث و الأربع- مثلا- فبنى على الأربع ثمَّ بعد ذلك انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه (49).

______________________________

و لكنّه احتمال ضعيف و حيث إنّ هذا الاحتمال في صورة تقارن الشكين، أو تقدم الشك في الركعة الأولى خصّهما (رحمه اللّه) بأولوية الاحتياط، و لكن الاحتمال ساقط من أصله في تمام الصور، لحكومة ظهور الإطلاق على كل احتمال و إن كان الاحتياط حسنا على كل حال.

(48) فلا يكون هذا الشك موردا لشمول أدلّة الشكوك الصحيحة، و قد مرّ أنّ مثل هذا الشك قبل هدم القيام يكون من الشكوك المبطلة إذ لا أثر للقيام الذي وجب هدمه و إلقاؤه.

إن قلت: يمكن القول بشمولها للمقام أيضا فيهدم القيام، و يأتي بالسجدة، و يبني على الأكثر، و يتم الصلاة، ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط، إذ ليس الشك في الركعات قبل إحراز الأولتين مثل الحدث الموجب للبطلان بمجرد حدوثه، بل يكون موجبا للبطلان بعد عدم إمكان التصحيح أصلا و المفروض إمكانه في المقام.

قلت: نعم، لو شمل الإطلاق، و لكنه مشكل لا أقلّ من الشك في ذلك، و طريق الاحتياط الرجوع، و الإتيان بالسجدة، و البناء على الأكثر، و إتمام الصلاة، و عمل الاحتياط، ثمَّ الإعادة.

(49) لعموم أدلة العمل بالظن، و قد مر أنّ مجرّد حدوث الشك ليس.

ص: 269

و لو ظنّ الثلاث ثمَّ انقلب شكا عمل بمقتضى الشك (50)، و لو انقلب شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير (51)، فلو شك و هو قائم بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع فلما رفع رأسه من السجود شكّ بين الاثنتين و الأربع عمل عمل الشك الثاني، و كذا العكس (52) فإنّه يعمل بالآخر.

مسألة 9: لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ

(مسألة 9): لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ كما يتفق كثيرا لبعض الناس كان ذلك شكّا (53)، و كذا لو حصل له حالة في أثناء

______________________________

موضوعا للحكم، بل يكون موضوعه الشك المستقر لا الحادث الزائل.

(50) لأنّ الظن الحادث الزائل لا أثر له، بل هو مترتب على ما هو مستقر فعلا.

(51) لأنّ المناط في الشك الموجب للاحتياط المستقر منه دون الزائل كما تقدم مرارا.

(52) المراد بالعكس انقلاب الاثنين و الأربع بعد إكمال السجدتين إلى الشك بين الثلاث و الأربع لا عكس الفرض المذكور من تمام الجهة، فإنّه يوجب البطلان، لكونه من الشك بين الاثنين و الأربع قبل الإكمال، و يمكن أن يكون المراد العكس من تمام الجهة أيضا، و لكن بعد التروّي انقلب إلى الثلاث و الأربع، لما مر من أنّ الشكوك المبطلة بمجرد حدوثها لا تكون مبطلة مثل الحدث.

(53) البحث في هذه المسألة تارة: في فرض موضوعه. و أخرى: في بيان حكمه.

أما الأول: فربما يتوهم أنّه غير معقول، لأنّ الشك و الظن من الصفات الوجدانية و لا يعقل تردد النفس فيها.

و يرد: بأنّ غفلة النفس عن وجدانياتها واقعة كثيرا إذا عرضت لها الغفلة لابتلاآت دنيوية، أو عرضت لها الدهشة التذكر أهوال يوم القيامة و مواقفها، فالموضوع واقع خارجا لكل من أهل الدنيا و أهل الآخرة.

ص: 270

.....

______________________________

و أما الثاني: فلأنّ من تردد في أنّه ظان أو شاك إذا لا حظ ركعات الصلاة يكون شاكا حقيقة فيها- لا أن يكون ظانا فعلا بإحداها- فيجري عليه حكم الشك لا محالة، مع أنّ المتفاهم من الأدلة الواردة في الشك و الظن في الركعات أنّ المتردد بين الحالتين بحكم الشك. إذ الأحوال ثلاثة: إما ظن فقط، أو شك كذلك، أو حالة مترددة بينهما، و إلحاق الأخيرة بالأولى خلاف العرف بل الوجدان، و بالثانية لا يخلو عن المناسبة لوجود التردد فيها في الجملة.

إن قلت: كما ورد في اعتبار الظن في الركعات قولهم (عليهم السلام):

«و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع» (1)كذا ورد في حكم الشك لفظ اعتدال الشك، و اعتدال الوهم (2)، أو قوله (عليه السلام): «و وهمه في ذلك سواء»(3) و نحو ذلك مما يستفاد منه التوجه و الالتفات إليه كالظن، فكما أنّ موضوع اعتبار الظن في الركعات هو الالتفات إلى الطرف الراجح، يكون موضوع أحكام الشكوك هو الالتفات إلى اعتدال الوهم أيضا.

قلت: نعم، و لكن قد مرّ أنّه مع ملاحظة الركعات تكون ذات الصلاة مترددا فيها حقيقة و ملتفتا إليها فتشملها الأدلة. هذا بحسب ملاحظة المصلّي حاله بالنسبة إلى ركعات الصلاة، و المتفاهم من الأدلة و مقتضى العلم الإجمالي المردد بين الظن و الشك، و سقوط الأصل بالنسبة إلى كل منهما بالتعارض هو العمل بالوظيفتين، إلا أن يكون جامع بينهما في البين فيعمل به حينئذ، و لكن ظهر بما قلناه سقوط هذا العلم الإجمالي عن التنجز لاستظهار كون تلك الحالة شكا مع مساعدة العرف عليه أيضا. هذا كله إن لم يعلم الحالة السابقة و إلا فيبني عليها.

إن قلت: الأصل في الشكوك هو البطلان إلا إذا أحرز الدخول في إحدى الشكوك المنصوصة و لم يعلم ذلك في المقام.

قلت: لو سلم الأصل فإنّما هو فيما إذا لم يمكن الدخول في إحدى

ص: 271


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و 4.
3- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6 و غيره.

الصّلاة و بعد أن دخل في فعل آخر لم يدر أنّه كان شكا أو ظنّا بنى على أنّه كان شكا إن كان فعلا شاكا و بنى على أنّه كان ظنا إن كان فعلا ظانا، مثلا لو علم أنّه تردد بين الاثنتين و الثلاث و بنى على الثلاث و لم يدر أنّه حصل له الظنّ بالثلاث، فبنى عليه، أو بنى عليه من باب الشك يبني على الحالة الفعلية (54)، و إن علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه طرأ له حالة تردّد بين الاثنتين و الثلاث و أنّه بنى على الثلاث و شك في أنّه حصل له الظنّ به أو كان من باب البناء في الشك فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه (55).

______________________________

المنصوصات لا ما إذا أمكن بالسهولة و نظر العرف.

فتلخص مما مر: أنّ من عرضت له هذه الحالة فهو بملاحظة الركعات يكون شاكا، فإما أن يكون شكه من الشكوك المبطلة، أو من الصحيحة، أو مركبا منهما، و حكم الكل واضح مما مرّ و يأتي.

(54) لأنّ الحالة السابقة إما باقية بعينها أو متبدلة إلى غيرها، فإن كانت باقية، فتشملها الأدلة قهرا و إن كانت متبدلة إلى غيرها، فلا بد من العمل بالمتبدل إليها، لأنّ الحادثة الزائلة كالعدم، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، و العرف يساعده و الوجدان يقتضيه.

(55) إما لقاعدة الفراغ، لصدق كون الشك حادثا بعد الصلاة. و فيه: أنّ هذا الشك من حيث إنّه شك في عدد الركعات لم يحرز كونه حادثا بعد الصلاة، لإمكان كون الحالة السابقة شكا و قد بقي إلى ما بعد الفراغ، فلا تشمله أدلّة قاعدة الفراغ. نعم، الشك في أنّ الحالة السابقة شك أو ظن حادث بعد الصلاة و لا أثر له، لأنّ العمل بمقطوع الصحة بحسب القواعد الشرعية على كل تقدير، إنّما الشك في أنّه يجب تدارك المشكوك احتياطا و تتميما للامتثال أو لا، و مقتضى قاعدة الاشتغال هو الإتيان بصلاة الاحتياط، و أما جريان أصالة البراءة عن صلاة الاحتياط فهي مبنية على كون صلاة الاحتياط تكليفا مستقلا تكون حكمة جعلها تدارك ما فات، و لكنه مشكل، لاحتمال أن تكون من متممات الصلاة، فيتمحض الشك في

ص: 272

و إن كان أحوط (56).

مسألة 10: لو شك في أنّ شكّه السابق كان موجبا للبطلان، أو لا بنى على الثاني

(مسألة 10): لو شك في أنّ شكّه السابق كان موجبا للبطلان، أو لا بنى على الثاني (57)، مثلا لو علم أنّه شكّ سابقا بين الاثنتين و الثلاث

______________________________

الفراغ حينئذ و يجب الاحتياط.

و يمكن أن يقال: إنّ ذلك كله من مجرد الاحتمال و القواعد التسهيلية الامتنانية وردت لدفع مثل هذه الاحتمالات، فلو بنى على الاعتناء بها قل مجراها و موردها، فإطلاق كل من دليل الفراغ و البراءة يشمل المقام لصدق حدوث الشك بعد الفراغ في الجملة، و صدق الشك في أصل التكليف بالنسبة إلى صلاة الاحتياط.

(56) قد ظهر مما مر وجه هذا الاحتياط.

(57) الظاهر كون المقام من الموضوعات المركبة المحرزة بعض أجزائها بالأصل و بعضها بالوجدان، لأنّ تحقق الشك بين الاثنين و الثلاث وجدانيّ و مقتضى الأصل عدم تحقق الأخير، فإنّ وجدانه و زمان وجدانه بعد تحقق السجدتين، و يمكن أن يستفاد من أدلة الشكوك أنّ كل شك لم يمكن بحسب القواعد الشرعية إدخاله في الشكوك المبطلة و أمكن انطباق إحدى الشكوك الصحيحة عليه. يجري عليه حكم الشك الصحيح، و هذا هو الذي تقتضيه تسهيلات الشرع في هذا الأمر العام البلوى، ففي المقام تجري أصالة عدم تحقق المانع، فيتحقق موضوع الشك قهرا، و ليس ذلك من الأصل المثبت إذ لا نريد بها إثبات كون الشك في الأخيرتين، بل دفع الشك عن الأولتين ثمَّ العمل بما هو مقتضى الوجدان فعلا، مع جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الشك في البطلان، و يمكن أن يستأنس لمثل المقام- بما تقدم- من القاعدة (ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها).

إن قلت: قد ورد في خبر الهاشميّ، و عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) في تفسيرها: «إنّما ذلك بين الثلاث و الأربع» (1)، فلا وجه للتمسك بإطلاقه.

ص: 273


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

و بعد أن دخل في فعل آخر أو ركعة أخرى شكّ في أنّه كان قبل إكمال السجدتين حتّى يكون باطلا أو بعده حتّى يكون صحيحا بنى على أنّه كان بعد الإكمال، و كذا إذا كان ذلك بعد الفراغ من الصّلاة.

مسألة 11: لو شكّ بعد الفراغ من الصّلاة 58 أنّ شكّه هل كان موجبا للركعة

(مسألة 11): لو شكّ بعد الفراغ من الصّلاة (58) أنّ شكّه هل كان موجبا للركعة بأن كان بين الثلاث و الأربع مثلا- أو موجبا للركعتين- بأن كان بين الاثنتين و الأربع- فالأحوط الإتيان بهما ثمَّ إعادة الصّلاة (59).

مسألة 12: لو علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه طرأ له الشك في الأثناء

(مسألة 12): لو علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه طرأ له الشك في الأثناء، لكن لم يدر كيفيته من رأس فإن انحصر في الوجوه الصحيحة أتى بموجب الجميع و هو ركعتان من قيام و ركعتان من جلوس و سجود السهو (60) ثمَّ الإعادة (61)، و إن لم ينحصر في الصحيح، بل احتمل

______________________________

قلت: لا إشكال في أنّ ذكر الثلاث و الأربع من باب المثال، و لإخراج الشك في الأولتين لا التخصيص بهما كما هو واضح.

(58) لجريان جميع ما مرّ فيه أيضا من غير فرق بينهما.

(59) أما وجوب الاحتياط بالجمع بين الوظيفتين، فلأنّه من العلم الإجمالي بين المتباينين، لملاحظة كل واحدة منهما مستقلا لا من الأقل و الأكثر بأن يلاحظ الأقل بنحو التعيين. و أما الاحتياط في إعادة الصلاة، فلاحتمال لزوم الفصل بين الصلاة و صلاة الاحتياط بناء على عدم جواز الفصل بمثل صلاة الاحتياط، و إلّا فلا وجه للاحتياط بالإعادة.

(60) لأنّه من العلم الإجمالي بين المتباينين حينئذ، ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) لم يذكر الركعة من قيام مع أنّها من أطراف العلم الإجمالي.

(61) لما مرّ من احتمال الفصل بين الصلاة و صلاة الاحتياط التي تكون مأمورا بها واقعا بصلاة الاحتياط التي لا أمر بها واقعا.

ص: 274

بعض الوجوه الباطلة استأنف الصّلاة (62) لأنّه لم يدر كم صلّى (63).

______________________________

(62) مقتضى ما مرّ في [مسألة 10] من أنّه عند دوران الشك بين الصحيح و الباطل يحكم بالصحة هو الحكم بالصحة هنا أيضا، فيأتي بموجب الشكوك الصحيحة و لا شي ء عليه إلّا بناء على أنّ احتمال الخلل بين الصلاة و صلاة الاحتياط حتى بصلاة الاحتياط موجب للبطلان، فيجب عليه العمل بموجب الشكوك الصحيحة ثمَّ استئناف الصلاة من هذه الجهة.

و أما الفتوى بوجوب الاستئناف فلا وجه له، لأنّ مقتضى العلم بالإجمالي إما بوجوب الإعادة إن كان الشك من الشكوك المبطلة أو العمل بوظيفة الشك إن كان من الصحيحة هو الجمع بينهما.

إن قلت: حيث إنّ أحد طرفي العلم الإجمالي وجوب الإعادة و الطرف الآخر هو العمل بوظيفة الشك، و مع وجوب الإعادة لا يبقى موضوع لوجوب الطرف الآخر، فينحل العلم الإجمالي حينئذ، فتجب الإعادة و تجري البراءة عن موجب الشكوك الصحيحة.

قلت: سيأتي في [مسألة 21] أنّه لا يجوز في الشكوك الصحيحة ترك صلاة الاحتياط و الاكتفاء بالاستئناف فقط، فيكون في المقام أحد طرفي العلم وجوب صلاة الاحتياط، و الطرف الآخر وجوب الاستئناف، فتعارض أصالة البراءة بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين فيجب الاحتياط بالجمع بينهما.

(63) لا وجه لهذا التعليل، لأنّه يعلم بكميّة صلاته في فرض كون الشك من الشكوك الباطلة و يعلم صحتها مع الاحتياج إلى العلاج إن كان من الشكوك الصحيحة، و المركب من الشكين ليس شيئا مستقلا حتى يصح انطباق التعليل عليه حينئذ. نعم، في موثق ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام): «إذا شككت فلم تدر أ في ثلاث أنت أم في اثنتين، أم في واحدة أم في أربع فأعد و لا تمض على الشك»(1)

ص: 275


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
مسألة 13: إذا علم في أثناء الصّلاة أنّه طرأ له حالة تردد بين الاثنتين و الثلاث مثلا

(مسألة 13): إذا علم في أثناء الصّلاة أنّه طرأ له حالة تردد بين الاثنتين و الثلاث مثلا و شك في أنّه هل حصل له الظنّ بالاثنتين فبنى على الاثنتين أو لم يحصل له الظنّ فبنى على الثلاث يرجع إلى حالته الفعلية (64)، فإن دخل في الركعة الأخرى يكون فعلا شاكا بين الثلاث و الأربع و إن لم يدخل فيها يكون شاكا بين الاثنتين و الثلاث.

مسألة 14: إذا عرض له أحد الشكوك و لم يعلم حكمه من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها

(مسألة 14): إذا عرض له أحد الشكوك و لم يعلم حكمه من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها فإن ترجح له أحد الاحتمالين عمل عليه (65)، و إن لم يترجح أخذ بأحد الاحتمالين مخيرا ثمَّ بعد الفراغ رجع إلى المجتهد فإن كان موافقا فهو و إلّا أعاد الصّلاة (66)، و الأحوط

______________________________

و عليه، فكل ما تردد الشك بين أطراف و كان أحد أطرافه من الشكوك الباطلة يصدق أنّه لا يدري كم صلّى، و لكنه ممنوع، لأنّ البطلان في مورد موثق ابن أبي يعفور لأجل أنّ أحد أطراف الشك هو الواحدة لا لانطباق من لا يدري كم صلّى و مجرد أنّه صاحب الوسائل (قدس سرّه) ذكره في باب (وجوب الإعادة على من لم يدر كم صلّى) لا يوجب صحة الاعتماد عليه، لكثرة عنوانه (رحمه اللّه) الباب بعنوان و ذكره بعض الأخبار غير المناسبة للعنوان في ذلك الباب كما لا يخفي على أهله.

(64) لما تقدم في [مسألة 9] من أنّ المدار في ترتيب أحكام الشك و الظن على المستقر الثابت منهما دون الحادث الزائل، فإن كانت الحالة السابقة ظنا فقد تبدلت إلى الشك فعلا و إن كان شكا و دخل في ركعة أخرى تبدل إلى شك آخر و إلا فهو باق على ما هو عليه، فيكون حكمه العمل بالحالة الفعلية على كل تقدير.

(65) لما مرّ من اعتبار الظن بالحالة الفعلية على كل تقدير.

(66) لأنّ العلم بأحكام الشكوك و نحوها من المسائل الابتلائية و غيرها- اجتهاديا كان العلم أو تقليديا- طريق إلى الإتيان بالواقع، فإذا تحقق سقط الأمر و إلا فهو باق، فتجب الإعادة هذا ما هو مقتضى القاعدة و لا دليل على خلافها إلا

ص: 276

الإعادة في صورة الموافقة أيضا (67).

مسألة 15: لو انقلب شكه بعد الفراغ من الصلاة إلى شك آخر

(مسألة 15): لو انقلب شكه بعد الفراغ من الصلاة إلى شك آخر، فالأقوى عدم وجوب شي ء عليه، لأنّ الشك الأول قد زال و الشك الثاني بعد الصّلاة (68).

______________________________

بعض الإجماعات المنقولة على بطلان عبادة تارك طريق الاجتهاد و التقليد، و اعتبار مثل هذه الإجماعات مشكل، بل ممنوع بعد إحراز مطابقة العمل، و هذه الإجماعات مبنية على اعتبار الجزم و قصد الوجه، و بعد أن بطل المبنى يهدم البناء لا محالة.

(67) خروجا عن مخالفة نقل الإجماع و من اعتبر الجزم بالنية حين العمل.

(68) انقلاب الشك بعد الصلاة إلى شك آخر على أقسام:

الأول: أن يكونا متباينين من كل جهة، كما إذا شك في الصلاة بين الاثنين و الثلاث بعد الإكمال و بعد الفراغ من الصلاة انقلب إلى الأربع و الخمس مثلا، و المتيقن ممّا ذكره (رحمه اللّه) من التعليل هذا القسم فقط لو لم نقل بأنّ المنساق من أدلة قاعدة الفراغ ما إذا كان الشك ممحضا في الحدوث بعد الصلاة بحيث لم يكن مسبوقا بحدوثه في أثناء الصلاة و لو بجامع الشكية المتبدلة، و لكنه خلاف إطلاقات أدلتها و خلاف التسهيل و الامتنان كما لا يخفى.

الثاني: ما إذا تصادف الشكان في الجملة و كان بينهما جهة جامعة قريبة عرفا كالأمثلة المذكورة في المتن، و في كون الحادث بعد السلام حينئذ من الشك بعد الفراغ إشكال، بل منع لا أقلّ من الشك في ذلك فلا يشمله إطلاق أدلة الشك الحادث بعد الفراغ كما لا يشمله التعليل المذكور في المتن أيضا من قوله (رحمه اللّه): «إنّ الشك الأول قد زال» لأنّ الظاهر من الزوال ما إذا زال حتى بجامعه، و الشك في عدم الزوال المطلق يكفي في العدم.

إن قلت: كيف و قد تحقق السلام الصحيح شرعا، فيتحقق الفراغ قهرا.

قلت: الفراغ الحاصل بمثل هذا التسليم إما واقعيّ حقيقيّ بتمامية الصلاة من كل جهة، أو اعتقاديّ جزميّ، أو ظاهريّ بنائي، و الأولان مقطوعا العدم،

ص: 277

.....

______________________________

و الثالث غير محرز، لفرض حصول الشك فيه، فيشك في حصول الفراغ و مقتضى الأصل بقاء تلبسه بالصلاة.

إن قلت: في جريان أحكام الشك في أثناء الصلاة عليه إشكال أيضا للشك فيه بعد تخلل السلام.

(قلت): نعم، لأنّ ظاهر الأدلة هو كون الشك الذي يوجب العلاج بالركعة المنفصلة- و يسقط بذلك الأصل- أن يحرز كون حدوثه في أثناء الصلاة مثل قوله (عليه السلام): «متى ما شككت فخذ بالأكثر فإذا سلّمت فأتم ما ظننت أنّك نقصت» (1).

إن قلت: بأصالة بقاء التلبس بالصلاة يثبت كون الشك في الصلاة و يجري عليه أحكامه.

قلت: لو لا كونها مثبتة، فمقتضى قاعدة الاشتغال حينئذ هو الإتيان بالركعة المشكوكة موصولة، فإن كانت الصلاة تامة واقعا لم تضرّ الزيادة، فيتحقق السلام الواقع في محله، و إن كانت ناقصة تكون متمما لها، و لا شي ء عليه و الأحوط مع ذلك استئناف الصلاة.

الثالث: ما إذا انقلب إلى شك يعلم منه بنقصان الصلاة كما إذا شك بين الاثنين و الأربع ثمَّ بعد الصلاة انقلب إلى الاثنين و الثلاث، فيعلم بعد السلام بنقصان صلاته، لأنّ السلام واقع في غير المحل فيبني على الثلاث و يتم و يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، لأنّ الشك الأول حيث انقلب إلى الثاني فلا حكم له، و يجب العمل بحكم الثاني، و يسجد سجدتي السهو للسلام في غير المحل.

إن قلت: حيث تبيّن أنّه في الصلاة يجب الإتيان بالركعة المشكوكة متصلة و لا يبقى وجه للاحتياط بالركعة منفصلة.

قلت: مقتضى عدم صدق الفراغ في المقام- لا واقعا و لا إحرازا و لا بناء- أنّ الشك حصل في أثناء الصلاة، فيشمله إطلاق أدلته لا محالة، و قد مرّ سقوط

ص: 278


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

فلا يلتفت إليه (69)، سواء كان ذلك قبل الشروع في صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها (70)، لكن الأحوط عمل الشك الثاني ثمَّ إعادة الصّلاة (71) لكن هذا إذا لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة كما إذا شك بين الاثنتين و الأربع ثمَّ بعد الصّلاة انقلب إلى الثلاث و الأربع أو شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع مثلا ثمَّ انقلب إلى الثالث و الأربع، أو عكس الصورتين (72)

______________________________

الأصل في مورد جريان أدلة الشكوك، و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة.

الرابع: ما إذا أوجب الانقلاب العلم بزيادة ركعة- مثلا- و لا إشكال في البطلان حينئذ.

الخامس: ما إذا علم إجمالا إمّا بالنقصان أو بالزيادة، كما إذا شك في الصلاة بين الثلاث و الأربع، أو بين الاثنين و الأربع، ثمَّ بعد الفراغ انقلب شكه إلى الثلاث و الخمس، أو الاثنين و الخمس.

فإن قيل: بجريان الأصول في الركعات المشكوكة ينتفي احتمال الخامسة بأصالة عدم الزيادة، و تجري أصالة عدم الإتيان بالركعة المشكوكة، فيجب الإتيان بها متصلة و تصح الصلاة حينئذ و لا شي ء عليه، و لكن قد مرّ سقوطها في الشك في الركعات فتجب الإعادة، للعلم إجمالا إمّا بالنقصان أو بالزيادة و لا تجري قاعدة الفراغ للعلم بعدم جريانها إمّا لبطلان الصلاة لأجل الزيادة، أو لعدم تمامية الصلاة بعد.

(69) يصح هذا في القسم الأول بلا إشكال دون باقي الأقسام.

(70) لجريان الدليل في جميع هذه الأقسام إن كان من القسم الأول.

(71) هذا الاحتياط استحبابيّ في القسم الأول، و وجه استحبابه احتمال عدم شمول قاعدة الفراغ له، لوجود أصل الشك في أثناء الصلاة في الجملة و لكن قد مرّ ضعفه.

(72) هذه الصورة داخلة في القسم الثاني، و قد مرّ تفصيل القول فيه فلا وجه للتكرار.

ص: 279

و أما إذا شك بين الاثنتين و الأربع مثلا ثمَّ بعد الصّلاة انقلب إلى الاثنتين و الثلاث فاللازم أن يعمل عمل الشك المنقلب إليه الحاصل بعد الصّلاة لتبيّن كونه في الصّلاة و كون السّلام في غير محلّه (73)، ففي الصّورة المفروضة يبني على الثلاث و يتم و يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس و يسجد سجدتي السّهو للسّلام في غير محلّه و الأحوط مع ذلك إعادة الصّلاة (74).

مسألة 16: إذا شك بين الثلاث و الأربع أو بين الاثنتين و الأربع

(مسألة 16): إذا شك بين الثلاث و الأربع أو بين الاثنتين و الأربع ثمَّ بعد الفراغ انقلب شكه إلى الثلاث و الخمس و الاثنتين و الخمس وجب عليه الإعادة للعلم الإجمالي إما بالنقصان أو بالزيادة (75).

مسألة 17: إذا شك بين الاثنتين و الثلاث، فبنى على الثلاث ثمَّ شك بين الثلاث البنائي و الأربع

(مسألة 17): إذا شك بين الاثنتين و الثلاث، فبنى على الثلاث ثمَّ شك بين الثلاث البنائي و الأربع، فهل يجري عليه حكم الشكّين أو حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع؟ وجهان: أقواهما الثاني (76).

______________________________

(73) هذا من القسم الثالث، فراجع.

(74) للشك في شمول أدلة العلاج لمثل هذا الشك كالشك في شمول أدلة قاعدة الفراغ فمقتضى قاعدة الاشتغال الاستئناف.

(75) هذا هو القسم الخامس و قد مرّ الكلام فيه، و أنّ هذا العلم الإجمالي منجز إن قلنا بسقوط الأصول الجارية في الركعات كما هو المشهور. و أما مع عدمه فلا وجه لتنجّزه، لما ثبت في محله من أنّ جريان الأصل المثبت في أطراف العلم الإجمالي يوجب انحلاله.

(76) بدعوى أنّ أدلة أحكام الشكوك موضوعها الشك في الركعات الواقعية دون الأعم منها و من البنائية، و أنّ لزوم البناء على الأكثر إنّما هو بلحاظ تمام الآثار، و يكون الشك في المقام من الشك بين الاثنين و الثلاث و الأربع، و لكنه مشكل، لأنّ ظاهر دليل الشك بين الاثنين و الثلاث و الأربع أنّ الركعة في ظرف

ص: 280

مسألة 18: إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع

(مسألة 18): إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع ثمَّ ظنّ عدم الأربع يجري عليه حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث، و لو ظنّ عدم الاثنتين يجري عليه حكم الشك بين الثلاث و الأربع، و لو ظنّ عدم الثلاث يجري عليه حكم الشك بين الاثنتين و الأربع (77).

مسألة 19: إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث و أتى بالرابعة فتيقن عدم الثلاث

(مسألة 19): إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث و أتى بالرابعة فتيقن عدم الثلاث (78) و شك بين الواحدة و الاثنتين بالنسبة إلى ما سبق يرجع شكه (79) بالنسبة إلى حاله الفعلي بين الاثنتين و الثلاث فيجري حكمه (80).

______________________________

حدوثها مرددة بين الثالثة و الرابعة و في المقام ليس كذلك، لكونها بملاحظة ظرف حدوثها مرددة بين الثانية و الثالثة فهذا الشك الفعلي لم يكن حادثا من الأول، و ليس من انقلاب الشك بين الاثنين و الثلاث إلى الشك بين الاثنين و الثلاث و الأربع، بل هو من انضمام الشك إلى شك آخر و البحث في شمول إطلاقات أدلة الشكوك لمثل هذا الشك أيضا، فالأحوط إعادة الصلاة بعد العمل بمقتضى الشكين.

(77) لما مرّ من أنّ الظن في الركعات مثل اليقين، فيجري عليه حكمه من هذه الجهة، و لا يخفى أنّ مفروض هذه المسألة فيما إذا كان للشك أطراف ثلاثة.

و أما إن كان له طرفان و ظن بأحد الطرفين فينعدم الشك لا محالة و يخرج عن موضوع أحكام الشكوك قهرا.

(78) أو ظن به، لما مرّ من أنّه كاليقين.

(79) هذا الرجوع تعليقيّ بمعنى أنّه لو لم يأت بالرابعة لكان شاكا بينهما و إلا فلم يحصل له الشك الفعليّ الوجدانيّ بين الواحدة و الاثنتين في حال من الحالات.

(80) لتحقق موضوعه فعلا وجدانا، فيشمله حكمه قهرا، و مجرد حدوث الاعتقاد سابقا مع زواله لا أثر له، مع أنّه في ظرف حصوله لم يكن من الشكوك المبطلة، و الشك بين الواحدة و الاثنين لم يحصل له وجدانا.

ص: 281

مسألة 20: إذا عرض أحد الشكوك الصحيحة للمصلّي جالسا

(مسألة 20): إذا عرض أحد الشكوك الصحيحة للمصلّي جالسا من جهة العجز عن القيام، فهل الحكم كما في الصّلاة قائما فيتخيّر- في موضع التخيير بين ركعة قائما و ركعتين جالسا بين ركعة جالسا بدلا عن الركعة قائما أو ركعتين جالسا من حيث أنّه أحد الفردين المخيّر بينهما (81) أو يتعيّن هنا اختيار الركعتين جالسا (82) أو يتعيّن تتميم ما نقص (83)، ففي الفرض المذكور يتعيّن ركعة جالسا، و في الشك بين

______________________________

(81) لإطلاق أدلة الشكوك الشامل للصلوات الاختيارية و الاضطرارية أو إطلاق دليل التخيير، و إطلاق ما دلّ على بدلية الجلوس عن القيام، فتكون الركعة عن جلوس كالركعة عن قيام، و الركعتين عن جلوس كالركعتين عن قيام.

و فيه: أنّ أدلّة التخيير و بدلية الجلوس عن القيام إنّما هو فيما إذا وجب القيام بالذات كما في صلاة المختار لا في المقام الذي لا موضوع لتشريع القيام أصلا لفرض الاضطرار لا أقلّ من الشك في شمول تلك الأدلة للمقام فكيف يصح التمسك بها مع كونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. هذا مضافا إلى ما يأتي في الاحتمال الثاني.

(82) لأنّهما كانتا أحد فردي التخيير في حال الاختيار، فإذا تعذر الفرد الآخر و هو القيام تعيّن ما هو الممكن منهما كما هو مقتضى القاعدة في غير المقام مع أنّه متمكن إيجاد الركعة قائما ببدله فلا وجه للاجتزاء بالركعة جالسا، و أدلة الاضطرار و سقوط القيام لا تقتضي إلّا السقوط في مورد لا يتمكن من إيجاد شي ء يكون مثل الركعة عن قيام شرعا، و هنا يتمكن من ذلك.

و فيه: أنّ الركعتين جالسا في حقه تعدان بركعتين عن قيام، فتزيد صلاته على المقدار الموظف شرعا.

(83) لأنّ تشريع صلاة الاحتياط إنّما هو لتتميم النقص المحتمل، فيشمله إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كل ما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر، فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنّك نقصت» (1) فهو يشمل صلاة

ص: 282


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.

الاثنتين و الأربع يتعيّن ركعتان جالسا، و في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع يتعيّن ركعة جالسا. و ركعتان جالسا؟ وجوه أقواها الأول (84)، ففي الشك بين الاثنتين و الثلاث يتخيّر بين ركعة جالسا أو ركعتين جالسا، و كذا في الشك بين الثلاث و الأربع و في الشك بين الاثنتين و الأربع يتعيّن ركعتان جالسا بدلا عن ركعتين قائما، و في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع يتعيّن ركعتان جالسا بدلا عن ركعتين قائما و ركعتان أيضا جالسا من حيث كونهما أحد الفردين، و كذا الحال لو صلّى قائما ثمَّ حصل العجز عن القيام في صلاة الاحتياط (85)، و أما لو صلى جالسا ثمَّ تمكن من القيام حال صلاة الاحتياط فيعمل كما كان يعمل في الصلاة قائما (86) و الأحوط في جميع الصور المذكورة إعادة الصّلاة بعد العمل المذكور (87).

______________________________

المختار و المضطر، و ما و رد في سائر الأخبار من ذكر الركعة قائما، أو ركعتين كذلك (1)يكون المتفاهم منها عرفا صلاة المختار، فيكون تتميم نقصها المحتمل هكذا إن كان الاختيار باقيا حين الإتيان بصلاة الاحتياط أيضا، و لا ينافي ذلك أن يكون تتميم صلاة المضطرين بسنخها متعينا ما دام الاضطرار باقيا حين الإتيان بصلاة الاحتياط، و هذا هو الذي يقتضيه إطلاق الأدلة الأولية و الثانوية، و التسهيلات الشرعية.

(84) قد ظهر من جميع ما مرّ أنّه الأخير.

(85) لانقلاب تكليفه إلى الصلاة الاضطرارية، فيشمله دليل التكليف الاضطراري، فهو مثل من صلّى بعض الصلاة قائما، فعجز في الأثناء.

(86) لارتفاع موضوع التكليف الاضطراري، فليس له أن يعمل به فهو مثل ما إذا صلّى بعض الصلاة جالسا، فارتفع العذر في الأثناء.

(87) لحسن الاحتياط على كل حال، و للخروج عن مخالفة من اختار غير

ص: 283


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، و كذا غيره.
مسألة 21: لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصّلاة و استئنافها

(مسألة 21): لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصّلاة (88) و استئنافها، بل يجب العمل على التفصيل المذكور و الإتيان بصلاة الاحتياط، كما لا يجوز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصّلاة و الاكتفاء بالاستئناف (89)، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان (90).

______________________________

ما اخترناه من سائر الوجوه.

(88) للإجماع على حرمة قطع الفريضة، و لظواهر الأخبار الواردة في الشكوك، و يمكن الإشكال في الأول بأنّ المتيقن منه غير المقام و في الثاني، بأنّ الوجوب المستفاد منها طريقيّ لتصحيح العمل لا أن يكون لانقلاب الواقع إلى الصلاة الاحتياطية.

(89) لظاهر الأخبار العلاجية الواردة في الشكوك بناء على كونها في مقام بيان الوجوب النفسي، أو انقلاب الواقع إلى العلاج فقط، و الأول مشكل، و الثاني أشكل، لكونها في مقام التسهيل و إلقاء كلفة الاستئناف، فكما أنّ الاستئناف من طرق تصحيح العمل يكون العلاج أيضا كذلك، فأيّ ترجيح للثاني على الأول.

(90) أما الأولى، فلانحماء صورتها بالثانية.

و فيه: أنّه مبنيّ على عدم صحة إتيان الصلاة في الصلاة و لا دليل على عدم الصحة من عقل أو نقل.

و أما الثانية، فإما من جهة تعيين تكليفه حال الشك بالعمل بوظيفة الشاك.

و فيه: أنّه طريقيّ لتصحيح العمل لا أن يكون انقلابيا.

و إما لأجل أنّ الأجزاء المأتي بها قد سقط أمرها، فلا أمر بها حتى يؤتى بها بداعي الامتثال.

و فيه: أنّ سقوط أمرها كان ما داميا دائميا و من كل جهة.

و إما لأنّها علة لفوت الموالاة بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط، و علة الحرام حرام فتفسد إن كانت عبادة، لأنّ النهي فيها يوجب الفساد.

و فيه: أنّه نهي غيريّ لا أن يكون متعلقا بذات العبادة لنفسها، أو لجزئها أو

ص: 284

نعم، لو أتى بالمنافي في الأثناء صحت المستأنفة (91) و إن كان آثما في الإبطال (92)، و لو استأنف بعد التمام قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط لم يكف و إن أتى بالمنافي أيضا (93) و حينئذ فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط أيضا و لو بعد حين (94).

مسألة 22: في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكه

(مسألة 22): في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكه و أتم الصّلاة ثمَّ تبيّن له الموافقة للواقع ففي الصحة وجهان (95).

______________________________

لشرطها و ما يكون موجبا للفساد هو القسم الثاني دون الأول.

و إما لحرمة تبديل الامتثال بصلاة الاحتياط بامتثال آخر.

و فيه: أنّه لا دليل عليه بل هو أول الدعوى.

(91) لبطلان الأولى، فيبقى الأمر فتكون الثانية مأمورا بها قهرا، فيصح قصد الامتثال به.

(92) بناء على شمول دليل حرمة القطع لمثل هذه الصورة.

(93) بناء على لزوم ترتيب أحكام الجزئية على صلاة الاحتياط مطلقا يكون وقوع المنافي بينها و بين الصلاة الأصلية كوقوعه في الأثناء، و قد مرّ صحة الصلاة المستأنفة حينئذ و إن أثم في الإبطال بناء على ما ذكره. و أما بناء على عدم الجزئية فإن كان وجوب صلاة الاحتياط نفسيا محضا وجب إتيانها و لو بعد حين و لو استأنف الصلاة الأصلية. و أما إن كان طريقيا محضا، فبعد استئناف الصلاة لا موضوع لوجوب صلاة الاحتياط أصلا و الحق هو الأخير و يأتي في الفصل التالي بعض ما ينفع المقام.

(94) ظهر مما مرّ أنّه لا دليل عليه بعد استئناف الصلاة الأصلية.

(95) وجه الصحة أنّ وجوب الاستئناف في الشكوك الباطلة إنّما هو لتحصيل العلم بالفراغ بحسب الوظيفة الشرعية و المفروض تحققه. و وجه البطلان أنّها قد صارت محكومة بالبطلان ظاهرا بعد عروض الشك، و الحكم بالصحة يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

و فيه: أنّ الشكوك الباطلة ليست مثل الحديث حتى توجب البطلان بمجرد

ص: 285

.....

______________________________

العروض، بل المناط حفظ الصلاة عن الشك المبطل و المفروض تحققه بعد كشف الخلاف.

و بالجملة: ما يكون موجبا للبطلان هو المستقر الثابت غير الزائل دون ما كان بحسب الاعتقاد فقط مع تبين الخلاف. نعم، لا يبعد التفصيل بين الشك في الأولتين و سائر الشكوك المبطلة بدعوى أنّهما فرض اللّه تعالى، فيعتبر أن يكون المصلّي بعد التفاته في الجملة حافظا لهما غير شاك فيهما حين التلبس بهما، فيكون لنفس حفظهما موضوعية خاصة، لا أن يكون الحفظ طريقا إلى الواقع و هذا الاحتمال حسن ثبوتا، و لكن إقامة الدليل عليه مشكل إثباتا، لأنّ المنساق من قولهم (عليهم السلام): «حتى يحفظ و يكون على يقين» (1)، و قوله: «حتى تثبتهما» (2)، و «حتى يستيقن أنّه قد أتمّ» (3)و نحو ذلك من التعبيرات هو الطريقيّ منها كما في سائر موارد استعمالاتها دون الموضوعيّ فإنّه يحتاج إلى دليل بالخصوص، و لذا يقوم الظن و الأمارات المعتبرة مقامه كما مرّ في حكم اعتبار الظن في الأولتين فراجع.

إن قلت: في صحيح ابن أبي يعفور: «إذا شككت فلم تدر أ في ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد، و لا تمض على الشك» (4) فيستفاد منه النهي عن المضيّ على الشك و إطلاقه يشمل ما إذا انكشف الخلاف أيضا.

قلت: يمكن أن يكون المراد بالمضيّ على الشك الاكتفاء بإتيان المشكوك مع استقراره و عدم ظهور الخلاف، لأنّ المضيّ على الشك إنّما يصح فيما جعل للشك حكم كما في الشكوك الصحيحة، و أما في الأولتين فحيث لم يجعل له حكم توجب البطلان قهرا و لكن لو غفل و طابق الواقع يصح، لانتفاء موضوع جعل حكم الشك حينئذ. هكذا حكم الشكوك المبطلة.

و أما الصحيحة إذا غفل عن شكه و أتمّ الصلاة ثمَّ بان تماميتها بحسب الواقع، فالظاهر الصحة إلا بناء على انقلاب التكليف بحسب الواقع إلى وظيفة الشاك و لا دليل عليه، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

ص: 286


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 15.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
مسألة 23: إذا شك بين الواحدة و الاثنتين مثلا

(مسألة 23): إذا شك بين الواحدة و الاثنتين مثلا و هو في حال القيام أو الركوع أو في السجدة الأولى مثلا و علم أنّه إذا انتقل إلى الحالة الأخرى من ركوع أو سجود أو رفع الرأس من السجدة يتبيّن له الحال، فالظاهر الصحة (96) و جواز البقاء على الاشتغال إلى أن يتبيّن الحال.

مسألة 24: قد مرّ سابقا أنّه إذا عرض له الشك يجب عليه التروّي

(مسألة 24): قد مرّ سابقا أنّه إذا عرض له الشك يجب عليه التروّي حتّى يستقر أو يحصل له ترجيح أحد الطرفين لكن الظاهر أنّه إذا كان في السجدة مثلا و علم أنّه إذا رفع رأسه لا يفوت عنه الأمارات الدالة على أحد الطرفين جاز له التأخير إلى رفع الرّأس (97)، بل و كذا إذا كان في السجدة الأولى مثلا يجوز له التأخير إلى رفع الرّأس من السجدة الثانية، و إن كان الشك بين الواحدة و الاثنتين و نحوه من الشكوك الباطلة (98). نعم، لو كان بحيث لو أخر التروّي يفوت عنه الأمارات يشكل جوازه (99) خصوصا في الشكوك الباطلة (100).

______________________________

(96) إن لم يصدق المضيّ على الشك عرفا بالنسبة إليه مع علمه بأنّه تبيّن له الحال إذا انقلب إلى حالة أخرى و إلّا فيأتي فيه الإشكال السابق، و لكن الظاهر عدم الصدق، لأنّه في مقام التبين في أنه هل يكون ماض على الشك أم لا؟ و معه كيف يصدق عليه أنّه ماض على الشك، و لكن الأحوط في جميع هذه الفروض الإتمام ثمَّ الإعادة.

(97) للأصل، و لأنّه لا بد له من الإتيان بالسجدتين على كل تقدير و يأتي في [مسألة 17] من (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها) بعض الكلام.

(98) لا إشكال فيه في غير الأولتين. و أما فيهما، فيدور مدار صدق المضيّ على الشك و عدمه و قد مرّ ما يتعلق به في نظير المقام.

(99) بناء على فورية التروي حتى بهذا المقدار و هذا المقدار من الفورية مخالف للأصل و الإطلاق.

(100) لاحتمال كونه من المضيّ على الشك المبطل و قد تقدم ما يتعلق به و أنّه لا دليل عليه.

ص: 287

مسألة 25: لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير، فنوى بصلاته القصر و شك في الركعات بطلت

(مسألة 25): لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير، فنوى بصلاته القصر و شك في الركعات بطلت (101) و ليس له العدول إلى التمام و البناء على الأكثر (102) مثلا إذا كان بعد إتمام السجدتين و شك

______________________________

(101) إما لأنّ عروض الشك المبطل مثل الحدث و قد مرّ مكررا أنّه لا دليل عليه من عقل أو نقل. و إما لأنّ القصر و التمام حقيقتان مختلفتان، فبمجرد قصد القصرية تتمحض الصلاة في الثنائية و يقع الشك فيها فتبطل.

و فيه: أنّ الظاهر من الأدلة كونهما حقيقة واحدة، و أنّ القصرية و التمامية من الحالات كالجماعة و الفرادى مثلا- فكلما وجد من الصلاة من أول الشروع فيها إلى حين عروض الشك كما يصلح لأن يكون مصداقا للثنائية يصلح لأن يكون مصداقا للرباعية، و قصد المصلّي لم يعينه في شي ء، فإن أتمّها ثنائية يقع الشك في الثانية و يلزمه حكمه، و إن أتمّها رباعية يقع الشك فيها و يلزمه حكمه، فما لم يسلّم على الركعتين لا يحكم بالبطلان، بل لا يعتبر قصد القصر أو التمام، و يكفي قصد الظهر أو العصر مثلا كما مرّ في [مسألة 3] من (فصل النية).

و إما لأنّ ما دل على بطلان الصلاة بالشك في الثنائية و إمكان العلاج في الرباعية يختص بما كانت ثنائية أو رباعية تعينا لا تخييرا، فلا يكون مثل هذا الشك مشمولا لأدلة الشكوك أصلا، فيكون مبطلا لا محالة بعد سقوط الأصل في أعداد الركعات.

و فيه: أنّه مناف لإطلاق أدلة الشكوك خصوصا مثل قوله (عليه السلام):

«متى ما شككت فخذ بالأكثر» (1)، فإنّه شامل للمقام و غيره، و على احتمال عدم الشمول يلزم أنّه لو نوى من أول الأمر الرباعية فشك فيها بين الثلاث و الأربع مثلا أن تكون الصلاة باطلة، مع أنّه لا يلتزم به أحد.

(102) قد ظهر مما مرّ صحته و أنّه ليس من العدول الاصطلاحي في شي ء إنّما الكلام في أنّه واجب أم لا؟ مقتضى الجمود على حرمة إبطال العمل هو

ص: 288


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

بين الاثنتين و الثلاث لا يجوز له العدول إلى التمام و البناء على الثلاث على الأقوى (103) نعم، لو عدل إلى التمام ثمَّ شك صح البناء (104).

مسألة 26: لو شك أحد الشكوك الصحيحة

(مسألة 26): لو شك أحد الشكوك الصحيحة، فبنى على ما هو وظيفته و أتمّ الصّلاة ثمَّ مات قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فالظاهر وجوب قضاء أصل الصلاة عنه (105)، لكن الأحوط قضاء صلاة الاحتياط أو لا ثمَّ قضاء أصل الصلاة، بل لا يترك هذا الاحتياط (106). نعم، إذا مات قبل

______________________________

الوجوب، و يشهد له ما هو المعروف من أنّه إذا تعذّر أحد فردي التخيير تعيّن الآخر، فإذا تعذّر اختيار القصر يتعيّن التمام، و لكن في شمولها لمثل المقام تأمل، لأنّ المتيقن من الإجماع الدال على حرمة إبطال الصلاة في غير مثل المقام، و لأنّ المتفاهم مما هو المعروف ما إذا كان كل واحد من طرفي التخيير متميزا عن الآخر حدوثا و بقاء إذا اشتركا فيه في جملة من الأجزاء، بل في نصفها.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّه لا فرق بين كون القصرية و التمامية من الجهات المقوّمة، أو من الحالات لثبوت التخيير بقاء على كل حال كما يأتي.

(103) قد مرّ منه (رحمه اللّه) في [مسألة 3] من (فصل النية) قوله: «يشكل العدول إلى التمام و البناء على الثلاث و إن كان لا يخلو عن وجه» و قد تبيّن مما ذكرناه صحته.

(104) لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ.

(105) إما لظهور بطلانها بتخلل الموت بينهما و بين الاحتياط، و إما لأنّه لا دليل على صحة النيابة في خصوص صلاة الاحتياط و كذا الأجزاء المنسية، فمقتضى عمومات وجوب قضاء الصلاة و إطلاقاته وجوب قضاء الصلاة عنه.

(106) لقاعدة الاشتغال بعد الشك في فراغ الذمة بقضاء أصل الصلاة فقط، و لكن وجوب هذا الاحتياط مبنيّ على عدم كفاية استئناف أصل الصلاة في الشكوك الصحيحة، و قد مرّ في المسائل السابقة ما يتعلق به، فراجع و طريق الاحتياط أن يكون بعنوان الرجاء.

ص: 289

قضاء الأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها- كالتشهّد و السجدة الواحدة- فالظاهر كفاية قضائها (107) و عدم وجوب قضاء أصل الصّلاة و إن كان أحوط (108) و كذا إذا مات قبل الإتيان بسجدة السهو الواجبة عليه فإنّه يجب قضاؤها (109) دون أصل الصّلاة (110).

______________________________

(107) لإطلاق قوله (عليه السلام) في السجدة: «فإنّها قضاء»(1) و إطلاق قوله (عليه السلام): «التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة» (2) الشامل لحالتي الحياة و الموت.

(108) لاحتمال بطلان أصل الصلاة بتخلل الموت بينها و بين قضاء أجزائها المنسية.

(109) مقتضى الأصل عدم وجوب القضاء بعد عدم دليل عليه و ليس كل ما هو واجب يجب قضاؤه. إلّا أن يقال: إنّها تابعة لأصل الصلاة في القضاء أيضا كتبعيتها لها في جملة من شرائطها.

(110) لعدم كونها جزءا للصلاة و إنّما هي كفارة خاصة لوقوع السهو في الصلاة، فمقتضى الأصل عدم وجوب قضاء الصلاة بعد عدم دليل عليه.

ص: 290


1- الوسائل باب: 14 من أبواب السجدة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 1.

فصل في كيفية صلاة الاحتياط

اشارة

(فصل في كيفية صلاة الاحتياط) و جملة من أحكامها، مضافا إلى ما تقدم في المسائل السابقة.

مسألة 1: يعتبر في صلاة الاحتياط جميع ما يعتبر في سائر الصّلوات من الشرائط

(مسألة 1): يعتبر في صلاة الاحتياط جميع ما يعتبر في سائر الصّلوات من الشرائط. و بعد إحرازها ينوي، و يكبّر للإحرام (1)، و يقرأ (فصل في كيفية صلاة الاحتياط)

______________________________

(1) للإجماع على اعتبار كل ذلك، و تدل عليه الأخبار الواردة في أحكام الشكوك كقوله (عليه السلام): «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصّل ما ظننت أنّك نقصت» (1)، و قوله (عليه السلام): «فإذا فرغ تشهد و قام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب» (2)، و كذا: «ثمَّ صلّى ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب» (3)، و قوله (عليه السلام): «إن شئت صلّيت ركعة من قيام و إلا ركعتين من جلوس» (4)، و قوله: «فتشهد و سلّم ثمَّ صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ثمَّ تتشهد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعا كانتا هاتان نافلة» (5).

إلى غير ذلك مما هو كثير، ظهورها في أنّها صلاة منفردة- شرّعت لتدارك النقص المحتمل- مما لا ينكر، و مقتضي إطلاقها أنّه يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة مطلقا إلا ما دلّ الدليل على عدم الاعتبار في المقام بالخصوص، فيشملها

ص: 291


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 9.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

فاتحة الكتاب (2)، و يركع، و يسجد سجدتين، و يتشهّد، و يسلّم. و إن كانت ركعتين فيتشهّد و يسلّم بعد الرّكعة الثانية (3) و ليس فيها أذان، و لا إقامة (4) و لا سورة (5) و لا قنوت (6) و يجب فيها الإخفات في القراءة، و إن كانت الصّلاة جهرية (7) حتّى في البسملة على الأحوط و إن كان الأقوى جواز الجهر بها بل استحبابه (8).

______________________________

عموم أدلّة الشرائط و الأجزاء و الموانع و إطلاقاتها فتجب فيها النية، إذ لا صلاة إلّا بها، و تكبيرة الإحرام، لأنّها صلاة و هي مفتاح كل صلاة، و كذا يشملها أدلة اعتبار سائر الأجزاء و الشرائط إلّا ما خرج بالدليل.

(2) إذ لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب نصّا (1)، و إجماعا، مضافا إلى التنصيص بها فيما مرّ من النصوص.

(3) لتقوّم الصلاة بذلك كلّه، مع ذكرها فيما تقدّم من النصوص.

(4) لعدم مشروعيتها في النافلة، و كذا ما روعي فيها جهة الجزئية المحضة، فلو كانت واجبة يكفيها أذان أصل الصلاة و إقامتها.

(5) للأصل، و الإجماع، و لأنّها لو كانت مستقلة لكانت نافلة و لا سورة فيها، و لو كانت جزءا لكانت كإحدى الأخيرتين و لا سورة فيها أيضا.

(6) لظهور الاتفاق، و لأنّها لو كانت جزءا لكانت كإحدى الأخيرتين و لا قنوت فيهما. نعم، يبقى احتمال كونها مستقلة و حينئذ يستحب القنوت و يدفعه ظهور الاتفاق على عدمه، فيكون هذا مخصّصا لعمومات أدلة استحباب القنوت في النافلة.

(7) ليس في الأدلة ما يعيّن ذلك، و مقتضى الأصل عدم وجوب الجهر بالخصوص و لا الإخفات كذلك فيكون مخيّرا، و لكن مقتضى كونها بمنزلة إحدى الأخيرتين تعين الإخفات فيها.

(8) لإطلاق ما دلّ على استحباب الجهرية الظاهر في عدم تقييده بحال دون

ص: 292


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة و لا حظ الوسائل باب: 7- 11 من الخلل.
مسألة 2: حيث إنّ هذه الصّلاة مردّدة بين كونها نافلة أو جزء أو بمنزلة الجزء فيراعى فيها جهة الاستقلال و الجزئية

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 8، ص: 293

(مسألة 2): حيث إنّ هذه الصّلاة مردّدة بين كونها نافلة أو جزء أو بمنزلة الجزء فيراعى فيها جهة الاستقلال و الجزئية، فبملاحظة جهة الاستقلال يعتبر فيها النية، و تكبيرة الإحرام، و قراءة الفاتحة دون التسبيحات الأربعة، و بلحاظ جهة الجزئية يجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصّلاة (9) و عدم الإتيان بالمنافيات بينها و بين الصّلاة. و لو أتى

______________________________

حال حتى عدّ من علامات المؤمن- كما في الرواية (1)- و قد مرّ نظير المقام في [مسألة 22]: من (فصل أحكام الجماعة).

(9) لا بدّ من التكلم في جهات:

الأولى قد يقال: إنّ مقتضى الأصل كونه في الصلاة ما لم يأت بالاحتياط، فيكون السلام ملحقا بالسلام السهويّ حكما و إن لم يكن منه موضوعا، فلا يكون مانعا عن انضمام اللاحق بالسابق.

و فيه- أولا: أنّه لم يقل أحد بجريان حكم السلام السهويّ على مثل هذا السلام.

و ثانيا: ظواهر الأخبار الواردة في المقام دالة على حصول الفراغ مثل قولهم (عليهم السلام): «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصل» (2) و نحو ذلك من التعبيرات الظاهرة، بل الناصة في تحقق الفراغ الواقعي.

الثانية: قد استدل على أنّ تحليل المنافي بعد الصلاة و قبل الاحتياط يوجب البطلان بأمور كلها مخدوشة.

منها: اشتمال بعض أخبار الباب على كلمة (الفاء) المقتضية للترتيب بلا مهلة كقوله (عليه السلام): «فإذا سلّمت فأتم ما ظننت أنّك نقصت»(3) و نحوه غيره.

و يرد أولا: بعدم انحصار نصوص المقام بذلك، بل منها ما تشتمل على لفظ

ص: 293


1- الوسائل باب: 56 من أبواب المزار من كتاب الحج.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

(ثمَّ) و على (الواو) (1) و لا ريب في كونهما أعم من الفورية.

و ثانيا: بأنّ كلمة (الفاء) إنّما تدل على تعلّق الجزاء بالشرط في الجملة.

و أما كون ذلك من الترتيب بلا مهلة، فيحتاج إلى قرينة خارجية.

و منها: إطلاق المتمم في جملة من الأخبار عليها، و المتمم للشي ء لا يكون إلّا جزءا منه كقوله (عليه السلام): «فإذا سلّمت فأتمم فما ظننت أنّك نقصت».

و فيه أنّ إطلاق المتمم عليها بملاحظة أنّ فيها جهة المتممية في الجملة لا كونها جزءا من الصلاة الأصلية من كل جهة و إلّا لما احتاجت إلى النيّة و التكبيرة، فهي بمنزلة ما ورد في النوافل: «إنّ اللّه تعالى يتم الفرائض بالنوافل (2)، فإتمام الشي ء إكماله سواء كان بأجزائه الداخلية أو بالأمور الخارجية.

و منها: ما ورد في خبر ابن أبي يعفور من لزوم سجدتي السهو إن تكلّم بينها و بين الصلاة قال (عليه السلام): «فإن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (3).

و فيه: أنّه يحتمل أن يراد به التكلّم في الصلاة الأصلية، أو في صلاة الاحتياط، أو فيما بينهما و لا قرينة على الأخير كما هو واضح على الخبير.

و منها: ظهور التسالم على الجزئية و فيه: أنّه ليس من الإجماع، لذهاب جمع منهم ابن إدريس إلى أنّها صلاة مستقلّة.

و منها: أنّ مقتضى مرتكزات المتشرّعة تنزيلها منزلة الجزء. و فيه: أنّها حصلت من فتوى الفقهاء و قد مرّ مدرك الفتوى و المناقشة فيه.

و منها: ما يقال: إنّ المتفاهم من النصوص أنّ التكليف الواقعي بالنسبة إلى أصل الصلاة باق بحاله إلى أن يحصل الفراغ و هو لا يحصل إلّا بصلاة الاحتياط، فهي من الصلاة الأصلية قد تغيّرت فيها كيفية الامتثال فقط، لحكمة عدم تحقق الزيادة في الصلاة على فرض تماميتها في الواقع.

ص: 294


1- راجع الوسائل باب: 10 حديث: 4 و باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الفرائض و نوافلها.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

ببعض المنافيات، فالأحوط إتيانها ثمَّ إعادة الصّلاة (10)، و لو تكلّم سهوا

______________________________

و فيه: أنّه خلاف الظاهر من قولهم (عليهم السلام): «فإذا سلّمت» و «فإذا فرغت» (1) مما هو ظاهر بل نصّ في تحقق الفراغ و لم لا يجوز أن يكون المقام مثل ما ورد في النافلة من قول أبي جعفر (عليه السلام): «إنّما جعلت النافلة ليتم بها ما يفسد من الفريضة» (2).

الثالثة: أنّه يترتب على الجزئية أمور ثلاثة: وجوب الموالاة، و حرمة إتيان المنافي بينها و بين الصلاة تكليفا، و البطلان مع إتيان المنافي وضعا، فإن ثبتت الجزئية، فلا يحتاج إثبات الأمور الثلاثة إلى دليل مستقل و إلّا فلا بدّ لا يجاب كل واحد منها من إقامة دليل عليه بالخصوص، و المتسالم بينهم وجوب الموالاة و حرمة المنافي، فلا ثمرة في النزاع فيها من هذه الجهة.

قال في الجواهر «إنّ الفورية المزبورة ليست إلّا موالاة لحوق الأجزاء بعضها ببعض لا فورية تعبّدية نحو سجدتي السهو التي لا ربط لها بالصلاة بحيث لو تركها عمدا لم تبطل صلاته و إن أثم»، و يمكن استفادة التسالم على البطلان من تسالمهم على وجوب الموالاة و حرمة المنافي لملازمتها له عرفا إذ يبعد جدا أن يتعرّضوا لوجوب المبادرة و لا يتعرضوا للبطلان و حينئذ فلا ثمرة للنزاع أصلا.

و خلاصة الكلام: أنّ الملازمة العرفية بين وجوب الفورية و الموالاة و حرمة المنافي و بين البطلان مع تخلله تدل على أنّ الإجماع على أحد هذه الأمور وقع من حيث الملازمة لا من حيث هو فقط. و أشكل عليه بعدم كونه من الإجماع المعتبر. و يمكن دفع الإشكال بأنّ أصل تحقق الإجماع ثابت في الجملة و الملازمة ملتفت إليها عند المجمعين، فيكون كالعام الانحلاليّ الشامل لجميع الأفراد التي يمكن أن يشملها العموم.

(10) لعلّ عدم جزمه (رحمه اللّه) بالبطلان، لأجل أنّ الحرمة التكليفية مورد

ص: 295


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 10.

فالأحوط الإتيان بسجدتي السهو (11) و الأحوط ترك الاقتداء فيها، و لو بصلاة احتياط (12) خصوصا مع اختلاف سبب احتياط الإمام و المأموم (13)، و إن كان لا يبعد جواز الاقتداء مع اتحاد السّبب، و كون المأموم مقتديا بذلك الإمام في أصل الصّلاة (14).

مسألة 3: إذا أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط

(مسألة 3): إذا أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط، ثمَّ تبيّن له تمامية الصّلاة لا يجب إعادتها (15).

______________________________

الإجماع بخلاف الوضعية التي لم تذكر في كتب القدماء كما في الجواهر و إنّما المذكور فيها وجوب المبادرة و لكن قد مرّ أنّه يمكن أن يكون ذكره من باب المثال و الملازمة.

(11) إن كان ذلك لأجل استصحاب بقائه في الصلاة، ففيه أنّ مثل قولهم (عليهم السلام): فإذا فرغت و سلّمت فصلّ- الحديث-» (1)ظاهر في حصول الفراغ و يكون مقدما على الاستصحاب، و إن كان لأجل ما مرّ من خبر ابن أبي يعفور (2)، فقد تقدّم إجماله، و لا يبعد أن يستفاد من وجوب المبادرة أنّ الكون المتخلل بين الصلاة و صلاة الاحتياط بحكم الأكوان الصلاتية، و لكنّه مشكل.

(12) لأصالة عدم ترتب آثار الجماعة إلّا فيما دلّ عليه الدليل بالخصوص بناء على تمامية هذا الأصل، و قد أشرنا إلى ما يمكن المناقشة فيه في محلّه.

(13) لأنّه المتيقن من الأصل المزبور على فرض تماميته.

(14) لإمكان دعوى شمول دليل صحة الجماعة في الفريضة لها حينئذ لكونها من توابعها عند المتشرّعة فيشملها الإطلاق و العموم.

(15) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

ص: 296


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
مسألة 4: إذا تبيّن قبل صلاة الاحتياط- تمامية الصّلاة لا يجب الإتيان بالاحتياط

(مسألة 4): إذا تبيّن قبل صلاة الاحتياط- تمامية الصّلاة لا يجب الإتيان بالاحتياط (16).

مسألة 5: إذا تبيّن- بعد الإتيان بصلاة الاحتياط- تمامية الصّلاة تحسب صلاة الاحتياط نافلة

(مسألة 5): إذا تبيّن- بعد الإتيان بصلاة الاحتياط- تمامية الصّلاة تحسب صلاة الاحتياط نافلة (17)، و إن تبيّن التمامية في أثناء صلاة الاحتياط جاز قطعها (18)، و يجوز إتمامها نافلة (19)، و إن كانت ركعة واحدة ضمّ إليها ركعة أخرى (20).

______________________________

(16) لأنّه لا موضوع للجبران حينئذ مع تمامية الصلاة و استغنائها عنه مع عدم انقلاب التكليف الواقعي إلى الاحتياط حتى يجب نفسيا.

(17) لأنّ الصلاة من المستحبات النفسية بحسب الذات، و قد تحقق قصد أصل الصلاتية مع لحاظ جهة الاحتياطية، و انكشاف الخلاف في الثانية لا يستلزم بطلان أصل قصد الصلاة و المراد بالنافلة في المقام ذات الصلاة التي تكون مندوبة من جهة كونها خير موضوع لا نافلة خاصة.

هذا، مضافا إلى قوله (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور في الشك بين الثلاث و الأربع: «و إن كنت صلّيت أربعا كانتا هاتان نافلة»(1)و الظاهر أنّ ذكرهما من باب المثال لا اختصاص الحكم بخصوص الشكّين فقط. و هل يجوز الاحتساب بهما من النوافل المرتبة بعد الفراغ أو في الأثناء؟ وجهان: من إطلاق النص، و من أنّه خلاف القاعدة، و الإطلاق ليس واردا لبيان مثل هذه الجهات.

نعم، لو نوى من أول الأمر هكذا بحيث كان الترديد في المنويّ لا أصل النيّة، فالظاهر الصحة و الإجزاء عن النافلة المرتبة أيضا.

(18) لجواز قطع كل نافلة كما مرّ سابقا.

(19) لأنّ كل نافلة جاز قطعها جاز إتمامها نافلة أيضا كما هو معلوم.

(20) لأنّ قصد الركعة الواحدة كانت مقيّدة بجهة الاحتياطية و قد تبيّن الخلاف فيها، فيبقى قصد أصل الصلاتية المتصفة بالاستحباب، فتكون نافلة

ص: 297


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
مسألة 6: إذا تبيّن بعد إتمام الصّلاة- قبل الاحتياط، أو بعدها

(مسألة 6): إذا تبيّن بعد إتمام الصّلاة- قبل الاحتياط، أو بعدها، أو في أثنائها- زيادة ركعة- كما إذا شك بين الثلاث و الأربع و الخمس فبنى على الأربع ثمَّ تبيّن كونها خمسا (21)- يجب إعادتها مطلقا (22).

مسألة 7: إذا تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقصان الصّلاة فالظاهر عدم وجوب إعادتها

(مسألة 7): إذا تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقصان الصّلاة فالظاهر عدم وجوب إعادتها و كون صلاة الاحتياط جابرة (23)، مثلا إذا شك بين

______________________________

محضة و يجوز حينئذ القطع و الضم، لما مر من جوازهما في كل نافلة. هذا إن قلنا بعدم مشروعية النافلة ركعة واحدة إلّا في خصوص الوتر و إلّا فيصح الاكتفاء بها بلا ضم ركعة أيضا. هذا إذا كان قصد الوجه من باب تعدد المطلوب، و أما إن كان بعنوان التقوّم فيشكل صحة ضم الركعة حينئذ، لأنّ نصوص الاحتساب نافلة وردت فيما إذا أتى بركعتين، و حملها على مجرد المثال ثمَّ استفادة لزوم ضم الركعة منها خلاف الظاهر، إلّا أن يقال: إنّ الأدلّة الواردة في صلاة الاحتياط تسهيلية امتنانية وردت لعدم تضييع ما يصدر من المكلف مطلقا.

و على أي تقدير فإن كان متمما فهو، و إلّا فلم يضيع الشارع ما صدر منه بل جعله نافلة، و من لوازم جعله الإذن في ضم الركعة بعد انحصار الركعة الواحدة في خصوص الوتر.

(21) المراد بالخمس الذي كان طرف الشك هو ما كان في حال القيام و انهدم و ذهب موضوعه، و المراد بما تبيّن كونها خمسا حصول الاعتقاد و الجزم بعد الصلاة بأنّها خمس ركعات.

(22) لبطلان الصلاة من جهة زيادة الركعة نصّا (1)، و إجماعا بلا فرق فيه بين أن تكون عمدية أو سهوية كما مرّ في أوائل (فصل الخلل).

(23) لأنّه لا وجه لأصل تشريعها إلّا ذلك، و قال الصادق (عليه السلام)

ص: 298


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

الثلاث و الأربع فبنى على الأربع ثمَّ بعد صلاة الاحتياط تبيّن كونها ثلاثا صحت و كانت الركعة عن قيام- أو الركعات من جلوس عوضا- عن الركعة الناقصة.

مسألة 8: لو تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقص الصّلاة أزيد مما كان محتملا

(مسألة 8): لو تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقص الصّلاة أزيد مما كان محتملا (24) كما إذا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و صلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين و أنّ الناقص ركعتان- فالظاهر عدم كفاية صلاة الاحتياط بل يجب عليه إعادة الصّلاة.

______________________________

لعمّار: «ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثمَّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟ قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على الأكثر- الحديث-» (1).

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان الاحتياط موافقا للمنصوص في الكيفية كركعة من قيام إن كان النقص ركعة، أو ركعتين من جلوس بدل ركعة من قيام، لأنّ الشارع أذن في جميع ذلك و اكتفى بهذا النحو من الامتثال و جعله جابرا على كل حال.

(24) محتملات هذه المسألة ثلاثة: الأول إجراء حكم تذكر النقص بعد السلام عليه، فيأتي بركعتين متصلا و لا شي ء عليه، لأصالة بقاء الصلاة على صحة الالتحاق، و أصالة عدم المانعية، لتخلل صلاة الاحتياط.

الثاني: إلحاق ركعة أخرى بصلاة الاحتياط، لأنّ التكليف الواقعيّ في الاحتياط كان بالركعتين فوقع السلام في غير المحل و يصح إلحاق الركعة بها.

الثالث: بطلان أصل الصلاة، لانصراف أدلّة العلاج بالاحتياط عن مثل الفرض، و لا يترك الاحتياط بتتميم الصلاة بما يحتمل نقصه ثمَّ إعادتها إن كان التيقن قبل الإتيان بالمنافي.

ص: 299


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

و كذا لو تبينت الزيادة (25) عما كان محتملا، كما إذا شك بين الاثنتين و الأربع فبنى على الأربع و أتى بركعتين للاحتياط فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات.

و الحاصل: إنّ صلاة الاحتياط إنّما تكون جابرة للنقص الذي كان أحد طرفي شكه. و أما إذا تبيّن كون الواقع بخلاف كل من طرفي شكّه فلا تكون جابرة (26).

مسألة 9: إذا تبيّن قبل الشروع في صلاة الاحتياط نقصان صلاته لا تكفي صلاة الاحتياط

(مسألة 9): إذا تبيّن قبل الشروع في صلاة الاحتياط نقصان صلاته لا تكفي صلاة الاحتياط (27)، بل اللازم حينئذ إتمام ما نقص، و سجدتا السهو للسلام في غير محلّه إذا لم يأت بالمنافي. و إلّا فاللازم إعادة الصّلاة، فحكمه حكم من نقص من صلاته ركعة أو ركعتين على ما مرّ سابقا (28).

______________________________

(25) تجري فيه عين ما تقدّم من الوجوه الثلاثة باستثناء الوجه الثاني، فيأتي بركعة بقصد الاتصال بالصلاة الأصلية ثمَّ يعيد الصلاة. ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) في [مسألة 11] من (فصل الشك في الركعات) تردّد في أنّ الفصل بصلاة الاحتياط يوجب البطلان، و في المقام جزم بذلك فراجع و تأمّل.

(26) قد تبيّن مما تقدّم أنّ الجزم بعدم الجبران مشكل.

(27) لأنّ المتفاهم العرفي مما دلّ على العلاج بالاحتياط صورة بقاء الشك بعد الصلاة لا أقلّ من الشك في شمولها لمثل المقام، فلا يصح التمسك بعمومها حينئذ، لأنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع قاعدة الاشتغال.

(28) لأنّه بعد عدم شمول أدلّة الاحتياط للمقام يدور الأمر بين بطلان الصلاة أو إتمام ما نقص منها و لا وجه للأول، بل مقتضى الأصل، و إطلاق الأخبار(1)الواردة في نسيان الركعة، و صحة الصلاة مع تداركها و إطلاق معقد

ص: 300


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
مسألة 10: إذا تبيّن نقصان الصّلاة في أثناء صلاة الاحتياط

(مسألة 10): إذا تبيّن نقصان الصّلاة في أثناء صلاة الاحتياط، فإمّا أن يكون ما بيده من صلاة الاحتياط موافقا لما نقص من الصّلاة في الكم و الكيف- كما في الشك بين الثلاث و الأربع إذا اشتغل بركعة قائما و تذكر في أثنائها كون صلاته ثلاثا. و إما أن يكون مخالفا له في الكم و الكيف- كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالسا فتذكر كونها ثلاثا- و إما أن يكون موافقا له في الكيف دون الكم- كما في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع إذا تذكر كون صلاة ثلاثا في أثناء الاشتغال بركعتين قائما- و إما أن يكون بالعكس كما إذا اشتغل في الشك المفروض بركعتين جالسا- بناء على جواز تقديمهما- و تذكر كون صلاته ركعتين، فيحتمل إلغاء صلاة الاحتياط في جميع الصور و الرجوع إلى حكم تذكر نقص الركعة (29). و يحتمل الاكتفاء بإتمام صلاة

______________________________

الإجماع على الصحة حينئذ مع التدارك- كون المقام من موارد نسيان الركعة، و وقع السلام في غير المحل و دعوى اختصاصها بصورة عدم عروض الشك في الأثناء. بلا شاهد، بل الإطلاق على خلافه.

(29) لأصالة عدم تحقق العلاج بالاحتياط بالركعة المفصلة إلّا بما هو المعلوم من مفاد الأدلّة، و المعلوم من مفادها صورة استقرار الشك إلى ما بعد الفراغ منها، فلا يشمل صورة زوال الشك في أثنائها كما لا يشمل ما إذا زال قبل الشروع فيها و حينئذ فلا موضوع للاحتياط، بل وجب تتميم الصلاة بما نقص.

إن قلت: مقتضى استصحاب وجوبها حين الشروع فيها وجوب الإتمام و الاجتزاء بها.

قلت: لا وجه لجريان الاستصحاب، لأنّ زوال الشك يكشف عن عدم الوجوب سابقا أصلا و أنّه كان من تخيّل الوجوب فقط لا أقلّ من الشك في شمول أدلّة العلاج بالاحتياط لمثل الفرض، فكيف يتحقق اليقين السابق حتى يجري الأصل و من ذلك يظهر ما في الجواهر من الاعتماد على الاستصحاب إن لم يكن

ص: 301

الاحتياط في جميعها (30) و يحتمل وجوب إعادة الصّلاة في الجميع (31). و يحتمل التفصيل بين الصور المذكورة (32). و المسألة محل إشكال، فالأحوط الجمع بين المذكورات بإتمام ما نقص، ثمَّ الإتيان بصلاة الاحتياط ثمَّ إعادة الصّلاة (33).

______________________________

تخلل ما وقع من الاحتياط مضرّا به و إعادتها إن كان مضرّا، فالأحوط إتمام الصلاة و تتميم أصل الصلاة ثمَّ الإعادة إذ لم يستفد شي ء من الأدلّة في جميع صور المقام إلّا ما كان مخالفا في الكم فراجع.

(30) جمودا على الإطلاقات، و تمسكا بالاستصحاب بناء على عدم شمولها للمقام، و لكنّه في صورة الاختلاف الكمي بعيد جدّا. و قال في الجواهر:

«بل هي أوضح فسادا مما سبق و إن نسبه في الروضة إلى ظاهر النص و الفتوى معللا له فيها بالامتثال المقتضي للإجزاء و هو عجيب» و كلام صاحب الجواهر متين كما لا يخفى.

(31) لقاعدة الاشتغال بعد قصور شمول أدلّة العلاج للمقام، و الشك في شمول أدلّة تذكر النقص في الأثناء لما نحن فيه، لفوت الموالاة بما أتى به من الاحتياط، فكل هذه الاحتمالات يوجب الترديد في شمول الأدلّة اللفظية و اللبية للمقام، فلا بدّ حينئذ من الاحتياط.

(32) فيكتفي بالاحتياط في الصورة الأولى فقط، لكونها أقرب إلى الصلاة الأصلية بحسب متفاهم المتشرّعة فتشلمها إطلاقات أدلّة العلاج بخلاف بقية الصور. و فيه: أنّه إن كان الاختلاف في الكيف مأذونا من طرف الشارع يكون كالاتحاد فيه فتشملها الإطلاقات أيضا. نعم، في شمولها لصورة الاختلاف في الكمية إشكال و إن كان خلاف الجمود على الإطلاق.

(33) للعلم الإجمالي بوجوب أحد هذه الوظائف، فيجب الاحتياط بعد عدم استفادة تعين إحداها من الأدلّة.

ص: 302

نعم، إذا تذكر النقص بين صلاتي الاحتياط في صورة تعددها مع فرض كون ما أتى به موافقا لما نقص في الكم و الكيف لا يبعد الاكتفاء به (34) كما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و بعد الإتيان بركعتين قائما تبين كون صلاته ركعتين.

مسألة 11: لو شك في إتيان صلاة الاحتياط بعد العلم بوجوبها عليه

(مسألة 11): لو شك في إتيان صلاة الاحتياط بعد العلم بوجوبها عليه فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه و يبني على الإتيان (35)، و إن كان جالسا في مكان الصّلاة، و لم يأت بالمنافي و لم يدخل في فعل آخر بنى على عدم الإتيان (36). و إن دخل في فعل آخر، أو أتى بالمنافي أو حصل الفصل الطويل- مع بقاء الوقت- فللبناء على الإتيان بها وجه (37)،

______________________________

(34) لكونه حينئذ من صغريات ما مرّ في [مسألة 7]، بل ينبغي الجزم بالصحة كما جزم فيها، لأنّ احتمال كون مجموع الاحتياطين تداركا للنقص المحتمل مما يقطع بخلافه.

(35) لقاعدة عدم اعتبار الشك بعد الوقت، و المتفاهم من الأدلّة و المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ صلاة الاحتياط موقتة بوقت الفريضة، فيجري فيها كل ما يجري في الفريضة من غير فرق إلّا مع الدليل على الخلاف.

(36) لقاعدة الاشتغال من غير دليل حاكم عليها.

(37) إما لأجل جريان قاعدة الفراغ، بدعوى: أنّ فعل المنافي و الفصل الطويل يكشف عن تحقق الفراغ، فتجري القاعدة حينئذ.

و أشكل عليه أولا: بأنّه لا ملازمة بينها و بين تحقق الفراغ الواقعي أو البنائي بوجه أبدا، و يمكن دفعه بأنّ الظاهر حال المصلّين في مثل ذلك يقتضي الفراغ عن الصلاة و عمّا يتعلّق بها.

و ثانيا: أنّ مجرى القاعدة هو الشك في صحة الموجود لا الشك في أصل الموجود و المقام من الثاني دون الأول. و فيه: أنّه يمكن إرجاع المقام إلى الأول باعتبار الصلاة الأصلية.

ص: 303

و الأحوط البناء على العدم و الإتيان بها، ثمَّ إعادة الصّلاة (38).

مسألة 12: لو زاد فيها ركعة أو ركنا و لو سهوا بطلت

(مسألة 12): لو زاد فيها ركعة أو ركنا و لو سهوا بطلت (39)،

______________________________

و إما لأجل اعتبار الفورية و الموالاة مع الصلاة الأصلية في صلاة الاحتياط شرعا، فيكون الشك- بعد فوت الفورية- شك في الشي ء بعد تجاوز المحل، فلا يعتنى به.

و أشكل عليه بأنّه لا بدّ من الدخول في الغير في صحة جريانها.

و يمكن دفعه بما مرّ من عدم دليل على هذا الاعتبار و المناط كلّه مضيّ المحل و لا ريب في مضيّه بناء على الفورية.

و إما لأجل قوله (عليه السلام) في خبر إبراهيم بن هاشم: «لا سهو في سهو» (1) أو «على سهو» كما في صحيح حفص (2).

و فيه: ما سيأتي من إجماله، و عدم الاعتبار به إلّا فيما هو المتيقّن من مفاده.

و يمكن الخدشة فيه بأنّه يؤخذ بإطلاقه إلّا فيما دلّ الدليل على خلافه.

(38) للعلم الإجمالي إما بوجوب الإتيان بصلاة الاحتياط، لاحتمال عدم بطلان الصلاة بذلك، أو إعادة الصلاة، لاحتمال بطلانها به، و هذا الاحتياط واجب بناء على عدم تمامية ما مرّ من الوجوه و إلّا فلا وجه لوجوبه كما هو معلوم و إن كان لا ريب في حسنة.

(39) لإطلاق ما دلّ على البطلان بالزيادة الركنية، و أنّه لم يخالف في البطلان أحد كما في مفتاح الكرامة.

إن قلت: مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «لا سهو في سهو» عدم البطلان، مع أنّ زيادة الركن في النافلة لا توجب البطلان.

قلت: مع ظهور الإجماع لا وجه للعمل بإطلاقه على فرض عدم إجماله، و ما دلّ على عدم بطلان النافلة بزيادة الركن ظاهره النافلة المحضة دون مثل المقام.

ص: 304


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

و وجب عليه إعادتها (40)، ثمَّ إعادة الصّلاة (41).

مسألة 13: لو شك في فعل من أفعالها

(مسألة 13): لو شك في فعل من أفعالها، فإن كان في محله أتى به. و إن دخل في فعل مترتب بعده بنى على أنّه أتى به، كأصل الصّلاة (42).

مسألة 14 لو شك في أنّه هل شك شكا يوجب صلاة الاحتياط أم لا؟

(مسألة 14) لو شك في أنّه هل شك شكا يوجب صلاة الاحتياط أم لا؟ بنى على عدمه (43).

______________________________

(40) للأصل، و إطلاقات أدلّة وجوبها بعد الإخلال بالفورية في صلاة الاحتياط، فتكون غير قابلة للتدارك، فتبطل لا محالة. إلّا أن يقال: بعدم استفادة الفورية بهذا النحو من الأدلّة، فتصح الصلاة مع الإتيان بالاحتياط أو الشك فيه، فيجب الاحتياط بالجمع بين الإتيان بصلاة الاحتياط و إعادة أصل الصلاة إن لم يجر أصل موضوعيّ في المقام و هو استصحاب وجوب صلاة الاحتياط، و استصحاب كونها جابرة.

و فيه: أنّه من الاستصحاب المردد بين مقطوع البقاء- لو لم تكن الفورية بهذا المقدار معتبرة- و مقطوع الزوال لو كانت معتبرة و يمكن دفعه لمناط الفورية العرفية القابلة للشك فيها عرفا.

(41) لاحتمال بطلانها بتخلّل ما وقع.

(42) لجريان أحكام الصلاة الأصلية عليها إلّا ما دلّ الدليل على الخلاف فتجري فيها جميع القواعد التي تجري في أصل الصلاة من الاعتناء بالشك إن كان في المحل، و عدم الاعتناء به إن كان بعده و غيرهما و لا دليل على الخلاف إلّا قوله (عليه السلام): «لا سهو في سهو» كما تقدّم، و ظهور إجماعهم على عدم جريانه في المقام مانع عن الاستدلال به إلّا في المعلوم من مفاده- كما سيأتي- و إن لم نقل بإجماله.

(43) لقاعدة الفراغ إن كان بعد الصلاة. هذا إذا حدث الشك بعد الفراغ، و أما إن كان في أثناء الصلاة، فيرجع إلى حالته الفعلية، لأنّ ما كان سابقا إن تبدّل

ص: 305

مسألة 15: لو شك في عدد ركعاتها

(مسألة 15): لو شك في عدد ركعاتها (44) فهل يبني على

______________________________

إلى الحالة الفعلية، فالحكم للمتبدّل إليه دون ما تبدّل و إن كانت الحالة الفعلية هي السابقة بعينها، فالحكم أوضح من أن يخفى.

(44) الشك في صلاة الاحتياط تارة: يكون في أصل الإتيان بها، و قد مرّ حكمه في [مسألة 11] و أخرى: يكون في أجزائها و صحتها و فسادها و قد تقدم حكمه في [مسألة 3] و يأتي في [مسألة 17]. و ثالثة: يكون في عدد ركعاتها سواء كانت صلاة الاحتياط ركعة واحدة أو اثنتين، و ينحصر الشك فيها بحسب الغالب في موارد ثلاثة:

الأول- ما إذا كانت ركعة واحدة و شك فيها بين الواحدة و الاثنين.

الثاني: ما إذا كانت ركعتين و شك بين الواحدة و الاثنين.

الثالث:- هذه الصورة مع كون الشك بين الاثنين و الثلاث و لا بدّ من أن نذكر قاعدة (لا سهو في سهو) حتى يتبيّن الحال.

فرع: إذا شك- مثلا- بين الثلاث و الأربع و شرع في صلاة الاحتياط و بعد رفع رأسه من سجودها علم أنّه نسي ركعة من صلاة الفريضة يأتي بالسلام بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، ثمَّ يعيد أصل الصلاة على الأحوط.

(قاعدة لا سهو في سهو) البحث في مسألة الشك في عدد ركعات الاحتياط التي هي من صغريات قاعدة (لا سهو في سهو) تارة: بحسب العمومات، و أخرى: بحسب الدليل الخاص، و ثالثة: بحسب الاعتبار.

أما الأول فيحتمل أن يكون الشك فيها من الشكوك المبطلة رأسا، لأنّها إما ركعة واحدة أو ركعتان و الشك فيهما من الشكوك المبطلة- كما تقدّم- و يحتمل عدم كونه منها و إجراء حكم الشك في النافلة عليها و الشك فيها لا يوجب البطلان، لاقتضاء احتمال كونها نافلة ذلك و حينئذ فيبني إما على الأقل و يتمّها إن احتاجت إلى الإتمام، أو يبني على الأكثر الصحيح كما يأتي في الشك في النافلة، و يمكن

ص: 306

.....

______________________________

استظهار هذا الاحتمال من جهة تغليب الشارع عليها حكم النافلة، و لو لم يمكن استظهار أحد الاحتمالين لوجب الاحتياط بإجراء حكم الشك في النافلة عليه ثمَّ إعادتها، لاحتمال كون الشك فيها من الشكوك المبطلة كما مرّ، ثمَّ إعادة الصلاة أيضا لاحتمال بطلان الصلاة بتخلّل ما شك فيها ما بينها و بين المعادة، و احتمال كون المعادة هي الاحتياطية الواقعية و كون ما شك فيها باطلة بناء على البطلان بذلك.

و أما الثاني: فليس إلّا قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حفص:

«ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة» (1)، و قوله (عليه السلام): في خبر إبراهيم بن هاشم: «و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأولتين في كل صلاة سهو، و لا سهو في النافلة» (2).

و الأول صحيح و كذا الثاني على المعروف بين المتأخرين، و لكن إبراهيم بن هاشم يروي في هذا الخبر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) بلا واسطة و هو غير معهود منه فراجع.

و لو كنا نحن و ملاحظة الصدر و الذيل لهذه الجملة في الحديثين لكان السهو الأول ظاهرا في الشك، و السهو الثاني عبارة عن موجب السهو، أو الشك مثل صلاة الاحتياط، أو قضاء الأجزاء المنسية، أو سجدتي السهو، و ذلك لأنّ السهو في سياق الحديثين أريد به الشك قطعا، بل الظاهر أنّ السهو في الروايات و اصطلاحات الرواة يراد به الشك إلّا مع قرينة على الخلاف، و حيث إنّ إرادة نفس الشك من الثاني خلاف المتعارف، لندرة الشك في الشك جدّا، فيتعيّن إرادة موجب الشك بالمعنى الأعم منه و من السهو تعميما لما يكون من الابتلائيات في الصلاة.

ص: 307


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1 و راجع باب: 24 حديث: 3.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.

.....

______________________________

و قال في الجواهر: «الظاهر الاقتصار في تفسير هذه الفقرة على أن يراد بالسهو الأول الشك، و السهو الثاني الشك أو السهو على إرادة الموجب، فيكون المعنى لا شك في موجب شك أو سهو- بالفتح- و على عموم المجاز- إلى أن قال- قد عرفت ظهور سياق النص و الفتوى في إرادة الشك من السهو الأول- إلى أن قال- بل في الرياض استظهار إرادة الشك من السهو الثاني أيضا منهما (أي من العلامة و الشيخ) و من غيرهما، بل استظهر عدم الخلاف فيه من عبارة الأول منها».

هذا بحسب الاستظهارات العرفية و كلمات الأصحاب.

و أما الثالث: أي بحسب الاحتمال العقلية في هذه الجملة مع أنّ الاحتمالات بعيدة عن سياق ألفاظ الكتاب و السنّة و بناء الفقه و الفقهاء المأنوسين بكلمات المعصومين مطلقا، و لكن حيث ذكرها جمع، فنحن نقتضي أثرهم و نقول:

إما أن يراد بالأول خصوص الشك فقط، أو السهو كذلك، أو الأعم منهما، و من الثاني أيضا كذلك فهذه تسعة احتمالات، و يحتمل أن يراد من السهو الأول موجبة، و من الثاني نفسه أو موجبة، فتصير الاحتمالات ثمانية عشر و لا حجية لكل واحد من هذه الاحتمالات إلّا إذا دلّت عليه حجة معتبرة أخرى من إجماع أو غيره، و قد ذكر في الجواهر ثمانية منها ثمَّ قال: «و عن ظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادة الثمان من هذه الفقرة و هو مشكل لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها و الخروج عنه بمثل هذه النصوص المجملة مشكل».

أقول: و يمكن دعوى القطع بأنّه ليس من عادة الأئمة (عليهم السلام) بيان الأحكام بهذا النحو من الإجمال خصوصا أحكام الصلاة. و الاحتمالات الثمانية التي ذكرها في الجواهر نذكرها إجمالا:

الأول: الشك في تحقق الشك و قد مرّ في [مسألة 9] من (فصل الشك في الركعات) و [مسألة 14] من هذا الفصل حكمه.

الثاني: الشك في أنّه هل سها أو لا؟، فإن كان بعد الفراغ، فهو من مجاري قاعدة الفراغ و إن كان في الأثناء و بعد تجاوز المحل، فهو من مجاري قاعدة التجاوز، فلا أثر لهذه الجملة المجملة فيها، و إن كان في المحل فمقتضى قاعدة الاحتياط لزوم الإتيان به إلّا إذا عمل بإطلاق هذه الجملة المجملة و قال في الجواهر و نعم ما

ص: 308

.....

______________________________

قال: و هدم تلك القاعدة المعلومة المنقول عليها الإجماع ببعض محتملات هذه الفقرة مما لا يجترئ عليه ذو حريجة في الدين».

الثالث: الشك في موجب الشك أي صلاة الاحتياط و هذا أظهر الاحتمالات و هو الظاهر من الأصحاب كما في الجواهر، و في مفتاح الكرامة عن أربعين المجلسي: «أنّ أكثر الأصحاب خصّوا قولهم (عليهم السلام): «لا سهو في سهو» بهذه الصورة»، و في الدروس: «نسبته إلى ظاهر المذهب»، و في الجواهر:

«و المراد بعدم الالتفات كما صرّح به بعضهم البناء على الأكثر بالنسبة إلى الأعداد (ما لم يستلزم فسادا)».

الرابع: الشك في موجب السهو أي التشهّد المنسيّ و سجدتي السهو و السجدة المنسية، و هذا القسم مثل سابقة في أنّه أظهر الاحتمالات و الظاهر من الأصحاب.

الخامس: أن يكون المراد بكل منهما النسيان كما إذا نسي سجدة- مثلا- و ذكرها في التشهّد و لم يعد لإتيانها فنسي العود إليها بعد ذلك و الظاهر وجوب العود إليها ما لم يدخل في الركوع، و إن نسي ذلك يقضيها بعد الصلاة، و الحكم بعدم القضاء و صحة الصلاة مستندا إلى احتمال من احتمالات هذه الجملة اعتماد على المجهول، بل أصل صحة الصلاة في مثل الفرض مشكل.

السادس: السهو عن الشك كما لو شكّ في السجدة و كان في محل يمكنه التدارك لو كانت مشكوكا فيها ثمَّ سها عن ذلك، فإن كان في المحل وجب التدارك، لكونه شكا قبل تجاوز المحل، و لو خرج عن محل تدارك المنسيّ بأن لم يدخل في الركن اللاحق، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب العود، و مقتضى أحد احتمالات هذا الحديث المجمل عدم العود، و الاعتماد عليه اعتماد على مجرد الاحتمالات بلا دليل عليه، و الأحوط إتمام الصلاة ثمَّ قضاء المشكوك إن كان له قضاء ثمَّ إعادة أصل الصلاة.

السابع: أن يراد بلفظ السهو النسيان، فيكون المعنى: إنّ النسيان في موجب النسيان «بالفتح» لا حكم له كما إذا نسي إحدى سجدتي السهو و تجاوز المحل، أو نسي بعض واجبات السجدة المنسية، أو التشهّد المنسي و التمسك

ص: 309

الأكثر (45) الا أن يكون مبطلا (46) فيبني على الأقل أو يبني على الأقل مطلقا (47)؟ وجهان (48)، و الأحوط البناء على أحد الوجهين، ثمَّ إعادتها ثمَّ إعادة أصل الصّلاة (49).

______________________________

بعدم الالتفات مطلقا حتى لو كان في المحل بأحد احتمالات هذا اللفظ المجمل قول بلا دليل و تعويل على العليل، فلا بد من انطباقه على سائر القواعد، فيكون التمسك به حينئذ من لزوم ما لا يلزم.

الثامن: أن يراد بالسهو الثاني الشك بحذف المضاف أي لا سهو في موجب الشك، فمن تكلّم سهوا- مثلا- في صلاة الاحتياط لا تجب عليه سجدتي السهو، و نسب ذلك إلى الشهرة، و لكن لا ظهور للحديث كما لا يخفى.

(45) هذا هو المشهور، بل عن الدروس نسبته إلى ظاهر المذهب، و لأنّ البناء على الأقل اعتناء بالشك و هو خلاف ظاهره، و إن نسب إلى المحقق الأردبيلي القول به، لكنه مخالف للمشهور بل الإجماع.

(46) لأنّ الحديث بصدره و ذيله في مقام التصحيح و أنّه ليس على المكلف شي ء، و لو كان الأكثر مبطلا لوجب الاستئناف حينئذ و هو خلاف ظاهره، فيجب حينئذ البناء على الأقل.

(47) لأصالة الاشتغال، و أصالة عدم الزيادة بعد عدم دليل حاكم عليها، لقصور: «لا سهو في سهو» عن الحكومة، لإجماله، و كذا ما دلّ على البناء على الأكثر، لظهوره في الصلوات الأصلية دون الاحتياطيات العلاجية، و عدم تحقق إجماع يصح الاعتماد عليه.

(48) مقتضى نسبة الدروس الأول إلى ظاهر المذهب تعيّنه، لأنّه من الإجماع المعتبر كما عليه بناء الفقهاء في مثل هذا التعبير.

(49) لما مرّ في أول المسألة و ظهر أيضا أنّ الاحتياط استحبابي.

فروع- (الأول): لو علم أنّه سها عن سجدة و لم يعلم أنّها من أيّ ركعة فإن كان بعد الفراغ يقتضي سجدة مع الإتيان بسجدتي السهو و تصح صلاته و لا شي ء عليه، و كذا إن كان في الأثناء و علم بأنّها كانت من الركعات السابقة. و أما إن علم

ص: 310

مسألة 16: لو زاد فيها فعلا من غير الأركان أو نقص فهل عليه سجدتا السهو أو لا؟

(مسألة 16): لو زاد فيها فعلا من غير الأركان أو نقص فهل عليه سجدتا السهو أو لا؟ وجهان (50) فالأحوط الإتيان بهما.

______________________________

بأنّها إما كانت من الركعة السابقة أو هذه الركعة التي يكون محلّها باقيا يأتي بها و يتم الصلاة و لا شي ء عليه.

(الثاني): لو علم أصل السهو و لم يعلم أنّه في سجدة واحدة أو في القراءة- مثلا- فإن كان بعد الفراغ تصح صلاته و لا شي ء عليه و إن كان في الأثناء يجري فيه ما تقدم في الفرع الأول.

(الثالث): لو علم أصل السهو و لم يعلم أنّه سجدة أو تشهّد، فإن كان بعد الفراغ يقضيهما مع سجدة السهو لكل منهما لقاعدة الاحتياط، و إن كان في الأثناء و أمكن الإتيان بهما بأن كان في محلّهما كما إذا كان في الجلوس من الركعة الثانية يأتي بهما، و كذا إن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة لما مرّ من قاعدة الاحتياط، و إن أمكن تدارك أحدهما يأتي به و لا شي ء عليه بالنسبة إلى الآخر لأصالة البراءة.

(الرابع): لو علم أصل السهو و لم يعلم أنّه سجدة أو ركوع، فإن كان بعد الفراغ يقضي السجدة، لأصالة عدم الإتيان بها و أصالة عدم عروض المبطل في الصلاة بالنسبة إلى الركوع، و الأحوط مع ذلك إعادة أصل الصلاة، و كذا إن كان في الأثناء و تجاوز عن محل التدارك، فيتدارك ما كان محلّه باقيا و يجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الآخر و الأحوط إعادة الصلاة.

(الخامس): لو علم أصل السهو و لم يعلم أنّه ركوع أو قراءة، فإن كان بعد الفراغ، أو في الأثناء مع مضيّ محل تداركها يقوي الصحة و الأحوط الإعادة، و إن كان في الأثناء و أمكن تداركهما أو أحدهما، فكما مرّ في الفروع السابقة. هذا ما تقتضيه القواعد المعمولة المعتبرة في الصلاة، و أما نفي الأثر للسهو في جميع هذه الفروع و الحكم بصحة الصلاة مطلقا تمسكا بعموم حديث: «لا سهو في السهو» فعهدة إثباته على مدّعيه و قد ظهر مما مرّ أنّه لا دليل عليه.

(50) وجه الوجوب إطلاق أدلّة وجوبها لكل زيادة و نقيصة الشامل لصلاة

ص: 311

مسألة 17: لو شك في شرط أو جزء منها بعد السلام لم يلتفت

(مسألة 17): لو شك في شرط أو جزء منها بعد السلام لم يلتفت (51).

مسألة 18: إذا نسيها و شرع في نافلة أو قضاء فريضة أو نحو ذلك فتذكر في أثنائها قطعها

(مسألة 18): إذا نسيها و شرع في نافلة أو قضاء فريضة أو نحو ذلك فتذكر في أثنائها قطعها (52) و أتى بها ثمَّ أعاد الصّلاة على

______________________________

الاحتياط أيضا بناء على كونها كأصل الصلاة من هذه الجهة أيضا. و وجه العدم احتمال شمول حديث: «لا سهو في سهو» (1)لنفي سجدتي السهو أيضا، أو إجراء حكم النافلة عليها من هذه الجهة كما مرّ و لا ريب في أنّ رفع اليد عن الإطلاق بمجرّد الاحتمال مشكل جدّا، كما أنّ إجراء حكم النافلة عليه من هذه الجهة أشكل، و لكن الشك في أصل الوجوب يجري في جريان أصالة عدمه.

(51) لقاعدة الفراغ، و ظهور الاتفاق، و يشهد له حديث: «لا سهو في سهو» أيضا.

(52) أما في النافلة، فلظهور الاتفاق على جواز قطعها مطلقا، فكيف بما إذا كان الإتمام منافيا لواجب فوريّ كما في المقام.

و أما في الفريضة، فلأنّ إبطال إحدى الصلاتين مما لا بدّ منه، لأنّ إتمام الثانية يوجب بطلان الأولى، لفوات الفورية المعتبرة في احتياطها و تتميم الأولى بإتيان الاحتياط يوجب بطلان الثانية و المسألة من موارد التعيين و التخيير، و احتمال الترجيح في إتمام الأولى فيتعيّن إتمامها بناء على لزوم الأخذ بالمعيّن في دوران الأمر بين التعيين و التخيير. هذا كلّه بناء على عدم جواز الصلاة في الصلاة، و إلّا فيأتي بالاحتياط في أثناء الثانية فريضة كانت أو نافلة ثمَّ يتمّها و يصح الجميع.

و أما عدم جواز إتيان صلاة في أثناء صلاة أخرى، فاستدلّ عليه تارة:

بالإجماع. و فيه: أنّه لا اعتبار بهذا الإجماع، لأنّهم يستدلّون للبطلان بما يأتي من الوجهين الأخيرين، فيكون الإجماع من المعلوم المدرك.

و أخرى: بأنّه موجب لفوت الموالاة المعتبرة. و فيه: أنّه لا كلية فيه، مع أنّ

ص: 312


1- تقدّم في صفحة: 304.

الأحوط (53). و أما إذا شرع في صلاة فريضة مرتبة على الصّلاة التي شك فيها- كما إذا شرع في العصر فتذكر أنّ عليه صلاة الاحتياط للظهر- فإن جاز عن محلّ العدول قطعها (54) كما إذا دخل في ركوع الثانية مع كون احتياطه ركعة أو ركوع الثالثة مع كونها ركعتين، و إن لم يجز عن محل العدول فيحتمل العدول إليها (55) لكن الأحوط القطع و الإتيان بها ثمَّ إعادة الصلاة.

______________________________

كون فوت الموالاة الحاصل بالصلاة موجبا للبطلان يحتاج إلى دليل أيضا و هو مفقود.

و ثالثة: بأنّه من الفعل الكثير، فيكون باطلا و مبطلا. و فيه: ما مرّ في سابقة من غير فرق، و قد ورد إتيان الفريضة في أثناء صلاة الآيات راجع [مسألة 12] من صلاة الآيات (1)فمقتضى أصالة عدم المانعية، و أصالة الصحة صحة صلاة الداخلة و المدخولة فيها. ثمَّ إنّه على فرض تمامية الدليل على المنع يختص بصورة العمد و الاختيار، فلو أدخل صلاة في أخرى سهوا، أو غفلة، أو اضطرارا تصحّ الصلاتان معا.

(53) أما وجوب الإتيان بالاحتياط، فللأصل و إطلاق دليل وجوبها، و أما إعادة الصلاة، فلاحتمال بطلانها بتخلّل ما وقع بينها و بين الاحتياط نسيانا.

(54) بناء على وجوب الترتيب حتى في هذه الصورة و إلّا فيكون حكمه حكم ما تقدّم في سابقة من غير فرق، و إثبات وجوب الترتيب حتى في المقام، مع كون وجوبه ذكريا التفاتيا مشكل إن لم يكن ممنوعا.

(55) محتملات المقام ثلاثة: العدول إليها و هو خلاف القاعدة فيحتاج إلى دليل و هو مفقود، و إتيان صلاة الاحتياط في أثناء الصلاة و الاجتزاء بذلك و قد تقدّم ما استدلّ به على المنع و المناقشة فيه، و قطع الصلاة و الإتيان بصلاة الاحتياط ثمَّ

ص: 313


1- راجع ج: 7 صفحة 304.
مسألة 19: إذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا فيها قضاهما بعدها على الأحوط

(مسألة 19): إذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا فيها قضاهما بعدها على الأحوط (56).

______________________________

إعادة أصل الصلاة، لاحتمال بطلانها بما تخلّل بينها و بين الاحتياط من الصلاة اللاحقة، و بعد بطلان العدول و إدخال الصلاة في الصلاة تكون هذه المسألة أيضا من موارد الدوران بين التعيين و التخيير و قد مرّ أنّ الترجيح في قطع اللاحقة إن لزم الأخذ بالمعين، فتذكّر.

(56) لاحتمال جريان حكم الصلاة الواجبة عليها من هذه الجهة، و لكنه بلا دليل و يكفي ذلك في نفي الوجوب.

ص: 314

فصل في حكم قضاء الأجزاء المنسية

اشارة

(فصل في حكم قضاء الأجزاء المنسية)

مسألة 1: قد عرفت سابقا: أنّه إذا ترك سجدة واحدة و لم يتذكر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الركوع

(مسألة 1): قد عرفت سابقا: (1) أنّه إذا ترك سجدة واحدة و لم يتذكر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الركوع يجب قضاؤها بعد الصّلاة (2)، بل (فصل في حكم قضاء الأجزاء المنسيّة)

______________________________

(1) تقدّم في [مسألة 18] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة) و خلاصته:

أنّ أجزاء الصلاة على ثلاثة أقسام:

منها: ما تبطل الصلاة مع نسيانها كالأركان الخمسة المعروفة مع التجاوز عن محل التدارك و هي: النيّة، و تكبيرة الإحرام، و القيام حال التكبيرة، و ما قبل الركوع، و الركوع، و السجدتان.

و منها: ما يجب تداركه ما لم يدخل في الركن اللاحق، و مع عدمه نسيانا تصح الصلاة و هو ما عدا الأركان.

و منها: ما يجب في نسيانها القضاء و هي السجدة الواحدة و التشهّد المنسيين.

(2) لدعوى الإجماع عليه. و لا بد و أن يعلم أنّ الأمر في حكم السجدة المنسيّة، و التشهّد المنسي على العكس ففي الأولى دلّت الأخبار على وجوب قضائها فقط مع سكوتها عن سجدتي السهو، و أما الثاني، فالأخبار صريحة في وجوب سجدتي السهو فيه و استفادة وجوب قضاء التشهّد منها مشكلة كما يأتي.

و لا بد من البحث تارة: في وجوب قضاء السجدة لو لم يذكرها حتى ركع.

و أخرى: في وجوب سجدتي السهو لها. و ثالثة: في قضاء التشهّد المنسي إن لم يذكره حتى ركع. و رابعة: في وجوب سجدتي السهو له.

ص: 315

.....

______________________________

أما الأولى: فتدل عليه أخبار كثيرة منها: صحيح إسماعيل بن جابر عن الصادق (عليه السلام): «رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد قال (عليه السلام): فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلّم ثمَّ يسجدها فإنّها قضاء- الحديث-» (1)، و قريب منه صحيح ابن مسكان عن أبي بصير مع زيادة قوله (عليه السلام): «و ليس عليه سهو» (2).

و منها: موثق الساباطي عن الصادق (عليه السلام): «سئل عن الرجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع قال (عليه السلام): يمضي في صلاته و لا يسجد حتى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟

قال (عليه السلام): يقضي ما فاته إذا ذكره» (3).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «سألته عن الرجل يذكر أنّ عليه السجدة يريد أن يقضيها و هو راكع في بعض صلاته كيف يصنع؟

قال (عليه السلام) يمضي في صلاته فإذا فرغ سجدها» (4) بناء على أنّ المراد السجدة المنسيّة و إلّا تكون أجنبية عن المقام، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كونها من الأولتين أو الأخيرتين، بل في خبر جعفر بن بشير التصريح به قال:

«سئل أحدهم (عليه السلام) عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة و هو في التشهّد الأول قال (عليه السلام): فليسجدها ثمَّ لينهض و إذا ذكرها و هو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمَّ يسلّم ثمَّ يسجد سجدتي السهو» (5).

و مثله خبر محمد بن منصور: «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شكّ فيها قال (عليه السلام): إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة و تضع وجهك مرة واحدة و ليس عليك سهو» (6).

ص: 316


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 2.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 8.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 7.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 6.

.....

______________________________

و لكن عن الشيخ و المفيد (رحمهما اللّه) بطلان الصلاة إن كانت من الأولتين، لصحيح البزنطي قال: «سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن رجل يصلّي ركعتين ثمَّ ذكر في الثانية و هو راكع أنّه ترك السجدة في الأولى قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول: إذا ترك السجدة في الركعة الأولى فلم يدر واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك ثنتان و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (1).

و فيه: أنّه معارض بصريح ما مرّ من الخبرين الأخيرين، مع وهنه بإعراض المشهور، مع ما فيه من اضطراب المتن، لأنّ السائل سأل عن ترك سجدة واحدة و أجاب (عليه السلام) عمّا إذا ترك السجدة و لم يعلم أنّها واحدة أم ثنتان و لا ربط له بالسؤال إلّا بالتكلّف، فلا بد من رد علمه إلى أهله.

و عن الكليني و العماني (رحمهما اللّه) بطلان الصلاة مطلقا مستندا إلى مرسل معلّى بن خنيس قال: «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأولتين و الأخيرتين سواء» (2).

و فيه: مضافا إلى وهنه بالإرسال- و إعراض المشهور، بل في التذكرة و الذكرى الإجماع على خلافه، مع أنّ رواية معلّى عن أبي الحسن (عليه السلام) غير معهودة لأنّه قتل في زمان الصادق (عليه السلام)- إمكان حمله على ما لا يخالف المشهور من كون المراد بنسيان السجدة نسيان جنسها الشامل للسجدتين، بل الظاهر من تعبير ينسي السجدة هو ذلك، لأنّه غير التعبير بنسي سجدة كما لا يخفى فلا محيص إلّا عن المشهور و طريق الاحتياط معلوم.

ثمَّ إنّ المشهور قضاء السجدة المنسية بعد السلام، و يدل عليه ما تقدّم من الأخبار، بل قد تقدّم في موثق الساباطي النهي عن إتيانها قبل السلام، و لكن ظاهر ما تقدّم من خبر جعفر بن بشير إتيانها قبل السلام، و في صحيح ابن أبي يعفور عن

ص: 317


1- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 5.

.....

______________________________

الصادق (عليه السلام): «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنّه قد تركها فليسجد بعد ما يقعد قبل أن يسلّم» (1)، و يمكن حمله على ما إذا التفت قبل الركوع، و خبر ابن بشير قال: «سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة و هو في التشهّد الأول قال (عليه السلام): فليسجدها ثمَّ لينهض، و إذا ذكره و هو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمَّ يسلّم ثمَّ يسجد سجدتي السهو» (2)معارض بالأخبار الدالّة على أنّ محل القضاء بعد السلام و الترجيح معها عملا و رواية، و يقتضيه مرتكزات المتشرّعة أيضا، و لم ينقل القول بمفاد خبر ابن بشير إلّا عن الإسكافي.

أما الثانية: و هي وجوب سجدتي السهو لنسيان السجدة الواحدة، فهو المشهور و استدلّ عليه تارة: بالإجماع المدعى في الخلاف، و الغنية و التذكرة.

و فيه: أنّ المناقشة في مثل هذه الإجماعات واضحة كما ذكر في الأصول.

و أخرى: بمرسل سفيان بن السمط: «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (3). و فيه: مضافا إلى قصور سنده أنّه مخصص بأدلّة المقام الدالّة على عدم وجوبها كموثق عمار: «سئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدة السهو؟ قال (عليه السلام): لا، قد أتمّ الصلاة» (4)، و اشتماله على صحة الصلاة مع نسيان الركوع- و هو خلاف المذهب- لا يضرّ بصحة بقيته، كما ثبت في محلّه، و قد تقدّم قول أبي عبد اللّه في صحيح أبي بصير: «و ليس عليه سهو» (5)، مع أنّه بعد قضاء السجدة لا يصدق النقص في الصلاة شرعا حتى تجب سجدتا السهو للنقيصة إلّا أن يراد مجرّد الترك في المحل و إن تدارك بعد ذلك.

و ثالثة: بخبر منهال القصاب: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) أسهو في

ص: 318


1- الوسائل باب: 16 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 7.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
5- تقدّم في صفحة: 316.

.....

______________________________

الصلاة و أنا خلف الإمام، فقال (عليه السلام): إذا سلّم فاسجد سجدتي السهو و لا هب(1) و فيه: أنّه مطلق فيقيّد بصحيح أبي بصير، أو يحمل على الندب جمعا.

و رابعة: بصحيح فضيل بن يسار: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» (2). و فيه: ما تقدّم في سابقة، مع أنّه بعد قضاء السجدة لا يصدق النقيصة كما مر، و مرّ إمكان المناقشة فيه.

و خامسة: ما تقدّم من خبر جعفر بن بشير (3). و فيه: أنّه محمول على الندب جمعا بينه و بين صحيح أبي بصير، مع أنّ أخبار وجوب قضاء السجدة- في مقام البيان و سكوتها عن وجوب سجود السهو- شاهد على عدم الوجوب، و لكن مع ذلك كلّه المشهور هو المتبع المنصور.

أما الثالثة: و هي وجوب قضاء التشهّد، فهو المشهور و استدلّ عليه تارة: بما ادعي من الإجماع في الخلاف و الغنية، و المقاصد العلية.

و أخرى: بجملة من الأخبار منها: صحيحا ابن سنان و حكم بن حكيم، و في الأول: «إذا نسيت شيئا من الصلاة- ركوعا أو سجودا أو تكبيرا- ثمَّ ذكرت فاقض الذي فاتتك سهوا (سواء)» (4)، و في الثاني: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك قال (عليه السلام): يقضي ذلك بعينه، قلت أ يعيد الصلاة؟ قال (عليه السلام):

لا» (5).

و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتى ينصرف فقال (عليه السلام): إن كان قريبا رجع

ص: 319


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
3- تقدّم في صفحة: 316.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.

.....

______________________________

إلى مكانه فتشهّد و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه و قال (عليه السلام): إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» (1).

و منها: خبر عليّ بن حمزة قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إذا قمت في الركعتين الأولتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع، فاقعد فتشهّد و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيها ثمَّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (2).

و نوقش في الجميع: أما الإجماع، فلأنّ المحصل منه غير حاصل و منقوله بلا طائل. و أما الصحيحان، فلأنّ الأخذ بعمومهما مما لم يقل به أحد و تخصيصهما بخصوص السجدة و التشهّد المنسيين من التخصيص المستهجن، و الحمل على الندب بالنسبة إلى غيرهما و الوجوب بالنسبة إليهما خلاف المنساق منهما مع تعارضهما بما يأتي من الأخبار الدالّة على عدم الوجوب. و أما صحيح ابن مسلم، فهو معارض بما يأتي، مع أنّ المنساق التشهّد الأخير كما في الحدائق، فلا يشمل التشهّد الوسط، فتأمّل. و أما خبر ابن حمزة، فظاهره قيام تشهّد سجدتي السهو مقام التشهّد المنسيّ و لا يقول به المشهور، بل حكموا بلزوم تقديم قضائه على سجدتي السهو. نعم، حكي الاجتزاء به عن المقنع، و الفقيه، و المفيد.

و أما الأخبار التي يظهر منها عدم وجوب قضاء التشهّد، فكثيرة كموثق أبي بصير: «سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد قال (عليه السلام): يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (3).

و صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام): «سألته عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع، فقال (عليه السلام):

إن كان ذكره و هو قائم في الثالثة فليجلس و إن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثمَّ

ص: 320


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 6 ملحق 4 و حديث 3 و 4 و 2.

.....

______________________________

يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلم» (1).

و في صحيح ابن خالد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين، فقال: إن ذكر قبل أن يركع فليجلس و إن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم و ليسجد سجدتي السهو» (2).

و مثلها صحيح ابن أبي يعفور (3)، و ابن سنان (4)، و الحلبي (5)، و خبر الصيقل (6)، و ابن أبي العلاء (7).

و المتحصّل من المجموع: أنّه إن كان المنسيّ التشهّد الأخير و تذكر قبل إتيان المنافي المطلق يرجع و يأتي به و يتم الصلاة و يأتي بسجدتي السهو للسلام بناء على كونه من السلام السهوي، و إن كان التشهّد الوسط. فإن تذكّر قبل الركوع يرجع و يأتي به و إلّا فلا شي ء عليه إلّا سجدتي السهو هذا و لكن رفع اليد عن إطلاق صحيح ابن مسلم، و صحيحي حكم بن حكيم، و ابن سنان مشكل، فتحمل هذه الأخبار على أنّها ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة، مع أنّ إعراض المشهور عنها أسقطها عن الاعتماد عليها، مع أنّ في بعضها «يتم صلاته ثمَّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو» (8). و يمكن أن يكون إتمام الصلاة إشارة إلى قضاء التشهّد، لأنّه من متمّمات الصلاة.

و أما ما في بعضها: «حتى إذا فرغ فليسلم و ليسجد سجدتي السهو» (9)، فيمكن أن يكون المراد به الفراغ من إتمام الصلاة الذي يحصل بقضاء التشهّد.

و بالجملة: يمكن توجيه مثل هذه الأخبار بما لا ينافي المشهور، و يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من صحيحي ابني سنان و حكيم أنّ الأصل في أجزاء الصلاة عند نسيانها هو القضاء إلّا ما خرج بالدليل، كما يكون الأمر في قضاء أصل

ص: 321


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 6 ملحق 4.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 2.
5- الوسائل باب: 8 و 9 من أبواب التشهد حديث: 1.
6- الوسائل باب: 8 و 9 من أبواب التشهد حديث: 1 و 3.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 2.
8- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 4.
9- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 2.

و كذا إذا نسي السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة و لم يتذكر إلّا بعد السّلام على الأقوى (3).

و كذا إذا نسي التشهّد (4)- أو أبعاضه (5)- و لم يتذكر إلّا بعد الدخول في الركوع (6)، بل أو التشهّد الأخير و لم يتذكر إلّا بعد السلام على الأقوال (7) و يجب- مضافا إلى القضاء- سجدتا السهو أيضا لنسيان

______________________________

الفرائض اليومية أيضا كذلك، فتكون الأجزاء تابعة للكل في القضاء. و لكنه مشكل بعد عدم عملهم بإطلاق الصحيحين ثمَّ إنّ طريق الاحتياط الإتيان بالتشهّد الخفيف قبل الإتيان بسجدتي السهو و قصد القربة المطلقة في تشهّد سجدتي السهو. هذا.

أما الرابعة: و هي وجوب سجدتي السهو للتشهّد المنسيّ، فتدلّ عليه المستفيضة التي مرّت جملة منها، مضافا إلى الإجماع.

(3) تقدّم ما يتعلّق به في [مسألة 15] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة).

(4) مرّ ما يتعلّق به آنفا.

(5) لا دليل على وجوب قضاء أبعاضه إلّا ما مرّ من صحيحي ابن سنان و حكيم (1)و الظاهر عدم عامل بإطلاقهما. و أما ما قد يذكر من قاعدة ما يقضي كلّه يقضي أبعاضه أيضا، فلم أجد مدركا لها إلّا إطلاق الصحيحين و قد تقدّم عدم عامل بإطلاقهما و إلّا فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه، و مقتضى حديث: «لا تعاد» (2) صحة الصلاة بدون القضاء.

(6) لأنّه لو تذكّر قبله وجب العود و الإتيان بالمنسيّ نصّا، و إجماعا و قد جعلنا ذلك من القواعد (3) فراجع.

(7) إن كان التذكّر قبل الإتيان بالمنافي يرجع و يأتي به بقصد القربة المطلقة بلا نيّة الجزئية و القضاء و يسلّم، ثمَّ يأتي بسجدتي السهو بقصد القربة المطلقة

ص: 322


1- تقدّم في صفحة: 319.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 1.
3- راجع صفحة: 205 [مسألة 18] من فصل الخلل.

كلّ من السجدة و التشهّد (8).

مسألة 2: يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصّلاة و تشهّدها

(مسألة 2): يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصّلاة و تشهّدها، من الطهارة، و الاستقبال، و ستر العورة، و نحوها، و كذا الذكر، و الشهادتان، و الصّلاة على محمد و آل محمد (9) و لو نسي بعض أجزاء التشهّد وجب قضاؤه فقط (10)، نعم، لو نسي الصّلاة على آل محمد فالأحوط إعادة الصّلاة على محمد بأن يقول: «اللّهم صلّ على محمد و آل محمد» و لا يقتصر على قوله: «و آل محمد». و إن كان هو المنسيّ فقط (11) و يجب فيهما نيّة البدلية عن المنسيّ (12)، و لا يجوز

______________________________

أيضا، للعلم الإجمالي بوجوبها عليه إما لأجل قضاء المنسيّ، أو لأجل السلام في غير المحل، و كذا الكلام بعينه فيما إذا كان المنسيّ السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة. نعم، الأحوط فيه الإتيان بسجدتي السهو مرة أخرى لزيادة التشهّد.

(8) تقدّم دليله بما لا مزيد عليه فراجع.

(9) كل ذلك لظهور الأدلّة في أنّه لا فرق بينها و بين ما يؤتى به في أثناء الصلاة إلّا من حيث المحل فقط، فقضاؤها كقضاء أصل الصلاة من هذه الجهات مطلقا، و الاختلاف إنّما هو في المحل فقط.

(10) أما وجوب قضاء المنسيّ، فمبنيّ على ما تقدّم في صحيحي ابنيّ سنان و حكيم. و أما عدم وجوب قضاء غيره، فلأصالة البراءة عن الوجوب.

(11) يحتمل أن يكون المقام من قبيل الجملتين المربوطتين اللتين يصح تحقق الفضل بينهما، بل قد يفصل بين المبتدأ و الخبر بجملة، بل جملات للقرينة الحالية على أنّه ملحق بما قبله، فلا يكون غلطا و هو شائع في المحاورات العرفية و على هذا يصح الاقتصار على خصوص قضاء المنسيّ، و يحتمل أن يكون القضاء ملحوظا مستقلا، فيكون الاقتصار على خصوص «آل محمد» حينئذ غلطا لعدم ربطه بشي ء و لو نسي الاستثناء من الشهادة بالوحدانية فالأقوى قضاء تمام كلمة الشهادة، لأنّ الفصل بين المستثنى و المستثنى منه خلاف الاستعمالات الفصيحة.

(12) إن كان المراد البدلية عن المحل فله وجه. و أما إن كان المراد البدلية

ص: 323

الفصل بينهما و بين الصّلاة بالمنافي كالأجزاء في الصّلاة (13).

أما الدعاء و الذكر و الفعل القليل و هو ذلك- مما كان جائزا في أثناء الصّلاة- فالأقوى جوازه. (14)، و الأحوط تركه (15). و يجب المبادرة إليهما بعد السلام (16)، و لا يجوز تأخيرهما عن التعقيب و نحوه.

______________________________

عن الذات فلا وجه له، لوحدة الذات سواء أتى به في المحل أم في خارجه بعد صحة ذلك شرعا، و الدليل على اعتبار قصد البدلية بنحو ما قلناه أنّ قضاء الجزء لا يتحقق إلّا بذلك، و يكفي القصد الإجمالي الارتكازي المتحقق في ضمن قصد القضاء إجمالا و يصح أن يقصد ما هو المكلف به فعلا و لو لم يقصد البدلية كما ظهر مما قلناه كفاية قصد أصل القضاء المتضمن لقصد البدلية إجمالا أيضا.

(13) مقتضى إطلاق أدلّتها الواردة في مقام البيان، و أصالة البراءة جواز ذلك تكليفا إلّا أن يقال: إنّ المتفاهم من الأدلّة وجوب جريان جميع أحكام الجزئية عليها إلّا ما خرج بالدليل، و لكن الكلام في أصل ثبوت الدعوى ثمَّ اعتباره في مقابل الإطلاقات.

(14) إذ لا يزيد القضاء على الأصل، لكن لا بدّ من مراعاة عدم المنافاة.

للفورية العرفية.

(15) لاحتمال لزوم إتيانها متصلا بالصلاة و عدم تخلّل شي ء بينهما حتى مطلق الذكر و الدعاء و القرآن الذي يصح إتيانه في أثناء الصلاة أيضا، لأجل الفورية المعتبرة في قضائها.

(16) لما عن الذكرى من دعوى الإجماع عليه و لولاه لكان مقتضى الأصل و الإطلاق، و ظاهر لفظ «ثمَّ» المذكور في بعض الروايات (1) عدم وجوب الفورية خصوصا بعد ما تقدّم من عدم وجوب الفورية في قضاء أصل الصلاة، فيكون حكم الجزء كالكل عرفا إلّا أن يفرّق بينهما بأنّ الجزء من المتمّمات، فما لم يأت به

ص: 324


1- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 1 و 9.
مسألة 3: لو فصل بينهما و بين الصّلاة بالمنافي عمدا أو سهوا

(مسألة 3): لو فصل بينهما و بين الصّلاة بالمنافي عمدا أو سهوا- كالحدث و الاستدبار- فالأحوط استئناف الصّلاة بعد إتيانهما، و إن كان الأقوى جواز الاكتفاء بإتيانهما (17).

______________________________

فكأنّه في الصلاة بعد و أجزاء الصلاة لا بدّ و أن يؤتي بها فورا، و لكنه أيضا من مجرّد الدعوى في مثل هذا الجزء.

و أما كلمة (الفاء)- التي هي في بعض الروايات (1)- فهي للترتّب بلا إشكال، و أما الفورية فلا تستفاد منها أيضا. و يأتي بعد ذلك ما ينفع المقام.

(17) لظهور الأدلّة، بل صراحتها في أنّ آخر الصلاة التسليم مطلقا حتى لمن نسي شيئا منها، فيكون احتمال كون المقضيّ جزءا أخيرا من الصلاة- حتى يكون آخرها بالنسبة إلى من لم ينس التسليم، و بالنسبة إلى من نسي السجدة أو التشهّد قضاء المنسيّ- بعيد جدّا، و كذا احتمال أن يكون المقتضي شرطا متأخّرا لصحة الصلاة، فإنّ الأصل، و إطلاق أدلّة المقام، و إطلاق ما دلّ على أنّ آخر التسليم السلام ينفي هذا الاحتمال، مضافا إلى بعده عن الأذهان العرفية، فيكون القضاء واجبا نفسيا روعي فيه حكمة الجزئية في الجملة، فتقع المنافيات حينئذ خارج الصلاة و لا تضرّ بصحتها.

إن قلت: نعم، و لكن يحتمل أن يكون وجوبه النفسي مقيّدا بعدم تخلّل المنافي بينه و بين الصلاة.

قلت: المرجع في دفع هذا الاحتمال هو البراءة، و إطلاق أدلّة القضاء الواردة في مقام البيان مضافا إلى موثق عمار: «في رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع قال (عليه السلام): (يمضي في صلاته و لا يسجد حتى يسلم فإذا سلّم سجد مثل ما فاته، قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك. قال: يقضي ما فاته إذا ذكره» (2).

ص: 325


1- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 6 و 7 و 8 و راجع باب 7 و 9 من أبواب التشهّد.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 2.

و كذا لو تخلل ما ينافي عمدا لا سهوا إذا كان عمدا (18). أما إذا وقع سهوا فلا بأس (19).

مسألة 4: لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما

(مسألة 4): لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما، فالأحوط فعله بعدهما (20).

______________________________

و صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتى ينصرف، فقال (عليه السلام): إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه و قال: إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(1) و ظهور هما في عدم شرطية قضاء الأجزاء المنسيّة للصلاة مما لا ينكر.

(18) الشك في كونه مبطلا يكفي في عدم الحكم بالإبطال، لأنّه لا يصح التمسّك بما دلّ على مبطلية الكلام العمدي مثلا، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فتصل التوبة إلى أصالة عدم المانعية و عدم وجوب الإعادة أو القضاء.

(19) للقطع بعدم البأس، فإنّه إن كان في الصلاة، فلا يضرّ التكلّم السهويّ، و إن كان خارجا عنه فلا يضرّ العمدي منه فضلا عن السهويّ و لا يجب عليه سجدتا السهو أيضا، للشك في تحقق موجبه، بل الظاهر عدمه لما مرّ من إطلاقات الأدلّة الدالّة على كون السلام مفرغا عن الصلاة و انصرافا عنها.

فرع: لو ترك قضاء الأجزاء المنسيّة عمدا لا دليل على بطلان أصل صلاته و لا تجب عليه إعادتها أو قضاؤها، للأصل بعد استظهار أنّ قضاء الأجزاء واجب مستقل، و لكن الأحوط قضاء الصلاة أيضا.

(20) يظهر منه (رحمه اللّه) أنّ هذا الاحتياط وجوبيّ و هو مناف لما مرّ منه في المسألة السابقة من جواز الاكتفاء بقضائهما مع تخلّل المنافي مطلقا و عدم وجوب استئناف الصلاة، مع أنّ أدلّة وجوب سجود السهو ظاهرة فيما إذا كان موجبه

ص: 326


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 2.
مسألة 5: إذا نسي الذكر أو غيره مما يجب- ما عدا وضع الجبهة

(مسألة 5): إذا نسي الذكر أو غيره مما يجب- ما عدا وضع الجبهة في سجود الصلاة- لا يجب قضاؤه (21).

مسألة 6: إذا نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي و أمكن تداركه فعله

(مسألة 6): إذا نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي و أمكن تداركه فعله (22) و أما إذا لم يمكن- كما إذا تذكره بعد تخلل المنافي

______________________________

في أثناء الصلاة و هو مشكوك، بل ظاهر أدلّة مفرغية السلام عدم وقوعه في الأثناء.

نعم، لا بأس بحسن الاحتياط رجاء.

(21) للأصل، و ظهور الإجماع، مضافا إلى ظهور أدلّة وجوب قضاء السجدة في خصوص ما إذا فات وضع الجبهة فقط، بل صرّح (عليه السلام) في خبر ابن منصور: «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة، فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة- الحديث»(1)، فالمدار في القضاء وجودا و عدما على خصوص وضع الجبهة، فلو أتى ببقية واجبات السجود و نسي وضع الجبهة وجب القضاء، و في العكس لا يجب، و أما ما قيل من أنّ ما يقضى كلّه يقضى بعضه- و قد يعد ذلك من القواعد- لا دليل عليه من نص، أو إجماع أو اعتبار معقول. نعم، تقدّم صحيحتا ابني سنان و حكيم و لا عامل بإطلاقهما كما مرّ (2).

إن قلت: مقتضى الاستصحاب وجوب القضاء.

قلت: نعم، لو لا ظهور النص و الإجماع على الخلاف مع أنّ عنوان القضاء في الأجزاء غير عنوان وجوبها في الأثناء، فالاستصحاب من القسم الثالث الذي لا وجه لجريانه.

(22) للاستصحاب، و ظهور الإجماع، و لأنّ جميع أجزاء التشهّد مقوّمات له. نعم، لو نسي الطمأنينة و نحوها من الواجبات الخارجية يكون كما إذا نسي ما عدا وضع الجبهة في السجدة و قد تقدّم في المسألة السابقة. بل لو لا ظهور الإجماع لأمكن المناقشة في الاستصحاب، لكونه محكوما بدليل قضاء التشهّد

ص: 327


1- الوسائل باب: 14 من أبواب السجود حديث: 6.
2- تقدّم في صفحة: 319.

عمدا و سهوا- فالأحوط إعادته ثمَّ إعادة الصّلاة و إن كان الأقوى كفاية إعادته (23).

مسألة 7: لو تعدد نسيان السجدة أو التشهّد أتى بهما واحدة بعد واحدة

(مسألة 7): لو تعدد نسيان السجدة أو التشهّد أتى بهما واحدة بعد واحدة. و لا يشترط التعيين على الأقوى (24) و إن كان أحوط و الأحوط ملاحظة الترتيب معه (25).

مسألة 8: لو كان عليه قضاء سجدة و قضاء تشهد

(مسألة 8): لو كان عليه قضاء سجدة و قضاء تشهد فالأحوط تقديم السابق منهما (26) في الفوات على اللاحق. و لو قدم أحدهما

______________________________

الظاهر في تمامه لا بعضه.

(23) تقدّم ما يتعلّق به في [مسألة 3] فراجع.

(24) لما هو المتسالم عليه بين الفقهاء، بل قد يعد من القواعد الكلية من أنّ وجوب التعيين في النيّة و القصد فرع التعيّن و الامتياز الخارجي في المقصود و ما لا يتعيّن بحسب الذات لا يتعيّن في القصد أيضا- كقضاء أيام من شهر رمضان، و أيام من صلاة الصبح مثلا، و كما في المقام- فيكفي في جميع ذلك القصد إلى مجرد الذات فقط، مضافا إلى أصالة البراءة، و إطلاق الأدلّة في مثل هذه المسألة العامة البلوى.

(25) لا دليل على وجوب الترتيب أيضا، لأنّ السبق في الوجوب لا يوجب السبق في الامتثال بعد الاشتراك في زمان الامتثال، مع أنّ السبق في الوجوب أيضا محل البحث، لحدوث وجوب قضائها دفعة بعد الصلاة لا أن يكون بين حدوث وجوب قضائهما سبق و لحوق.

إن قلت: مقتضى الاستصحاب وجوبه بعد الصلاة أيضا.

قلت: لو لا إطلاق الأدلّة الواردة في مقام البيان، و الظاهر منه (رحمه اللّه) كون هذا الاحتياط وجوبيا مع أنّه لا فرق بينه و بين الاحتياط في التعيين و لا ريب في حسن الاحتياط بالتعيين و الترتيب.

(26) لا دليل على وجوب هذا الاحتياط، و لا دليل على الملازمة بين

ص: 328

بتخيل أنّه السابق فظهر كونه لاحقا فالأحوط الإعادة على ما يحصل معه الترتيب و لا يجب إعادة الصّلاة معه و إن كان أحوط.

مسألة 9: لو كان عليه قضاؤها و شك في السابق و اللاحق احتاط بالتكرار

(مسألة 9): لو كان عليه قضاؤها و شك في السابق و اللاحق احتاط بالتكرار (27)، فيأتي بما قدّمه مؤخرا أيضا و لا يجب معه إعادة الصّلاة، و إن كان أحوط. و كذا الحال لو علم نسيان أحدهما أو لم يعلم المعيّن منهما (28).

مسألة 10: إذا شك في أنّه نسي أحدهما أم لا، لم يلتفت و لا شي ء عليه

(مسألة 10): إذا شك في أنّه نسي أحدهما أم لا، لم يلتفت و لا شي ء عليه (29). أما إذا علم أنّه نسي أحدهما و شك في أنّه هل تذكر قبل الدخول في الركوع أو قبل السّلام و تداركه أم لا؟ فالأحوط القضاء (30).

______________________________

الترتيب في المحل و الترتيب في خارج المحل، فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم الوجوب و منه يظهر عدم وجوب الاحتياط الآتي أيضا.

(27) بناء على وجوب الترتيب و قد مرّ عدم وجوبه، فيكون هذا الاحتياط أيضا استحبابيا.

(28) فيحتاط بالجمع بينهما و لا يلزم التكرار كما هو معلوم.

(29) لقاعدتي التجاوز إن كان في الأثناء، و الفراغ إن كان بعده.

(30) للشك في جريان قاعدة التجاوز و الفراغ في مثل المقام، لأنّ موردهما ما إذا شك في أصل النسيان و الخطإ لا ما إذا علم بهما و شك في التدارك و عدمه، مع أنّ الشك في الجريان يكفي في عدمه، لكونه حينئذ من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى ذلك هو الفتوى بوجوب التدارك كما عن بعض مشايخنا (1) في حاشيته الشريفة.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ المنساق من أدلّة وجوب قضاء المنسيّ ما إذا استمرّ النسيان إلى ما بعد الصلاة، لأنّه زمان الامتثال و تنجز الوجوب من كل جهة

ص: 329


1- هو المحقّق آغا ضياء الدين العراقي (قدّس سرّه).
مسألة 11: لو كان عليه صلاة الاحتياط و قضاء السجدة أو التشهّد فالأحوط تقديم الاحتياط

(مسألة 11): لو كان عليه صلاة الاحتياط و قضاء السجدة أو التشهّد فالأحوط تقديم الاحتياط (31) و إن كان فوتهما مقدّما على موجبه (32)، لكن الأقوى التخيير. و أما مع سجود السهو فالأقوى تأخيره عن قضائهما، كما يجب تأخيره عن الاحتياط أيضا (33)

______________________________

و المفروض أنّه في زمان الامتثال شاك في تنجز الوجوب بالنسبة إليه، و لا وجه لتوهم استصحاب عدم الإتيان بالمنسيّ لما قلناه من أنّ موضوع وجوب القضاء بقاء النسيان إلى ما بعد الصلاة.

(31) قد تقدّم في [مسألة 3] من الفصل السابق ما يتعلّق بصلاة الاحتياط و أنّ عمدة دليلهم على الفورية، و عدم تخلّل المنافي بينها و بين الصلاة ظهور الإجماع، فإن تمَّ إجماعهم و شمل للفصل بقضاء الأجزاء المنسيّة أيضا يتعيّن تقديم صلاة الاحتياط و إلّا فالمسألة من صغريات المتزاحمين اللذين لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيتخيّر في تقديم أيّهما شاء و قد تقدّمت المناقشة في أصل ثبوت الإجماع المعتبر، و على فرضه فالمتيقّن منه عدم الفصل بالأجنبي لا قضاء الجزء المنسيّ، فالأقوى ما اختاره (رحمه اللّه) من التخيير و إن كان الاحتياط ما مرّ في المسألة المذكورة.

(32) لأنّ مجرد السبق الزماني في سبب الوجوب لا يوجب الترجيح في المتزاحمين كما أثبتناه في الأصول.

(33) لأنّ احتمال كون صلاة الاحتياط و السجدة و التشهّد المقضيّ جزءا للصلاة يكفي في لزوم تقديمهما على سجدتي السهو إذ لم يحتمل أحد كونها جزءا للصلاة و إن قبل بأنّه يجوز إتيانهما في الصلاة و وردت بذلك الرواية و لكنه غير كونهما جزئا لها كما لا يخفى.

فإن قلت: احتمال كون صلاة الاحتياط و السجدة و التشهّد المنسيّ جزءا للصلاة معارض باحتمال صحة إتيان سجدتي السهو في الصلاة، فلا ترجيح بعد ذلك ليقدّم صلاة الاحتياط و قضاء المنسيّ على سجدتي السهو فيتخيّر في تقديم أيتهما شاء.

ص: 330

مسألة 12: إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء

(مسألة 12): إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء- فالظاهر عدم وجوب إعادتها (34) و إن كان أحوط (35).

مسألة 13: لا يجب الإتيان بالسّلام في التشهّد القضائي

(مسألة 13): لا يجب الإتيان بالسّلام في التشهّد القضائي (36)، و إن كان الأحوط- في نسيان التشهّد الأخير- إتيانه بقصد القربة من غير

______________________________

قلت: احتمال صحة إتيان سجدتي السهو في الصلاة ساقط، لظهور الإجماع و النصوص على خلافه، فلا يعتني به بخلاف احتمال كونهما جزءا أخيرا للصلاة فإنّ له وجه في الجملة و إن أشكلنا عليه أيضا.

إن قلت: بناء على احتمال جزئيتهما يصح إتيانهما قبل السلام أيضا لعدم محذور لزوم زيادة الجزء في الصلاة.

قلت: ليس المراد بالجزئية الجزئية الحقيقية من كل حيثية و جهة، بل المراد أنّه روعي في تشريعهما بعد الصلاة حكمة الجزئية بخلاف سجدتي السهو، إذ لم يلاحظ فيها هذه الجهة أصلا، لأنّهما مرغمة للشيطان كما ورد النص بذلك (1)، فهي بمنزلة كفارة لعروض السهو في أثناء الصلاة.

(34) لأنّ القضاء تابع- في جميع الخصوصيات و الأحكام- للأداء إلّا ما خرج بالدليل، و لو سها عن بعض واجبات السجدة الأدائية غير وضع الجبهة و تذكر بعد رفع الرأس لا يجب الإعادة فكذلك في المقام فيستفاد من ذلك أنّ واجبات السجود غير وضع الجبهة شرائط ذكرية- أداء كانت أو قضاء- و لا دليل في المقام على الخلاف، و لا فرق في هذه الجهة بين كون المقضيّ جزء أو واجبا مستقلا، و تجري جميع الأدلّة الثانوية في القضاء كجريانها في الأدلّة أيضا.

(35) لحسن الاحتياط على كل حال ما لم يكن من الحرج الممل للأنام أو العسر المخل بالنظام.

(36) للأصل بعد عدم دليل عليه، و تحقق الامتثال بالمأمور به.

ص: 331


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

نية الأداء و القضاء- مع الإتيان بالسّلام بعده كما أن الأحوط في نسيان السجدة من الركعة الأخيرة أيضا الإتيان بها بقصد القربة، مع الإتيان بالتشهّد و التسليم- لاحتمال كون السّلام في غير محلّه- (37) و وجوب تداركهما بعنوان الجزئية للصّلاة و حينئذ فالأحوط سجود السهو أيضا في الصّورتين لأجل السّلام في غير محلّه.

مسألة 14: لا فرق في وجوب قضاء السجدة و كفايته عن إعادة الصّلاة بين كونها من الركعتين الأولتين و الأخيرتين

(مسألة 14): لا فرق في وجوب قضاء السجدة و كفايته عن إعادة الصّلاة بين كونها من الركعتين الأولتين و الأخيرتين (38) لكن الأحوط- إذا كانت من الأولتين- إعادة الصّلاة أيضا، كما أنّ في نسيان سائر الأجزاء الواجبة منهما أيضا الأحوط استحبابا- بعد إتمام الصّلاة- إعادتها، و إن لم يكن ذلك الجزء من الأركان لاحتمال اختصاص اغتفار السهو عما عدا الأركان بالركعتين الأخيرتين- كما هو مذهب بعض العلماء (39)- و إن كان الأقوى كما عرفت عدم الفرق.

مسألة 15: لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوت محل تداركهما

(مسألة 15): لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوت محل تداركهما، ثمَّ بعد الفراغ من الصّلاة انقلب اعتقاده شكا فالظاهر عدم وجوب القضاء (40).

______________________________

(37) لما مرّ في [مسألة 16] من (فصل السجود)، و [مسألة 15] من (فصل الخلل)، فراجع و يأتي ما يتعلق بوجوب سجود السهو للسلام في الفصل الآتي.

(38) لما تقدم في المسألة الأولى من هذا الفصل فراجع فلا وجه للتكرار.

(39) نسب ذلك إلى الشيخ، و المفيد، و الكليني، و العماني (رحمهم اللّه) فراجع المسألة الأولى من هذا الفصل.

(40) لأصالة عدم عروض النسيان، و عدم وجوب القضاء بعد أن كان الظاهر من أدلّة وجوب قضائها العلم المستقرّ بفوتها لا الحادث الزائل فيرجع بعد الزوال إلى الأصل الموضوعي و الحكمي.

ص: 332

مسألة 16: لو كان عليه قضاء أحدهما و شك في إتيانه و عدمه

(مسألة 16): لو كان عليه قضاء أحدهما و شك في إتيانه و عدمه وجب عليه الإتيان به ما دام في وقت الصّلاة (41)، بل الأحوط استحبابا ذلك بعد خروج الوقت أيضا (42).

مسألة 17: لو شك في أنّ الفائت منه سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الاتحاد

(مسألة 17): لو شك في أنّ الفائت منه سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الاتحاد (43).

مسألة 18: لو شك في أنّ الفائت منه سجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة التي لا يجب قضاؤها

(مسألة 18): لو شك في أنّ الفائت منه سجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة التي لا يجب قضاؤها و ليست ركنا أيضا- لم يجب عليه القضاء (44)، بل يكفيه سجود السهو (45).

مسألة 19: لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد و تذكر بعد الدخول في نافلة جاز له قطعها

(مسألة 19): لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد و تذكر بعد الدخول في نافلة جاز له قطعها (46) و الإتيان به، بل هو الأحوط، بل

______________________________

(41) لأصالة عدم الإتيان، و عدم دليل حاكم عليها.

(42) لاحتمال اختصاص قاعدة عدم الاعتناء بالشك بعد الوقت بخصوص الصلاة فقط و عدم شمولها لغيرها حتى مثل السجدة و التشهّد المنسيين بخلاف ما لو قلنا بالشمول، فيكون حكمهما حكم الشك في أصل الصلاة بعد الوقت حينئذ، و لكن الظاهر شمولها لها أيضا، لظهور تبعية الجزء للكل عرفا في مثل ذلك ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود.

(43) لأصالة عدم نسيان الأكثر، و أصالة البراءة عن وجوب قضائه.

(44) لعدم تنجز مثل هذا العلم الإجمالي الذي لا يكون في أحد طرفيه حكما فعليا، فيكون الشك في وجوب القضاء من الشبهة البدوية التي يرجع فيها إلى قاعدتي التجاوز و الفراغ، و أصالة البراءة.

(45) بناء على وجوبه لكل زيادة و نقيصة و إلّا فيكون حكمه حكم سابقة من غير فرق.

(46) يصح الإتيان به في أثناء النافلة ثمَّ إتمامها ما لم تفت الموالاة العرفية، لأصالة عدم المانعية، و يشهد له ما ورد من جواز قراءة العزيمة و الإتيان بسجدتها

ص: 333

و كذا لو دخل في فريضة (47).

مسألة 20: لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر و ضاق وقت العصر

(مسألة 20): لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر و ضاق وقت العصر فإن أدرك منها ركعة وجب تقديمهما (48) و إلّا وجب تقديم

______________________________

في النافلة (1) كما يجوز قطعها و الإتيان بقضاء المنسيّ لجواز قطعها اختيارا، فكيف بما إذا كان لواجب فوري، و سيأتي- في حكم الشك في النافلة، و حكم زيادة الركن فيها- خبرا الحلبي و الصيقل الذي يمكن استفادة حكم المقام منهما فراجع.

ثمَّ إنّه يصح أن يراد بقوله (رحمه اللّه): «جاز قطعها» الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب أيضا، لئلّا ينافي ما مرّ منه (رحمه اللّه) من وجوب المبادرة. و لكن ينافيه قوله (رحمه اللّه) بعد ذلك «بل هو الأحوط» و يمكن أن يكون وجه الاحتياط في المقام أنّ عمدة الدليل على المبادرة هو الإجماع و المتيقن منه ما إذا لم يشرع في صلاة، و أما مع الشروع فيها، فلا يشمله الإجماع الدال على الفورية، و حينئذ فطريق الاحتياط أن يأتي بالقضاء في أثناء النافلة و يتمّها ثمَّ يعيد أصل الصلاة و كذا لو قطعها.

(47) لأنّ قطع الفريضة و إن كان حراما، لكنه قد يجوز للحاجة، بل قد يجب، و قضاء المنسيّ حاجة شرعية، فيجوز القطع. و بناء على فورية المبادرة يجب ذلك، و يمكن المناقشة بأنّ دليل وجوب المبادرة في قضاء المنسيّ هو الإجماع و المتيقّن منه غير ما إذا دخل في صلاة فكيف بالفريضة فلا موضوع لجواز القطع حينئذ أصلا. نعم، لو كان له موضوع لصحّ أن يقال: إنّ العمدة في دليل حرمة قطع الفريضة هو الإجماع أيضا و المتيقن منه غير القطع لقضاء المنسيّ و حيث لا ترجيح في البيّن يتخيّر بين القطع و قضاء المنسيّ و بين إتمام الفريضة ثمَّ قضاء المنسيّ بعدها. هذا إذا لم نقل بجواز قضاء المسنيّ في أثناء الفريضة و إلّا فلا يبقى موضوع للقطع و لا مجال لهذا البحث.

(48) بناء على شمول دليل الترتيب حتى للجزء المنسيّ، و لكن يمكن

ص: 334


1- الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة.

العصر، و يقضي الجزء بعدها (49) و لا يجب عليه إعادة الصّلاة (50) و إن كان أحوط (51) و كذا الحال لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر و ضاق وقت صلاة العصر (52) لكن مع تقديم العصر يحتاط بإعادة الظهر (53) أيضا، بعد الإتيان باحتياطها.

______________________________

المناقشة فيه بأنّ الجزئية الحقيقية من كل حيثية و جهة لا وجه لها لفرض تحقق الفراغ من الصلاة بالسلام، و قد مرّ أنّه لو ترك السجدة و التشهّد سهوا لا يوجب ذلك سقوط الوجوب، بل يجب عليه إتيانه متى تذكّر. نعم، لا ريب في وجوب الفورية، فإن كان وجوبها بنحو يوجب تأخير الفريضة عن الوقت الاختياري إلى الوقت الاضطراري تعيّن التأخير حينئذ و لو لم يكن كذلك أو شك فيه، فيكون من صغريات التزاحم و أي ترجيح لتقديم قضاء المنسيّ على تفويت الوقت الاختياري لصلاة العصر، بل مقتضى الأصل عدمه.

(49) لوضوح أهمية تقديم العصر حينئذ.

(50) لعدم دليل على كون مثل هذا الفصل قادحا، بل مقتضى أصالة عدم المانعية عدمه.

(51) لحسن الاحتياط على كل حال.

(52) فمع عدم إدراك ركعة من العصر إن أتى بالاحتياط يتعيّن الإتيان بها.

و أما مع درك ركعة منها في الوقت، فوجوب تقديم الاحتياط مبنيّ على وجوب إتيانها متصلا بالظهر حتى في هذه الصورة، و الجزم به مشكل و إن كان الاحتياط هنا أشدّ من قضاء الجزء المنسيّ، و قد تقدّم في الفصل السابق ما ينفع المقام.

(53) لحسن الاحتياط و إن لم يكن دليل على وجوبه، بل استحبابه.

فرع: لو نسي قضاء السجدة، أو التشهّد من صلاة الظهر و دخل في العصر، فالمسألة من صغريات التزاحم، و بعد عدم إحراز الترجيح بين قطع الصلاة و الإتيان بالقضاء أو إتمامها و قضاء المنسيّ بعدها يتخيّر بين أيّهما شاء، و طريق الاحتياط أن يأتي بالقضاء بعد إتمام الصلاة ثمَّ يعيد الصلاتين.

ص: 335

فصل في موجبات سجود السهو و كيفيته و أحكامه

اشارة

(فصل في موجبات سجود السهو و كيفيته و أحكامه)

مسألة 1: يجب سجود السهو لأمور
اشارة

(مسألة 1): يجب سجود السهو لأمور:

«الأول» الكلام سهوا

«الأول» الكلام سهوا (1).

(فصل في موجبات سجود السهو و كيفيته و أحكامه)

______________________________

(1) إجماعا، و نصّا ففي صحيح ابن الحجّاج قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصّلاة يقول: أقيموا صفوفكم فقال (عليه السلام): يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو» (1)، و قد مرّ قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن أبي يعفور:- في الشك بين الاثنين و الأربع- «و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (2)، و في موثق عمار عنه (عليه السلام) أيضا: «عن الرجل إذا أراد أن يعقد فقام، ثمَّ ذكر من قبل أن يقدم شيئا أو يحدث شيئا قال (عليه السلام): ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلم بشي ء» (3)، و في خبر سعيد الأعرج المشتمل على سهو النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) «و سجد سجدتين لمكان الكلام» (4).

و نوقش في الجميع بمعارضته بما يأتي من صحيح زرارة، و ابن مسلم و أنّ صحيح ابن أبي يعفور مجمل كما مرّ (5)، و المراد بالتكلّم في موثق عمار الذكر

ص: 336


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 16.
5- تقدّم في صفحة: 294.

.....

______________________________

و التسبيح، فيكون دليلا لوجوب السجود لمطلق الزيادة، و فعل النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) مجمل يمكن أن يحمل على مطلق الرجحان، و لذا نسب إلى الصدوقين عدم الوجوب، و إلى بعض المتأخرين الفتوى بالاستحباب.

و يمكن دفع جميع المناقشات: أمّا المعارضة فيأتي بيان المعارض و ما فيه، و جملة «و إن تكلّم، فليسجد سجدتي السهو» في صحيح ابن أبي يعفور لا إجمال فيها بوجه، و المنساق من الكلام في موثق عمار الكلام الآدمي لا غيره، و حكاية الإمام لفعل النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في مقام البيان ظاهر في الوجوب فما هو المشهور هو المتعين.

و أمّا المعارض، فهو أولا: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلّم، فقال (عليه السلام) يتم ما بقي من صلاته- تكلّم أو لم يتكلّم- و لا شي ء عليه» (1)، و صحيح ابن مسلم عنه (عليه السلام) أيضا: «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم و هو يرى أنّه قد أتّم الصلاة و تكلّم ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال (عليه السلام): أتمّ ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» (2) فيمكن أن يحمل على نفي الإثم بزعم المصلّي لا على نفي الإثم واقعا حتّى يقال إنّه لا إثم مع السهو كما يمكن أن يحمل على نفي الإعادة.

و توهم أنّه لا وجه له، لاستفادته من قوله (عليه السلام): «يتم ما بقي من صلاته» في صحيح زرارة، و «أتمّ ما بقي من صلاته» في صحيح ابن مسلم، فيكون تأكيدا و هو خلاف الأصل.

مدفوع: بأنّ جملة «أتمّ ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» ظاهرة عرفا في عدم لزوم الإعادة و لا يلحظ مفرداتها مستقلّة حتّى يقال: إنّ «لا شي ء عليه» تأكيد أو تأسيس و حينئذ فهي ظاهرة في صحة الصلاة فقط و عدم لزوم الإعادة و ساكتة عن الجهات الأخر، مع وهنها باعراض المشهور و الإجماعات المنقولة على الخلاف.

و أما صحيح ابن يسار قال لأبي جعفر (عليه السلام) أكون في الصلاة فأجد

ص: 337


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 9.

بغير قرآن و دعاء و ذكر (2)، و يتحقق بحرفين أو بحرف واحد مفهم في أيّ لغة كان (3)، و لو تكلم جاهلا بكونه كلاما بل تخيل أنّه قرآن أو ذكر أو دعاء لم يوجب سجدة السهو، لأنّه ليس بسهو (4). و لو تكلم عامدا بزعم أنّه خارج عن الصّلاة يكون موجبا لأنّه باعتبار السهو عن كونه في الصّلاة

______________________________

في بطني غمزا، أو أذى، أو ضربانا فقال (عليه السلام): انصرف ثمَّ توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، و إن تكلمت ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا» (1) فلا بدّ من رد علمه إلى أهله، و مع قطع النظر عن صدره، فدعوى أنّه يمكن أن يراد بقوله (عليه السلام):

«لا شي ء عليك» أو «لا شي ء عليه»- الوارد في أحكام الخلل- في خصوص نفي الإعادة- و يتبعه نفي الإثم من جهة نفس الصلاة- قريبة جدّا، فيكون ساكتا عن نفي شي ء آخر عليه.

(2) لأنّ المتفاهم عرفا من التكلّم الذي يوجب سجود السهو إنّما هو ما لا يجوز فعله في الصلاة.

(3) تقدم وجهه في «فصل مبطلات الصلاة» راجع الخامس من المبطلات.

(4) الكلام الصادر في أثناء الصلاة على أربعة أقسام: القسم الأول: ما كان عن عمد، و قد تقدّم حكمه في (فصل مبطلات الصلاة) و لا فرق فيه بين العلم بالحرمة و البطلان و عدمه.

القسم الثاني: ما كان عن جهل بالموضوع مع العلم بالحرمة و البطلان كما إذا تخيّل كون شي ء قرآنا، أو ذكرا، فتكلم به و لا يصحّ الحكم بكونه مبطلا، لأنّه التمسّك بدليل مبطلية الكلام العمدي بالنسبة إلى تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، كما لا وجه للحكم بكونه موجبا لسجود السهو، لعدم كونه من السهو عرفا فيكون المرجع حديث «لا تعاد» و أصالة عدم المانعية و أصالة البراءة عن سجود السهو.

القسم الثالث: ما لو تكلّم عامدا بزعم كونه خارجا عن الصلاة، فهو باعتبار

ص: 338


1- الوسائل باب: من أبواب القواطع.

يعد سهوا. و أما سبق اللسان فلا يعد سهوا (5)، و أما الحرف الخارج من التنحنح و التأوّه و الأنين الذي عمده لا يضر، فسهوه أيضا لا يوجب السجود (6).

«الثاني»: السلام في غير موقعه ساهيا

«الثاني»: السلام في غير موقعه ساهيا (7)، سواء كان بقصد

______________________________

نفس التكلّم من حيث هو عمد، و باعتبار السهو في موضوعه يكون سهوا. و بعبارة أخرى: إنّه سهو حكميّ لا موضوعيّ، و في وجوب سجود السهو لمثله إشكال، لأنّ المنساق من التكلّم السهويّ ما كان عن سهو في نفس التكلم من حيث هو إلّا أن يقال: بأنّ المراد بالسهو ما لم يحكم بكونه عن عمد فيجب سجود السهو لكل كلام مطلقا إلّا ما كان عن عمد فقط، فيكون التكلّم في الصلاة على قسمين:

الأول: ما كان عمديا و هو يوجب البطلان.

و الثاني: ما كان غير عمد و هو يوجب سجود السهو، فيكون ذكر السهو في الأدلّة من جهة كونه الفرد الغالب في الكلام غير العمدي، فتحصل من ذلك قاعدة كليّة و هي: إنّ كل كلام كان عمده مبطلا يكون سهوه موجبا لسجود السهو.

القسم الرابع: ما صدر عن سبق اللسان، و في وجوب سجود السهو له أيضا إشكال، لعدم كونه سهوا موضوعا و لا يكون عمدا أيضا و يمكن كونه موجبا لسجود السهو بنحو ما مرّ آنفا.

(فرع): لو علم أنّه تكلم في الصلاة و لم يعلم أنّه كان عن عمد أو سهو و تردّد بينهما، فمقتضى ظاهر حال المصلّي عدم تعمده للكلام، فيدخل بذلك في موضوع وجوب سجود السهو بناء على ما مرّ من أنّ كل ما لم يحكم بكونه عمدا يشمله حكم السهو.

(5) موضوعا، و أمّا حكما فقد تقدّم إمكان استفادة وجوب السجدة له أيضا.

(6) للأصل بعد الشك في شمول الأدلّة لمثله، بل الظاهر عدم الشمول.

(7) للإجماع، و استدلّ عليه تارة: بأنّه من التكلم السهوي، فيشمله ما دلّ على وجوب سجود السهو له. و فيه: أنّ المنساق عرفا من التكلّم هو التكلّم الآدمي لا مثل السلام الذي هو من أجزاء الصلاة.

ص: 339

.....

______________________________

و أخرى: بأنّه من الزيادة السهوية. و فيه: أنّ وجوب السهو لها مطلقا محل بحث- كما يأتي- و على فرض الوجوب، فمقتضى عد السلام قسما مستقلا أنّه مقابل لها لا أن يكون من صغرياتها إلّا أن يقال: إنّه من صغرياتها، و لكن فيه خصوصية ليست في مطلق الزيادة أوجبت التعرّض لها بالخصوص.

و ثالثة: بموثق عمار عن الصادق (عليه السلام): «عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظن أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث قال (عليه السلام): يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو و قد جازت صلاته» (1).

و فيه: أنّه لم يعلم أنّ وجوب سجود السهو لأجل عروض الشك، أو لأجل التشهّد، أو للسلام، أو للقعود في موضع القيام، أو لأجل المجموع من حيث المجموع، فالاستدلال على وجوبه لخصوص السلام من التخصيص بلا مخصّص.

و رابعة: بصحيح العيص عنه (عليه السلام) أيضا: «عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنّه لم يركع قال (عليه السلام): يقوم فيركع و يسجد سجدتين» (2).

و فيه: مضافا إلى ما مرّ في سابقة أنّه يحتمل أن يراد بقوله (عليه السلام):

«و يسجد سجدتين» سجدتي الصلاة لا سجدتي السهو فيكون أجنبيا عن المقام إلّا أن يقال: إنّ ظهور الموثق في وجوب سجود السهو ممّا لا ينكر، و كذا الصحيح، فإنّ قوله (عليه السلام): «و يسجد سجدتين» ظاهر في سجدتي السهو، و لو كان المراد سجود الصلاة لقال ثمَّ يسجد، لأنّ معروفية السجدتين بعد الركوع يستغني عن ذكرهما، و حينئذ فالمتيقّن من مورد وجوب سجود السهو إنّما هو للسلام، لأنّه الذي يشبه الكلام الآدمي و ليست فيه الجزئية المحضة، فإن تمَّ الدليل على وجوبه لشي ء آخر نقول به، و إلّا فالمتيقن منه هو السلام. هذا مضافا إلى ما مرّ من القاعدة من أنّ كل كلام كان عمده مبطلا يكون سهوه موجبا لسجود السهو.

فما عن جمع من عدم الوجوب كالكليني، و الصدوقين، و العماني، و السيد،

ص: 340


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 14.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.

الخروج- كما إذا سلّم بتخيل تمامية صلاته- أو لا بقصده (8)، و المدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين (9) و أما «السلام عليك أيها النّبي ..»

فلا يوجب شيئا من حيث إنّه سلام (10). نعم، يوجبه من حيث أنّه زيادة سهوية (11)، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك. و إن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ «السلام» للصدق، بل قد قيل إنّ حرفين منه موجب، لكنّه مشكل إلّا من حيث الزيادة (12).

______________________________

و الديلمي، و ابني حمزة و زهرة مخدوش كما لا يخفى، و أمّا ما في صحيح الأعرج من قوله (عليه السلام): «و سجد سجدتين لمكان الكلام» (1) حيث إنّه (عليه السلام) خصّ السجود للكلام مع وقوع السلام أيضا، فلا يستفاد الحصر منه، و يمكن أن يكون ذكر الكلام لأجل كونه الفرد البارز في إيجاب السجود.

ثمَّ إنّ مدرك ما ذكرناه- من القاعدة من أنّ كل كلام كان عمده مبطلا كان سهوه موجبا لسجود السهو- إنّما هو ظهور الإجماع، و المنساق من ظواهر الأدلّة، فلا وجه لجعل بحث مستقل فيها كما لا يخفى.

(8) أمّا الأول، فلكونه ظاهر الموثق. و أمّا الثاني، فلإطلاق الكلمات و عدم تفرقتهم بينهما.

(9) لأنّهما المنساق من الأدلّة على فرض تمامية الدلالة، و مورد اتفاق الأجلّة.

(10) لما مرّ من اختصاصه بالأخيرتين.

(11) بناء على وجوبها لكل زيادة، و يأتي ما يتعلّق بذلك.

(12) بل ممنوع لعدم إطلاق في البين حتّى يتمسّك بإطلاقه و على فرض وجوده يشك في صدقه عليه، فلا يصح التمسك به حينئذ، فمقتضى الأصل عدم الوجوب.

(فرع): ظاهر الكلمات هو الإطلاق، فيشمل السلام الواقع في حال القيام،

ص: 341


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 16.
«الثالث»: نسيان السجدة الواحدة

«الثالث»: نسيان السجدة الواحدة (13) إذا فات محلّ تداركها كما إذا لم يتذكر إلّا بعد الركوع أو بعد السلام. و أما نسيان الذكر فيها أو بعض واجباتها الأخر- ما عدا وضع الجبهة- فلا يوجب إلا من حيث وجوبه لكلّ نقيصة. (14).

«الرابع»: نسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه

«الرابع»: نسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه، و الظاهر أنّ نسيان بعض أجزائه أيضا كذلك، كما أنّه موجب للقضاء أيضا كما مرّ.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 8، ص: 342

[ «الخامس»: الشك بين الأربع و الخمس]

«الخامس»: الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين كما مرّ سابقا.

«السادس»: للقيام في موضع القعود أو العكس

«السادس»: للقيام في موضع القعود أو العكس (15)، بل لكل

______________________________

أو الركوع، أو السجود، و للتأمل فيه مجال إذا المتيقن من الأدلة على فرض الدلالة ما كان في حال الجلوس. نعم، بناء على كونه من باب مطلق الزيادة يصح ذلك، و لكنه مشكل صغرى و كبرى.

(13) تقدم ما يتعلّق بها (1)، و كذا الرابع (2) و الخامس (3)، فلا وجه للإعادة، لكونها من التطويل بلا طائل.

(14) أمّا عدم الوجوب، فللأصل بعد عدم دليل عليه، و ظهور الأدلة في نسيان خصوص وضع الجبهة. و أمّا وجوبه لكل نقيصة، فيأتي الكلام فيه.

(15) نسبه في الأمالي إلى دين الإمامية، و نسبه ابن إدريس فيما حكي عنه إلى أكثر المحققين، و حكي عن السيد، و سلار، و غير واحد ممّن تأخّر عنهم، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه و استدلّ عليه تارة: بإجماع الغنية. و فيه: أنّه مخدوش كما ثبت في محلّه.

و أخرى: بصحيح ابن عمار: «عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد

ص: 342


1- راجع ج: 6 صفحة: 467 و في هذا المجلّد: صفحة: 318.
2- راجع ج: 6 صفحة: 467 طبعة النجف الأشرف و في هذا المجلد: صفحة: 318.
3- راجع صفحة: 256.

.....

______________________________

في حال قيام قال: يسجد سجدتين بعد التسليم و هما المرغمتان ترغمان أنف الشيطان» (1) و بموثق عمار: «عن السهو ما تجب فيه سجدتا السهو؟

قال (عليه السلام): إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو و ليس في شي ء ممّا تتم به الصلاة سهو، و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثمَّ ذكر من قبل أن يقدم شيئا أو يحدث شيئا، فقال (عليه السلام): ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء» (2).

و أورد عليه بأنّه لا بدّ من تقييد صدر موثق عمّار بذيله، فيكون القيام في موضوع القعود أو العكس الذي وقع فيه التكلّم سهوا موجبا للسجود دون مطلق القيام في محل القعود أو العكس، فيقيد صحيح ابن عمّار بذلك أيضا.

و فيه: أنّه يمكن حمل الذيل على القعود المندوب الذي تركه المصلّي سهوا كالقعود لمندوبات التشهّد مثلا بعد الإتيان بواجباته، و يصحّ أن يراد بالتكلّم حينئذ التكلّم الآدمي سهوا، أو مطلق الذكر و القراءة في غير المحل، فلا وجه بعد ذلك لرفع اليد عن ظاهر الصدر و تقييده بالذيل ثمَّ تقييد صحيح ابن عمّار به أيضا.

إن قلت: يعارضهما ما ورد في نسيان التشهّد و التذكّر قبل الركوع، و النصوص ظاهرة، بل صريحة في وجوب الرجوع و التدارك و عدم وجوب سجود السهو- كما تقدّم.

قلت: ليس تلك النصوص واردة في مقام بيان سجود السهو و عدمه بل وردت لبيان حكم التشهّد قبل الدخول في الركن اللاحق، فتقيّد بأدلّة المقام.

و أمّا صحيح الحلبي: «عن الرجل يسهو في الصلاة، فينسى التشهّد قال (عليه السلام): يرجع، فيتشهّد قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟

فقال (عليه السلام): لا، ليس في هذا سجدتا السهو» (3) فالمراد به نفس نسيان التشهّد بقرينة قوله فيما مرّ من صحيح ابن عمّار: «ليس فيما يتم به الصلاة سهو»

ص: 343


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب التشهّد حديث 4.

زيادة و نقيصة (16) لم يذكرها في محلّ التدارك.

______________________________

و ليس في مقام بيان حكم القيام في غير المحل فراجع.

(16) نسب ذلك إلى جمع من المتأخرين منهم العلامة، و عن الشيخ نسبته إلى بعض أصحابنا، و عن الدروس بعد نقله لذلك قال: «لم نظفر بقائله و لا مأخذه إلّا رواية الحلبي» و مراده عدم الظفر بقائله بين المتقدّمين و إلّا فقد نسبه في الذكرى إلى العلامة و اختاره أيضا و قال في الجواهر: «فمن العجيب ما سمعته من الدروس مع أنّه خيرة الفاضل قبله و خيرته نفسه فيما سمعت من كتبه، بل قد سمعت أنّه حكى عن الصدوق أيضا و ربما استفيد من المحكي عن أبي علي» و كيف كان فاستدلّ عليه تارة: بما عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السميط عن الصادق (عليه السلام): «قال تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» (1).

و فيه أولا: بعد الإغماض عن جهالة سفيان- لوقوعه في طريق رواية ابن أبي عمير، و ادعي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه على فرض اعتبار هذا الإجماع- إنّ إعراض المشهور عنه، و عدم أثر في الأخبار لهذا الحكم العام البلوى، و عدم قول بالوجوب إلى زمن العلامة (رحمه اللّه) ممّا يوهن استفادة الوجوب منه.

و ثانيا: خلو جملة من الأخبار الواردة في نسيان بعض الأجزاء عن التعرّض لسجود السهو، بل في بعضها أنّه لا شي ء عليه كصحيح زرارة: «من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي فلا شي ء عليه» (2)، و في صحيح ابن مسلم: «من نسي القراءة فقد تمّت صلاته و لا شي ء عليه» (3).

و لكن يمكن المناقشة: فيها: بأنّها في مقام بيان إتمام الصلاة و عدم الإعادة، فتكون جملة: «لا شي ء عليه» عبارة أخرى عن عدم الإعادة و ليست متعرّضة لنفي سجود السهو حتّى تعارض الأخبار الدالة عليه، كما أنّه معارضته بما تقدّم من

ص: 344


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

الأخبار الدالة على أنّه ليس عليه سهو في نسيان السجدة لا وجه له لما تقدّم من وهنها بإعراض المشهور.

و أخرى: بصحيح فضيل بن يسار سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن السهو فقال: من حفظ سهوه، فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو و إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص» (1)، و قريب منه موثق سماعة (2)، و بصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» (3). و جملة: «لم يدر زاد في صلاته أم نقص» تحتمل، وجوها:

الأول: العلم الإجمالي بأحدهما أنّه إمّا زاد أو نقص.

الثاني: الشك في أحدهما بأن يكون مركبا من جملتين مستقلتين يعني: من لم يدر زاد أم لا، يسجد سجدتي السهو. و من لم يدر نقص أم لا فكذلك، بناء على هذين الوجهين يدل على وجوب السجود عليه مع العلم التفصيلي بالسهو بالأولوية كما عن العلّامة و الشهيد (رحمهما اللّه).

و فيه: منع ثبوت الأولوية بحيث يوجب الجزم بالحكم.

الثالث: ما يختص بصحيح الحلبي و هو أن يكون «أم نقصت» معطوفا على فعل الشرط يعني: إذا زدت أو نقصت، فيدل عليه المدعى حينئذ بالمطابقة، و لكنه خلاف الظاهر.

الرابع: أن يكون المراد بالزيادة و النقيصة فيها الشك في زيادة الركعة أو نقيصتها لا مطلق الزيادة و النقيصة و حينئذ لا ربط له بالمقام.

و ثالثة: بصحيح صفوان قال: «سألته عن سجدتي السهو فقال: إن نقصت فقبل التسليم و إن زدت فبعده» (4)، و نحوه صحيح سعد الأشعري (5)بدعوى أنّ المنساق منهما مفروغية وجوب سجود السهو للزيادة و النقيصة و إنّما بيّن (عليه السلام) محله.

ص: 345


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.

و أما النقيصة مع التدارك فلا توجب (17). و الزيادة أعم من أن تكون من الأجزاء الواجبة أو المستحبة- كما إذا قنت في الركعة الأولى مثلا، أو في غير محله من الثانية و مثل قوله: «بحول اللّه» في غير محلّه (18). لا مثل التكبير أو التسبيح (19) إلا إذا صدق عليه الزيادة- كما إذا كبّر بقصد تكبير الركوع في غير محلّه- (20) فإنّ الظاهر صدق الزيادة

______________________________

و فيه: أنّه ليس في مقام بيان وجوب سجود السهو، بل في مقام بيان محله، مع أنّه خلاف المشهور، و موافق مع العامة.

و رابعة: بأنّ سجود السهو إرغام للشيطان كما في الخبر (1) و إرغام الشيطان واجب مع الإمكان و لا يتّصف بالاستحباب، لأنّه من أعدى الأعداء و ألد الخصوم.

و فيه: أنّه يمكن أن يكون ذلك من الحكمة لا العلة التامة المنحصرة، فالجزم بالفتوى مشكل.

(17) لعدم تحقّق النقيصة مع التدارك. نعم، قد يستلزم التدارك زيادة شي ء كما إذا نسي الفاتحة و قرأ السورة و تذكر بعد إتمامها و رجع و أتى بالفاتحة و السورة فلم ينقص منه شي ء و إنّما زيد السورة، فتجب للزيادة حينئذ.

(18) كل ذلك للإطلاق، و صدق الزيادة في عرف المتشرّعة سواء أمكن فرض جزئية المستحب للواجب أم لا، إذ المراد بالزيادة هنا ما هو داخل في الصلاة بنظر عرف المتشرّعة، مع أنّا قد صححنا إمكان جزئية المستحب كما مرّ مرارا.

(19) لكونهما من مطلق الذكر المطلوب في كل حال في الصلاة و غيرها و ليس مطلوبيتهما من حيث مطلق الذكر محدودا بحد خاص حتى يتصوّر فيهما الزيادة أو النقيصة.

(20) أو سبّح بقصد تسبيح الركوع أو السجود في غير المحل.

ص: 346


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

عليه، كما أنّ قوله: «سمع اللّه لمن حمده» كذلك.

و الحاصل: إنّ المدار على صدق الزيادة (21). و أما نقيصة المستحبات فلا توجب حتّى مثل القنوت (22) و إن كان الأحوط عدم الترك في مثله إذا كان من عادته الإتيان به دائما (23)، و الأحوط عدم تركه في الشك في الزيادة و النقيصة (24).

______________________________

(21) و هي متقوّمة بقصد الجزئية، فإن كانت عن عمد تبطل، و إن كانت عن سهو توجب سجود السهو في غير ما كان سهوه أيضا موجبا للبطلان كالأركان.

(22) اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على المتيقن من مفاد الأدلّة و لأنّ المنساق من الأدلّة أنّ النقيصة السهوية هي التي إذا حصلت عمدا أو أوجبت البطلان و ليست المندوبات كذلك، و قال في الجواهر: «بل عن غاية المراد أنّ الذي عليه المتأخّرون وجوبها في كل موضع لو فعله أو تركه عمدا بطلت صلاته، فيخرج حينئذ نسيان القنوت، و فعل الذكر و الدعاء بغير قصد و نحوهما مما لا يقدح عمدا».

(23) قال في الجواهر: «ثمَّ الظاهر استثناء المندوبات كالقنوت و نحوه مما عرفت، فلا يجب سجود السهو بنسيانه بعد العزم على فعله كما نص عليه الفاضل و الشهيدان- إلى أن قال- خلافا لظاهر بعضهم بل المحكي عن أبي علي من أنّه لو نسي القنوت قبل الركوع أو بعده قنت قبل أن يسلّم ثمَّ تشهد و سجد سجدتي السهو» فيستفاد منه أنّ صورة العزم على الإتيان ثمَّ الترك السهوي مورد الخلاف لا صورة العادة عليه، و يمكن كونهما متلازمين، فإنّ العادة ملازمة للعزم الإجمالي و وجه اختصاص سجود السهو بصورة العزم على الإتيان أنّ في صورة عدم العزم يكون من الترك العمدي، و لا وجه لسجوده في الترك العمدي، و لكن الأحوط في غير صورة العزم على العدم هو الإتيان، لصدق السهو الذي هو من الشيطان، فلا بدّ من إرغام أنفه.

(24) لما تقدم من صحيح الفضيل، و الحلبي، و موثق سماعة (1)، و تقدّم

ص: 347


1- تقدّم ذلك في صفحة:- 256.
مسألة 2: يجب تكرره بتكرر الموجب

(مسألة 2): يجب تكرره بتكرر الموجب، سواء كان من نوع واحد أو أنواع (25) و الكلام الواحد موجب واحد و إن طال (26) نعم، إن

______________________________

محتملاتها و إجمالها من هذه الجهة، و لخبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):

«قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله):» إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين و هو جالس و سمّاهما رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) المرغمتين» (1).

و يرد عليه و على جميع ما استدلّ به على وجوب سجود السهو للشك في الزيادة و النقيصة على فرض تمامية دلالتها إعراض المشهور عنها أولا: و معارضتها بما دلّ على أنّ الشك بعد التجاوز و الفراغ ليس بشي ء الظاهر في عدم أثر للشك فيهما مطلقا لا بالنسبة إلى سجدة السهو و لا غيرها ثانيا. و بالأخبار المختلفة الواردة في الأبواب المتفرّقة (2) المتعرّضة لحكم الشك في الأفعال و عدم التعرّض لسجود السهو مع كونها في مقام البيان ثالثا، فلا بدّ و أن يحمل ما يمكن أن يستفاد منه سجود السهو لمطلق الشك في الأفعال على الندب القابل للمسامحة من كل جهة إلّا أن يقال: إنّ سجود السهو في مورد احتمال تشريعه إرغام الشيطان و لا وجه لاستحباب إرغام الخبيث مع الإمكان، و فيه ما تقدّم أنّه من الحكمة لا العلّة، فما نسب إلى العلامة في المختلف و الشهيد في الروض، و المفيد في الغربة من الوجوب مخدوش.

(25) للإطلاق، لأصالة عدم التداخل لا في الأسباب و لا في المسببات إلّا إذا دلّ عليه دليل بالخصوص كما هو المطابق للعرف المأنوس، و قد قرّر ذلك في الأصول، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين النوع الواحد و الأنواع المتعددة.

(26) لأنّه المنساق عرفا من الأدلّة إذ لا ريب في عدم إرادة أجزاء الكلام و جزئياته من الزيادة و النقيصة بأن يجب على من نسي الفاتحة- مثلا- سجدات

ص: 348


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب الركوع و باب: 15 و 16 من أبواب السجود. و باب: 13 من أبواب التشهّد: و غيرها.

.....

______________________________

بعدد حروفها أو آياتها، فإنّه مقطوع بخلافه، بل مقتضى ما ورد- أنّ في نسيان التشهّد سجدتا السهو (1)و ما تسالموا عليه من سجدتي السهو لنسيان السجدة الواحدة، مع اشتمالها على الأجزاء- هو أنّ المراد بوحدة ما يزاد و ينقص و يتعدّده الوحدة العنوانية العرفية عند المتشرّعة، فكل ما يعد واحدا بحسب المتعارف، ففي زيادته سهوا أو نقيصته كذلك سجدتي السهو مرة واحدة و إن تعدّد كذلك تتعدّد، فالكلام الواحد عرفا يجب فيه سجود السهو مرة و إن كانت له أجزاء كثيرة، بل جملات متعدّدة، و الفاتحة شي ء واحد، و كذا السورة إن وقع السهو في كل واحد منهما- و إن طالت السورة- و لا يبعد أن يقال: إنّ القراءة شي ء واحد و إن تركّبت من الفاتحة و السورة، و المسألة بحسب الأصول العملية من صغريات الأقل و الأكثر، فإنّ وجوب سجود السهو مرة واحدة معلوم في زيادة القراءة سهوا- مثلا- و الشك في الزائد فيرجع فيه إلى الأصل.

و أما بحسب الاستظهار من الأدلة، فالمحتملات ثبوتا أربعة:

الاحتمال الأول: وحدة السهو و المسهوّ عنه عرفا طال أو قصر، و مقتضى المتفاهم من الأدلّة عرفا، و أصالة البراءة عن الأكثر عدم وجوب سجدتي السهو إلّا مرة واحدة.

الاحتمال الثاني: تعدّد السهو و تعدّد المسهوّ عنه عرفا كما إذا سها فقرأ آية من الفاتحة، فتذكّر ثمَّ عرضه السهو فقرأ آية أخرى منها أو من غيرها، و مقتضى إطلاقات الأدلّة و شمولها لكل سهو مستقلا تعدد السجود فيه.

الاحتمال الثالث: تعدد السهو و وحدة السّهو عنه عرفا كما إذا سها فتكلّم ببعض الكلمة، فتذكّر ثمَّ عرضه السهو، فتكلّم ببعضها الآخر، و مقتضى الإطلاقات التعدّد أيضا إن كان بحرفين أو حرف واحد مفهم، و لو كان بحرف واحد مهمل، فالتمسك بوجوبه حينئذ بالأدلة اللفظية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى الأصل البراءة عن الوجوب مطلقا.

الاحتمال الرابع: وحدة السهو و تعدّد المسهوّ عنه عرفا و الظاهر شمول

ص: 349


1- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب التشهّد.

تذكر ثمَّ عاد تكرر (27) و الصيغ الثلاث للسلام موجب واحد (28)، و إن كان الأحوط التعدد (29) و نقصان التسبيحات الأربع موجب واحد، بل و كذلك زيادتها و إن أتى بها ثلاث مرّات (30).

مسألة 3: إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الأولى مثلا و قام و قرأ الحمد و السورة

(مسألة 3): إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الأولى مثلا و قام و قرأ الحمد و السورة، و قنت و كبّر للركوع فتذكر قبل أن يدخل في الركوع، وجب العود للتدارك و عليه سجود السهو ست مرّات. (31) مرّة

______________________________

الإطلاقات له، فيتعدّد السجود، و مع الشك في الشمول فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، و لكن الظاهر عدم القصور في الشمول.

ثمَّ إنّ المناط في تعدّد المسهو به وحدة العنوان و عدمه في الأفعال، و في الأذكار وحدة الداعي و عدمه إن لم تكن من العناوين المختلفة عرفا كالتسبيحات و الاستغفار- مثلا- فإنّهما عنوانان عند عرف المتشرّعة، و يأتي في كفارات الإحرام نظير المقام، فراجع.

(27) كما مرّ في القسم الثاني.

(28) لتعنونها بعنوان التسليم الذي هو شي ء واحد عرفا، مضافا إلى إطلاق دليل وجوب سجود السهو للتسليم الشامل للجميع عند الإتيان بالجميع و للواحد عند الاكتفاء به، و لكن لو أتى ب (السلام عليك أيّها النبي) فقط فقد تقدّم عدم الوجوب له من حيث السلام و إن وجب من حيث الزيادة.

(29) لاحتمال التعدّد بتعدّد الصيغ.

(30) لما تقدّم من وحدة العنوان التي لا تنافي تعدّد الأجزاء و اختلافها فهي كسورة الفاتحة التي هي واحدة مع اختلاف آياتها. هذا كلّه مع وحدة السهو أيضا و أما مع تعدّده، فيتعدّد السجود.

(31) لتعدّد المسهوّ به، فيتعدّد السجود أيضا و ليس ذلك داخلا تحت عنوان واحد عرفيّ قريب حتّى يجب السجود مرة كما في المسألة السابقة بل كل واحد من ذلك معنون بعنوان خاص. نعم، في قراءة الحمد و السورة لا يبعد الاكتفاء بالمرة

ص: 350

لقوله: «بحول اللّه» و مرّة للقيام، و مرّة للحمد، و مرّة للسورة، و مرّة للقنوت، و مرّة لتكبير الركوع. و هكذا يتكرّر خمس مرّات لو ترك التشهّد و قام و أتى بالتسبيحات و الاستغفار بعدها و كبّر للركوع فتذكر.

مسألة 4: لا يجب فيه تعيين السبب

(مسألة 4): لا يجب فيه تعيين السبب، و لو مع التعدّد (32) كما أنّه لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى (33) أما بينه و بين الأجزاء المنسية و الركعات الاحتياطية فهو مؤخر عنهما كما مرّ (34).

مسألة 5: لو سجد للكلام فبان أنّ الموجب غيره

(مسألة 5): لو سجد للكلام فبان أنّ الموجب غيره فإن كان على وجه التقييد وجبت الإعادة (35) و إن كان من باب الاشتباه في التطبيق أجزاء (36).

______________________________

لوحدة عنوان القراءة بالنسبة إليها، و لكنّه مشكل أيضا للتعدد العرفيّ و لولاه لأمكن أن يقال: إنّ الجامع القريب في المقام الزيادة السهوية، فتجب سجدتان مرة واحدة فقط.

(32) للإطلاق، و الأصل و قد تقدّم مكررا أنّ التعيّن في القصد فرع تعيّن المقصود و تشخّصه في الخارج عن غيره و المقام ليس كذلك إذ لا فرق بين السجود للتكلّم و السجود للجزء المنسيّ أبدا.

(33) لإطلاق الأدلّة، و أصالة البراءة، و قد تقدّم في [مسألة 7] من الفصل السابق ما ينفع المقام فراجع، فإنّها متحدة مع المقام في الدليل.

(34) تقدّم في [مسألة 11] من الفصل السابق فراجع.

(35) لأنّ ما قصده لا واقع له و ما له الواقع لم يقصد، و لكنه فيما إذا رجع إلى عدم قصد الأمر فيما هو المكلف به فعلا و إلّا فلا وجه للإعادة.

(36) لتحقق القصد إلى المأمور به واقعا و الخطأ إنّما وقع في توهّم الخلاف لا في أصل قصد امتثال الأمر، و لا يضرّ توهّم الخلاف بعد تحقق قصد امتثال الأمر.

ص: 351

مسألة 6: يجب الإتيان به فورا

(مسألة 6): يجب الإتيان به فورا (37)،

______________________________

(37) لا لظهور الأمر في الفورية حتّى يقال: قد ثبت بطلانه في الأصول، بل لأنّ مقتضى مرتكزات المتشرّعة إتيان الواجبات المتعلّقة بالصلاة قبل الإتيان بالمنافيات متصلا بالصلاة، و في صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج عن الصادق (عليه السلام): «سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟

قال (عليه السلام): «بعد» (1).

و في صحيح ابن سنان عنه (عليه السلام): «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعدهما» (2).

و في صحيح ابن أبي يعفور: «ثمَّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم» (3).

و في صحيح الفضيل «فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس» (4)، و في خبر منهال القصاب: «أسهو في الصلاة و أنا خلف الإمام قال (عليه السلام): إذا سلّم فاسجد سجدتين و لا تهب» (5)- أي: لا تخش من الناس أنّك سهوت.

و المنساق من الجميع عرفا هو الفورية العرفية المرتكزة في أذهان المتشرّعة أيضا، و يظهر من المحقق البهبهاني و السبزواري الإجماع عليها أيضا، و الظاهر أنّ ذكر التكلّم في صحيح ابن أبي يعفور من باب المثال لترك جميع ما هو مناف للفورية لا الخصوصية فيه بالخصوص.

و أما موثق ابن عمار: «عن الرجل يسهو في صلاته، فلا يذكر ذلك حتى يصلّي الفجر كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع

ص: 352


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب التشهّد حديث: 1.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.

فإن أخر عمدا عصى (38) و لم يسقط (39)، بل وجبت المبادرة إليه،

______________________________

الشمس و يذهب شعاعها» (1) فهو في مقام بيان كراهية السجود عند طلوع الشمس، فلا ربط له بالمقام، مضافا إلى إعراض الأصحاب عنه مطلقا، فلا وجه لما عن العلامة و الشهيدين، و بعض من متأخّري المتأخرين من القول باستحباب الفورية.

ثمَّ إنّه لا يستفاد من مثل الصحيحين إلّا الفورية المتعارفة، و أما الحرمة التكليفية للكلام و غيره من المنافيات أو هي و الوضعية بمعنى بطلان الصلاة بتخلّل المنافي بينها و بين سجود السهو، فلا يدل عليه، و لكن نسب في الحدائق إلى جملة من الأصحاب حرمة إتيان المنافيات بينها و بين الصلاة.

ثمَّ الأخبار في محل سجود السهو على ثلاثة أقسام:

منها: ما مرّ و هو المشهور من أنّه بعد السلام.

و منها: ما دلّ على أنّه قبله كخبر أبي الجارود: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) متى أسجد سجدتي السهو؟ قال (عليه السلام): قبل التسليم لأنّك إذا سلّمت فقد ذهبت حرمة صلاتك» (2) و يرده عدم قائل به، و إعراض المشهور عنه مع ضعف سنده، و وهن تعليله.

و منها: ما دلّ على أنّها إن كانت للزيادة فبعد التسليم، و إن كانت للنقيصة فقبله كقول الرضا (عليه السلام) في صحيح سعد بن سعد: «في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم و إذا زدت فبعده» (3)، و مثله قول الصادق (عليه السلام) في صحيح صفوان (4) و أسقطهما موافقتهما لما نسب إلى أبي حنيفة، و عدم قائل بهما من الخاصة إلّا ما نسب إلى أبي علي، فالمشهور هو المعوّل و عليه العمل.

(38) لترك الفورية الواجبة، و لكن الظاهر أنّه من الذنوب المكفرة.

(39) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

ص: 353


1- راجع الوسائل باب: 38 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.

و هكذا (40). و لو نسيه أتى به إذا تذكر و إن مضت أيام، و لا يجب إعادة الصلاة، بل لو تركه أصلا لم تبطل على الأقوى (41).

______________________________

(40) لأصالة بقاء الفورية ما لم يسقط الأمر، و يقتضيه موثق عمار عن الصادق (عليه السلام): «سألته عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو قال: يسجدها متى ذكر» (1).

(41) عن المشهور نقلا و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا إلّا من الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف فقال باشتراطه، و تبعه المولى الأكبر كما في الجواهر، و يدل على المشهور ظهور الأدلّة في تمامية الصلاة جزءا و شرطا بعد الفراغ و التسليم، كما أنّ أدلّة وجوب سجود السهو ظاهرة في أنّه نحو كفارة خاصة أوجبها عروض السهو في الصلاة من دون ربط له بها أصلا. نعم، يرتبط في رفع منقصة عروض السهو و الغفلة فقط حيث إنّ الشيطان سلط على المصلّي و أغفله عن اللّه تعالى في عبادته فيسلط المصلّي عليه أيضا بإتيان أعظم مظاهر العبودية التي هي السجدة، فارتباطها بالصلاة من هذه الجهة فقط كسائر الكفارات المشروعة التي لا ينافي تركها صحة أصل العمل، كما في جملة من كفارات الإحرام مع دخلها في رفع النقص الحاصل منه، و كالنافلة المشروعة لتكميل الفريضة مع عدم ارتباطها بها قيدا. هذا مضافا إلى أصالة عدم الارتباط أصلا عند الشك فيه مطلقا.

و استدلّ المحقق البهبهاني على الشرطية تارة، بقول الفقهاء: «تجب السجدتان لكذا».

و فيه: أنّه لا فرق بين قولهم في المقام و قولهم في تروك الإحرام: «تجب الشاة مثلا لكذا».

و أخرى: بأنّ المنساق من أدلّتهما كونها دخيلا في صحة الصلاة.

و فيه: أنّه لا دلالة لها عليه بوجه، بل التصريح بكونهما المرغمتين، يدل على الخلاف فإنّ المتبادر من هذا التعبير عرفا أنّهما خارجتان عن حقيقة الصلاة

ص: 354


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
مسألة 7: كيفيته

(مسألة 7): كيفيته (42): أن ينوي (43)، و يضع جبهته على الأرض- أو غيرها مما يصح السجود (44) عليه- و يقول (45) «بسم اللّه

______________________________

مطلقا وجبتا لمدافعة الشيطان، لأنّه أوقع المصلّي في السهو و النسيان.

و ثالثة: بقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّ مورد الشك في الشرطية من موارد البراءة، مع أنّ مقتضى الإطلاق كون الوجوب نفسيا كما ثبت كل ذلك في محله.

و أما ما يقال: من أنّ الأدلّة على فرض التمامية إنّما تنافي الجزئية للصلاة لا الارتباطية بينهما كالأجزاء المنسية المتلازمة مع الصلاة ثبوتا و سقوطا، فمجرّد دعوى لا يعضدها الدليل، فلا يجوز عليه التعويل، لأنّ الارتباط بين الشيئين المتلازمين ثبوتا و سقوطا لا يعقل إلّا في مورد التقيّد جزءا أو شرطا و في غيره لا وجه للتلازم، لاحتياجه إلى دليل خاص و هو مفقود، مع أنّ مقتضى الأصل عدمه.

(42) مقتضى أصالتي الإطلاق و البراءة كفاية مجرد تحقق السجدتين عرفا و عدم اعتبار شي ء زائدا على صدق مسمّاها مما يعتبر في سجود الصلاة، و دعوى انصراف الأمر بمطلق السجود إلى إتيانه بنحو ما يعتبر في الصلاة لا شاهد عليه أصلا. نعم، ما دلّ على اعتبار أن لا يكون المسجد من المأكول و الملبوس بأنّ الناس عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّ و جل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا (1)، و ما دل على أنّ السجود على سبعة أعظم (2) يظهر منه اعتبار ذلك في قوام مطلق السجود لو لم نقل بظهوره في سجود الصلاة فقط، لأنّ معهودية السجود في الصلاة و ابتلاء المكلّفين به كل يوم و ليلة مرات تمنع عن شمول الأخبار لغيره، نعم، يمكن دعوى استنكار المتشرّعة بل العرف السجود مطلقا على الأعيان النجسة خصوصا مع التعدّي.

(43) لكونهما عبادة و لا عبادة إلّا بالقصد و نيّة القربة.

(44) تقدّم ما يتعلّق به.

(45) نسب إلى المشهور وجوب الذكر فيهما في الجملة، و استدلّ عليه

ص: 355


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يسجد عليه.
2- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.

و باللّه و صلّى اللّه على محمّد و آله» (46) أو يقول: «بسم اللّه و باللّه اللّهم صلّى على محمّد و آل محمّد» (47) أو يقول: «بسم اللّه و باللّه السلام

______________________________

تارة: بقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّ المرجع في الشك في الشرطية إنّما هو البراءة لا الاشتغال كما ثبت في محلّه.

و أخرى: بأنّ المنصرف من سجود السهو كونه مثل سجود الصلاة في الواجبات. و فيه: أنّه لا وجه لهذا الانصراف في مقابل الإطلاقات الواردة في مقام البيان خصوصا مع موثق عمار عن الصادق (عليه السلام): «قال: سألته عن سجدتي السهو هل فيها تكبير أو تسبيح، فقال لا إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنّه قد سها و ليس عليه أن يسبّح فيهما و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين» (1).

و ثالثة: بما يأتي من صحيح الحلبي و فيه: مضافا إلى اضطرار متنه الذي هو من أمارة الاستحباب لا بد من حمله عليه جمعا بينه و بين موثق عمار، و لذا اختار جمع من الفقهاء عدم الوجوب و لعلّه الأشهر، بل المشهور بين المتأخّرين منهم العلامة في المختلف و المنتهى، و المحقق في المعتبر و لكن ظهور الصحيح في الوجوب مما لا ينكر، و حمل موثق عمار على نفي خصوص التسبيح و التكبير ممكن، مما نسب إلى المشهور لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

(46) عن المحقق الأول في النافع الأحوط أن يقول: «بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آله في السجدة الأولى، بسم الله و باللّه السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته في السجدة الثانية»، و في مفتاح الكرامة: «نقلت هذه الصورة عن التقى» و لا دليل لهما على هذا التفصيل، و قد جعل هذا الاختلاف مؤيّدا للاستحباب، كما لا موافق للماتن على اختيار هذه الصورة في السجدتين لا من أقوال الفقهاء و لا من الأخبار.

(47) لما يأتي في صحيح الحلبي، و الفقيه.

ص: 356


1- الوافي ج: 5 باب سائر مواضع سجدتي السهو و صفتيهما صفحة (149).

عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته» (48).

______________________________

(48) في الكافي عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«قال (عليه السلام): تقول في سجدتي السهو بسم اللّه و باللّه- اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد- و صلّى اللّه على محمد و آل محمد» قال الحلبي: و سمعته مرة أخرى يقول فيهما: «بسم اللّه و باللّه السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته» (1).

و في التهذيب بسند صحيح عن الحلبي «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام):

يقول في سجدتي السهو: بسم اللّه و باللّه السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته» (2).

و في الجواهر: «عن الفقيه عنه (عليه السلام) تقول في سجدتي السهو «بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه عليه محمد و آل محمد»، و عن بعض النسخ «و على آل محمد» و سمعته مرة أخرى: «يقول بسم اللّه و باللّه السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته» و نحوه في التهذيب، لكن بزيادة الواو قبل السلام».

و أشكل عليه بوجوه: الوجه الأول: ظهوره في وقوع السهو من الإمام (عليه السلام) و هو خلاف المذهب.

و فيه: أنّه لا ظهور فيه، لأنّ قوله «سمعته مرة أخرى يقول أي: يقول في مقام بيان الحكم و التعليم لا عند العمل بموجب السهو، و هذا التعبير كثير في الأخبار جدّا، مضافا إلى احتمال أن يكون قد اقتدى (عليه السلام) بالعامة و حصل السهو من إمام إجماعه، فأتى بسجود السهو (عليه السلام) معهم تقية إلى غير ذلك من الاحتمالات.

الوجه الثاني: معارضته بما مرّ من موثق عمار، و قد مرّ جوابه مضافا إلى أنّ ظهور الشهرة- القدمائية على خلافه- أسقطه عن الاعتبار.

الوجه الثالث: اختلاف نسخة.

ص: 357


1- الوسائل باب: من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- الوسائل باب: من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ثمَّ يرفع رأسه (49) و يسجد مرّة أخرى و يقول ما ذكره و يتشهّد (50).

______________________________

و فيه: أنّ نسخة: (و على آل محمد) ساقطة لعدم كون هذا التعبير مأنوسا عنهم (عليهم السلام)، بل هو موافق لتعبيرات العامة، و ما ورد في بعض الدعوات ورد تقية، و أما نسخة: (و السلام عليك)- كما في التهذيب- بزيادة الواو قبل السلام، فهي أيضا ساقطة، لعدم ذكر «الواو» في غالب الجمل المشتملة على السلام على النبيّ، مع أنّ المقام من صغريات الأقل و الأكثر للشك في أصل تشريع لفظ «الواو» إذ يحتمل- أن يكون قد ذكر «الواو» على فرض ثبوتها في خبر الحلبي أي: «و يقول السلام عليك» كما يحتمل أن يكون قد كتبت ركزة للفصل بين (بسم اللّه و باللّه) و «السلام عليك» فاشتبه بالواو، و عن المحقق البهبهاني الجزم بأنّ الأصح ترك «الواو» و بذلك كلّه يشكل في لفظ «الواو» في قوله: «و صلّى اللّه على محمد و آل محمد» مع أنّه من المعلوم أنّ لفظ «واو» لا ربط له بالمعنى، فوجوده و عدمه من هذه الجهة سواء، و كذا لا دخل له بإعراب ما بعده أيضا، لأنّ ما بعده إما مبتدأ أو في محل الابتداء بدأ بالواو أم لا.

و على فرض صدور لفظ (الواو) من المعصوم (عليه السلام) إنّما صدر لمجرّد التزيين الظاهري الاستحبابي، فلا ملزم لذكره على فرض الصدور، هذا.

و أما الكلام في أصل صيغ التحية على النبي (صلّى اللّه عليه و آله) المنقولة من النسخ فالمسألة بالنسبة إليها من صغريات التعيين و التخيير، لاتفاق رواه الصحيح على نقل «السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته» و الاختلاف في غيرها، فيكون احتمال التعيين في هذه الصيغة دون غيرها من الصيغ و الزوائد.

(49) لتوقف الاثنينية عليه لو لم نكتف بمجرّد النية. و لا يجب الجلوس للأصل و الإطلاق.

(50) للإجماع، و جملة من النصوص كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» (1) و قول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين: «و يسجد للسهو

ص: 358


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.

و يسلّم (51) و يكفي في تسليمه السلام عليكم (52). و أمّا التشهّد فمخيّر بين

______________________________

و يتشهّد تشهّدا خفيفا» (1)، و نحوه قول الرضا (عليه السلام) في خبر سهل بن اليسع (2)إلى غير ذلك من الأخبار.

و عن العلامة (رحمه اللّه) في المختلف استحبابه و تبعه جمع ممن تأخّر عنه، للأصل و إطلاق جملة من الأخبار، و موثق عمار: «و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين» (3).

و فيه: أنّ الأصل مقطوع بالمستفيضة الظاهرة في الوجوب كما أنّ الإطلاق مقيّد بها أيضا، و موثق عمار محمول إما على التقية أو على التشهّد غير الخفيف من التشهّدات الطويلة المعروفة المشتملة على المندوبات مضافا إلى وهنه بإعراض الأصحاب، و الظاهر أنّ المراد بالخفيفة في الروايات ترك المندوبات لا الاقتصار على خصوص الشهادتين دون الإتيان بالصلاة.

(51) للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعدهما» (4)، و مثله موثق أبي بصير (5).

و عن العلامة في المختلف القول باستحبابه و قوّاه بعض من تأخّر عنه جمعا بينها و بين ما مرّ من موثق عمار و غيره ممّا مرّ في التشهّد.

و فيه: ما عرفت فراجع، و في المعتبر: إنّ رواية عمار المشعرة بعدم وجوب التسليم متروكة، و في مفتاح الكرامة: «إنّ عبارات القدماء طفحت بأنّه يتشهّد و يسلّم» و يكفي ذلك في الاطمئنان بالوجوب.

(52) للأصل، و الإطلاق، و صدق التسليم عليه، و عدم دليل على وجوب شي ء زائد عليه.

ص: 359


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

التشهّد المتعارف و التشهّد الخفيف (53). و هو قوله: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، اللّهمّ صلّ على محمد و آل محمد و الأحوط الاقتصار على الخفيف (54) كما أنّ في تشهّد الصّلاة أيضا مخيّر بين القسمين، لكن الأحوط

______________________________

(53) لورود لفظ الخفيف في جملة من الأخبار التي تقدم بعضها. و هو يحتمل أحد معان ثلاثة: إما بمعنى ترك مندوبات التشهّد، أو بمعنى الاقتصار على أقلّ الواجبات، أو بمعنى الاقتصار على خصوص الشهادتين و ترك الصلاة و الظاهر بطلان الأخير، لأنّ التشهّد في الأدلّة و عند المتشرّعة عبارة عن الشهادتين و الصلوات فيتردّد بين أحد الأولين و إرادة الأول منهما متعيّن و الشك إنّما هو في إرادة الثاني و مع الشك في الصلاة لا يصح التمسك بالإطلاق، فلا بد من الرجوع إلى الأدلّة الواردة في التشهّد الصلاتي، لاتحاد المقام معه حينئذ في الدليل و قد تقدّم ما يتعلّق به فراجع.

ثمَّ الظاهر أنّ تقييد التشهّد بالخفيف في أخبار المقام من باب الرخصة لا العزيمة، لو ورده في مقام توهم قدح الزيادة، فلا تدل على أزيد من الترغيب في الترك و أما منافاتها لأصل التشهّد، و كون التشهّد المشتمل عليها كالعدم، فتقصر الأدلة عن إثباته مضافا إلى بعده في نفسه، فلو أتى بالزيادة لا تبطل أصل التشهّد.

(54) جمودا على الظاهر الذي يمكن أن يستفاد منه العزيمة، و خروجا عن خلاف من ظاهره ذلك.

فرع: لو كان عليه سجود السهو و صلّى ركعتين و أتى بسجدتي الركعة الأخيرة بنحو سجود السهو فإن كان ذلك سهوا أو جهلا، فالظاهر صحة الصلاة، لحديث «لا تعاد» بناء على جريانه في صورة الجهل أيضا، و يجب عليه الإتيان بسجدتي السهو و إن كان ذلك عن عمد، فالظاهر صحة سجود السهو و بطلان الصلاة بناء على وجوب خصوص التسبيح في السجود و عدم إجزاء غيره اختيارا، و لكن إن رجع ذلك إلى التشريع في نية سجود السهو يبطل السجود أيضا من هذه الجهة، و أما التداخل فمقتضى الأصل عدمه.

ص: 360

هناك التشهّد المتعارف، كما مرّ سابقا (55). و لا يجب التكبير للسجود (56) و إن كان أحوط (57). كما أنّ الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصّلاة فيه: من الطهارة من الحدث و الخبث، و الستر، و الاستقبال، و غيرها من الشرائط و الموانع التي للصّلاة- كالكلام و الضحك في الأثناء و غيرهما- فضلا عما يجب في خصوص السجود:

من الطمأنينة، و وضع سائر المساجد، و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، و الانتصاب مطمئنا بينهما (58) و إن كان في وجوب ما عدا

______________________________

(55) و تقدّم ما يتعلق به.

(56) على المشهور، للأصل و الإطلاق، و موثق عمار: «سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال (عليه السلام): لا إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنّه قد سها و ليس عليه أن يسبّح فيهما- الحديث-» (1)

(57) خروجا عن خلاف ما نسب إلى الشيخ في ظاهر المبسوط من الوجوب و هو ضعيف جدا كما في الجواهر، و في غاية الضعف كما عن غيره نعم، نسب إلى المشهور استحبابه و لا دليل عليه أيضا إلّا الاعتماد على فتوى المشهور من باب المسامحة فيه. نعم، في خبر عمرو بن خالد عن زيد عن آبائه عن عليّ (عليه السلام) المشتمل على سهو النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «فاستقبل القبلة و كبّر و هو جالس ثمَّ سجد سجدتين»(2) و لكنه مما ينبغي القول به في نفسه.

(58) يكفي في حسن الاحتياط احتمال اشتراط ذلك كلّه في سجود السهو، لاحتمال انصرافه إلى ما هو المعهود من سجود الصلاة في جميع الشرائط و الخصوصيات إلّا ما خرج بالدليل، و يشهد له ما ورد من أنّه بعد السلام و قبل الكلام خصوصا مثل وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، و وضع المساجد

ص: 361


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 9.

ما عدا ما يتوقف عليه اسم السجود و تعدده نظر (59).

مسألة 8: لو شكّ في تحقق موجبه و عدمه لم يجب عليه

(مسألة 8): لو شكّ في تحقق موجبه و عدمه لم يجب عليه (60).

نعم، لو شك في الزيادة أو النقيصة فالأحوط إتيانه كما مرّ (61).

مسألة 9: لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب

(مسألة 9): لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب و إن طالت المدّة (62). نعم، لا يبعد البناء على إتيانه بعد خروج وقت الصلاة (63)، و إن كان الأحوط عدم تركه خارج الوقت (64) أيضا.

______________________________

السبعة على الأرض الذي يمكن دعوى اعتباره في حقيقة مطلق السجود و إن كان فيه إشكال أيضا كما تقدّم، و لكن الانصراف المعتبر لا وجه له، فإطلاقات الأدلة، و أصالة البراءة عما زاد على تحقق مسمى السجدتين محكمة بعد عدم الدليل على الخلاف. نعم، يكفي مجرّد الاحتمال في حسن الاحتياط مضافا إلى وجود القائل به بالوجوب من الفقهاء بل عن مجمع البرهان في اعتبار الجلوس بينهما مطمئنّا لعلّه لا خلاف فيه، فيحسن الاحتياط خروجا عن الخلاف.

(59) قال في الجواهر- و نعم ما قال-: «لكن الإنصاف أنّ للتوقّف- أو المنع فيما زاد على ما يتحقق به مسمّى السجود عرفا أو شرعا، لعدم ظهور، أو انصراف معتد به في شي ء من الأدلّة، فيبقى الإطلاق سليما- مجالا». و أما ما عن بعض من اعتبار وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه و وضع المساجد السبعة على الأرض، لتقوم مطلق السجود بهما، فمشكل لأنّ معهودية السجود الصلاتي تمنع عن استفادة الإطلاق من أدلّة اعتبارهما لمطلق السجود.

(60) لأصالة عدم السهو و الغفلة، و أصالة البراءة عن وجوب السجود عليه.

(61) تقدّم وجهه قبل المسألة الثانية من هذا الفصل فراجع.

(62) لأصالة عدم الإتيان، و قاعدة الاشتغال.

(63) بدعوى أنّه من توابع الصلاة، فيلحق بها من هذه الجهة أيضا و فيه:

أنّ الفورية تكليف مستقل لا أن تكون توقيتا و ظرفا له بحيث يتصوّر فيه الشك بعد الوقت، بل يجب الإتيان به فورا ففورا مطلقا.

(64) تقدّم وجهه آنفا.

ص: 362

مسألة 10: لو اعتقد وجود الموجب ثمَّ بعد السلام شك فيه لم يجب عليه

(مسألة 10): لو اعتقد وجود الموجب ثمَّ بعد السلام شك فيه لم يجب عليه (65).

مسألة 11: لو علم بوجود الموجب و شكّ في الأقل و الأكثر بنى على الأقل

(مسألة 11): لو علم بوجود الموجب و شكّ في الأقل و الأكثر بنى على الأقل (66).

مسألة 12: لو علم نسيان جزء و شكّ بعد السلام في أنّه هل تذكر قبل فوت محلّه و تداركه أم لا؟

(مسألة 12): لو علم نسيان جزء و شكّ بعد السلام في أنّه هل تذكر قبل فوت محلّه و تداركه أم لا؟ فالأحوط إتيانه (67).

______________________________

(65) لأصالة عدم الموجب، مع أنّ المتفاهم من الأدلّة استمرار الموجب إلى حين الإتيان لا أن يكون مجرّد الاعتقاد به في وقت ما موجبا له مطلقا.

(66) لأصالة عدم تحقق الأكثر المشكوك، و أصالة عدم وجوب السجود له.

(67) مقتضى أصالة عدم تحقق موجب السجود بعد زوال علمه عدم وجوب السجود عليه ما لم يدل عليه دليل بالخصوص.

و أما التمسّك لعدم الوجوب بقاعدة الفراغ.

ففيه- أولا: أنّ المنساق من أدلّتها الشك في أصل الوجود لا الشك في التدارك بعد العلم بعدم الوجود.

و ثانيا: التعليل في بعض الأخبار بالأذكرية حين العمل (1)ينافي جريانها في المقام، لأنّه يعلم بالنسيان، فكيف يصح التعليل بها إلّا أن يكون ذلك من مجرد الحكمة لا العلة.

إن قلت: مقتضى أصالة عدم التدارك ثبوت النقص و وجوب السجود عليه.

قلت: قد أشرنا مرارا أنّ المستفاد من الأدلّة اعتبار استمرار النسيان إلى محل إتيان سجود السهو، و أصالة عدم التدارك لا يثبت استمراره إليه إلّا بناء على الأصل المثبت. اللهمّ إلّا أن يقال: بعدم الواسطة بينهما عرفا.

و أما ما يقال: في وجه وجوب السجود بأنّه يعلم إجمالا بوجود الخلل لأنّه إن ذكر و تدارك كان ما أتى به قبل الذكر زيادة، و إن لم يذكر فقد نقص، فيجب

ص: 363


1- تقدّم في صفحة: 232، و في الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.
مسألة 13: إذا شكّ في فعل من أفعاله

(مسألة 13): إذا شكّ في فعل من أفعاله، فإن كان في محلّه أتى به (68) و إن تجاوز لم يلتفت (69).

مسألة 14: إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو سجدة واحدة بنى على الأقلّ

(مسألة 14): إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو سجدة واحدة بنى على الأقلّ (70) إلّا إذا دخل التشهّد (71) و كذا إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو ثلاث سجدات (72)، و أما إن علم بأنّه زاد سجدة وجب عليه الإعادة (73)

______________________________

السجود إما للزيادة أو للنقيصة. فهو مخدوش، لأنّه إن ذكر و تدارك لا يعلم بالزيادة، لفرض علمه بالنسيان، فكيف يحصل له العلم بها.

(68) لأصالة عدم الإتيان به، و مقتضى بعض محتملات: «لا سهو في سهو» (1) عدم وجوبه، لكن قد تقدّم أنّ إجماله أسقط الاستدلال بإطلاقه و الأولى قصد الرجاء.

(69) لقاعدة التجاوز بناء على جريانها في غير الصلاة، و طريق الاحتياط الإتيان بقصد القربة المطلقة.

(70) لأصالة عدم الإتيان بالمشكوك، فيجب الإتيان به، و احتمال شمول إطلاق قوله (عليه السلام): «لا سهو في سهو» له. مدفوع بما مرّ.

(71) لقاعدة التجاوز بناء على ما مرّ، و الأحوط التدارك رجاء.

(72) فلا تجب الإعادة، لأصالة عدم الزيادة.

(73) إن كانت الزيادة عمدية، فالظاهر البطلان للتشريع، و يقتضيه مرتكزات المتشرّعة أيضا و إن كانت سهوا، فمقتضى أصالة البراءة عن المانعية عدم وجوب الإعادة، و يمكن أن يستظهر حكمه من زيادة السجدة في أصل الصلاة بالفحوى مع جريان احتمال: «لا سهو في سهو» فيه أيضا، لكن الأول لا يخلو عن القياس، و في الثاني إجمال و التباس. و إن كانت عن جهل، فالبطلان مبنيّ على أنّ الجاهل مطلقا كالعامد حتى في المقام أم لا.

ص: 364


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و 3.

كما أنّه إذا علم أنّه نقص واحدة أعاد (74) و لو نسي ذكر السجود و تذكر بعد الرفع لا يبعد عدم وجوب الإعادة. (75) و إن كان أحوط.

______________________________

(74) فيعيد أصل سجود السهو من رأس بناء على قدح الزيادة، و على ما يحصل به الترتيب بناء على عدم القدح، و قد تقدّم أنّ مقتضى الأصل عدم القدح. هذا إن قلنا بعدم صحة التمسّك بإطلاق «لا سهو في سهو» و إلّا فلا وجه للإعادة مطلقا في الخلل السهويّ الحاصل فيه.

(75) إلحاقا له بالصلاة، و تمسكا بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا سهو في سهو» و لكن الأول قياس، و الثاني مجمل كما مرّ. و من ذلك يعلم وجه الاحتياط.

(فرع): لو أتى بسجدتي السهو و بعد الفراغ منها شك في أنّه هل أتى بسلام الصلاة أم لا، فالظاهر جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السلام.

ص: 365

فصل في الشكوك التي لا اعتبار بها و لا يلتفت إليها

اشارة

(فصل في الشكوك التي لا اعتبار بها و لا يلتفت إليها) و هي في مواضع:

الأول: الشّك بعد تجاوز المحلّ

الأول: الشّك بعد تجاوز المحلّ. و قد مرّ تفصيله (1).

الثاني: الشّك بعد الوقت

الثاني: الشّك بعد الوقت، سواء كان في الشروط، أو الأفعال، أو الرّكعات، أو في أصل الإتيان. و قد مرّ الكلام فيه أيضا (2).

الثالث: الشّك بعد السّلام الواجب

الثالث: الشّك بعد السّلام الواجب و هو إحدى الصّيغتين الأخيرتين (3)- سواء كان في الشرائط، أو الأفعال، أو الركعات في الرباعية أو غيرها (4)، بشرط أن يكون أحد طرفي الشك الصحة (5) فلو (فصل في الشكوك التي لا اعتبار بها)

______________________________

(1) في [مسألة 10] من (فصل الشك).

(2) أما إذا كان الشك بعد الوقت في أصل الإتيان، فيدل على عدم الاعتناء به ما تقدّم من صحيح زرارة في [مسألة 1] من (فصل الشك) و إن كان في الشرائط و الأجزاء و الركعات، فيدل عليه مضافا- إلى ظهور حال المصلّي، و ظهور التسالم عليه، و إمكان استفادته من الشك في أصل الإتيان بالأولوية- قاعدتي الفراغ و التجاوز، و قد تقدّم ما يتعلّق بهذه الفروع في مسائل أول (فصل الشك) فراجع.

(3) لقاعدة الفراغ التي تعرّضنا لها فراجع و الاختصاص بإحدى الصيغتين الأخيرتين، لأجل أنّ الفراغ لا يتحقق إلّا بإحداهما كما تقدّم في مبحث السلام.

(4) لعموم تلك القاعدة الشامل للجميع.

(5) حق التعبير أن يقال: بشرط عدم حصول العلم ببطلان الصلاة تفصيلا

ص: 366

شكّ في أنّه صلّى ثلاثا أو أربعا أو خمسا بنى على أنّه صلّى أربعا، و أما لو شكّ بين الاثنتين و الخمس و الثلاث و الخمس بطلت، لأنّها إما ناقصة ركعة أو زائدة (6). نعم، لو شكّ في المغرب بين الثلاث و الخمس أو في الصبح بين الاثنين و الخمس- يبني على الثلاث في الأولى و الاثنتين في الثانية (7). و لو شكّ بعد السّلام في الرباعية بين الاثنتين و الثلاث، يبني على الثلاث و لا تسقط عنه صلاة الاحتياط، لأنّه يعد في الأثناء، حيث إنّ السلام وقع في غير محلّه (8)، فلا يتوهم أنّه يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة- من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط- لأنّه مقتضى عدم الاعتبار بالشك بعد السلام (9).

الرابع: شك كثير الشك
اشارة

الرابع: شك كثير الشك (10)

______________________________

أو إجمالا، لعدم موضوع للقاعدة حينئذ. و أما لو كان الشك الحادث بعد الفراغ من الشكوك الصحيحة أو المبطلة، أو كان أحد طرفيه صحيحا و الآخر مبطلا، فيشمل الجميع عموم قاعدة الفراغ، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(6) قد تقدّم هذا التعليل منه (رحمه اللّه) في [مسألة 15 و 16] من (فصل الشك في الركعات) و تقدّم في تلك المسألة من ذلك الفصل ما يتّضح المقام أيضا فراجع، و لا فرق بين ما نحن فيه و ما تقدّم فيهما، فلا وجه للإعادة و التكرار.

(7) لعموم دليل قاعدة الفراغ الشامل لجميع ذلك مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(8) للعلم ببقاء ركعة من الصلاة بعد، و معه كيف يحتمل جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى مثل هذا السلام، لأنّ وقوعه في غير المحل معلوم.

(9) إذ ليس المراد به كل سلام صدر من المصلّي، بل المراد به السلام الذي أمكن انطباق الفراغ عليه بحسب القواعد الشرعية، و لا يمكن ذلك في المقام كما لا يخفى، بل لو صدر من المصلّي سلام و تردّد بين كونه صدر في غير المحل، أو في المحل و لم يمكن له تعيين أحدهما من القرائن لا وجه لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليه أيضا.

(10) للقاعدة المعروفة و هي: عدم اعتبار شك كثير الشك.

ص: 367

.....

______________________________

(قاعدة عدم اعتبار شك كثير الشك) من القواعد الامتنانية الحاكمة على أدلّة جميع الشكوك المعتبرة: قاعدة عدم اعتبار الشك إذا كثر.

و يدلّ عليها أولا: كونها من ضروريات الفقه فضلا عن الإجماع عليها.

و ثانيا: مرتكزات العقلاء في الجملة، فإنّهم لا يعتنون بكثرة الشك في أمورهم المعاشية و المعادية و يكون ذلك خلاف المتعارف لديهم.

و ثالثا: جملة من الأخبار:

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك إنّما هو من الشيطان» (1).

و منها: ما عن زرارة و أبي بصير جميعا قالا: «قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه قال: يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كل ما أعاد شك، قال: يمضي في شكّه، ثمَّ قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّه الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك» (2).

و منها: ما عن ابن سنان: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» (3).

و منها: ما عن ابن أبي حمزة عن الرجل الصالح (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته قال: كل ذا؟ قال: قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته- الحديث-» (4) و قول الرضا (عليه السلام): «إذا كثر عليك السهو في الصلاة، فامض على صلاتك و لا تعد» (5).

و المراد بالسهو الشك كما في بعض الأخبار الأخر إلى غير ذلك من

ص: 368


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.

و إن لم يصل إلى حد الوسواس (11) سواء كان في الركعات، أو الأفعال، أو الشرائط (12)، فيبني على وقوع ما شك فيه و إن كان في محلّه (13) إلّا إذا كان مفسدا فيبني على عدم

______________________________

الروايات، و سيأتي تحديد الكثرة عن قريب.

فرعان- (الأول): كثرة الشك قد تكون في فعل خاص، و قد تقدّم حكمه، و قد تكون نفس الشك كثيرا في أفعال متعدّدة، و هذا أيضا لا يعتنى به بعد تحقق الكثرة و إن تغاير متعلّق الشك و اختلف، لإطلاق الدليل الشامل له.

(الثاني): كثرة الشك في أصل الإتيان لا يلحقه حكم كثير الشك- كما تقدم في (فصل الشك) [مسألة 8]- إلّا إذا وصل إلى حد الوسواس فلا يصح الاعتناء به حينئذ، لأنّه من إطاعة الشيطان كما في صحيح ابن سنان.

(11) لإطلاق الروايات، و معاقد الإجماعات الشامل لمطلق كثرة الشك.

(12) لإطلاق الشامل للجميع، مضافا إلى ما تقدّم من صحيح زرارة- الوارد في الشك في الركعات (1)- و موثق عمار- الوارد في الشك في الأفعال (2)- و يمكن استفادة التعميم أيضا من إطلاق قوله (عليه السلام) «إنّما هو من الشيطان»، و قوله (عليه السلام): «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم»، إذ يستفاد منهما أنّ كثرة الشك في أي مورد تحقق تكون من الشيطان و لا بدّ من الاجتناب عنه بحسب الإمكان.

(13) حيث إنّ ترتيب الأثر على الشك في مورد كثرته مطلقا إطاعة للشيطان سواء كان ذلك بإعادة أصل الصلاة، أم بالإتيان بالاحتياط، أم بالتدارك في المحل، فأمر الشارع بإرغام أنفه و مخالفته، و قطع معاودته و لا معنى لاختصاص إرغام الشيطان و قطع معاودته بمورد دون آخر، و لذا أفتى الفقهاء «رضوان اللّه تعالى عليهم» بالتعميم في الجميع، و معنى عدم ترتيب الأثر على الشك هو الحكم بالصحة مطلقا، فيبني على الأقل إن كان البناء على الأكثر مفسدا، و على الأكثر إن

ص: 369


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

وقوعه، فلو شك بين الثلاث و الأربع يبني على الأربع، و لو شك بين الأربع و الخمس يبني على الأربع أيضا. و إن شك أنّه ركع أم لا؟ يبني على أنّه ركع و إن شك أنّه ركع ركوعين أم واحدا بنى على عدم الزيادة و إن شك أنّه صلّى ركعة أو ركعتين بنى على الركعتين و لو شك في الصبح أنّه صلّى ركعتين أو ثلاثا بنى على أنّه صلّى ركعتين. و هكذا (14) و لو كان كثرة شكه في فعل خاص يختص الحكم (15) به، فلو شك اتفاقا في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشك (16). و كذا لو كان كثير الشك بين الواحدة و الاثنتين لم يلتفت في هذا الشك و يبني على الاثنتين. و إذا اتفق أنّه شك بين الاثنتين و الثلاث- أو بين الثلاث و الأربع- وجب عليه عمل الشك من البناء و الإتيان بصلاة الاحتياط. و لو كان كثير الشك بعد

______________________________

لم يكن كذلك و يبني على الإتيان و إن كان في المحل، لأنّ الرجوع و التدارك يكون من إطاعة الشيطان.

(14) كل ذلك، لأنّ احتمال الخلل كان عند الكثرة إنّما جاء من ناحية الشيطان، فلا بدّ من عدم الاعتناء به و إرغام أنفه و البناء على الصحة بقدر الإمكان، فهذه القاعدة في ظرف تحقق كثرة الشك كأصالة الصحة عند الشك بينها و بين الفساد، فكما يبنى على الصحة فيه مهما أمكن الطريق إليها، فكذا في المقام.

(15) لأنّه المتفاهم من الأدلّة عرفا، و لعدم تحقق الموضوع في غيره فينتفي الحكم قهرا. فما عن المدارك من عموم الحكم للشك الاتفاقي أيضا، للإطلاق مخدوش، لظهور الإطلاق في مورده دون غيره إلّا إذا ثبت أنّ كثرة الشك من قبيل واسطة العروض لنفي حكم الشك مطلقا لا أن يكون من قبيل الموضوع و الحكم.

و هذا الاحتمال حسن ثبوتا، و لكنه لا دليل عليه إثباتا في مقابل إطلاق أدلّة الشكوك.

(16) لإطلاق أدلّته، و عدم تحقق موضوع كثير الشك فيه، فالمقتضي موجود و المانع مفقود.

ص: 370

تجاوز المحل مما لا حكم له دون غيره، فلو اتفق أنّه في المحلّ وجب عليه الاعتناء. و لو كان كثرة شكه في صلاة خاصة أو الصلاة في مكان خاص و نحو ذلك اختص الحكم به، و لا يتعدّى إلى غيره.

مسألة 1: المرجع في كثرة الشك العرف

(مسألة 1): المرجع في كثرة الشك العرف (17). و لا يبعد تحققه إذا شك في صلاة واحدة ثلاث مرّات، أو في كلّ من الصلوات الثلاث مرّة واحدة (18)، و يعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض

______________________________

(17) لأنّه المرجع في كل ما لم يرد فيه تحديد من الشرع، و قد صرّح جملة من الأصحاب بذلك في المقام، و قيل: إنّه مذهب الأكثر- كما في الجواهر- و هذه قاعدة كلية أشرنا إليها في كتاب الطهارة و هي قاعدة: «تحكيم العرف في ما لم يرد فيه تحديد من الشارع» و هي معتبرة عقلا و شرعا و عدم اعتبارها يستلزم العسر و الحرج المنفيان في الشرع.

(18) لأنّ اعتبار التعدّد في مادة: (كثر) مما لا ريب فيه و هو قابل للتشكيك لصدقه على الثلاثة فما زاد، و مقتضى الإطلاق تحقق الكثرة إذا شك في صلاة واحدة شكوكا ثلاثة، أو في كل واحدة من صلاة مستقلّة شكّ واحد مضافا إلى أنّ الكثير في أخبار المقام ذكر في مقابل المتعارف، و من شكّ في صلاة واحدة ثلاثة شكوك، أو شكّ في ثلاث صلوات متوالية يكون خلاف المتعارف عند المتشرّعة، فلا وجه لبيان معنى الكثير، بل المناط صدق كونه خلاف متعارف المصلّين و هو و إن كان قابلا للشدّة و الضعف، لكن المدار على صدق أول مرتبته.

و أما صحيح محمد بن أبي حمزة أنّ الصادق (عليه السلام) قال: «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث، فهو ممن كثر عليه السهو»(1)، فهو على إجماله يحتمل أن يكون بيانا لأحد مصاديقه العرفية، لا أن يكون من التحديدات التعبّدية الشرعية، و في مقام بيان الحصر فيما ذكر فيه، لأنّه سياقه يشهد بالخلاف، و أظهر احتمالاته كما قيل: أن لا يسلم من الشك في ثلاث صلوات متوالية و هو غير مناف للعرف كما مرّ. و يحتمل أن يراد في صلاة واحدة في ثلاثة أيام، أو في فعل واحدة

ص: 371


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.

عارض من خوف، أو غضب أو همّ، أو نحو ذلك مما يوجب اغتشاش الحواس (19).

مسألة 2: لو شك في أنّه حصل له حالة كثرة الشك أم لا؟

(مسألة 2): لو شك في أنّه حصل له حالة كثرة الشك أم لا؟ بنى على عدمه، كما أنّه لو كان كثير الشك و شك في زوال هذه الحالة بنى على بقائها (20).

______________________________

من صلاة واحدة ثلاثة مرّات، أو يكون بحيث لا يصلّي ثلاث صلوات إلّا و هو يسهو في واحدة منها، فإذا سها في الظهر و العشاء من يوم و في العصر من اليوم الثاني، و في الصبح من اليوم الثالث، فهو من كثير السهو. و قد قيل: إنّ هذا أظهر الاحتمالات. و فيه: منع و على أي تقدير إجماله يسقط الاستدلال به.

و عن الشهيد (رحمه اللّه) في الذكرى «احتمال حصول الكثرة بالثانية لحسنة ابن البختري: (و لا على الإعادة إعادة) إلّا أن يقال يختص بموضع وجوب الإعادة».

و فيه: أنّه لا إشعار في الحسنة إلى كثير الشك، و ظاهرها أنّه لو تحقق خلل في المعادة بما توجب الإعادة لا تجب إعادتها، و هو خلاف المشهور و لم ينسب القول به إلى أحد إلّا المجلسيين.

(19) لأنّ المناط في كثير الشك الذي لا يجوز له الاعتناء به ما كان من الشيطان و كان عدم الاعتناء به موجبا لزواله، و ما حصل من جهة هذه العوارض ليس كذلك، بل لها منا شي ء أخرى.

(20) لاستصحاب عدم الحصول في الأول، و استصحاب البقاء في الثاني.

هذا في الشبهة الموضوعية، و أما إن كانت مفهومية، فالمشهور هو الرجوع إلى قواعد الشك لذهابهم إلى أنّ المخصص المجمل المردّد بين الأقل و الأكثر لا يسري إجماله إلى العام و هو الموافق لقاعدة الاشتغال أيضا، و يمكن أن يقال بأنّ أدلّة كثير الشك إنّما تجري فيما إذا أحرز كون الاعتناء به إطاعة للشيطان فحكم الشارع حينئذ بعصيانه، و مع الشك لا موضوع للإطاعة و العصيان أصلا، فالمرجع سائر الوظائف المقرّرة للشاك بلا محذور فيه.

ص: 372

مسألة 3: إذا لم يلتفت إلى شكه، و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه

(مسألة 3): إذا لم يلتفت إلى شكه، و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه، و أنّ- مع الشك في الفعل- الذي بنى على وقوعه لم يكن واقعا، أو أنّ ما بنى على عدم وقوعه كان واقعا يعمل بمقتضى ما ظهر، فإن كان تاركا لركن بطلت صلاته، و إن كان لغير ركن- مع فوت محلّ تداركه- وجب عليه القضاء فيما فيه القضاء، و سجدتا السهو فيما فيه ذلك و إن بنى على عدم الزيادة فبان أنّه زاد يعمل بمقتضاه من البطلان أو غيره. من سجود السهو (21).

مسألة 4: لا يجوز له الاعتناء بشكه

(مسألة 4): لا يجوز له الاعتناء بشكه (22) فلو شك في أنّه ركع

______________________________

(21) كل ذلك لقاعدة عدم الإجزاء في امتثال الأوامر الظاهرية إذا بان الخلاف، فيجب حينئذ العمل بمقتضى التكليف الواقعي و هو قد يقتضي الإعادة كما في الصورة الأولى، أو قضاء المنسيّ مع سجدتي السهو كما في الصورة الثانية، أو مجرّد سجود السهو كما في الأخيرة.

(22) لظاهر النص، و الفتوى، و التصريح في النصوص أنّ اعتناء كثير الشك بشكّه إطاعة للشيطان- كما تقدّم- و كيف يعقل أنّ يرخص الشارع في إطاعته، فالحكم عزيمة لا رخصة.

و عن المحقق الأردبيلي التخيير بين عدم الاعتناء و الاعتناء إن فسادا ففسادا، و إن احتياطا فاحتياطا، و إن تداركا أو قضاء فكذلك.

و عن الشهيد في الذكري احتماله، و استدلّ عليه تارة: بورود الأمر في الأدلّة مورد توهّم الحظر، فلا يدل إلا على نفي الحظر.

و يرد: بأنّه و إن كان كذلك و لكن كيف يناسب التخيير و الترخيص ما عد الاعتناء به من إطاعة الشيطان.

و أخرى: بصحيح زرارة و أبي بصير: «قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال (عليه السلام): يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كل ما أعاد الشك، قال (عليه السلام): يمضي في شكّه ثمَّ قال: لا

ص: 373

أم لا؟ لا يجوز له أن يركع و إلّا بطلت الصلاة (23). نعم، في الشك في القراءة أو الذكر إذا اعتنى بشكه و أتى بالمشكوك فيه بقصد القربة لا بأس به (24) ما لم يكن إلى حد الوسواس (25).

مسألة 5: إذا شك في أنّ كثرة شكه مختص بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقا

(مسألة 5): إذا شك في أنّ كثرة شكه مختص بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقا اقتصر على ذلك المورد (26).

______________________________

تعوّدوا الخبيث من أنفسكم» (1) و مقتضى الجمع بين الصدر و الذيل هو التخيير.

و يرد: بأنّ الصدر ظاهر في كثرة محتملات أطراف شك واحد، و الذيل في كثرة الشك الذي يبحث عنه في المقام، فلا ربط لأحدهما بالآخر حتى يجمع بينهما بالتخيير، مع أنّ التخيير بين إطاعة الشيطان و عدمه مما لا ينبغي أن ينسب إلى الفقيه.

(23) للزيادة العمدية، و لكون مثل هذه الصلاة من مظاهر إطاعة الشيطان، فلا وجه لأن يتقرّب بها إلى حضرة الرحمن.

(24) للأصل بعد ظهور الأدلّة في غيره إذ لا يصدق عليه إطاعة الشيطان عند المتشرّعة.

(25) للنهي عنه في صحيح عبد اللّه بن سنان، و أنّه من إطاعة الشيطان (2).

(26) لأصالة عدم حدوث الكثرة في غيره، و مع الجهل بالحالة السابقة يصحّ التمسّك بأصالة عدم تحقق الكثرة بالعدم الأزلي، و يصح التمسّك بعمومات أحكام الشكوك أيضا بناء على ما تقدّم من أنّ حكم كثير الشك مترتّب على إحرازه، و مع عدم الإحراز تشمله العمومات، لتحقق الشك وجدانا، فليس من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية حينئذ و هو الموافق للاحتياط أيضا، فيأتي بالمشكوك إن كان في المحل ركنا كان أم غيره، و يعيد الصلاة إن كان في الركعتين الأولتين، و يبني على الأكثر إن كان في الأخيرتين للعلم بأنّ تكليفه ذلك على كل

ص: 374


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.
مسألة 6: لا يجب على كثير الشك و غيره ضبط الصلاة بالحصى

(مسألة 6): لا يجب على كثير الشك و غيره ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو نحو ذلك (27) و إن كان أحوط في من كثر شكه (28).

______________________________

تقدير، و يأتي بما يلزمه من الاحتياط و بسجود السهو إن كان الشك بين الأربع و الخمس، و لكن الأحوط قصد الرجاء فيما يأتي به، لاحتمال سقوط عمومات أحكام الشكوك عن الاعتبار من جهة احتمال كون الشبهة مصداقية، فيكون المرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوبه.

(27) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و خبر الخثعمي-: «شكوت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) كثرة السهو في الصلاة فقال (عليه السلام): أحص صلاتك بالحصى، أو قال احفظها بالحصى» (1)- إرشاد إلى المرتكزات العرفية لا أن يكون إيجابا مولويا بقرينة خبر المعلّى: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال:

إنّي رجل كثير السهو فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي أحوّله من مكان إلى مكان فقال: لا بأس به» (2).

كما أنّ الأمر بالإدراج و التخفيف إرشاد إلى ما هو الأصلح بحال كثير الشك، فعن الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن السهو قلت: فإنّه يكثر عليّ فقال (عليه السلام): أدرج صلاتك إدراجا، قلت: و أي شي ء الإدراج؟

قال (عليه السلام): ثلاث تسبيحات في الركوع و السجود» (3)، و في خبر عمران الحلبي عنه (عليه السلام) أيضا: «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو» (4) و لا يراد بذلك الإلزام الشرعيّ بقرينة قوله (عليه السلام): «ينبغي» الظاهر في الرجحان عرفا مضافا إلى عدم ظهور قائل بالوجوب.

(28) خروجا عن شبهة احتمال الوجوب فيما تقدّم من الأخبار.

فروع- (الأول): ألحق بعض بكثير الشك كثير القطع و الظن أيضا و هو

ص: 375


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
الخامس: الشك البدوي الزائل بعد الترويّ

الخامس: الشك البدوي الزائل (29) بعد الترويّ، سواء تبدل باليقين بأحد الطرفين أو بالظنّ المعتبر أو بشك آخر.

السادس: شك كلّ من الإمام و المأموم مع حفظ الآخر
اشارة

السادس: شك كلّ من الإمام و المأموم مع حفظ الآخر (30) فإنّه

______________________________

مشكل، فالأحوط للثاني العمل بمقتضى الأصول و القواعد.

(الثاني): لا يلحق كثير السهو بكثير الشك، للأصل و الإطلاق و إرادة الشك من قولهم (عليهم السلام): «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك»(1) قال في الجواهر: «مما يؤيّد حمل لفظ السهو على الشك زيادة على ما عرفت نقل الإجماع إن لم يكن محصلا على أنّ جميع أحكام السهو من تلافي المسهو عنه إن كان في المحل و عدم تلافيه في خارجه و القضاء خارج الصلاة لو كان سجدة و نحوها، و بطلان الصلاة لو كان ركنا إلى غير ذلك تجري بالنسبة إلى كثير السهو».

(الثالث): لو كان كثير الشك فيما لا حكم له كما إذا كان كثير الشك في الشي ء بعد تجاوز المحل، أو بعد الفراغ من الصلاة لا يكون بذلك كثير الشك لا فيه و لا في غيره كما صرّح به في الجواهر.

(29) لأنّ الظاهر عرفا من الشك الذي ورد له حكم في الأدلّة الشك الثابت المستقرّ لا الحادث الزائل المتبدّل إلى غيره فيكون حدوثه كالعدم حينئذ، و يعمل بحكم المتبدّل إليه إن كان له بقاء و إلّا فلا حكم له أيضا.

(30) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، و إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك، و قد يجعل ذلك من القواعد المعتبرة الفقهية، و هي قاعدة: عدم اعتبار شك الإمام مع المأموم و بالعكس.

و يدل عليها مضافا إلى الإجماع جملة من الأخبار:

منها: صحيح البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ليس على الإمام

ص: 376


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6 و حديث: 1.

.....

______________________________

سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة» (1).

و منها: صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الرجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال (عليه السلام): لا» (2).

و منها: مرسل يونس- على ما في الكافي-: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو- الحديث-» (3).

و يمكن أن يستشهد له بوجه اعتباري عرفي، و هو أنّه يجوز عد الركعات بالخاتم و الحصى و نحوهما، كما في صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به» (4).

و في صحيح فضيل: «ذكرت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) السهو فقال (عليه السلام): و ينفلت من ذلك أحد؟! ربما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي» (5)، و كل من الإمام و المأموم بالنسبة إلى الآخر لا يكون أقل من الخاتم و الحصى و نحوهما فيكون كل منهما حافظا للآخر عرفا كسائر ما يحفظ به شكوك الصلاة. و في خبر ابن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يتّكل على عدد صاحبه في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبيّ؟

فقال (عليه السلام): نعم، ألا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه مثله» (6)، مع أنّ صلاة الجماعة صلاة واحدة و إن كثر المأمومون، كما تقدّم في فصل صلاة الجماعة و ترجيح الشك على الحفظ في مورد واحد من هذه الصلاة الواحدة يكون

ص: 377


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 33 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 9.

يرجع الشاك منهما إلى الحافظ لكن في خصوص الركعات (31) لا في الأفعال (32) حتّى في عدد السجدتين، و لا يشترط في البناء على حفظ الآخر حصول الظنّ للشاك، فيرجع و إن كان باقيا على شكّه على

______________________________

من ترجيح المرجوح على الراجح.

(31) لظواهر ما تقدّم من النصوص، و لأنّه المتيقّن من الإجماع.

(32) قال في الجواهر: «و يظهر من صاحب المدارك، بل هو المنقول عن جدّه أيضا، بل ربما تبعه عليه بعض من تأخّر عنه أنّه لا فرق في الحكم بين الأفعال و الركعات، بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب، و هو لا يخلو عن تأمّل، للشك في شمول الأدلّة له». فإنّ الدليل إن كان إجماعا فلم يتحقّق بالنسبة إلى الأفعال، و إن كان الأخبار، فالمنساق منها الشك في الركعات للقرائن الخارجية و الداخلية، بل يمكن أن يقال: إنّ إطلاق السهو في أحكام الخلل ظاهر في الشك في الركعات إلّا مع القرينة على الخلاف. نعم، لو قيل بإطلاق صحيح البختري لشمل الأفعال أيضا، و لكنه مما لم يقل به أحد، فيكون المنساق منه كسائر الأخبار خصوص الشك في الركعات أيضا.

نعم، مقتضى الوجه الاعتباري الذي تقدّم هو التعميم حتى بالنسبة إلى الأفعال أيضا، و كذا لو قلنا بأنّه إذا صحّ الرجوع في الشك في الركعات صحّ في الأفعال بالأولوية، و لكن الكلام في صحة الاكتفاء بهما.

و الظاهر أنّهما لا يقصران عن سائر الظنون الاجتهادية الذي يعتمدون عليها في استنباط الأحكام، فراجع مباحث الفقه لا سيما أبواب المعاملات. هذا إذا لم يحصل من الرجوع الظن، و إلّا فهو معتبر.

إن قيل: فعلى هذا فليرجع كل منهما إلى الآخر في سائر أحكام الخلل أيضا.

يقال: لا بأس به لو لا ظهور الإجماع على الخلاف، هذا إذا لم يحصل الظن، و إلّا فيصحّ حينئذ لما يأتي من اعتباره في الأفعال من أي منشإ حصل.

ص: 378

الأقوى (33) و لا فرق في المأموم بين كونه رجلا أو امرأة عادلا أو فاسقا واحدا أو متعددا (34) و الظانّ منهما أيضا يرجع إلى المتيقن (35)، و الشاك

______________________________

(33) لإطلاق الأدلّة، و لأنّ رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر في الركعات معتبر شرعا في مقابل اعتبار الظن فيها، فلو كان مقيّدا بحصول الظن لم يكن وجه لعدّه أمرا مستقلا في قبال اعتبار الظن، بل يكون من أفراده حينئذ. نعم، الغالب حصول الظن من الرجوع في الجملة، و لكنّه لا يكون مقيّدا به، للإطلاقات.

(34) لظاهر الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و أما ما في مرسل يونس من ظهوره في صورة تعدّد المأموم.

ففيه- أولا: أنّه جواب عمّا فرضه السائل من التعدّد.

و ثانيا: الغلبة الوجودية في تعدّد المأموم في صلاة الجماعة تمنع عن تقييد المطلقات به كما ثبت في محلّه من أنّ القيود التي تكون كذلك لا تصلح للتقييد، و الظاهر شمول الإطلاقات للصبيّ، و لما إذا كان المأموم من العامة أيضا، أو كان الإمام منهم و كان المأموم من الخاصة، و كذا إذا كانت الجماعة منهم و كان واحد من المأمومين من الخاصة، و إن كان الأحوط مراعاة حصول الظن في جميع ذلك.

(35) لإطلاق الأدلّة الشامل لذلك أيضا، و لأنّ صلاة الجماعة تعدّ صلاة واحدة عرفا. بل و شرعا أيضا، و مع تحقق اليقين في الصلاة الواحدة لا وجه للاعتماد على الظن. و نوقش فيه:

أولا: بأنّ المتفاهم من الأدلّة أنّ الشاكّ يرجع إلى الحافظ، و الظانّ ليس بشاكّ حتى يشمله دليل الرجوع، و على فرض إرادة الأعم من الشك و الظن من أدلّة المقام يكون ما دلّ على حجية الظن في الركعات حاكما على هذه الأدلة.

و فيه: أنّه يشكّ في شمول إطلاق أدلّة اعتبار الظن في الصلاة لهذه الصورة، فلا يجري أصل دليله فضلا عن أن يكون حاكما.

و ثانيا: ظاهر أخبار المقام أنّ موردها من كان وظيفته العمل بقواعد الشك

ص: 379

.....

______________________________

لو لا الرجوع، كما في كثير الشك، أو الشك في النافلة، و الظانّ ليس كذلك.

و فيه: أنّ المنساق من الأخبار إنّما هو العمل بالوظيفة الخاصة لو لا الرجوع، و أما العمل بوظيفة الشاكّ فلا يستفاد منها، نعم قد تكون تلك الوظيفة العمل بوظيفة الشكّ.

هذا كلّه بناء على جريان دليل اعتبار الظنّ في المقام أيضا، و لكنه مشكل، لأنّ المتفاهم من أدلّة اعتباره إنّما هو في ما لا يكون حافظ في البين، و معه لا مجرى لها أصلا، و على فرض الجريان يمكن دعوى حكومة أدلّة المقام عليها، لكثرة اهتمام الشارع بوحدة صلاة الجماعة فجعلها كصلاة واحدة مطلقا إلّا ما خرج بالدليل، مع أنّ الشك في اعتبار الظن في المقام يكفي في عدم اعتباره.

إن قلت: فكذا بالنسبة إلى رجوع الظانّ إلى المتيقّن فإنّ الشك في شمول أدلّة الرجوع له يكفي في العدم، لأنّه حينئذ من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

قلت: المستفاد من أدلّة المقام، و ما تقدّم في الجماعة الاحتفاظ على ما يتعلّق بوحدة الجماعة هيئة، و حركة، و سكونا، و اعتقادا، و شكّا في الركعات، و إذا كان أحدهما متيقّنا و الآخر ظانّا لا وجه لرجوع المتيقّن إلى الظانّ لحفظ وحدة الاعتقاد، فلا بدّ من رجوع الظانّ إليه حتى يتّحدا اعتقادا أيضا.

قال في المستند في المقام: «لإطلاق الصحيحة الثانية- أي صحيحة علي بن جعفر- بضميمة الإجماع المركب، و لأنّ السهو شامل للظن أيضا، كما يستفاد من صحيحة محمد بن مسلم حيث قسم السهو على قسمين، و قال: (و من سها) ثمَّ فصل حكمه بأنّه إن اعتدل شكّه كذا. «و إن ذهب وهمه إلى الأربع» كذا، و غيرها من الأخبار- التي يأتي بعضها-، كرواية محمد بن سهل: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الإحرام» (1) و يدخل في الأوهام الظن، لإطلاقه عليه في الأخبار، بل و في كلام اللغويين، و معنى تحمّله أوهامهم أنّهم يتركون أوهامهم و يرجعون إلى يقين الإمام، و إذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضا بالإجماع

ص: 380


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

لا يرجع إلى الظانّ (36)، إذا لم يحصل له الظنّ.

مسألة 7: إذا كان الإمام شاكا و المأمومون مختلفين في الاعتقاد

(مسألة 7): إذا كان الإمام شاكا و المأمومون مختلفين في الاعتقاد

______________________________

المركب .. «إلى أن قال» هذا إذا لم يحصل من يقين الآخر للظانّ يقين، و إلّا فيرجع إليه البتّة، بل لم يحصل له ظنّ أقوى من ظنّه، و إلّا فالظاهر عدم الخلاف في رجوعه إلى يقينه».

(36) للأصل بعد كون المراد من الحافظ الذي يرجع إليه خصوص العالم، و يؤيّده نقل المرسل في نسخة الكافي: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» (1).

و فيه: أنّ المراد بالحفظ أعمّ مما كان بالعلم أو بكل ما كان حجة شرعا، و لفظ الإيقان- الذي نقل في الكافي- أخذ بنحو الطريقية لا الموضوعية الصرفة، فيقوم مقامه كلّما تكون حجة شرعا و يعضده قوله (عليه السلام): «إذا لم يسه الإمام» فإنّ الظاهر أنّ المناط في رجوع الإمام إلى المأموم أو العكس واحد، و هو عدم السهو و وجود حافظ في الجملة في البيّن، فالتعبير بالإيقان في أحد الطرفين و عدم السهو في الآخر عبارة أخرى عن الحفظ، و لا وجه للتمسّك بالأصل بعد ذلك. فما هو المشهور من رجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ هو الأقرب، و يؤيّد رجوع الشاكّ إلى الظانّ بعض ما تقدّم في رجوع الظانّ إلى المتيقّن. ثمَّ لا يخفى قلّة الثمرة للفرعية جدّا، إذ كيف يعلم المأموم في أثناء الصلاة أنّ الإمام ظانّ أو متيقّن، و كذا العكس.

و أما المتيقّنان فلا يرجع أحدهما إلى الآخر بلا خلاف أجده، كما في الجواهر. و كذا لو كان كل منهما ظانّا بخلاف الآخر، و ظاهر الأصحاب عدم رجوع أحدهما إلى الآخر حينئذ، كما في الحدائق، و قد ذكر (قدّس سره) صورا تبلغ خمس عشرة صورة، فراجع، و يأتي حكم بعضها في المتن.

ص: 381


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.

لم يرجع إليهم (37)، إلّا إذا حصل له الظّن من الرجوع إلى أحد الفريقين (38).

مسألة 8: إذا كان الإمام شاكا و المأمومون مختلفين

(مسألة 8): إذا كان الإمام شاكا و المأمومون مختلفين بأن يكون بعضهم شاكا و بعضهم متيقنا- رجع الإمام إلى المتيقن منهم (39)

______________________________

(37) للأصل بعد عدم الدليل على الرجوع في هذه الصورة، مع أنّ الرجوع إلى أحدهما دون الآخر من الترجيح بلا مرجح، و الرجوع إليهما معا غير ممكن، و يشهد لعدم صحة الرجوع قوله (عليه السلام) في المرسل- على نسخة الفقيه-: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه باتفاق منهم .. إلى أن قال (عليه السلام): فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط و الإعادة الأخذ بالجزم» (1).

و معنى قوله (عليه السلام): «في الاحتياط ..» أن يعمل كل من الإمام و المأموم عند اختلافهم على ما يقتضيه تكليفه من البناء على الأكثر و الإتيان بصلاة الاحتياط إن اقتضى شكّه ذلك، و الإعادة إن اقتضاها شكّه حتى يحصل الجزم بفراغ الذمّة، و في نسخة الكافي و التهذيب ضبطه هكذا: «فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة الأخذ بالجزم» بإسقاط العاطف من الإعادة و يمكن إرجاعه إلى ما قلناه، كما لا يخفى.

(38) لأنّه من العمل بالظنّ حينئذ، و لا إشكال في صحته.

(39) لأنّ المراد بالإيقان في مرسل يونس صرف وجوده الصادق على يقين البعض أيضا، كما نسبه في الحدائق إلى بعض محقّقي مشايخه، و جعله الأشهر الأظهر، و اختاره في مصباح الفقيه، و التعبير بصيغة الجمع في قوله (عليه السلام):

«بإيقان منهم» إنّما هو لأجل الغالب لا التقييد بالجمع لندرة ذلك خصوصا مع كثرة المأمومين.

و أما على نسخة الفقيه (باتفاق منهم) فالظاهر أنّ المراد بالاتفاق عدم

ص: 382


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.

و رجع الشاك منهم إلى الإمام (40) لكن الأحوط إعادتهم الصّلاة. (41) إذا لم يحصل لهم الظنّ و إن حصل للإمام (42).

مسألة 9: إذا كان كلّ من الإمام و المأمومين شاكا

(مسألة 9): إذا كان كلّ من الإمام و المأمومين شاكا فإن كان شكّهم متحدا كما إذا شك الجميع بين الثلاث و الأربع- عمل كلّ منهم عمل ذلك الشك (43). و إن اختلف شكه مع شكهم، فإن لم يكن بين الشكين قدر مشترك- كما إذا شك الإمام بين الاثنتين و الثلاث و المأمومون بين الأربع و الخمس- يعمل كلّ منهما على شاكلته (44)،

______________________________

الاختلاف بنحو ما ذكر في السؤال لا الاتفاق من كل حيثية و جهة فإنّه نادر جدّا، و يكون من التعليق على النادر خصوصا مع كثرة المأمومين.

(40) لصدق عدم سهو الإمام حينئذ بعد رجوعه إلى المتيقّن فيشمله دليل رجوع المأموم إليه إن لم يسه، و جعل ذلك في الحدائق الأشهر الأظهر.

و دعوى: أنّه لا بدّ و أن يكون عدم سهوه من قبل نفسه لا بواسطة الرجوع إلى غيره بلا شاهد، بل على خلافها الشاهد من الإطلاق و التسهيل مهما أمكن للشارع إليه السبيل. و يبقى على الماتن (رحمه اللّه) سؤال الفرق حينئذ بين المقام و ما تقدّم منه من عدم رجوع الشاكّ إلى الظانّ.

(41) إن توقّف الاحتياط على الإعادة، و لكن قد يحصل بصلاة الاحتياط.

كما إذا كان المأموم شاكّا بين الثلاث و الأربع و كان الإمام بانيا عليه لرجوعه إلى المتيقّن من المأمومين بذلك فيتمّ المأموم الشاكّ صلاته حينئذ مع الإمام، و يبني على الأكثر، ثمَّ يأتي بوظيفة الشاكّ بين الثلاث و الأربع.

(42) فيكون من رجوع الشاكّ إلى الظانّ الذي جزم (قدّس سره) بعدمه في المسألة السادسة، و لا يخلو قوله هناك عن تهافت مع المقام في الجملة بناء على ما قلناه.

(43) لعموم أدلّته الشامل للمقام أيضا، و لا خلاف فيه من أحد.

(44) لعدم موضوع للرجوع حينئذ، فلا محيص لكل منهما إلّا من العمل بوظيفته.

ص: 383

و إن كان بينهما قدر مشترك- كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الآخر بين الثلاث و الأربع- يحتمل رجوعهما إلى ذلك القدر المشترك (45) لأنّ كلا منهما ناف للطرف الآخر من شك الآخر، لكن الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها (46). و إذا اختلف شك الإمام مع المأمومين- و كان المأمومون أيضا مختلفين في الشك- لكن كان بين شك الإمام و بعض المأمومين قدر مشترك يحتمل رجوعهما (47) إلى ذلك القدر المشترك ثمَّ رجوع البعض الآخر إلى الإمام، لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضا، بل الأحوط في جميع صور أصل المسألة إعادة الصلاة، إلّا إذا حصل الظنّ من رجوع أحدهما إلى الآخر (48).

______________________________

(45) عن الشهيد في المسالك الجزم به، و نسبه المجلسي إلى المشهور و معنى قوله (قدّس سرّه): لأنّ كلا منهما .. أن الإمام موقن بأنّها ليست برابعة، و المأموم موقن بأنّها ليست بثانية، أو بالعكس و هما متّفقان في تجويز الثلاث، فيرجع كل منهما إلى يقين الآخر، و يتعيّن عليهم اختيار الثلاث و يبنون عليها.

(46) لإمكان دعوى خروج مثل هذه عن منصرف نصوص رجوع الإمام إلى المأموم و بالعكس، و لكنه بعيد، لأنّ الحكم ليس تعبّديا محضا حتى يقتصر على منصرف إطلاق الدليل. نعم، لا ريب في أنّه من الأفراد النادرة في الجملة.

(47) لعين ما مرّ آنفا. و أمّا وجه قوله (قدّس سرّه): ثمَّ رجوع البعض الآخر إلى الإمام، فقد تقدّم في المسألة الثامنة، فراجع. و حينئذ فلو شكّ الإمام بين الثلاث و الأربع و بعض المأمومين بين الاثنين و الثلاث، و بعضهم بين الاثنين و الثلاث و الأربع يبني الجميع على الثلاث، لكونه القدر المشترك بينهم.

(48) لاحتمال دوران الحكم مدار حصوله مطلقا.

فروع- (الأول): لو علم المأموم بمخالفة اعتقاده مع اعتقاد الإمام، فالظاهر صحة بقائه على الائتمام ما لم يعلم ببطلان صلاة الإمام، و إن كان الأحوط قصد الانفراد من حين العلم بها.

ص: 384

.....

______________________________

(الثاني): لو حصلت زيادة سهوا أو نقيصة كذلك، أو ما يوجب سجود السهو في صلاة الجماعة، فإما أن يكون مشتركا بين الإمام و المأموم أو يختص بالإمام فقط أو بالمأموم.

أما الأول: فيجب على كل منهما أن يعمل بموجبة و لا يسقط عن أحدهما بفعل الآخر.

و أما الثاني: فلا إشكال في وجوب موجبه على الإمام، نصّا و إجماعا، إنّما الكلام في أنّه هل يجب على المأموم سجود السهو لمتابعة الإمام أم لا؟ و المشهور بين المتأخّرين اختصاص سجود السهو بخصوص الإمام و عدم وجوبه على المأموم، للأصل بعد عدم الدليل عليه، لكن عن الشيخ (قدّس سره) في المبسوط، و عن الوسيلة و السرائر أنّه يجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو و إن لم يفعل موجبه مستندا إلى موثق عمار: «سألته عن رجل يدخل مع الإمام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام، كيف يصنع الرجل؟ فقال (عليه السلام): إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته و أتمّها و سلّم سجد الرجل سجدتي السهو»(1).

و فيه: مضافا إلى موافقته للعامّة أنّه يمكن أن يكون سهو الإمام أوجب سهو المأموم أيضا، و إنّما خص الإمام بالذكر من باب ذكر أفضل الفردين و الاستغناء عنه من الآخر لا التخصيص، هذا مع إعراض المشهور عنه.

و أما الثالث: فلا خلاف، كما في الحدائق، أنّه لا يجب على الإمام شي ء و يقتضيه الأصل أيضا، إنّما الكلام في أنّه هل يجب على المأموم سجود السهو عند إتيان موجب أو لا؟ و كذا في قضاء الجزء المنسيّ. و نسب إلى المشهور وجوبه عليه، لعموم أدلّة وجوبها، و خصوص صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم، قال (عليه السلام): يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو» (2) و الظاهر منه كون الرجل مأموما. و خبر منهال القصاب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أسهو في

ص: 385


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

الصلاة و أنا خلف الإمام، قال (عليه السلام): إذا سلّم فاسجد سجدتين و لا تهب» (1).

و يدل عليه أيضا المستفيضة الدالّة على عدم ضمان الإمام، كصحيحي زرارة، ففي أحدهما «عن الإمام يضمن صلاة القوم، قال (عليه السلام): لا» (2)، و في الآخر «ليس على الإمام ضمان» (3)، و في صحيح ابن وهب: «أ يضمن الإمام صلاة الفريضة، فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن؟ فقال (عليه السلام): لا يضمن أيّ شي ء يضمن- الحديث-» (4).

و عن الشيخ في الخلاف، و المبسوط: إنّه لا يجب عليه سجود السهو بل ادّعي عليه الإجماع، و اختاره السيّد (رحمه اللّه) و نقله عن جميع الفقهاء إلّا مكحول. و استدلّ عليه بقوله (عليه السلام): «ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» (5)، و خبر محمد بن سهل: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الإحرام» (6)، و موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهّد حتى يسلم، فقال (عليه السلام): جازت صلاته و ليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو، لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه» (7)، و قريب منه موثقه الآخر (8).

و يرد على الإجماع مضافا إلى أنّه منقول، ما احتمله في المستند من كون المراد به إجماع العامة لا الخاصة. و على الخبر الأول بأنّ المراد بالسهو فيه خصوص الشك، كما مرّ سابقا، و على الثاني بأنّه مجمل يحتمل وجوها: من كون المراد بالأوهام الظن أو الشك، أو الأعم، و لا وجه للأخذ بإطلاقه، و على الأخير بموافقته للعامّة، و معارضته بالمستفيضة الدالّة على عدم الضمان و طريق الاحتياط أن يأتي به رجاء.

ص: 386


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.
6- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
7- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 5.
8- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.
السابع: الشك في ركعات النافلة
اشارة

السابع: الشك في ركعات النافلة (49)، سواء كانت ركعة- كصلاة الوتر- أو ركعتين- كسائر النوافل- أو رباعية، كصلاة الأعرابي (50)، فيتخيّر عند الشك بين البناء على الأقلّ أو الأكثر (51)، إلا أن يكون الأكثر

______________________________

(الثالث): إذا كان أحدهما كثير الشكّ، فهل يعمل بحكم كثير الشكّ، أو يرجع إلى الحافظ؟ وجهان: يمكن ترجيح الأول، لأنّ فيه إرغام الشيطان و له نحو مطلوبية خاصة.

(49) نصّا، و إجماعا، وعده في الأمالي من دين الإمامية، و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «سألته عن السهو في النافلة، فقال (عليه السلام): ليس عليك شي ء- أو سهو، كما في بعض النسخ» (1)، و عن الكليني روى: «أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل»(2)، و في مرسل يونس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا سهو في نافلة» (3) و في حديث الأربعمائة: «لا يكون السهو في خمس في الوتر و الجمعة ..».

(50) لإطلاق الدليل الشامل للجميع. و أما صحيح العلاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يشكّ في الفجر، قال (عليه السلام): يعيد.

قلت: و المغرب؟ قال (عليه السلام): نعم، و الوتر و الجمعة، من غير أن أسأله» (4)، و مثله خبر الحسين بن أبي العلاء (5)، فيمكن حمله على الندب، لإباء قوله (عليه السلام): «لا سهو في النافلة» عن التقييد أو على الشكّ في أصل الوقوع، للإجماع على عدم البطلان: قال: في الجواهر: «فلو شكّ في الوتر حينئذ بنى على الركعة و لم تبطل، للإجماع المحكي في المصابيح إن لم يكن محصلا».

(51) استدلّ عليه تارة: بالإجماع، و أخرى بأصالة البراءة عن وجوب البناء.

ص: 387


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.

مفسدا فيبني على الأقل (52)، و الأفضل البناء على الأقل مطلقا (53).

و لو عرض وصف النفل للفريضة- كالمعادة، و الإعادة للاحتياط الاستحبابي، و التبرّع بالقضاء عن الغير- لم يلحقها حكم النفل، و لو عرض وصف الوجوب للنافلة لم يلحقها حكم الفريضة، بل المدار على الأصل (54). و أما الشك في أفعال النافلة فحكمه حكم الشك في أفعال

______________________________

على أحد الطرفين، و ثالثة: بأنّ المنساق من قوله (عليه السلام): «لا سهو في النافلة» بعد استفادة الشك في الركعات منه هو نفي الإلزام المطلق، و هو عبارة أخرى عن التخيير، كما أنّه المتفاهم عرفا من قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «ليس عليك شي ء أو سهو»، فيدلّ على نفي الإلزام في البين في الشك في ركعات النافلة مطلقا لا بالنسبة إلى البناء على الأكثر و الاحتياط، و لا بالنسبة إلى البناء على الأقل، و رابعة: بأنّ لازم ترك أصل النافلة و عدم وجوب الاحتياط في الشك في ركعاتها هو كفاية الامتثال الاحتمالي فيها الحاصل من التخيير إلّا إذا كان الأكثر مبطلا.

(52) لظهور كلمات الأصحاب فيما لم يكن البناء عليه مبطلا، و إطلاق بعضها منزل عليه أيضا، مع أنّ هذا الحكم نحو تسهيل و تيسير في النافلة كسهولة الأمر في أصلها، و في البناء على الأكثر المبطل إن استحبّت الإعادة تكون خلاف السهولة، و إلّا فهو خلاف ما تسالموا عليه من أنّ مقتضى القاعدة كونها ثنائية إلّا ما خرج بالدليل. فما عن بعضهم من احتمال إبقاء الإطلاق على حاله فيشمل الأقل و الأكثر مع الصحة و عدمها، و يتعيّن عليه الإعادة لو اختار الثاني ضعيف جدّا، كما في الجواهر.

(53) لما مرّ من مرسل الكليني، و دعوى الإجماع عن جميع، منهم المحقق (رحمه اللّه) في المعتبر، و يمكن أن يكون تيقّن الأقل و كونه أشق منشأ للأفضلية أيضا، كما في الجواهر.

(54) لأنّه المنساق من الأدلّة اللفظية، و لاستصحاب الحكم الثابت قبل.

ص: 388

الفريضة، فإن كان في المحل أتى به (55)، و إن كان بعد الدخول في

______________________________

العروض. و احتمال تبدّل الموضوع مدفوع: بكفاية الوحدة العرفية المتحققة في المقام، و لأنّ العناوين الثانوية التي تعرض بها صفة الوجوب على النافلة أو النفل على الفريضة تعرضهما على ما هما عليه من الخصوصيات و الأحكام.

تنبيهان- الأول: قد ذكر في أخبار المقام لفظ النافلة، و يحتمل أن يراد بها النوافل اليومية المعهودة في الشريعة، و هو ضعيف، لأنّ منشأه الغلبة الوجودية، و هي لا تكون موجبا لاختصاص اللفظ كما ثبت في محلّه، و أن يراد بها كلّما ليس بواجب مطلقا فتشمل صلاة الصبيّ و صلاة الطواف الذي ليس جزء لحج و لا عمرة، و صلاة الجمعة و العيدين في زمان الغيبة بناء على الاستحباب و هو احتمال حسن ثبوتا، و الجزم به مشكل إثباتا، و أن يراد بها ما لا يكون واجبا بحسب نوعه فيكون أخص من الاحتمال الثاني، إذ لا تشمل صلاة الصبيّ و صلاة الطواف الذي لا يكون جزء لهما، و صلاة الجمعة و العيدين لوجوب جميع ذلك بحسب نوعها، و يكون أعمّ من الاحتمال الأول، لشمولها لمثل صلاة الحاجة و الزيارة و نحوهما.

و هذا الاحتمال أيضا حسن، بل هو المتيقّن من إطلاق لفظ النافلة بعد تضعيف الاحتمال الأول فيجب الرجوع في غيره- مما مرّ في الاحتمال الثاني، و كذا الإعادة للاحتياط الاستحبابي- إلى عمومات أدلّة أحكام الشكوك لوجوب الرجوع إلى العام عند إجمال المخصص المنفصل.

التنبيه الثاني: ظاهر المتن- كغيره- إنّ المعادة و القضاء المتبرّع بها عن الغير مندوبة فعلا. فإن كان نظرهم إلى رجحان نفس الإعادة من حيث هي و نفس التبرّع كذلك فلا ريب فيه، و إن كان بالنسبة إلى ذات الصلاة. فمخدوش لوجوب أصل الصلاة في مورد التبرّع، و كذا في المعادة بنحو ما مرّ في المسألة الحادية و العشرين من آخر فصل الجماعة. و بالجملة إنّ الندب فيهما من قبيل الوصف بحال المتعلّق لا بحال الذات.

(55) لأصالة عدم الإتيان من غير دليل حاكم عليها، إذ هو إن كان حديث «لا سهو في النافلة» فقد تقدّم أنّ المراد به خصوص الشك في الركعات بقرائن

ص: 389

الغير لم يلتفت (56)، و نقصان الركن مبطل لها، كالفريضة (57)، بخلاف زيادته فإنّها لا توجب البطلان على الأقوى (58)، و على هذا فلو نسي فعلا

______________________________

خارجية، و إن كان أولويته في الأفعال من الشك في الركعات في عدم الاعتبار فهي ممنوعة، مع أنّه لا اعتبار بها ما لم تكن قطعية.

(56) لقاعدة التجاوز من غير دليل حاكم عليها.

(57) لقاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه من غير ما يصلح لتخصيصها بالنافلة. و ما تقدّم من صحيح ابن مسلم (1) يراد به السهو في عدد الركعات لا مطلق السهو. و لا فرق فيه بين العمد و غيره. و كذا نقصان غير الركن مما يعتبر في الصلاة مطلقا، كالفاتحة و ذكر الركوع و السجدة الواحدة إن كان ذلك عن عمد أو جهل بالحكم الملحق به.

و بالجملة: النافلة في نقصان الأجزاء و الشرائط، بل في كل شي ء حتى المندوبات و المكروهات كالفريضة إلّا فيما دلّ الدليل على الخلاف من جواز ترك السورة، و الاستقبال في حال المشي أو غيرهما مما تقدّم و يأتي، و قد جعلوا ذلك قاعدة محكمة، و هي قاعدة أنّ كل سنة إنّما يؤتى بها على جهة الفريضة، و قد ذكرنا في هذا الكتاب ما يتعلّق بها من النص و الإجماع. و في الجواهر أرسل إطلاق أنّ النافلة مثل الفريضة مطلقا إلّا ما خرج بالدليل إرسال المسلّمات، فراجع.

(58) بدعوى اختصاص هذه الأحكام المخالفة للأصل بالفريضة، لذكر (المكتوبة) في بعض أخبار الزيادة (2) و إيجاب الإعادة في بعضها الآخر (3) المختص بالفريضة أيضا.

و فيه: أنّ ذكر المكتوبة من باب الغالب و المثال فلا ينافي عموم الحكم خصوصا بملاحظة قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة و جعلها في الجواهر من القواعد

ص: 390


1- تقدّم في صفحة: 387.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

المحكمة إلّا فيما خرج بالدليل، و يظهر من المستند احتمال الإجماع، بل ظنّه على البطلان في المقام، فراجع و لكن احتمال الإجماع، بل ظنّه ما لم يحصل الاطمئنان به لا اعتبار به.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الأصل عدم البطلان بالزيادة، كما ثبت في محلّه، و الدليل على الخلاف إما الإجماع فلم يثبت في النافلة أو الأخبار و هي ظاهرة الاختصاص بالفرائض، كما لا يخفى على من راجعها، و يأتي في المسألة العاشرة ما يناسب المقام.

و يستفاد من قوله (عليه السلام): «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (1)، و من جواز قراءتها في النافلة، و مما ورد في الإتمام في مورد القصر من أنّه قد زاد في فرض اللّه، أنّ حكم الزيادة لا يشمل النافلة، فيبقى الأصل على حاله، فما اختاره في الموجز و المسالك و مصباح الفقيه و المتن من عدم البطلان بزيادة الركن هو الأقوى، و يشهد له كثرة مسامحة الشارع في النوافل على ما يأتي تعداد جملة من مواردها في فصل (جميع الصلوات المندوبة).

و أما قاعدة الإلحاق فعمدة دليلها الإجماع و ثبوته في المقام مشكل، بل ممنوع. لكن المتيقّن منه ما إذا كان سهوا أو لأجل تدارك المنسيّ. و أما إذا تعمّد ذلك و أتى بقصد الجزئية في كل ركعة بركوعين و بأربع سجدات مثلا فهو خلاف المعهود في الشريعة، و ربما يعد مستنكرا عند المتشرّعة. و قال في مصباح الفقيه:

«لا خلاف على الظاهر في بطلان النافلة بزيادة الأركان عمدا».

و أما خبر الصيقل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ثمَّ يقوم فينسى التشهّد حتى يركع فيذكر و هو راكع.

قال (عليه السلام): يجلس من ركوعه يتشهّد ثمَّ يقوم فيتم. قال: قلت:

أ ليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟ قال (عليه السلام): ليس النافلة مثل

ص: 391


1- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

من أفعالها تداركه و إن دخل في ركن بعده، سواء كان المنسيّ ركنا أو غيره (59).

______________________________

الفريضة» (1) فإن كان المراد به أنّه إن نسي التشهّد و سلّم في الركعتين ثمَّ قام إلى الثالثة و أتى بها بافتتاح مستقل، فلا ربط له بالمقام بل يكون دليلا على جواز إتيان التشهّد المنسيّ في أثناء النافلة. و إن كان المراد به أنّه لم يسلّم فيهما و أتى بالثالثة متصلة، فهو مناف لما استقرّ عليه المذهب- من كون ركعة الوتر منفصلة عن ركعتي الشفع بالسلام، فيحتمل من هذه الجهة على التقية لكون الاتصال مذهب أبي حنيفة و أصحاب الرأي. نعم، يمكن أن يستشهد بإطلاق قوله (عليه السلام):

«ليس النافلة مثل الفريضة»، لعدم كون هذه الزيادة مضرّة فيها، و بضميمة عدم الفصل بين الركوع و سائر الأركان يثبت التعميم إن تحقّق عدم القول بالفصل.

و أما خبر الحلبي: «عن الرجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثلاثة، فقال (عليه السلام): يدع ركعة و يجلس و يتشهّد و يسلّم ثمَّ يستأنف الصلاة بعد» (2)، فظاهره أنّ الركوع كان لصلاة أخرى لا أن يكون زيادة في المأتيّ بها حتى يناسب المقام. نعم، هو ظاهر في عدم جواز الصلاة في الصلاة و لو جاز لم يعبّر بقوله (عليه السلام): «يستأنف الصلاة»، بل يعبّر بمثل يبني على صلاته.

و خلاصة الكلام: إنّ المستفاد من الخبرين جواز قطع النافلة اللاحقة لقضاء الجزء المنسيّ من السابقة في النافلة، كما مرّ في المسألة التاسعة عشرة من فصل (قضاء الجزء المنسيّ).

(59) لجريان أصالة عدم البطلان فيها بعد ما تقدّم من عدم دلالة الأدلّة الدالّة على البطلان بالزيادة للنافلة، و لكن الأحوط الاستئناف بزيادة الركن، كما في نجاة العباد.

ص: 392


1- الوسائل باب: 8 من أبواب التشهّد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
مسألة 10: لا يجب قضاء السجدة المنسية و التشهّد المنسيّ في النافلة

(مسألة 10): لا يجب قضاء السجدة المنسية و التشهّد المنسيّ في النافلة، كما لا يجب سجود السهو لموجباته فيها (60).

مسألة 11: إذا شك في النافلة بين الاثنتين و الثلاث

(مسألة 11): إذا شك في النافلة بين الاثنتين و الثلاث فبنى على

______________________________

فروع- (الأول): لا فرق في عدم بطلان النافلة بزيادة الركن بين كونه ركنا واحدا أو ركعة، لشمول الأصل لهما بعد قصور شمول دليل البطلان عن شمولها.

(الثاني): ظاهر ما تقدّم من خبري الصيقل و الحلبي وجوب العود و التدارك، و هو كذلك بناء على عدم مبطلية زيادة الركن فيها، فيكون محل تدارك الجزء المنسيّ باقيا و لو دخل في الركن بخلاف الفريضة، فإنّ محلّه باق ما لم يدخل فيه، و على هذا لو نسي الفاتحة حتى دخل في الركوع يجوز له العود و الإتيان، و لو نسي ذكر الركوع حتى رفع رأسه منه يجوز له العود و الإتيان، و لكن الجزم بذلك في غير مورد الدليل مشكل.

(الثالث): لو أتى بركعة من النافلة فغفل عنها و شرع في نافلة أخرى، و لما أتمّها و سلّم تذكّر عدم إتمام النافلة التي شرع فيها لا إشكال في صحة ما أتى بها من النافلة في الأثناء و إتمام النافلة الأولى بإلحاق ركعة بها مع عدم فوت الموالاة و تخلّل المنافي.

(الرابع): كلما ثبت في الفريضة مما هو مناسب للتخفيف يثبت في النافلة بالأولوية، كما صرّح به في الجواهر.

(60) لظهور تسالم الفقهاء عليه، مضافا إلى الأصل بعد انسباق خصوص الفريضة عن أدلّة وجوبهما.

و قال في الجواهر: «ينبغي الجزم بنفي سجدتي السهو لما يوجبها، كما صرّح به في المنتهى و المسالك و غيرهما بل هو بعض معاقد الإجماعات السابقة، بل في الرياض عن ظاهر الأول و صريح الخلاف نفي الخلاف فيه (إلى أن قال):

كما أنّه ينبغي الجزم بنفي مشروعية قضاء ما يقضى في الفريضة فيها من السجدة و التشهّد المنسيين بل يتداركهما مع الإمكان و لا يلتفت مع عدمه، كما إذا تخلّل ما يخرج به عن كونه مصلّيا، و لو لطول الزمان من الفراغ».

ص: 393

الاثنين ثمَّ تبيّن كونها ثلاثا بطلت (61)، و استحب إعادتها، بل تجب إذا كانت واجبة بالعرض (62).

مسألة 12: إذا شك في أصل فعلها بنى على العدم

(مسألة 12): إذا شك في أصل فعلها بنى على العدم إلا إذا

______________________________

أقول: و هو مقتضى تسهيل الأمر في النافلة و ظاهر ما تقدّم من خبري الحلبي و الصيقل حيث بين فيهما كيفية إتيان التشهّد المنسيّ و لم يتعرّض لقضائه بوجه.

إن قلت: مقتضى قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة وجوب قضاء المنسيّ إلّا مع الدليل على الخلاف.

قلت: عمدة دليل القاعدة الإجماع، و قوله (عليه السلام): «كل سنّة إنّما يؤتى بها على جهة الفرض» (1)، و ظاهر العمومات، و لكن المتيقّن من الأول- كظاهر الثاني- هو أصل كيفية الإتيان، و أما أحكام الطوارئ فيشكل استفادتها منهما، و أما العمومات فإن كانت في مقام إثبات حكم لذات الصلاة من حيث هي فلا ريب في شمولها، و كذا إن ذكر فيها المكتوبة أو الفريضة و علم أنّ ذكرهما من باب الغالب و المثال، و أما إذا احتمل الاختصاص، كما في جملة من أحكام الطواري المبنية على التشديد و كثرة الاهتمام المناسب للفريضة دون النافلة التي شرعت على التسهيل، فالتمسّك بعموم تلك الأدلّة فيها تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، فيمكن أن يقال: إنّ القواعد التسهيلية تجري في النافلة دون ما كان على خلاف التسهيل إلّا بدليل خاص يدل عليه.

و أما حديث: «لا سهو في نافلة» (2) فلو لا استفادة اختصاصه بالشك في الركعات لشمل المقام أيضا، و قد تقدّم الاختصاص به للقرائن الخارجية.

(61) بناء على بطلانها بزيادة الركعة سهوا، و تقدّم أنّه لا دليل عليه.

(62) لبقاء عين الأمر الأول و عدم سقوطه مستحبّا كان- إن صار باطلا- أو واجبا بالعرض.

ص: 394


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهّد حديث: 1.
2- تقدّم في صفحة: 387.

كانت موقتة و خرج وقتها (63).

مسألة 13: الظاهر أنّ الظنّ في ركعات النافلة حكمه حكم الشك في التخيير

(مسألة 13): الظاهر أنّ الظنّ في ركعات النافلة حكمه حكم الشك في التخيير بين البناء على الأقلّ أو الأكثر (64)، و إن كان الأحوط العمل بالظنّ ما لم يكن موجبا للبطلان.

مسألة 14: النوافل التي لها كيفية خاصة

(مسألة 14): النوافل التي لها كيفية خاصة، أو سورة مخصوصة أو دعاء مخصوص- كصلاة الغفيلة، و صلاة ليلة الدفن و صلاة ليلة عيد الفطر- إذا اشتغل بها و نسي تلك الكيفية، فإن أمكن الرجوع و التدارك رجع و تدارك و إن استلزم زيادة الركن، لما عرفت من اغتفارها في النوافل، و إن لم يمكن أعادها (65)، لأنّ الصلاة و إن صحت إلا أنّها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة. و إن نسي بعض التسبيحات في صلاة

______________________________

(63) لأصالة عدم الإتيان في الأول، و قاعدة عدم الاعتناء بالشكّ الحادث بعد الوقت في الثاني، و قد تقدّم عن صاحب الجواهر أنّ القواعد التسهيلية تجري فيها بالأولوية، و هو حق متين.

فرع: لو كانت النافلة لمكان خاص، و خرج عنها ثمَّ شكّ في الإتيان و عدمه، أو كانت لأجل الإتيان بعمل مخصوص فشرع فيه أو فرغ منه و شكّ في إتيانها و عدمه فيمكن الحكم بالإتيان لأجل ظاهر الحال.

(64) بناء على ظهور قوله (عليه السلام): «لا سهو في النافلة» في الأعم من الظن و الغفلة و الشك في الركعات. و لكنه مخدوش جدا، إذ المراد بالسهو الشك في الركعات لقرائن عليه في نفس الروايات، و حينئذ فيكون ما دلّ على أنّ الظن في الركعات مثل اليقين بلا معارض في البيّن، فراجع و تأمّل، و منه يظهر وجه الاحتياط.

(65) إن أراد درك تلك الخصوصية، و أما أصل الصلاة فإن تحقق قصدها تصح و لا موجب لإعادتها، لأنّ اعتبار تلك الأمور غالبا من باب تعدّد المطلوب لا التقوّم في الذات و ماهية الصلاة.

ص: 395

جعفر قضاه متى تذكر (66).

مسألة 15: ما ذكر من أحكام السهو و الشك و الظنّ يجري في جميع الصّلوات الواجبة

(مسألة 15): ما ذكر من أحكام السهو و الشك و الظنّ يجري في جميع الصّلوات الواجبة (67) أداء و قضاء- من الآيات و الجمعة، و العيدين، و صلاة الطواف- فيجب فيها سجدة السهو لموجباتها، و قضاء السجدة المنسية و التشهّد المنسيّ و تبطل بنقصان الركن و زيادته لا بغير الركن. و الشك في ركعاتها موجب للبطلان، لأنّها ثنائية (68).

مسألة 16: قد عرفت سابقا أنّ الظّن المتعلق بالركعات في حكم اليقين

(مسألة 16): قد عرفت سابقا (69) أنّ الظّن المتعلق بالركعات في حكم اليقين، من غير فرق بين الركعتين الأولتين و الأخيرتين، و من غير فرق بين أن يكون موجبا للصحة أو البطلان (70)، كما إذا ظنّ

______________________________

(66) يأتي تفصيل هذه المسألة في المسألة السادسة من فصل (صلاة جعفر)، فراجع.

(67) لظهور تسالم الأعلام، و إطلاق أدلّة تلك الأحكام بعد حمل ذكر الخصوصية في بعضها على الغالب أو من باب المثال.

(68) الأولى في التعبير أن يقال: لأنّها ركعتان تبعا لما مرّ من موثق سماعة في أول فصل الشك في الركعات فراجع. فمن التعليل يستفاد كون الشك في كل ما تكون ركعتين يوجب البطلان إلّا النافلة.

(69) لما تقدّم في المسألة الخامسة من فصل (الشك في الركعات)، و قد تعرّضنا لقاعدة اعتبار الظن في الركعات هناك، فراجع.

(70) لإطلاق الفتاوى، و معاقد الإجماعات، و إطلاق النبوي- المنجبر-:

«إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه»(1) و الآخر: «و إذا شكّ أحدكم فليتحرّ الصواب» (2)، و صحيح صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام): «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء

ص: 396


1- الذكرى المسألة: من المطلب الثالث في الشك من الركن الثاني في الخلل.
2- كنز العمّال ج: 4 صفحة: 101 حديث: 3143.

الخمس في الشك بين الأربع و الخمس أو الثلاث و الخمس. و أما الظنّ المتعلق بالأفعال ففي كونه كالشك أو كاليقين إشكال (71)، فاللازم

______________________________

فأعد الصلاة» (1) فإنّ المتفاهم منه أنّه إن وقع وهمك على ما تفسد به الصلاة فاعمل بالوهم، و إن وقع على ما تصح فاعمل به فهو متكفّل لصورة عدم وقوع الوهم على شي ء و وقوعه على ما يفسد و على ما يصحّ بأوجز عبارة و أحسنها، كما هو دأب الكتاب و السنّة في بيان الأحكام.

(71) قد يعبّر عن ذلك ب (قاعدة اعتبار الظن في الأفعال) و حيث أنّ أجمع العبارات في المقام ما عن بعض أعاظم الفقهاء (قدس سرهم) ننقلها بعين كلماته الشريفة:

قال: «الثانية: هل الظن معتبر في الأفعال أم لا؟ المشهور نعم. و استدلّ عليه بعد نقل الإجماع بالنبويّ السابق، بناء على شموله للشك في الأفعال، و بأنّه لو كان الظن معتبرا في الركعة كان اعتباره في فعل من أفعال الصلاة أولى قطعا، فإنّ الركعة ليست إلّا مجموع الأفعال فإذا اعتبر في المجموع كان بالحجية في أبعاضها أولى، بل يمكن عدّه من دلالة اللفظ بمفهوم الموافقة، و بأنّ الأوليين إنّما لم يعتبر فيهما الشك، لكونهما فرض اللّه، كما نصّ عليه في كثير من الروايات (2)، فإذا اعتبر الظن فيهما- كما هو المفروض- فاعتباره في مثل القراءة التي هي سنّة أولى، و لا فرق بين القراءة و الأركان قطعا، و بأنّه كيف يعتبر الظن في الركعة التي لا تسقط بحال، و لا يعتبر في مثل السورة التي تسقط بمجرّد الاستعجال، و بأنّه لو فرضنا المصلّي شاكّا بين الاثنين و الثلاث و كان شاكّا في أنّه فعل السجدة من الركعة التي هو متلبّس بها أم لا، و ظنّ أنّه لو فعل السجدة كانت الركعة المتلبّس بها ثالثة- مثلا- و ظنّ أنّه فعل السجدة، فهل ترى أنّه يأخذ بظنّه بأنّ الركعة ثالثة، لأدلّة اعتبار الظن في الركعات و لا يأخذ بظنّه بتحقّق السجدة بل يلزم في بعض الفروض التفكيك بين الأخذ بالظنّ في الركعات و عدمه في الأفعال

ص: 397


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

..........

______________________________

فساد الصلاة للعلم بزيادة الركن فيها أو نقصه، مثل أن يظن في حال الجلوس بفعل السجدتين و علم بأنّه على تقدير الإتيان بالسجدتين الركعة المتلبّس بها هي الرابعة، فيظنّ بأنّ الركعة هي الرابعة فلازم اعتبار الظنّ في عدد الركعات البناء على الأربع، و مقتضى عدم اعتباره في الأفعال إتيان السجدتين، و يعلم أنّه على تقدير كون الركعة رابعة فالسجدتان على تقدير كون الركعة ثالثة فالصلاة نقصت ركعة، و ربما يستأنس لذلك بما ورد في تعليل الشك بعد الفراغ بأنّه «حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (1)، و بأنّ المأموم يتبع الإمام في الأفعال عند الشك فيها (2)، و بما ورد في اعتبار قول الصبيّ في عدد أشواط الطواف (3) الظاهر في اعتبار قوله في سائر ما يرجع إلى الطواف من الأجزاء و الشرائط و يتم في الصلاة بعكس التشبيه، و في سائر أسباب الظن بعدم القول بالفصل هذه غاية ما يمكن أن يقال، و في الكل تأمل، بل في بعضها منع واضح و المسألة محتاجة إلى التأمّل.

و قد يستدلّ أيضا بأنّ الصلاة كثيرة الأجزاء و التروك مع كثرة الابتلاء بها، فلا بدّ من اعتبار الظنّ فيها تسهيلا و تيسيرا على الناس، و بخبر إسحاق بن عمار: «إذا ذهب و وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة، فاسجد سجدتي السهو بغير ركوع» (4).

و يمكن أن يستشهد لاعتباره في الأفعال بما ورد من اعتباره في القبلة (5)و الوقت أيضا. (6) و قد نقل في الجواهر القول باعتباره في الأفعال عن أكثر من عشرين كتابا.

و عن جميع من الفقهاء، منهم الشيخ و الشهيدان و المحقّقان و عن المحقّق الثاني: (قدّس سرّهم): أنّه لا خلاف فيه، و الظاهر كفاية ذلك كلّه- و إن أمكنت

ص: 398


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الوضوء حديث: 7.
2- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- راجع الوسائل باب: 66 من أبواب الطواف.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
5- راجع الوسائل باب: 6 و غيره من أبواب القبلة.
6- راجع الوسائل باب: 14 و باب: 59 من أبواب المواقيت.

مراعاة الاحتياط. و تظهر الثمرة فيما إذا ظنّ بالإتيان و هو في المحلّ، أو ظنّ بعدم الإتيان بعد الدخول في الغير. و أما الظنّ بعدم الإتيان و هو في المحلّ، أو الظنّ بالإتيان بعد الدخول في الغير فلا يتفاوت الحال في كونه كالشك أو كاليقين، إذ على التقديرين يجب الإتيان به في الأول و يجب المضيّ في الثاني. و حينئذ فنقول: إن كان المشكوك قراءة أو ذكرا أو دعاء يتحقق الاحتياط بإتيانه (72) بقصد القربة، و إن كان من الأفعال فالاحتياط فيه أن يعمل بالظنّ ثمَّ يعيد الصلاة. مثلا: إذا شك في أنّه سجد سجدة واحدة أو اثنتين- و هو جالس لم يدخل في التشهّد أو القيام- و ظنّ الاثنتين يبني على ذلك و يتم الصلاة ثمَّ يحتاط بإعادتها (73). و كذا إذا دخل في القيام أو التشهّد و ظنّ أنّها واحدة يرجع و يأتي بأخرى و يتمّ الصلاة ثمَّ يعيدها (74) و هكذا في سائر الأفعال و له أن

______________________________

المناقشة في بعضها- في حصول الظنّ بالحكم، و عدم قصوره عن سائر الظنون الاجتهادية التي عليها مدار الاستنباط. هذا إذا لم يكن اطمئنانيا و إلّا فهو من العلم العادي، كما لا يخفى. مع أنّ اعتبار الظنّ في الأفعال في كثير من موارده مطابق للقاعدة، كما نقله في الجواهر و إنّما تظهر الثمرة في موردين ذكرهما الماتن، أما الاعتماد على ظنّ العدم مع بقاء المحل فلأنّه أولى من الشك. أما بطلان الصلاة بظن عدم الإتيان بالركن بعد تجاوز المحل فللأصل، أما الحكم بقضاء السجدة و التشهّد المنسيين مع ظنّ العدم، فللأصل. و أما بطلان الصلاة مع ظنّ زيادة الركن فلقاعدة الاشتغال، و أما الرجوع إلى تدارك مظنون العدم فلأصالة عدم الإتيان، و قاعدة التجاوز تختص بخصوص الشك المذكور فيها لفظه، فراجع الجواهر و تأمّل.

(72) يعني: إذا ظنّ الإتيان و كان في المحل، و أما إذا ظنّ به بعد الخروج عن المحل فلا وجه للتدارك، سواء كان الظن بحكم الشك أو كان معتبرا.

(73) لاحتمال عدم اعتبار الظن، فيكون من النقيصة العمدية حينئذ.

(74) لاحتمال عدم اعتبار الظن و جريان حكم الشك عليه فيكون من الشك

ص: 399

لا يعمل بالظنّ بل يجري عليه حكم الشك (75) و يتم الصلاة ثمَّ يعيدها.

و أما الظنّ المتعلق بالشروط و تحققها فلا يكون معتبرا (76)، إلا في القبلة و الوقت في الجملة (77). نعم، لا يبعد اعتبار شهادة العدلين فيها- و كذا في الأفعال و الرّكعات- و إن كانت الكلية لا تخلو عن إشكال (78).

______________________________

بعد المحل، و حكمه المضيّ دون التدارك. هذا إذا كان عدم الاعتناء بالشك في مورد قاعدة التجاوز من باب العزيمة دون الرخصة، و إلّا فلا وجه للإعادة، و كذا إن كان من باب العزيمة لكن أتى بها بقصد القربة المطلقة بناء على صحة ذلك في السجدة و إن كان الأحوط الإعادة فيما إذا قصد القربة المطلقة أيضا في خصوص السجدة، لإمكان أن يستفاد مما ورد في سجدة العزيمة «أنّها زيادة في الفريضة» (1) أنّ لها خصوصية خاصة مطلقا.

(75) فيأتي بالسجدة في الفرض الأول لقاعدة الاشتغال، و يتركها و يمضي في صلاته في الفرض الثاني، لقاعدة التجاوز، و لكن عدم العمل بالظن خلاف الاحتياط، لما تقدّم من الأدلّة على اعتباره، فالمتعيّن في الاحتياط هو الوجه الأول.

(76) للأصل بعد عدم الدليل على الاعتبار و إن كان مقتضى بعض ما تقدّم من الأدلّة اعتباره فيها أيضا، هذا إذا لم يكن اطمئنانيا و إلّا فهو معتبر، لكونه من العلم العادي، كما عليه بناء الفقهاء في الفقه، بل عن بعض: إنّ المراد بالعلم في الكتاب و السنّة هو الاطمئنان العادي.

(77) تقدّم في فصل القبلة، و المسألة الرابعة من أحكام الأوقات فراجع.

(78) الظاهر أنّه لا إشكال في الكليّة، لكون البينة من الحجج العقلائية في جميع الموارد، و لم يردع عنها الشارع بل قرّرها بمثل خبر مسعدة ابن صدقة (2)، و تقدّم تقريب استفادة التعميم منه، و يمكن استفادة الأولوية مما ورد في عد

ص: 400


1- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و قد تقدّم في ج: 1 من هذا الكتاب ص: 232 كتاب الطهارة.
مسألة 17: إذا حدث الشك بين الثلاث و الأربع

(مسألة 17): إذا حدث الشك بين الثلاث و الأربع قبل السجدتين- أو بينهما أو في السجدة الثانية- يجوز له تأخير التروّي (79) إلى وقت العمل بالشك، و هو ما بعد الرفع من السجدة الثانية.

مسألة 18: يجب تعلّم ما يعم به البلوى 80 من أحكام الشك و السهو

(مسألة 18): يجب تعلّم ما يعم به البلوى (80) من أحكام الشك و السهو، بل قد يقال: ببطلان صلاة من لا يعرفها (81) لكن الظاهر عدم الوجوب إذا كان مطمئنا بعدم عروضها له، كما أنّ بطلان الصّلاة إنّما

______________________________

الركعات بالخاتم و الحصى (1)، و بالاعتماد على الصبيّ في أشواط الطواف (2).

(79) قد تقدّم في المسألة الرابعة، و المسألة الرابعة و الثلاثين من (فصل الشك في الركعات) ما يتعلّق بالتروّي.

و أما جواز تأخيره في المقام، فلعدم الأثر له قبل إتمام السجدتين لوجوب إتمامها علي أيّ تقدير، و إنّما يظهر الأثر في المضيّ على الشك و عدمه، و النهي عن المضيّ على الشك يختص بما إذا كان في الأولتين دون الأخيرتين، مع أنّه قد تقدّم ما فيه في المسألة الثانية و العشرين من (فصل الشك في الركعات).

(80) تقدّم في المسألة السادسة عشر، و المسألة السابعة و العشرين و ما بعدها، و المسألة التاسعة و الأربعين من مسائل التقليد ما يتعلّق بهذه المسألة، و أنّ وجوب التعلّم عقليّ طريقيّ محض و لا نفسية فيه بوجه، و ليس شرطا للعمل أيضا، و أنّ المناط في الصحة و عدمها مطابقة العمل للواقع و عدم المطابقة و أنّ عمل الجاهل- قاصرا كان أو مقصّرا- صحيح إن طابق الواقع و قد فصّلنا القول في الأصول بما لا مزيد عليه، فراجع.

(81) نسب ذلك إلى المشهور، و استدلّوا عليه بعد تحقّق قصد الوجه منه- بما عن المرتضى (قدّس سرّه) من الإجماع على البطلان. و لا دليل على اعتبار

ص: 401


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- تقدّم في صفحة: 398.

يكون إذا كان متزلزلا بحيث لا يمكنه قصد القربة (82)، أو اتفق له الشك أو السهو و لم يعمل بمقتضى ما ورد من حكمه (83). و أما لو بنى على أحد المحتملين أو المحتملات من حكمه و طابق الواقع- مع فرض حصول قصد القربة منه- صح، مثلا: إذا شك في فعل شي ء و هو في محلّه و لم يعلم حكمه لكن بنى على عدم الإتيان فأتى به أو بعد التجاوز و بنى على الإتيان و مضى صح عمله، إذا كان بانيا (84) على أن يسأل بعد الفراغ عن حكمه و الإعادة إذا خالف، كما أنّ من كان عارفا بحكمه و نسي في الأثناء أو اتفق له شك أو سهو نادر الوقوع يجوز له أن يبني على أحد المحتملات في نظره بانيا على السؤال و الإعادة مع المخالفة لفتوى مجتهده.

______________________________

الأول، بل مقتضى الأصل عدمه، و دعوى الإجماع لا يصحّ الاستناد إليه، إذ المسألة اجتهادية لا تعبّدية، مضافا إلى الإشكال في أصل اعتبار مثل هذه الإجماعات.

(82) بأن لم يعلم أنّ الإتيان به واجب أو حرام مثلا، فلا يحصل منه قصد القربة لاحتمال الحرمة.

(83) فيبطل لأجل عدم الإتيان بالمأمور به حينئذ.

(84) لا أثر للبناء مع مطابقة العمل للواقع فيصحّ مع المطابقة له، و إن لم يبن و لا يصح مع عدمها و إن بنى، و كذا فيما يأتي، و قد تقدّم في مسائل التقليد نظير هذه المسألة.

(و الحمد للّه أولا و آخرا).

ص: 402

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.